مصطفى محمد الطحان
هل يمكن اعتبار ما حدث في تونس ومصر، وما يحدث من احتجاجات في انحاء كثيرة من الدول العربية، بمثابة صحوة إسلامية جماهيرية أم لديكم تفسير آخر له؟
إن ما يحدث في تونس وفي مصر بعدها، وفي ليبيا واليمن والبحرين، وما يتوقع أن يحدث في الجزائر وموريتانيا والأردن وسوريا.. هي صحوة شعوب خضعت للاضطهاد والإرهاب فترة طويلة من الزمن.. ولربما لجأت بعض الفئات إلى أساليب غير حكيمة للتخلص من كابوس الطغاة ففشلت.. وعندها أدركت الشعوب أن التحرك السلمي هو وحده الحل.. وصحوة الشعوب هذه هي صحوة إسلامية فالإسلام وحده هو المعبر عن هوية الشعوب.. وهو الدافع الحقيقي لمقاومة الطغيان، وهو السبيل الوحيد للتحرر ومقاومة الاستعمار الذي تحكّم طويلاً في بلادنا، وأذلّ شعوبنا وغرس مفاهيماً تخالف مفاهيمنا ومكن لإسرائيل على أرضنا.. وأقنع الحكام أن أقرب الوسائل إلى قلب الغرب.. هو طريق إسرائيل.
وفي أيام الملك فاروق كتب سيد قطب مقالاً بعنوان: كن مسلماً فحسب، فهو وحده يدفعك إلى حرب الاستعمار فإن لم تفعل فتحسس قلبك عسى أن تكون مخدوعاً بحقيقة إيمانك.. كن مسلماً فحسب.. فهو وحده الذي يدفعك إلى مكافحة طغيان الحكام.. فإن لم تفعل فتحسس قلبك عسى أن تكون مخدوعاً بحقيقة إيمانك.. فإذا لم تكن مخدوعاً بحقيقة إيمانك.. فإن الإسلام فقط هو الطريق إلى الحرية والتحرر (من كتاب دراسات إسلامية- سيد قطب).
ما هو السبيل الصحيح حتى لا تذهب ثمار هذه الثورات أدراج الرياح؟ وبما تفسر مباركة الغرب لها بالرغم من أنه صانع هؤلاء الطغاة وفراعين هذا الزمان؟
ذكر مايلز كوبلاند في كتابه لعبة الأمم.. إن إرهاصات التغيير عندما تجلت في مصر أواخر أيام الملك فاروق.. أرسلت أمريكا إلى مصر كوميت روزفلت أحد رجال المخابرات المركزية لدراسة الموقف.. وكان المتوقع غربياً أن أي انقلاب عسكري يحدث ضد فاروق سيكون إخوانياً أو شيوعياً.. مكث روزفلت مدة في مصر، وكتب بعدها إلى الخارجية الأمريكية رسالة.. قال فيها: لقد تفاهمنا مع رجال الثورة وإن الانقلاب لن يكون كما تعتقدون.. (من كتاب لعبة الأمم).
فإذا ساءت الأحوال في بلد ما.. فإن الغرب يحني رأسه للعاصفة، ويتفاهم مع بعض الأطراف المؤثرة لحرف مثار الأحداث فيما بعد.
كان الطغاة في بلادنا يحكمون الناس بالحديد والنار.. وفتحوا كل أبواب جهنم لاضطهاد أو قتل المسلمين.. وأقنعوا الغرب أنه لابد من تأييدهم.. لأنهم وحدهم يستطيعون خدمة الغرب، وخدمة إسرائيل، ومواجهة الإسلام.
أما لماذا يبارك الغرب هذه الانتفاضات الشعبية.. فذلك لأنه لا يملك غير ذلك.. اعتمد على الحكام الدكتاتوريين.. الذين أسرفوا في اضطهاد الشعوب.. فلما انتفضت الشعوب.. أدركت أمريكا والغرب معها أنهم فشلوا.. فبدأت تنافق الشعوب.. ولكن هل سيستسلم الغرب.. لا نظن.. ولكن على الشعوب أن تتمسك بمواقفها وبأهدافها ودينها مهما تكن الظروف والمصاعب.. (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم).
الثورة الشبابية المصرية، هل تدحض الفكرة القائلة بأن الحركات الاسلامية مثل (الإخوان المسلمين)، ليس لديها قدرة على احداث التغيير السلمي، وأنها ليس لها برنامج محدد المعالم للتعامل مع هذه المتغيرات؟
ثورة 25 من يناير المصرية
الحركات الإسلامية مثل حركة الإخوان المسلمين هي حركة تربوية تعاني منذ استشهاد مرشدها الأول حسن البنا الاضطهاد والاغتيال والسجون والإعدام والقتل.. ومثل أي حركة أخرى قد تكون لها بعض الأخطاء.. ولكنها اليوم حركة تملك قواعد ثابتة وعريضة، وتقاوم الطغيان مقاومة سلمية حثيثة. ومثال ساحة التحرير ودور الإخوان فيها دليل على ما نقول.
لقد رأينا جميعا كيف حاول مبارك والعادلي وعملاء النظام أن يفتكوا بشباب ساحة التحرير.. ولم يدافع عن هؤلاء الشباب سوى شباب الإخوان الذين ملأوا الساحات منذ اليوم الأول للحركة الشبابية.. دون أن يرفعوا شعاراتهم ودون أن ينسبوا الفضل لحركتهم، فالذي كان يعنيهم هو سقوط الطغيان.. ولقد سقط والحمد لله.
يوم تولى البروفيسور نجم الدين اربكان رئاسة الوزارة في تركيا عام 1996، وبعد أيام من ذلك، حضر إلى أنقرة بطريقة مفاجئة حسني مبارك والتقى من فوره بالأستاذ اربكان.. وحذره من (الإخوان المسلمون) الذين حاولوا قتل عبد الناصر وقتلوا السادات، وهم يقودون العمليات الإرهابية في مصر والعالم.. استمع إليه اربكان ثم قال له: نحن لا نعرف الإخوان المسلمين على الشاكلة التي تتحدث عنها.. نحن ندعوهم إلى لقاءاتنا ونتحدث معهم.. ولم نلمس منهم سوى المحبة لمصر.. وللإسلام.. وللعمل السياسي الرشيد.
إن حركة الإخوان المسلمين بأدبياتها وثقافتها وعقيدتها تتميز عن غيرها بجذور راسخة في نفوس شعب مصر وكل الشعوب العربية والإسلامية، وتمتد أفقا ليطال فكرها وتصورها الحضاري، ما يتسع للتفاعل والاندماج مع الآخر من الأفكار والمدارس والتيارات والعقائد المتعددة في الأوطان، بل في العالم كله بكل أفكاره وتوجهاته ومدارسه، مادامت في إطار اختلاف تلك الأفكار وتنوع المعتقدات التي تقرها المرجعية الإسلامية التي يدعون إليها ويتخذونها منهجاً لفكرهم.
لقد كانت الجماعة في كل ظروفها حركة علنية شفافة.. ساهمت في تحرير قناة السويس من الإنكليز، وعملت على تحرير فلسطين من اليهود.. وساهمت قدر استطاعتها المحافظة على شباب ساحة التحرير.. وهي كذلك في كل الظروف في مصر وغير مصر.
هل ترى أن التغيير الحاصل في تونس ومصر، قد يجعل من القادة والحُكام الجدد يغيرون سلم الأولويات القومية، بمعنى أن تحتل القضايا الاسلامية وعلى رأسها فلسطين المحتلة قمة الأولويات الفعلية، أم أن الأمر سيتركز أكثر على الشئون الداخلية، لمنع حدوث تغييرات مستقبلية؟
الحكام الجدد الذين سيأتون إلى السلطة هم مثل الحكام القدامى.. والحكم مفسدة، والتمسك بالسلطان شهوة.. ولقد قال الحسن البصري: (رأيت الناس تزهد في كل شيء إلا بالسلطان).
