RSS

Monthly Archives: September 2013

الاتحاد الطلابي الوطني الحر في الجزائر

(4) الاتحاد الطلابي الوطني الحر في الجزائر – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من الجزائر

بمناسبة انعقاد المؤتمر الحادي عشر للاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية في الجزائر تحت رعاية الدولة الجزائرية دعا الاتحاد الطلابي الوطني الحر في الجزائر إلى ملتقى عام تم عقده في فندق الشيراتون.. حضره مندوب الرئيس الجزائري الأستاذ عبد العزيز بلخادم وزير الدولة وممثل الرئيس الجزائري.
تحدث في الملتقى السيد أبو جره سلطاني وزير الدولة ورئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية عن الظروف التي عاشتها الجزائر في الفترة السابقة، وعن الفتنة المسلحة التي تصاعدت في البلد بعد تدخل الجيش واعتقال قادة جبهة الإنقاذ، وكيف تحولت الأجواء إلى حرب أهلية يقتل فيها الأخ أخاه، في هذه الظروف كان هناك تيار حركة مجتمع السلم الذي كان يقوده الشيخ محفوظ النحناح وإخوانه محمد بوسليماني وغيرهما.. رأوا بعد تدارس الأوضاع أن يسلكوا مسلك الحوار بدل القتال.. وسلوك المشاركة بدل المغالبة.. والحفاظ على الكيان الجزائري ودولة الجزائر.. قبل أن ينهار كل شيء.
ولم يكن مثل هذا السلوك سهلاً.. فقد وجدوا العنت من إخوانهم الذين يستسهلون القتل وهم يرفعون راية الإسلام.

وخسروا في هذه الدوامة الأخ بوسليماني الذي وجد على قارعة الطريق مذبوحاً.. كان الخاطفون يطلبون منه فتوى  تبيح القتل، فأبى.. فقتلوه رحمه الله.

ويؤكد الإخوة المسؤولون أن الحركة مازالت تسير على خطوات القادة المؤسسين.. يتابعون الحوار مع الجميع.. وهذا في رايهم الذي أوصل السفينة إلى شاطئ الأمان رغم كل العواصف والأنواء والاتهامات والاعتداءات.

وبعد كلمة الأخ أبو جره.. تحدث الأستاذ عبد العزيز بلخادم وهو مسؤول كبير في حزب جبهة التحرير الجزائرية.

تحدث عن ثورة الجزائر.. ثورة المليون ونصف المليون شهيد.. وعن الاستعمار الفرنسي الذي يتحدثون اليوم في فرنسا عن فضائله.. ولم نر منه -نحن الجزائريون- إلا التنكيل والتعذيب والقتل وتدمير البيوت ومصادرة الممتلكات.

وبعد كفاح مرير عادت الجزائر تبحث عن هويتها (العروبة والإسلام).. والكل يستذكر أنشودة الإمام ابن باديس:

شعب الجزائر مسلم         وإلى العروبة ينتسب..

أعدنا ترميم المساجد.. وصدحت المآذن.. وعرّبنا البلاد.. وانطلق الإسلام يعيد إصلاح ما أفسدوه.

وبعد حديث عبد العزيز بلخادم.. كان مطلوب مني أن أتحدث، وكان علي أن أشير لكل الأمور التي جرى الحديث حولها:

تحدثت عن السلم، وأنه هو القاعدة الدائمة، وأن الحرب هو الاستثناء، وأن التعاليم التي نزلت توجه نفوس المؤمنين في مكة.. رغم الظلم الذي عانوه، والإرهاب الذي مارسه المشركون، والتعذيب الرهيب الذي أوقعه الطغاة على الفئة المسلمة، هو قوله تعالى:(كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة).

وقوله تعالى: (وجاهدهم به).

أي جاهدهم بالقرآن والدعوة.. وقابلوا الظلم بكف الأيدي وإقامة الصلاة.

وأنه لا مكان في الإسلام لهذه الحروب التي تثيرها العنصرية، أو العصبية الدينية، او التي تثيرها المطامع والمنافع، أو حب الأمجاد الزائفة.. قالوا يا رسول الله: (الرجل يقاتل للمغنم، ويقاتل للذكر، ويقاتل ليُرى مكانه، أيهم في سبيل الله؟ قال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).

ولا سلام لعالم.. ضمير الفرد فيه لا يستمتع بالسلام.. فأي سلام يطالبون به في فلسطين إذا لم يكن الفلسطيني سالماً في أرضه.. آمنا في سربه..

وعليه فلابد أن يقترن السلام بالعدل.. وإلا لتحول السلام إلى سلام الأموات!!

كيف نسالم فرنسا.. وهي تحتل الجزائر..؟

أو نسالم أمريكا.. وهي تحتل العراق..؟

والفرد الذي لا يجد في بيته السلام.. فلن يجده في مكان آخر (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها)..

وبعد سلام البيت.. يأتي سلام المجتمع.. بإشاعة الحب.. والآداب الاجتماعية بين أفراده.

ولا يتحقق السلام في العالم كله.. إلا بمثل هذه التعاليم القائمة على السلم والعدل..

ثم طلبت من سعادة الأخ عبد العزيز بلخادم:

أن يحافظوا على الهوية التي تحررت على أساسها الجزائر وهي العروبة والإسلام.. وأن المراقب الذي يزور الجزائر اليوم.. يجد أكثر الأحاديث بالفرنسية.. وأكثر المحاضرات كذلك.. ومعظم الكتب المدرسية بهذه اللغة.

وأن تعيد الحكومة النظر في قضية العفو.. السلطان عبد الحميد كتب في مذكراته: أن السلطان معناه العفو.. فإذا حصلت فتن ومجازر في أوقات سابقة.. ولا يستطيع أحد أن يزعم أنها كانت من طرف واحد.. فلماذا لا تبادر السلطة إلى العفو.. والعفو معناه العدل.. وإعطاء كل ذي حق حقه.

نحن نقرأ هذه الأيام أن التنصير على أشده في منطقة القبائل.. أي في منطقة الأمازيغ.. هؤلاء الذين ثبّتوا الإسلام في شمال أفريقيا.. وهم هم الذين فتحوا الأندلس.. وهم من أنجبوا عبد الحميد بن باديس.

ماذا دهى الجزائر..؟

وأنا أطالب من الجزائريين والسلطة أن يعلنوها زحفاً أخوياً إلى منطقة القبائل.. نعيد إليهم العدل.. ونعيدهم للدين الذي خرجوا منه..

وأخيراً.. أين فلسطين اليوم من سلّم اهتمامات الجزائر.. لا أسأل عن الشعب.. بل أسأل عن السلطة؟

هل بدأنا نفكر كيف نصافح الإسرائيليين؟!

وأخيراً نتمنى للجزائر ولقادة الجزائر ولشعب الجزائر كل تقدم ونماء في ظل الإسلام.

والحمد لله رب العالمين.

الجزائر 13/3/2006م

 
Leave a comment

Posted by on September 18, 2013 in خواطر حول العالم

 

المنتدى الدولي للشهيد محمد بو سليماني

(3) المنتدى الدولي للشهيد محمد بو سليماني – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من الجزائر

الشيخ محمد بوسليماني

دعيت للمشاركة في المنتدى الأول للشهيد محمد بو سليماني في مدينة البليدة في الجزائر خلال الفترة (1-2) فبراير 2006م. وكان لابد من الاستجابة لهؤلاء الأخوة الذين ارتبطنا بهم في وقت مبكر.. وتبادلنا معهم  أنخاب الحب الخالص.. الحب في الله الذي ربطه رسولنا العظيم بالإيمان، فقال: (لن تدخلوا الجنة  حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا).

وما أن استقر بنا المقام في أحد فنادق العاصمة.. حتى كانت السيارة تنتظرنا لنذهب إلى الملتقى. وفي الطريق إلى البليدة التي تبعد عن الجزائر العاصمة حوالي 50 كيلومتراً.. تركت نفسي مع الذكريات تتقلب صفحاتها.. وهي وإن مر على بعضها قرابة ثلث قرن من الزمان إلا أنها ما زالت حية حاضرة في نفسي، أشعر بأنفاس أخي محفوظ الحرّى، وتلهفه على العمل الإسلامي أن ينهض ويتقدم ويأخذ بزمام الأمور كما كان الحال يوم انطلقت حركة الجهاد باسمه.

وتصورت أنني معه في سيارته الفولكس فاجن الصغيرة متجهين من المطار إلى البليدة.. يقودها بشيء من العصبية، كأنما يريد أن يسابق مع سيارته الصغيرة الزمن.

وفي البليدة نزلنا في بيت العائلة الكبير.. أنت في بيته كأنك في الريف الجزائري.. أشجار من كل نوع، وورود من كل لون.. يومها قال لي أن أصل تسمية البليدة هي الوريدة أي مدينة الورود.

أسبوع قضيناه كأنه دهر.. قضيناه مع إخوان البليدة ومنهم الرجل الشهيد الذي نحتفى بذكراه اليوم.

قد يمر الدهر على الإنسان التائه فلا يُشعر به.

وقد تمر السويعات المضمخة بعطر الإيمان.. تعيشها وكأنك في كهفها إلى الأبد.

هل رأيت لحظات لقاء المؤمنين بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم على الصفا.. هل استطاع بلال أن ينساها رغم التعذيب والاضطهاد والإرهاق والإذلال.. كان الطاغوت الذي يعذب بلالاً يتمنى أن يسمع منه كلمة واحدة تستعطفه.. ولم يكن بإمكان لسان بلال أن ينطق بكلمة أخرى غير أحد أحد.. فما زالت لحظة بيعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاضرة معه.

في المسجد

في اليومين التاليين استمعنا في أحد مساجد العاصمة إلى محاضرة ألقاها الشيخ محفوظ.. الجمل نفسها، والتعابير والروح والتجاوب ذاته.. يا سبحان الله ما هذا الإسلام الذي يجمع الناس على اختلاف مواقعهم وبلدانهم ولغاتهم.. يتحدثون بهمٍّ واحد ولسان واحد.. كأنهم أخوة من أب وأم واحد.

في الجامعة

وفي إحدى الأمسيات قضيناها مع شباب الجامعة.. كلمات وأسئلة وحوار.. والكل يتطلع أن ينطلق بالإسلام، فيركز رايته في أعلى مكان في جبال الجزائر، يراها كل عالي الهمة، يستشعر المسئولية تجاه هذا الدين.

وإذا كان إخواننا قادة العمل الإسلامي في الجزائر.. قد اختاروا المسجد.. فلأنه المنطلق الذي اتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبلغ دعوته.. فالمسجد محضن تربية.. وقاعة درس وحوار.. ومركز اتخاذ القرار.. هو كل شيء في حياة الأمة.

ولهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقامته في المدينة بمجرد أن وطئت أقدامه أرضها.

إذا أهمّ المسلمين أمرٌ.. نادى بلال: أيها الناس، الصلاة جامعة.. وعندما هرعت إحدى النساء.. قالت له زميلتها: إنه ينادي الناس، قالت: وأنا من الناس. الكل معني بالنداء الصادر من المسجد: الأب الشيخ، والابن الفتى، والطالب والطالبة، ولسان حالهم جميعاً يقول: كلنا من الناس.

أما الجامعة.. فهي جزء من المسجد.. كانا معاً يوم كان المسجد يقوم بكل دوره.. وعندما لعبت ثقافات الغرب برؤوس الحكام.. وقالوا: المسجد للصلاة.. والجامعة للعلم المجرد.

ويحاول اليوم قادة العمل الإسلامي في الجزائر.. أن يقربوا الجامعة من المسجد، حتى تعود جامعاتنا مرة ثانية شامخة وعلومنا رائدة كما كانت يوماً في قرطبة، واشبيلية، وبغداد، والقاهرة، ودمشق، واستانبول، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة.. تنطلق من المسجد.. تجمع بين الإيمان العميق.. والعلم الوثيق.. والأصالة المتفردة.

ألوان الطيف في الجزائر

وفي يوم آخر جلسنا مع كل ألوان الطيف الإسلامي الجزائري.. هل سمعت بكل الأحزاب السياسية والجمعيات الإسلامية والشخصيات الإسلامية في الجزائر.. في ذلك اليوم التقينا معهم جميعاً.. ما كانوا يومها يحملون شارات أحزاب.. ولم تكن لديهم بطاقات تضعهم في هذه الجمعية أو تلك.. كلهم دعاة إلى الله يجمعهم الحب في الله.. ويحدوهم أمل واحد هو ذاك الذي هتف به محرر الجزائر ابن باديس:

شعب الجزائر مسـلم        وإلى الـعروبة ينتـسب

من قال حاد عن أصله     أو قـال مات فقد كـذب

أو رام إدماجــًا لـه          رام المحال من الطـلب

الشهيد بوسليماني

لقد أكثرنا الحديث عن الجزائر.. ونحن لآن بحضرة أحد قادتها الشهيد محمد بو سليماني في المؤتمر الذي أقيم لأجله.. وإذا كان هذا الحديث يصح بالنسبة للجزائريين.. فهم يعرفون بطلهم الذي  ولد في البليدة يوم 5 مايو (أيار) عام 1941.. كان والده سليمان متأثراً بالحركة الإصلاحية والشيخ الطيب العقبي علي الخصوص. شب الشهيد وسط عائلة قدمت 14 شهيداً، منهم أخوه أحمد خريج الكلية العسكرية في العراق. وعندما قامت ثورة الجزائر في أواخر الخمسينيات.. كان من رواد العمل الجهادي الذي انطلق باسم الله وباسم الإسلام لتحرير الجزائر من رجس الاستعمار والاستعباد والاستيطان الفرنسي.

أما الإخوة خارج الجزائر.. فننقل لهم ما تحدث به الأخ محمد بو سليماني فقال:

نحن الآن في بلد مستقل، نضع أسساً ومعالماً لمتابعة الدعوة الإسلامية في الجزائر حتى نصل إلى المستوى المنشود. بدأنا بدراسة بعض الكتب الدعوية. وكان على رأس هذه الكتب التي أعادت لنا حقيقة الصورة المشرقة للإسلام، كتب الشيخ محمد الغزالي، وبعدها بدأنا نقرأ كتب سيد قطب، وهي الكتب الأساسية التي فتحت أذهاننا على الدعوة الإسلامية وعلى الفكر الإسلامي الأصيل، وعلى فقه الدعوة الذي كان بعيداً عن الأذهان في هذا البلد، وبدأنا بوضع ما نسميه خططاً لمواجهة ما ينشر من بذاءات واتهامات ضد الإسلام والحركة الإسلامية، في وسائل الإعلام المختلفة المسموعة والمقروءة والمرئية. ووجدنا أن المنبر الأساسي الذي نستطيع منه أن نسمع صوت الحق هو المسجد.

يقول محمد بو سليماني(زهرة من باقة الشهيد محمد بوسليماني- يحيى دوري، ص- (18-23)): خلال الفترة من عام 1962 إلى عام 1965 عملت مدرساً في مدرسة بوادي العلائق القريبة من مدينة البليدة، وحصلت على نقطة التفتيش الأولى على مستوى أربع ولايات.. هذه الدرجة خولت لي أن أعين من طرف وزارة التربية للقيام بتعريب الإدارة.. فكانت أول تجربة لمدرسة ابتدائية مديرها معرب. والمدرسة كانت بالبليدة في قرية بوعرفة اسمها مدرسة الهداية.

