RSS

خواطر حول العالم

المقدمة

هذا هو الجزء الأول من كتاب خواطر حول العالم.. وهو مجموعة مناظر سجلتها أثناء تجوالي في أركان الأرض الأربعة.

فهذا منظر من باريس.. وذاك من بلجيكا.. وآخر من السويد.. وغيره من إنكلترا أو إيطاليا.. وغيرها من بلدان أوروبا التي يعيش إنسانها في أقصى درجات الترف المادي.. ومع ذلك فما زالت روحه ظمآى.. وفؤاده خاو يبحث عن شيء يعيد إليه توازنه وطمأنينته فلا يجد.. فقد مسخت البرامج والمناهج فطرته، مثله مثل الظمآن الذي يزداد عطشه كلما شرب من ماء البحر.

ومناظر أخرى سجلتها في أفريقيا.. قارتنا المسلمة.. في ملاوي، في زمبابوي، في دار السلام.. في موريتانيا.. في السنغال.. في شمال القارة وجنوبها، من شرقها إلى غربها.. في كل تلك البلاد كانت لي وقفات، أمعنت فيها النظر في هذه القارة البكر التي يتسابق الغربيون والشرقيون إلى نهب ثرواتها.. بعد أن استعبدوا واسترقوا إنسانها.. وبعد انسحاب جيوشهم.. تسابقت فرق التبشير والتنصير تقدم المدرسة والمستوصف في يد وتنتزع بالمقابل حيويتهم ومعنوياتهم ومقومات شخصيتهم وتذكرهم باستمرار بعهود الاستعمار وعصاه الغليظة.

ومناظر أخرى وقفت فيها على أوضاع بلادنا في جنوب شرق آسيا في الهند وباكستان وأفغانستان وتركيا.. وبقية بقاع آسيا، القارة التي تضم أكثرية المسلمين في العالم.. عشت مع أربكان في كفاحه.. ومع أنور إبراهيم في شبابه.. ومع برهان الدين رباني وهو يعلن الجهاد المقدس.. مع المودودي والندوي وكل الهامات العالية في شبه القارة الهندية.. التي حملت رايات الكفاح ومازال رفاقهم من بعدهم يواصلون.. ومع الأخ أحمد توتونجي وجميع رفاقنا في الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية، الجنود المجهولين الذين رسموا المعالم عالية شامخة لكل طلاب الحقيقة في العالم.

سجلت الكثير من الوقفات في بلاد العرب.. في السودان ومصر والجزائر وموريتانيا وتونس والسعودية والخليج وبلاد الشام.. وغيرها من البلاد التي حملت الراية.. ومازالت تعاني تبعات الأصالة.. ولقد عشت مع إخواني جميعا وهم في ساحات السجون.. أو المعتقلات أو أمام أعواد المشانق وهم يصرون على مواصلة الكفاح مهما تكن النتائج..

في يوم من أيامي، قبل ثلاثين سنة، نصحني مدرس (علم الاجتماع) أن أسجل كل يوم خاطرة عن منظر رأيته وتأثرت به، أو عن صنيع مهم قمت به، أو عن حادثة مهمة مررت بها.. وكان ذلك.. ما ركبت طائرة.. ولا باخرة.. ولا جلست في فندق.. أو تمتعت بمنظر إلا وكان دفتري جاهزاً لتسجيل ذلك المنظر أو ذلك الحدث..

هذه هي خواطر حول العالم..

عشت مع الدعوة في عطائها الذي لا ينفذ، وفي محنتها المتجددة، وفي مستقبلها الزاهر الذي ينتظرها.. عشت معها جندياً بكل كياني أمنحها قلبي وكل وجبة في فؤادي.. ولكني نظرت فيها وفي تجاربها.. فأيدت وعارضت وذكرت الرأي والرأي الآخر.. وأنا في كل ذلك محب واله.. لهذه الدعوة التي أكرمنا الله بالانضمام لصفها..

عشت مع الدعاة.. من كل البلدان.. ومن جميع الأجناس.. رأيت الصدق والإخلاص يتجسم واقعا حقيقيا مع هذا وذاك.. ورأيت غير ذلك.. هالات فارغة فيها من المكر والخديعة.. كما فيها من تظاهر الصلاح والتقوى.. عشت مع هؤلاء أخا ومحبا ومقتديا.. وعشت مع هؤلاء صريحا واضحا فهنا الرجولة وهنا الصدق، وصديقك من صدقك لا من صدّقك.

هذه الخواطر مشاريع كتب أريد كتابتها.. بدأتها ولم يسعفني الوقت لإكمالها.. هي مشاريع المستقبل لي أو لغيري ممن يلتقط طرف الخيط ويمضي مع هذه المعالم.

هذه هي خواطري حول العالم..

وحسبي منها أنها سجلت كما وقعت.. لم أزوّق ولم أحرّف.. وسيحس بها القارئ.. فوراء كل كلمة قصة.. ووراء كل موقف تضحية..

وسيكون لإخواننا موقف من هذه الخواطر..

موقف المؤيد الذي يرى فيها روحاً جديدة تسري.. قبسا من قبس الدعاة العظماء الذين تتلمذنا على فكرهم ومواقفهم..

وموقف الخصم الذي سيحمل الكلمة ما لا تحتمل.. وسيزوّر المواقف ويشمّر عن ساعد المكر ويصيح: يا غيرة الدين!

وموقف الإنسان العاقل المعتدل.. الذي يحسن الظن ويدعو لأخيه في ظهر الغيب.. دعوة تسديد لما وفق فيه من نظرات.. ودعوة تصحيح لما أخطأ فيه.. وهذا الصنف هو الذي يعنيني بالدرجة الأولى.

والحمد لله رب العالمين.

الكويت  23/5/2012م

الفهرست

 

One response to “خواطر حول العالم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *