هي قصة حياتي..
أرويها كما حدثت.. وأقدمها إلى القراء في بلادي القريبة والبعيدة.. بعضهم سيجد فيها قصة مسلية مثل حكايات السندباد وابن بطوطة.. وبعضهم سيجد فيها طرفاً من أخبار المسلمين في الأقطار التي زرتها وكان لي فيها بعض النشاط في العمل الدعوي والطلابي.. وسيجد فيها البعض تحليلات سياسية لأحداث هامة جرت في بلادي تختلف فيها الرؤى وتكثر حولها التحليلات أردت أن أدلي فيها بدلوي، لعل في ذلك فائدة.
كنت أعتب على الدعاة والسياسيين لِمَ لا يستريحوا في أواخر أيامهم من عناء الحركة، ويتفرغوا لكتابة مذكراتهم كما يفعل الرؤساء في كثير من البلدان الغربية.. وحتى لا أقع فيما وقع فيه غيري.. قررت الكتابة في وقت مبكر.
قسمت هذه المذكرات إلى أجزاء.. بعض هذه الأجزاء تناولت فيها قصتي في قطر مكثت فيه سنين طويلة من عمري مثل سوريا ولبنان.. وتركيا.. والكويت.. بينما تناولت في الأجزاء الأخرى خواطري عن تلك البلدان التي مررت بها.. أو زرتها لأيام قليلة وكان لي فيها أثر قل أو كثر..
ربما غلبت السياسة على نكهة هذه الذكريات.. وماذا أفعل وقد عشنا في الزمن الصعب.. بلادنا محتلة تصارع المحتلين.. وأحزابنا لا تجيد إلا لعبة التسلق، حتى إذا وصلت إلى الكرسي.. تشبثت بموقعها إلى آخر العمر.. واستنجدت بالأبناء ليواصلوا تاريخ أسرة الزعيم الأوحد..؟
كنت أقول باستمرار إن هذه الأوضاع حرمتنا كأطفال أن نلهو ونلعب مع الأطفال.. وحرمتنا كشباب أن نستمتع بمعطيات وأهازيج الشباب.. لم تترك لنا فرصة لنفكر في الجمال المبثوث في كل زاوية من زوايا الحياة.. في الهواء وأنت تركب متنه.. وفي الماء وأنت تعبر محيطاته.. وفي الشجرة وهي تعطي وتبهج.. وفي السحر الحلال وأنت تسكن إليه فيورق ويزهر ويثمر..
اليوم وأنا أقف على قمة الستين أسائل نفسي: هل كنت سأختار هذه الرحلة بهذا الأسلوب لو كان لي الخيار..؟
ـ هل كنت سأعطي لنفسي مزيداً من الوقت استمتع فيه بالقراءة والكتابة والسياحة.. وأخفف عن نفسي هذا القدر الكبير من المعاناة.. وعن زوجتي طول مكثها على النافذة تنتظرني هل أعود أو لا أعود.. وعن أولادي الذين أرهقهم كثرة غيابي ووعورة دربي..؟
ـ هل كنت سأفعل كما فعل الشاعر الأموي جرير الذي انتبه متأخراً لنفسه.. فوجد أنه قضى عمره في هجاء الشعراء وتأييد الخلفاء.. فلما فقد زوجه استعبر وكتب في رثائها أجمل رثاء وأعظم نسيب.. ولسان حاله يقول: لقد فات الأوان ولولا نفاذ رصيد العمر لنسبت نسيباً أبكي العجوز على شبابها
ـ هل كنت سأستنطق الحياة وأقرأ المزيد في كتابها؟
وكتابٌ كنت أقرأ فيه صوراً ما قرأتها في كتابي..
وأردد مع (إيليا أبو ماضي) بعض أبياته وهو يعزف لحن الجمال:
أيهـا الشاكي ومـا بـك داءٌ كيــف تغدو إذا غدوت عليلاً
أترى الشوك في الورد وتعمى أن تـرى فوق النـدى إكليـلاً
والذي نفسـه بغيـر جمـال لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً
ـ هل تظنني قادراً أن أختار..؟
وهل تعرفني ممن يؤثرون الراحة والدعة..؟
أستبعد ذلك.. فقد طبقت حرفياً ما حفظته من قول أبي تمام..
بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها تنال إلا على جسر من التعب
هذه هي أوراق المسافر..
الورقة الأولى بين أوراق كثيرة..
تحدثت فيه عن سوريا.. البلد الذي عشت فيه طفولتي.. وباكورة أيامي.. تعرفت فيه على أعز الأصدقاء.. والتزمت فيه بالفكر الإسلامي.. في بلد يعج بالأفكار وينوء كاهله بأحزاب بعيدة كل البعد عن مصالح بلدي أو عقيدة شعبي..
وألحقت بهذا الجزء.. ذكرياتي عن لبنان.. البلد الذي ولدت فيه.. واستمتعت بأجوائه الجميلة.. وما زلت أحنّ إليه.. فكل ممنوع مرغوب!
وستتلو هذه الورقة أوراق أخرى.. تتحدث كل منها عن بلد من البلدان.. وهكذا مضت رحلة العمر مع أوراق الذكريات.
المؤلف
2006/2/22
لقراءة المزيد من الجزء الأول من أوراق مسافر – طفل من القرية