وبعد حصولي على الليسانس في الأدب العربي انتقلت إلى التعليم الثانوي في ثانوية ابن رشد في البليدة.. ثم انتقلت مديراً لثانوية الفتح للإناث.

لم يكن في المدرسة فتاة محجبة واحدة.. عملت على إيجاد قاعة للصلاة.. وطلبت من الطالبات أن يصلين.. بعد شهرين احتجبت ثلاث فتيات.. وبعد ذلك بدأ اللباس الإسلامي ينتشر في هذه الثانوية.. ثم في الثانويات الأخرى.

لقد كانت بدايتنا من المدرسة.

ثم انتقلنا إلى المسجد.. وبدأنا الدعوة في حلقات ودروس مسجدية، حاولنا فيها أن نبين للناس معنى الإسلام الشامل الذي يتناول مظاهر الحياة جميعاً.. وبدأ الناس يتفاعلون.. وكانوا من قبل يعجبون من طرحنا ويتساءلون: هل للإسلام علاقة في البيع والشراء.. ما دخل الإسلام في الزواج.. وفي السياسة ونظام الحكم…؟!

استخدمنا في دعوتنا الكلمة الطيبة.. والأسلوب الهين الذي حدده لنا ربنا: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ).. وكانت البداية عام 1963 بُعيد الاستقلال مباشرة.

وسقط النظام الأول.. وجاء نظام بومدين، وفيه كان الهجوم السافر على الإسلام، ورموز الإسلام، والقرآن والسنة، وطلب من الشعب الجزائري أن يقبل الإشتراكية.

وبدأنا نبحث عن أحسن الأساليب التي تجعل الشعب الجزائري يرفض ما فرض عليه..

وفي عام 1976 فرض النظام دستوراً مفصلاً على مقاس الحكم واشتراكيته، وأعلن ما يسمى بالميثاق، وتم انتخاب رئيس الجمهورية وفقاً لهذه الإجراءات..

ماذا نفعل..؟

هل نسكت..؟ وماذا سيقول الناس وهم ينظرون إلى الشعب المجاهد الذي حرر الجزائر بدمه، ودفع أكثر من مليون ونصف المليون من الشهداء الذين جادوا بدمهم لتحيا الجزائر؟

وفي عام 1982 حدث شجار في الجامعة بين الإسلاميين والشيوعيين، أسفر عن مقتل شاب من الشيوعيين، وكان من بلاد القبائل، وتحول الشجار إلى معركة يخوضها اليساريون بكل ما يملكون من أسلحة يهاجمون الإسلام ودعاة الإسلام..

إلى أين يا بومدين؟

وترجح عندنا أن نقوم بعمل ما.. نتصدى به لهجمة الكفر.

عرضنا الأمر على إخواننا في الجامعة، فمنهم من رفض الفكرة.. ومنهم من اعتذر عن المشاركة.. وبعض الجهات قبلت رأينا.. وكان منهم الشيخ سحنون والشيخ عبد اللطيف سلطاني وغيرهم..

وبالاتفاق مع هؤلاء الإخوة كتبنا بياناً بعنوان: إلى أين يا بومدين؟.. تناول البيان ردوداً موزونة واضحة على كل الخلل الذي جاء في الميثاق والدستور.. ومما جاء في البيان:

    * لابد من الرجوع إلى كتاب الله وتحكيمه.

    * وانتقدنا الثورة الزراعية التي تبنتها الدولة.

    * وانتقدنا الحرب بين الجزائر والمغرب، وقلنا ليس هذا أسلوب التعامل مع الأشقاء.

    * إلى غير ذلك من الأمور الداخلية والخارجية.

البيان كان بإمضاء الموحدون.. صاغه الشيخ محفوظ النحناح.

في السجن

وأعلنت الحكومة النفير.. فقد وضعت يدها على المؤامرة الرجعية التي تتآمر على سلامة البلاد!!

وألقي القبض على الأخ محمد بوسليماني والشيخ محفوظ النحناح.. وعلى 17 أخاً آخر.. في السجن لاقينا من صنوف التعذيب، والإهانة والشتم، والطعن، وحجز الممتلكات.. الشيء الكثير.

لم نكن نادمين على جهادنا من أجل تحرير الوطن.. ولكنها كانت ساعات عصيبة مررنا بها.. عندما وجدنا أن للوطن الذي حررناه من أجل حرية الإنسان، له زنازين يوضع فيها.. ويعذب فيها.. المجاهدون!!

حكم علينا بالسجن مدداً تتراوح بين سنة و 15 سنة.

والسجن مدرسة إذا أحسنت الاستفادة من أوقاتها.. تتأكد فيها الأخوة.. وتنضج فيها الأفكار.. ويعاد النظر في الأساليب.. مع الإيمان بأن طريق الدعوة هو كما وصفه ربنا: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)(العنكبوت- (2-3))

ويتابع أخونا بو سليماني فيقول: مكثت في السجن ثلاث سنوات.. وبعد هلاك بومدين.. والعفو الذي أصدره الرئيس الشاذلي بن جديد خرجنا إلى الحرية. وكان ذلك عام 1980.

ذكريات السجن ليست كلها مريرة.. فقد وجدنا بعض حراس السجن.. أناساً طيبين.. كانوا في شهر رمضان يأتون لنا بالطعام من بيوتهم.. ويعاملوننا معاملة كريمة. فليس كل فرد يتعامل مع النظام كافر.. كما تدعي بعض الصرعات الإسلامية..

الصحوة تبحث عن قيادة

خرجنا من السجن.. فوجدنا صحوة إسلامية عارمة..

صحوة انطلقت من عقالها بعد وفاة الرئيس بومدين الذي أحصى على الناس حركاتهم وسكناتهم.. وألزمهم الانسياق وراءه وليس لمن يأبى إلا الزنازين..

لقد كان عهد الشاذلي بن جديد عهداً طيباً، تنسم فيه الشعب الجزائري أنسام الحرية.. ومع هذه الحرية وفي أجوائها وجدت الصحوة الإسلامية التي كانت تحتاج  إلى ترشيد، وإلى قيادة صالحة تأخذ بيدها نحو شاطئ الأمان.. وكان هذا دورنا.

حاولنا في البداية إعادة بناء البيت الداخلي، بخطى هادئة وثابتة وشققنا طريقنا بتوفيق من الله، ونزلنا إلى الشارع بثقل، ووضعنا أمامنا هدفاً وهو أن الدعوة الإسلامية لابد أن تكون على علاقة حسنة مع كل شرائح المجتمع، وأن تدخل كل زاوية من زوايا الحياة، وأن ترتبط بالمؤسسات التعليمية والثقافية والعمالية.. نفعل ذلك بقوة وثقة كما قال ربنا: (ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ)(المائدة-23)..

جمعية الإرشاد والإصلاح

ومن أجل تنظيم عملنا في الدعوة إلى الله.. أسسنا عام 1989 جمعية الإرشاد والإصلاح، التي تولى رئاستها الشيخ محفوظ النحناح.. وعندما ترأس الشيخ محفوظ حركة المجتمع الإسلامي (حماس).. تولى السيد محمد بو سليماني رئاسة الجمعية.

وكانت علاقة الجمعية مع الأحزاب القائمة.. علاقة مناصحة وتعاون وتكامل.. وعندما حلت الحكومة جبهة الإنقاذ.. دعونا إلى معالجة هذه القضية بالحوار الهادف البناء.

رابطة الدعوة الإسلامية

وعندما كثرت الجمعيات والأحزاب الإسلامية على الساحة.. كل منهم يدعي وصلاً بليلى.. رأى حكماء الأمة أن ينشئوا رابطة الدعوة الإسلامية برئاسة الشيخ أحمد سحنون، لتكون صمام أمان.. ومرجعاً يُرجع إليه عندما تضطرب الأمور.. وتختلط الرؤى.. وكان ذلك عام 1986.

الجبهة الإسلامية للإنقاذ

في هذه الفترة ظهرت حركة سياسية، هي الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ظهرت في مسجد باب الواد بالجزائر العاصمة، ويوم الإعلان ذهب أحد أفراد رابطة الدعوة الإسلامية وهو الأستاذ محمد السعيد.. وحاول إقناعهم بعرض الفكرة على الرابطة قبل اتخاذ قرارهم، ولكنه ووجه بالرفض.. وأعلنت الجبهة.

ودخلت الجبهة أول انتخابات بلدية تعددية.. وفازت بمعظم المقاعد. فقد كان الناس يطالبون بالتغيير.. وكذلك حدث في الانتخابات التشريعية.. عندما أبطلت الحكومة نتائج الانتخابات وتدخل الجيش وأعلنت الأحكام العرفية.. وبدأت الاعتقالات في صفوف رجالات الجبهة.

لا نريد أن ندخل في تحليل إنشاء الجبهة.. وسلوك قادتها.. وتصرفات جماهيرها.. فهو مدخل معقد أدى إلى كل ما عانته الجزائر من دماء وشهداء.. ومآس واضطرابات.. فالسياق لا يحتمله.

من قتل بوضياف ؟

بعد توقف المسار الانتخابي، جيء (ببو ضياف) من منفاه في المغرب. كان بوضياف يحمل معه تصوراً معيناً لمعالجة الأوضاع في الجزائر، ووقع له ما وقع وسجلت قضيته ضد مجهول!! ومن يومها تعيش الجزائر فراغاً دستورياً على مستوى النظام، المجلس الوطني الشعبي منحل، رئاسة الجمهورية غير موجودة. تشكل ما يسمى المجلس الأعلى للدولة.. الذي يرفض أن يرشح أحد أعضائه للانتخابات الرئاسيةالعامة.

واستمرت موجة العنف.. والسؤال المطروح في الجزائر: من القاتل.. ولماذا قتل؟ بالنسبة لحركة حماس فقد تبنت موقفاً واضحاً.. وقفت ضد العنف بكل أشكاله.. ومهما كانت أسبابه وأهدافه، أما بالنسبة للجبهة الإسلامية للإنقاذ.. فلقد وقعت أخطاء بحل الجبهة وإيقاف المسار الانتخابي.. ونحن مع الحوار الذي يعطي لكل ذي حق حقه.

اللقاء الأخير

أحب أن أسجل هذا اللقاء الأخير.. الذي كان بيننا وبين أخينا محمد بوسليماني.. كان في باكستان في مؤتمر من مؤتمرات الجماعة الإسلامية.. عشنا معاً أياماً رائعة.. تحدثنا كثيراً عن الهم الجزائري.. عن البدايات.. وعن السجن.. وأخبرته بأنني سافرت إلى الجزائر قادماً من المغرب مع أخي راشد الغنوشي.. لأزور إخواني محمد بوسليماني والشيخ النحناح ورفاقهما في السجن.. ولكن سلطات المطار اضطرتني للعودة على الطائرة نفسها.. وإذا كان اللقاء مقدراً.. غير أن تصرفات أمن المطار ترك في نفسي غصة أني لم أستطع القيام بواجب الزيارة للأحباب.

أما المشهد الأخير في هذه الزيارة فقد كان لقاء مع رئيس جمهورية باكستان إسحاق خان.. كان معنا في هذا اللقاء أمير الجماعة الإسلامية الأستاذ طفيل محمد.. والأستاذ مصطفى مشهور.. والأستاذ مأمون الهضيبي.. والأستاذ خليل الحامدي.. والأستاذ محمد بوسليماني.. كان الرئيس الباكستاني مهتماً بما يدور في الجزائر ويتساءل عن الأسباب وعن المخرج..

وأجاب الأخ بوسليماني باختصار يناسب المقام.. ولكنه اختصار ينطبق عليه قولهم: خير الكلام ما قل ودلّ. وافترقنا يومها.. ولم نلتقي بعد ذلك..

لماذا قتلوه؟

كان الشهيد بوسليماني شديد التأثر بما وقع في الجزائر في محنتها الدموية، فلم يترك مجلساً إلا ودعا فيه إلى الصلح بين أبناء الجزائر، مقتنعاً أن الخلاف بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد، لا يحل بالعنف، بل بالحوار والمحبة والتراحم، إلا أن هذا النهج لم يعجب بعض مخالفيه الغلاة، فلم يراعوا في الرجل جهاده ولا إمامته ولا ريادته الدعوية ولا رمزيته الوطنية والعالمية، فاقتحموا عليه منزله المتواضع فجر يوم الجمعة 26 نوفمبر 1993م، فأفزعوا أهل بيته الذي طالما كان أيام الثورة التحريرية مأوى للمجاهدين، وأيام الاستقلال مثابة للدعاة والعلماء الخيرين، فاختطفوه وأرادوا منه فتوى بجواز قتل المخالفين، وما علموا أنه ليس ذاك الرجل الذي يشتري الدنيا بالدين، فكان له من الله الثبات على موقفه..

تم العثور على جثة الشيخ محمد بوسليماني رئيس جمعية الإرشاد والإصلاح، ملقاة بطريقة لا تدع مجالاً للشك في أن مختطفيه الذين اختطفوه منذ حوالي الشهرين، كانت لهم مصلحة في إثارة الفتنة.. ومحاولة ضرب الجماعات الإسلامية بعضها ببعض. وعندما تعاملت حركة (حماس) مع حادث اختطاف أحد رموزها بوعي وضبط للأعصاب، أسقط في أيدي المغرضين .. فلم يجدوا أمامهم إلا التخلص منه بقتله لأنهم لو تركوه لفضح أمرهم أمام الرأي العام.

البلـيــدة 1/2/2006م

 
Leave a comment

Posted by on September 16, 2013 in خواطر حول العالم

 

الملتقى الدولي للشيخ محفوظ النحناح

(2) الملتقى الدولي للشيخ محفوظ النحناح – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من الجزائر

في 15 حزيران (يونيو) 2005م، انعقد في الجزائر الملتقى الدولي الثاني للشيخ محفوظ النحناح، بحضور ثلة من شخصيات العالم الإسلامي.. جاءوا جميعاً للمشاركة في هذا اللقاء الذي كان بعنوان المشاركة السياسية: خطوة في طريق مشروع الإصلاح السياسي. والعلاقة الحميمة والقريبة التي كانت تجمعني بالأخ محفوظ هي التي فرضت علي أن أحضر ملتقاه الأول والثاني.. أقف ساعة بالقرب منه ومن أهله وأسرته وإخوانه، وأحبائه وأصدقائه.

وحركة مجتمع السلم التي أسسها الشيخ محفوظ النحناح في الظروف الصعبة التي مرت بها الجزائر، هي اليوم إحدى قوى ثلاث تشارك في السلطة التي  يرأسها الرئيس عبد العزيز بو تفليقة.

أما الحـزبان الآخـران فهمـا الحـزب الديمقراطـي الذي يـرأسه رئيس الوزراء أو يحيى.. وهو حزب علماني، غربي التوجه، معظم طروحاته لا يرتاح لها التوجه الإسلامي في البلاد.. مثل قانون الأسرة.. وحذف مادة الشريعة الإسلامية من مناهج التعليم الثانوي. وغيرها كثير.

وأما الحزب الثاني فهو جبهة التحرير، الحزب الذي حكم الجزائر وما زال يحكمها.. أمينه العام بلخادم وهو شخصية إسلامية جيدة.