وينبغي على الحركات الإسلامية الجادة الصادقة أن تفتح عيونها جيداً.. وأن لا تشغلها قضاياها عن قضايا الأمة.. ومما لا شك فيه أن الاهتمام بقضية فلسطين ينبغي أن يحتل الأولوية عند الشعوب والحركات الإسلامية وغير الإسلامية، وأن الأمر في مجمله يعتمد اعتماداً كلياً على شباب الإخوان والحركات الإسلامية الأخرى.. ومقدار تفاعلهم واهتمامهم وتضحياتهم في سبيل مبادئهم وفي نصرة قضايا أمتهم.
ما هي رؤيتكم لمستقبل حركة الاخوان المسلمين في مصر وحزب النهضة في تونس، وهل تتوقع تغيراً في نمط تعاطيهم مع القضايا القومية؟
حركة الإخوان في مصر.. لا تشابهها حركة إسلامية أخرى سواء حملت اسمها أو تبنت أسماء أخرى.. فهي حركة عقائدية تؤمن باصول الإسلام ولا تنحرف عنها، تفهم الإسلام من مصادره الأصلية من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.. تعمل على بناء الفرد المسلم والأسرة المسلمة.. ثم تعمل على تحكيم الإسلام في الدولة والمجتمع. أما الحركات الإسلامية الأخرى فهي بين العقائد والسياسة.. وبين الأصالة والمصالح.. وبين الثبات على المبدأ واختيار الأسهل والأقرب.. قال الأستاذ نجم الدين اربكان يوم أسس حزب النظام الوطني عام 1970 لزملائه في الحزب: (ما لقينا مثل الإخوان المسلمين صادقين عاملين وما نفعنا في ديننا ودعوتنا أحد مثل الإخوان المسلمين). أما المستقبل فهي للإخوان )وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا( (الجن-16).
نعود إلى واقع الأمة الاسلامية بصفة عامة، نجد إختلافاً بين رؤى متعددة واحياناً متباينة حول الطرق الواجب اتباعها لتحقيق نهضة الأمة الاسلامية، هل تعطينا روشتة للخروج من هذا النفق المظلم، وتحقيق التقدم المنشود؟
نعم هناك حركات إسلامية متعددة.. الإخوان المسلمون.. والسلفية.. وجماعة التبليغ.. وحزب التحرير.. وغيرهم كثير. ولكل هذه الحركات محاسن ونقاط ضعف.. ونحن نعتقد أن حركة الإخوان المسلمين في مصر وقياداتها الصابرة المحتسبة.. وفكرها المستمد من الإسلام موضوعا، ومن المنهج الإسلامي تطبيقاً. أن الطريقة التي على الحركات الإسلامية اتباعها للخروج من النفق المظلم، هي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم التي مارسها مع المسلمين الأولين في دار الأرقم بن أبي الأرقم.. والتي خرّجت أعداداً قليلة من الدعاة العظماء، هؤلاء هم الذين حققوا انتصار بدر وأقاموا دولة الإسلام في المدينة.. ومن ثم توسعت حتى حكمت قارات متعددة.
هذا هو الطريق الذي أقمنا به الدولة الرشيدة.. وهو الطريق الذي حاربنا به الصليبيين وحررنا بيت المقدس.. وهو الطريق الذي حررنا به العالم الإسلامي من التتار.. ولا أظن أن هناك طريقاً ناجحاً غيره.
كثير من المفكرين يرون أن الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون في شتى أنحاء العالم هي دليل ضعف ووهن، لكن اشرتم في بعض مؤلفاتكم إلى أنها دليل حياة وحركة وقوة، ما تعليقك؟
أؤكد ما قلته سابقاً.. فلو كانت الحركة الإسلامية حركة ضعيفة متهافتة.. لم يكن ليأبه لها هذا الإعلام العالمي وأبواقه المحلية.. وما كانت لتنشغل بها الدول الكبرى والدول الصغرى التي تتبعها.. وما كانت إسرائيل لتقول: (عدونا الأول هم الإخوان المسلمون الذي يستوي عندهم الانتصار أو الشهادة فكلاهما في نظر الإخوان انتصار).