أما بو تفليقة الذي يحكم البلاد في ولاية ثانية.. فقد استسلمت له كل القوى كالجيش والأحزاب والسلطة وأصبح الرقم الأول بين الأرقام السياسية في الجزائر.

تسلم حزب مجتمع السلم عدة وزارات من تلك التي يسمونها تكنوقراط.. وآخرها وزارة دولة أسندت لرئيس الحركة بدون مسمى.

والأحزاب التي لا تجد فرصة لتقوية وجودها، وتلاحمها مع شعبها، وتربية أبنائها.. قد لا تنفعها بعض المكاسب السياسية التي قد تفيد أفراداً.. وقد تنقلب ضرراً عليها وعلى مستقبلها.. وإن الكلمات التي أطلقها الإخوة المسؤولون في حزب مجتمع السلم، أوضحت تباين النظرة تجاه هذه المشاركة السياسية.

ففي الوقت الذي أثنى فيه رئيس الحركة أبو جرة سلطاني على هذه المشاركة واعتبرها قمة النضج السياسي المتنامي بالمرحلية والتدرج في مجال تمدين الحياة السياسية، ودمقرطة المجتمع، وردم الهوة بين التيارات التقليدية التي ظلت تتنازع البقاء منذ بروز الحركات الوطنية سنة 1913م إلى بداية الائتلاف الحزبي سنة 1999م، ومحاولات الترقية السياسية التي توجت جهودها بتوقيع وثيقة التحالف الرئاسي في فبراير 2004م.

كما اعتبر رئيس الحركة هذه التجربة السياسية الجزائرية فريدة في نوعها، تصلح أن تكون نموذجاً لجميع الحركات الإسلامية الأخرى في العالم.

غير أن كلمات بعض مسؤولي الحركة أعطت انطباعات مختلفة:

قال بعضهم: إن شعبية الحركة تضعف بالتدريج.

وقال بعضهم الآخر: إن الشعب كان ينظر لنا كدعاة، واليوم وفي ظل هذه المشاركة بدأوا ينظرون لنا كسياسيين.. مثل بقية السياسيين الساعين لمصالحهم.. اللاهثين وراء المناصب.

وإذا كان المراقب المحايد أقدر من غيره على تقدير المواقف.. وتحسس الأمور.. فإنني أسجل بهذا الاعتبار الملاحظات التالية:

1- الأوضاع في الجزائر عموماً مازالت شديدة التعقيد.. وكل القوى التي وجدت في المراحل المختلفة من عمر الجزائر مازالت موجودة.. ولقد اكتسبت مع الزمن مزيداً من الخبرة والدهاء.. وأصبحت أقرب إلى السرية منها إلى الانفعال العلني.. فحركة الإنقاذ التي أوجدها عباسي مدني مازالت موجودة.. ولها قيادة في الخارج تحرك العناصر في الداخل.. وإذا كانت حركة الإصلاح بقيادة عبد الله جاب الله تراهن على استقطاب عناصر الإنقاذ.. فإن حركة مجتمع السلم قد تكون أبعد ما تكون عن هذه العناصر نتيجة للمواقف المتشنجة التي حدثت سابقاً بين الفريقين..!

2-  نظرية الفصل بين المرجعيات.. اتضح من خلال عرض عقدة المشاركة والمرجعية، بأنه لابد من الوصول مرحلياً إلى وضع جديد يحافظ على مكاسب المشاركة السياسية التي أنتهجتها الحركة الإسلامية، وفي نفس الوقت صيانة المرجعية الدينية والدعوية التي أسست لها في بداية الصحوة. ويظهر من خلال التجربة بأن هذا يتم من خلال توزيع المرجعيات، على أن تكون المرجعية الشرعية والدعوية هي المرجعية المحورية، وأن تبتعد هذه المرجعية عن كل مطالبة للحكم لنفسها ولرجالها في أي مستوى من مستوياته، وأن ينشأ في مداراتها المختلفة مؤسسات مجتمعية متعددة، أهمها مؤسسة الحزب أو الأحزاب السياسية (المرجعية الحزبية) بشرط أن لا يكون بين المرجعيتين أي ارتباط تنظيمي عضوي سوى الولاء العام والترابط الفكري.

3- أما الحركة الطلابية المتمثلة بالاتحاد الوطني الحر.. والتي هي أكبر تجمع طلابي في الجزائر.. فهي أقرب في الحقيقة إلى التجمعات السياسية.. ولقد ركز رئيس الدولة عبد العزيز بوتفليقة شخصياً على مسؤولي هذا الاتحاد.. ووضع تحت تصرفهم كل الإمكانات في سبيل إغرائهم وجذبهم إلى الإطار الحكومي.

ولقد كان مسؤول الاتحاد صريحاً مع المسؤولين عنه عندما طلب منهم مزيداً من الدعم حتى لا يفقدونهم.

نحن من جانبنا نلتقي في كل مرة نزور فيها الجزائر المكاتب الطلابية في العاصمة والمدن الأخرى ونؤكد على وحدة الحركة وضرورة التربية فهي العاصم في سلامة العمل الطلابي وأدائه لمهمته التي يعمل من أجلها.

وكلمة أخيرة

فإن هذه الأقطار تحتاج إلى مزيد من الرعاية والتواصل لتسديد اتجاهاتها.. وتنبيهها عن عثرات الطريق ومزالق السياسة.

ونحن نعتقد أن تراث الحركة. وذكرى المؤسس العطرة.. وهمة الخلف العالية.. ستجد في كل وقت مخرجا.. ولكل عسر يمرون به يسراً.. ولن يغلب عسر يسرين.

والحمد لله رب العالمين

الجزائر 15/6/2005م

 
Leave a comment

Posted by on September 14, 2013 in خواطر حول العالم

 

رحيل الأستاذ محفوظ النحناح (1941 – 2003)م

(1) رحيل الأستاذ محفوظ النحناح (1941 – 2003)م – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من الجزائر

منذ سنة تقريباً.. والأستاذ الفاضل محفوظ النحناح يصارع المرض الخطير الذي استقر في دمه وفي عظامه.. المرض الذي وصفه الشاعر المتنبي بقوله:

وزائرتــي كأن بها حـيـاء     فليس تزور إلا في الظلام

فرشت لها المطارف والحشايا         فعافتها وباتت في عظامي

كان يصارع المرض بالنشاط والحركة.. وفي بعض الأحيان تتغلب عليه آلامه.. فتهدأ حركته، ولا يشكو.. وكيف يشكو من أصبح مسؤولاً عن حركة؟!

الشيخ محفوظ النحناح

كنت معه في أنقرة.. وكان معنا ثلة من رجالات الفكر والسياسة، كان يخرج من الندوة.. ويغيب أحياناً ثم يعود.. كنت أستغرب الأمر.. وبعد أكثر من سنة أخبرني بأن الآلام كان تضطره إلى مثل هذا الخروج.. حتى لا يلاحظ ذلك أحد.

وأخيراً وفي يوم الجمعة 20 حزيران (يونيو) 2003م جاءنا نعيه على لسان الناطق الرسمي باسم الحركة الأستاذ سليمان شنين، فقد نعى إلى العالم الإسلامي والعربي وفاة الشيخ محفوظ النحناح رجل الوسطية والاعتدال والتسامح.. مشيراً إلى أن رحيل رئيس حركة مجتمع السلم سيترك فراغاً كبيراً على المستويين الوطني والدولي، فهو يتولى منذ العام 1981 منصب مسؤول تنظيم الإخوان المسلمين في الجزائر.

وكان عاد إلى الجزائر الأسبوع الماضي بعد ثلاث شهور من العلاج في فرنسا، فقد تأكد الأطباء استحالة شفائه من مرض سرطان الدم الذي تمكن منه.. فأراد هو وأراد إخوانه أن يموت في بلده.. بين أهله وأسرته.. وبين إخوانه الذين أحبهم وأحبوه.

كانت الجزائر كلها دولة وأحزاباً وهيئات وشخصيات تشهد جنازة قالوا عنها: ثاني أكبر جنازة في تاريخ بلادهم.. الأولى حين أقاموها لرئيسهم الراحل هواري بومدين.. وهذه هي الثانية عندما أقامها الناس والدولة للشيخ محفوظ نحناح ليعيدوا إليه لقباً وتسمية ومهمة انتزعوها منه في انتخابات رئاسية سابقة، فقد ردّد الجميع: رحمك الله أيها الراحل.. فقد عشت شيخاً ومت رئيساً.

ذكرياتي مع الفقيد

وأجدني  – وأنا أقف أمام هذا الحدث الجلل- أقلب أوراق الذكريات الغالية مع الشيخ الرئيس محفوظ النحناح.

التقيته أول مرة عام 1972 في إطار لقاء الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض.. شاباً في الثلاثين (ولد في يناير 1941).. كل ما فيه ينطق: لسانه ورأسه ويداه.. ومنذ كنت وحتى اليوم عندما أحضر لقاءً مثل هذا، أتفرس في وجوه القوم، وأختار واحداً أو أكثر ممن تظهر عليهم علامات الوعي والحركية والتفاؤل.. فأصل أسبابي بأسبابهم.

في عام 1973 كنت في زيارة إلى الشمال الأفريقي بدأتها بالمغرب.. ثم الجزائر.. وعندما أنهيت معاملة الوصول وخرجت.. وجدت الأخ محفوظ يستقبلني فاتحاً ذراعيه.. لا أنسى حرارة ذلك اللقاء وأهميته وفائدته.

ذهبنا في سيارته الصغيرة (الفولكس فاجن) إلى بلدته (البليدة) وهي على مسافة 50 كيلو متراً إلى الجنوب من العاصمة الجزائر، وأقمت عنده في بيت العائلة الواسع الكبير.. كل من يصادفك في هذا البيت يؤكد في ذهنك التدين والتواضع والخلق الحسن.

في طريقنا إلى أحد مساجد العاصمة الكبيرة، لنستمع إلى أحد الدروس التي  اعتاد أن يلقيها الأستاذ محفوظ في العديد من مساجد العاصمة ومساجد البليدة.. هناك جلست أمام النهر المتدفق.. كلمات واعية.. وإيماءات واضحة.. وتوجيه سليم.. وأخوة شباب يلتفون حولنا يسألون الشيخ عن درسه.. وعما بعد الدرس..

واستغربت أن يكون  مثل هذا الطرح الجريء.. والأيام أيام (أبو مدين).. والتوجه اشتراكي علماني.. ويظهر أن شيخنا قرر أن يقول كلمة الحق واضحة، ويعتصم بالحق والصبر مهما تكن النتائج.

وذهبنا معاً إلى مسجد الطلبة في الجامعة المركزية.. وكانت الجامعة هي بداية التحول في البلد كله.. فهي النواة التي تفرعت عنها الاتحادات الطلابية والتجمعات المهنية.. فأصبح الطلاب أطباء ومهندسين ومحامين.. ملأوا الفراغ في المجتمع المدني الجزائري.

الأخ محفوظ (رحمه الله) هو من ساهم في افتتاح مسجد الجامعة، وهو أول من أدى صلاة الجمعة فيه.

في المسجد التقيت بالأخ الدكتور مصطفى براهما.. ربطتني معه الرسائل منذ سنوات، حتى كان لقائي به في مسجد الجامعة.. زرنا سكن الجامعة.. وتحدث الأخ محفوظ وتحدثت بعده.. اللغة نفسها والروح والتوجه كذلك.

في زيارتنا للجامعة.. كانت الأوضاع والمظاهر بعيدة كل البعد عن الشكل الإسلامي.. لباس الطالبات.. حركاتهن مع زملائهن، وهن رائحات غاديات أو جالسات على المقاعد أو مستلقيات في الحدائق.

سألته: الأوضاع صعبة يا شيخنا.. أجابني: ولتعلمن نبأه بعد حين.

اصطحبني الأخ محفوظ إلى لقاء حميم.. حضره جميع قادة العمل الإسلامي من مختلف الاتجاهات: الإخوانية والسلفية والإنقاذية والجزأرة والصوفية وغيرها.. جميعهم كانوا في هذا اللقاء..

لقاء هؤلاء أمرٌ طبيعي.. وخلافاتهم التي تعمقت فيما بعد مفتعلة.. كلفت الدعوة والدعاة كثيراً من العناء والإرهاق والخسائر التي لا تقدر بثمن.

لو اقتصر أعداء الإسلام على مهمة إيغار صدور الإسلاميين بعضهم على بعض، لكفاهم.. فهو الأمر الذي ينهك العمل الإسلامي ويدمر الدعوة والدعاة..

لا أنسى أبداً الزفرات الحرى التي كان يطلقها أخونا محفوظ حزناً على رفيق دربه رئيس جمعية الإرشاد والإصلاح الشيخ محمد بوسليماني، عندما سقط برصاصات على يد بعض الإسلاميين عام 1994. واستغربت الأمر.. فلم يكن يدور في خلدي أن الأخ يمكن أن يقتل أخاه.. وسألت الأخ محفوظ: وهل أنت متأكد أنهم هم الذين قتلوه؟

قال والألم يعتصره: نعم نعرفهم بأسمائهم.. وليس الأمر أمر شهيد واحد بل عشرات.. ونحن نصبر ونحتسب فلا نريد أن نشمت بنا الأعداء.

في هذه السنوات كنت أزور الجزائر مرة في السنة على الأقل، وأستمتع بصحبة وأفكار وأنشطة أخينا محفوظ.. وفي مرة زرنا معاً القاهرة وكنا على موعد مع رجالات الدعوة الذين خرجوا لتوهم من غياهب السجون التي قضوا فيها ما يزيد على عشرين سنة على يد طاغية آخر من طغاة بلادنا.. كانت سعادة الجميع بادية على وجوههم..

الشيوخ سعداء بأن الدعوة التي رعوها، ودفعوا أثماناً باهظة من حياتهم وحياة إخوانهم.. ومن سنوات نفيهم إلى الصحارى في معتقلات الأنظمة من أجلها.. قد أثمرت وأينعت في العديد من البلدان.. والشباب كانوا سعداء فما أعظم أن يلتقي شاب مثلنا(في تلكم الأيام)، مع قيادات شامخة كنا ندرس فكرهم ونتتلمذ على كتبهم.. ونتأسى بصبرهم وثباتهم وتجاربهم..

ما أجمل أن تتضام السواقي مع النهر المتدفق لتشكل جميعاً تياراً عريضاً.. يزداد اتساعاً وعمقاً مع الأيام.

هذه هي مهمة الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية الذي أنشأناه وكنت أمينه العام.. الدعوة في غياب الدعاة.. سألني بعضهم في نهاية اللقاء.. وما علاقتنا بعد هذه البيعة بكم؟ قلت: لقد انتهت مهمتنا.

عام 1975م وبعد مناقشة الميثاق الوطني.. تم اعتقال الشيخ محفوظ النحناح والحكم عليه 15 سنة بعد نشره بياناً بعنوان: إلى أين يا بو مدين؟

ليس محفوظ النحناح وحده الذي حوكم وحكم ظلماً وعدواناً.. بل الأمة بكل أطيافها.. باستثناء الطغاة (أو السوبر باشوات) كما سماهم الكاتب حسين مؤنس.. دخلوا السجن الصغير.. أو السجن الكبير.. وليس أضر بالشعوب من إخافة الناس، وتهديد أمنهم وإهانتهم، وإهدار كرامتهم، وخاصة إذا جاء ذلك كله على يد أولياء الأمر، لأن الشعب يتربى بالقدوة، ويتعلم بالمثل الصالح، فإذا كانت القدوة سيئة.. كانت البلية بلا حدود.