ومن أحب أن يتأكد من قولنا فليراجع الاستراتيجية الأمريكية التي وضعتها في أيام بوش الابن الحاكم الصليبي.. جاء في هذه الاستراتيجية أن الفعل الصحيح للغرب هو تغيير مفاهيم المسلمين.. والعدول عن الحركات الإسلامية التي تعتقد أن الإسلام دين ودولة.. وتختم قولها: أن الصوفية على الأغلب هو الفكر الذي ينبغي نشره.
لكم كتاب خاص عن حزب العدالة والتنمية في تركيا، برأيكم هل من الممكن تعميم التجربة الاسلامية التركية على منطقتنا العربية؟
لنا كتاب عن تركيا باسم الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا.. وكتاب آخر باسم تركيا التي عرفت من السلطان إلى نجم الدين اربكان.. وحركة اربكان مشت في طريق الإخوان وكنت مع الرجل من البداية إلى يوم وفاته رحمه الله.
كتاب تركيا التي عرفت من السلطان إلى أربكان
واربكان فرّق دائما بين الأحزاب السياسية التي أنشأها (النظام، والسلامة، والرفاه، والفضيلة، والسعادة). وبين الحركة الإسلامية التركية (مللي جوروش) والتي كان اربكان يقدمها على الأحزاب. فالحركة تدوم، والأحزاب السياسية تنتهي.
الحركات الإسلامية في الدول العربية بينها العديد من نقاط الاختلاف حول رؤيتها للأوضاع وصياغتها للمشروع ا الإسلامي القومي، لماذا لا تتحد تلك الحركات مع بعضها البعض لتحقيق النهضة الإسلامية الشاملة؟
لا تستطيع الحركات الإسلامية أن تتحد مع بعضها، ما لم تتوحد مناهجها وطرائق تربيتها، وتوحيد وسائلها.. فالوحدة في الأسماء لا قيمة لها.
ثم لماذا نشغل أنفسنا بتوحيد الحركات الإسلامية.. فالأصل أن تتعدد.. مثل المذاهب الإسلامية التي تتعدد، ولكنها تؤدي إلى هدف واحد، ولربما سهّل تعددها بعض المسائل التي تهم المسلمين.
قد يكون إنشاء مجلس للتنسيق بين الحركات الإسلامية في القطر الواحد.. وحتى بين الأقطار المختلفة مما يخفف من نبرة الخلافات.. ويقارب بين أفكار الجماعات.. تماماً كما فعل اربكان.. عندما دعا إلى تقارب الجماعات الإسلامية في العالم وأنشأ لها مؤسسة كنت في وقتها أمينها العام، وكان يشارك في هذه اللقاءات (200) تجمع إسلامي.. من مختلف المشارب والمواقف. مثل هذا العمل قد يكون مفيداً.. وبإمكان حركة الإخوان في مصر القيام بهذا العمل.
ذكرتم أن من معالم الأزمات الفصام بين القيم الاسلامية والسلوك، برأيكم كيف يتحقق التواءم بين القيم والسلوك كي ينصلح حال الأمة، وهل تقع المسئولية على المؤسسات التعليمية المترهلة أم على الأسرة؟
نعم لابد من إنهاء الأزمة بين القيم الإسلامية والسلوك.. ويحدث ذلك بواسطة المناهج التربوية. ولقد كتبت كتابا أسميته (التربية ودورها في تشكيل السلوك)، فلا قيمة للتربية التي لا تساهم في إعادة تشكيل السلوك.. وكان الفرد المسلم الذي يزور النبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم.. يخرج من عنده كل يوم بسلوك جديد. حتى صار واضحاً الفرق بين سلوك المسلم وسلوك القرشي المشرك.. وكذلك ينبغي أن نعمل.
الكويت 9/4/1432 هـ
الموافق 14/3/2011م