كان لابد من زيارة الحبيب في سجنه.. وسافرت إلى الجزائر مع الأخ راشد الغنوشي.. ولظروف خاصة لم أستطع الوصول إلى أخينا، بل لم يسمح لي بمغادرة المطار، المهم أني قمت بما أستطيع.. ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

ما أظلم هذه الأنظمة عندما تمنع الغرباء أن يتبادلوا التحية والمحبة!

ومات بومدين.. وقام استفتاء شعبي على الدستور الجديد في فبراير 1989.. وبإقرار الدستور ألغيت حقبة كاملة من تاريخ الجزائر بكل مكوناتها الاشتراكية والعلمانيـة والديكتاتـورية.. وكان هذا التاريخ يمثل ميلاد الجمهورية الثانية ونهاية احتكار حزب جبهة التحرير الوطني للسلطة لمدة 27 سنة.

في هذه الأجواء.. استعاد المسجد دوره.. وظهرت الحركات الإسلامية قوية تهيمن  على الشارع.. وأفرج عن الشيخ محفوظ بعد قضائه 4 سنوات في السجن..

في لقاء لي معه في الكويت سألته: ولماذا لم تأسسوا حزباً سياسياً.. فالسياسة مواسم وإذا مر الموسم.. فقد لا يعود.. أو قد تتأخر عودته.. قال لي: ليجرب الآخرون الأحزاب.. فالوقت ما زال فيه متسع.. ولم أوافقه ولكني تصورت أن أهل مكة أدرى بشعابها.

في مارس 1989 أنشأ عباسي مدني الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وظهرت جمعية الإرشاد والإصلاح بقيادة الشيخ محمد بو سليماني، وحركة المجتمع الإسلامي (حماس) بقيادة الأستاذ محفوظ النحناح.. وهي الفرع الجزائري للإخوان المسلمين.

واختلطت الأمور.. جبهة الإنقاذ تفوز في الانتخابات البلدية.. وفي المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية.. وكثرت التصريحات التي تعتبر الديمقراطية كفراً.. والتي تهاجم رئيس الدولة الذي فتح صفحة الحريات.. فاغتنمها الجيش فرصة فبطش بالجبهة وزعمائها.. وبرئيس الدولة وأنصاره.

قالوا أن المحنة تكون في الضراء وهي أسهل.. وتكون في السراء وهي أصعب، وكذلك كانت محنة الإسلاميين في الجزائر..

واستطاع الأستاذ محفوظ النحناح أن يتخذ له طريقاً وسطاً.. كان كمن يمشي على سلك مشدود.. الجيش يخشاه والإنقاذيون يتهمونه.. ومع ذلك فقد سار في الطريق الصعب.. لينقذ إخوانه وينقذ الحركة التي أقام بنيانها والتي أصبحت الرقم الأهم في الواقع الجزائري.

لقيته في طرابلس الغرب عام 1990م.. وكان الاجتماع الذي حضرته وفود من أنحاء العالم العربي والإسلامي لمناقشة قضية الاحتلال العراقي لدولة الكويت.. كانت معظم الأصوات تؤيد العراق.. وقليل منها كان مع حق الكويت وحرية أبنائه. ورأيته يزأر كالأسد ويقول: كلكم مهتم بحفظ ماء وجه صدام.. ولا أرى أحداً يهتم بدماء أهل الكويت!

هكذا كانت مواقفه عفه نظيفة شريفة.. مثل أخلاقه العالية الرفيعة.

وترشح الأخ محفوظ النحناح للانتخابات الرئاسية التي أجريت بالجزائر في نوفمبر 1995م، وفاز بالمركز الثاني بعد حصوله على 3 ملايين صوت حسب النتائج الرسمية المعلنة.

يومها كتبت للأخ محفوظ.. وقلت له: أن هذا الذي حصل يدل على أن الإسلاميين على اختلافهم بدأوا يتجمعون.. وكان هذا بفضل سياسة النفس الطويل والصبر الجميل الذي قمتم به.. وهذه الـ25% من الأصوات التي حصلتم عليها تساوي النصر، فـ25% من الأصوات المعارضة أقوى وأهم من 90% مما يحصل عليه قادة بلادنا زوراً وبهتاناً.

وتمكنت الحركة التي يرأسها الأخ محفوظ النحناح من تحقيق مكاسب سياسية كبيرة، حيث شاركت بسبع حقائب وزارية في الحكومة الجزائرية.

وكان للأخ محفوظ النحناح دور كبير في نبذ العنف والإرهاب وإدانته وكرّس مشواره الدعوي منذ أكثر من ثلاث عقود في الدفاع عن العقيدة الصحيحة، وقيم الوسطية والاعتدال.

كان اللقاء الأخير في استانبول في يوليو 2002م، جاء إلى استانبول مع أسرته لقضاء فترة نقاهة بعد آلام مرضه المبرحة ومعالجات طالت.. لم أعرف يومها ذلك.. فقد كانت صلابة المجاهد تغلب عليه.. خاصة عندما يتعلق الأمر بشخصه.

وإني يا شيخنا محفوظ محزون لفراقك.. ولا نقول إلا ما يرضي الله..

وأنتم يا إخوان محفوظ في الجزائر وخارجها.. أذكروا أخاكم بدعوة صالحة وليس عندي ما أضيف الآن غير قولة المتنبي:

طوى الجزيرة حتى جاءني خبر               فزعت فيه بآمالي إلى الكذب

رحم الله أخي الوفي الشجاع محفوظ النحناح رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.

الكويت 25/6/2003م

 
Leave a comment

Posted by on September 12, 2013 in خواطر حول العالم

 

القذافي ينسحب من الجامعة العربية

(3) القذافي ينسحب من الجامعة العربية – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من ليبيا

صرح العقيد القذافي لوكالة (فرانس برس) فقال: لقد تخليت عن الشأن الليبي نهائياً. وسأتفرغ لمهمات استراتيجية ودولية في محاولة لإخراج العالم الإسلامي من قفص الاتهام والحيلولة دون قيام حرب صليبية جديدة.. وأعلن أنه يسعى لتشكيل تجمع إسلامي عالمي على غرار تجمع جوها نسبرغ (قمة الأرض) على أن لا يكون مقتصراً على الحكومات وقادة الدول الإسلامية، بل تتواجد فيه فعاليات العالم الإسلامي والعربي.

معمر القذافي

وأضاف أن المهمة الأخرى التي سأتفرغ لها هي الفضاء الأفريقي، وهي مهمة غير سياسية، سأحاول ربط النهر الصناعي العظيم في ليبيا مع الأنهار الطبيعية الأفريقية من النيل إلى بحيرة تشاد، وتحويل الصحراء إلى جنة(الحياة 5/9/2002م).

وإذا كان القذافي بصدد مراجعة سياساته وأفكاره وتجاربه فلا بأس أن نقف على بعض محطاتها.. فهي محطات مشتركة لا تخص ليبيا وحدها.. ولكنها تخص جميع الدول الثورية التي وصلت إلى السلطة على ظهر دبابة..!!

وإذا كانت المرحلة التي تمر بها الدول العربية والإسلامية، مرحلة عصيبة فمن المناسب أن نتناول قضايا هذه الأمة بشيء من التوضيح.

القذافي والوحدة العربية

من المعروف أن القذافي الذي قام بانقلابه العسكري في الأول من سبتمبر عام 1969.. والذي باركه زعيم القومية العربية جمال عبد الناصر الذي كان خارجاً من هزيمة عام 1967 أمام إسرائيل.. فقال له: أرى فيك شبابي.. وبعد سنة من مقولة عبد الناصر هذه.. توفي زعيم القومية العربية.. فتسلم منصبه العقيد القذافي..

نادى بالوحدة.. ولم يترك بلداً عربياً إلا وحاول أن يتحد معه.. مع تونس، والمغرب، ومصر، والسودان. كانت فلسفته في الوحدة.. أن ليبيا فيها الزعيم وأرصدة البترول.. فكان يحتاج شعباً كبيراً يحكمه.. وفشلت بالطبع كل هذه التجارب وانقلبت في كثير من الأحيان إلى مآس وحروب.. كما حصل بين مصر وليبيا.. ومع الزمن أدرك القذافي أن فكرة الوحدة مع الأقطار العربية تحتاج نوعاً آخر من المبادئ والظروف والزعامات.. فقلب صفحتها.. وصرح في أيامه الأخيرة.. أن ليبيا لا تستطيع التعلق بعواطفها مع العرب.. وان الجامعة العربية لا معنى لها.. فهي ذليلة وفاشلة ولا تساوي شيئاً، وأنه قرر الانسحاب منها.. وأصرّ على موقفه رغم زيارة الأمين العام للجامعة السيد عمرو موسى والرئيس مبارك إلى ليبيا.

وحاول القذافي – شأنه شأن جميع القادة الثوريين – أن يستغل القضية الفلسطينية.. فتدخل بالمال والسلاح مع الفصائل الفلسطينية المتواجدة في لبنان.. ولكنه انتهى في آخر المطاف إلى اتهامه بتصفية الإمام موسى الصدر الذي مازالت قضيته مفتوحة حتى اليوم.. وإخراج الفلسطينيين الذين يعملون في ليبيا وتركهم بالصحراء على الحدود المصرية، مع أسرهم وأطفالهم بحجة اعتراضه على اتفاقيات أوسلو.. وكأن الشعب الفلسطيني هو المسؤول عن انحرافات زعمائه.. ومن أجل تحرير القدس.. وآخر إنجازاته في القضية الفلسطينية هو دعوته لتشكيل دولة إسراطين!! بين إسرائيل وفلسطين.. وأرسل وفداً من عملائه لزيارة إسرائيل!!

وكان القذافي شديد الاهتمام بالثورة التحررية العالمية.. فهو مع كل فريق يناهض الاستعمار.. يقدم لهم المال والسلاح.. وأخيراً اتهموه بنسف الملهى الليلي في ألمانيا، وبتسليح الجيش الجمهوري الإيرلندي، وبإسقاط الطائرة الفرنسية (يوتا) فوق صحراء النيجر عام 1989، وإسقاط طائرة البان أمريكان في لوكربي عام 1988.. وردّت أمريكا على تصرفاته بهجوم جوي على ليبيا.. وبفرض الحصار عليها.. وها هو بعد هذه التجارب الثورية يصرّح بأن بلاده ستنصاع من الآن فصاعداً للشرعية الدولية التي احتجت عليها لفترة طويلة، واعترف بانه لا يمكننا إلا أن نستسلم للشرعية الدولية مهما كانت مزورة من قبل أمريكا وإلا سنداس بالأقدام. ولقد اضطر إلى دفع تعويضات تقدر بعشرة ملايين دولار للفرد الواحد من ضحايا طائرة لوكربي.

ردة الفعل هذه.. هي من نوع الفعل.. وإذا كان الفعل متهوراً. فإن ردة الفعل ستكون على نفس المستوى من الإسفاف والهوان.

ونقل القذافي احلامه من الوحدة العربية إلى الاتحاد الأفريقي.. الذي أعلن عن قيامه في دربان في جنوب أفريقيا في 9 يوليو 2002م.

كان القذافي يحلم بأن تستضيف ليبيا مقر الاتحاد عوضاً عن اديس أبابا العاصمة الإثيوبية.. وأن تعقد قمة إعلان الاتحاد على أرضها فهو أول من نادى بهذا الاتحاد.. وان تستضيف البرلمان الأفريقي.. فهل سينجح القذافي في أفريقيا فيما أخفق فيه في العالم العربي..

هل سيتذكر الأفارقة حربه في تشاد واحتلاله الشريط الحدودي (اوزو) الذي قيل انه غني باليورانيوم؟ وهل سيتذكر الأفارقة تفاهماته مع فرنسا على حساب حركة تحرير تشاد (فرولينا) وتصفية قياداتها التي كانت تنطلق من ليبيا بحماية الملك إدريس السنوسي؟

لا أعتقد أن الأمر سيغيب عن الأفارقة.. ولقد حملت صحيفة ميكروري الصادرة في جنوب أفريقيا على القذافي ووصفته بالديكتاتور الذي يبغض الديمقراطية.

أما تفرغ القذافي للمهمات الاستراتيجية، وتخليه نهائياً عن الشأن الليبي.. فهذه فكرة قديمة جديدة!

أثناء حرب الخليج الثانية.. حضرت مؤتمراً عقد في طرابلس الغرب لمعالجة هذه القضية.. وعلى العشاء كنت مع الأستاذ نجم الدين أربكان والأستاذ محمد أحمد الشريف رئيس جمعية الدعوة الإسلامية في ليبيا وعدد من الضيوف..

سألت الأستاذ الشريف وهو من المقربين للعقيد القذافي: ماذا تفعلون حتى تتجنبوا المصير الذي آلت إليه الحكومات الثورية باعتمادها على أجهزة المخابرات وقمع المعارضة وفتح السجون لكل من يتكلم ضد السلطة.. فأجاب: ليس عندنا سلطة، الحكم عندنا للشعب..!!

فتفرغ القذافي للمهمات الاستراتيجية هو ادعاء قديم.. والسلطة للشعب في داخل ليبيا ما زال الكثيرون يعتقدون أنها مجرد ادعاء.. وأن كل شيء في ليبيا هو بيد قائد الثورة.. والمراقبون يتساءلون: لماذا لم تتضمن الموازنات الصادرة عن الحكومة الحجم الفعلي لعائدات الجماهيرية من النفط، ولا مردود الاستثمارات الخارجية، ولا صادرات ليبيا من البتروكيمياويات..؟

وإذا تفرغ القائد للشؤون الخارجية.. فلمن سيعطي هذه الصلاحيات..؟ الأمر في مجمله مجرد شعارات تستر مواقف لا تمت للديمقراطية أو الحرية أو الشفافية بصلة.

وتطرق القذافي مؤخراً إلى أن السجون في ليبيا ستكون فارغة اعتباراً من هذا العيد (يقصد عيد الانقلاب) باستثناء مجموعة من الزنادقة.. ويقصد بالزنادقة الإخوان المسلمين.. الذين يعتبرهم عملاء الأمريكان.. وكل من يحتاج الإطلاع على وثائق عمالتهم.. فليحضر إلى مكتبه في مجلس قيادة الثورة..! عندما حدثنا في المؤتمر الذي عقد بمناسبة حرب الخليج بهذه التفصيلات.. قلت في نفسي: من يقول أن القذافي تحرسه دولة المخابرات.. ما دام بإمكان أي صديق زيارته في مكتبه؟!

القذافي يهوى التجديد.. فالشهور أعاد تسميتها.. والتقويم الهجري يبدأ من تاريخ وفاة الرسول.. وإذا لم يعجب الناس في ليبيا كتابه الأخضر فهو على استعداد لتطبيق الكتاب الأحمر.. شيء واحد.. اتفق فيه القذافي مع بقية الثوريين.. فهو يهيؤ أبناءه ليكونوا ملوكاً في المرحلة القادمة!!

مطار طرابلس الغرب 6/11/2002م

 
Leave a comment

Posted by on September 9, 2013 in خواطر حول العالم