(1) ماذا بعد احتلال العراق؟ – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من العراق
مقدمة
قد يكون من المبكر الحديث عن الحرب الأمريكية في العراق(كُتب البحث في 20/4/2003م).. مقدماتها.. وصفقاتها.. ونتائجها.. ولكن الإنسان عجول بطبعه.. ويحب أن يحصل على إجابات لأسئلته.. ولا أجد بأساً في ذلك.. فلا يمكن لإنسان متفاعل مع الحدث.. تابع الأحداث وتصور لها نهاية تناسبه.. وهي نهاية وردية في أغلب الأحيان.. لا يمكن أن نقول لهذا الإنسان انتظر حتى ينكشف المستور، وتظهر الحقائق.. فالحقائق لا تظهر أحياناً إلا بعد خمسين سنة.
ولهذا سنحاول أن نذكر بعض النتائج التي أسفرت عنها هذه الحرب على المستوى العراقي.. وعلى المستوى الخليجي.. وعلى المستوى العربي.. وعلى المستوى الأوروبي.. وعلى المستوى العالمي.. وعلى المستوى الأمريكي.. نذكرها بدون تحديدات دقيقة.. فالمعلومات غير متوفرة إلا عند صنّاع الحدث.. ولا يذيعون منها إلا القدر الذي يناسبهم. وما يناسبهم قد لا يناسبنا.
العراق تحت الاحتلال
قبل الحديث عن الحرب الأخيرة في العراق.. لا بد أن نضع أمام القارئ بعض المحطات الرئيسة التي مرّ بها العراق منذ تولى قيادته صدام حسين.
عام 1959 شارك صدام حسين في محاولة فاشلة لاغتيال عبد الكريم قاسم الذي أطاح بالملكية وأقام النظام الجمهوري عام 1958.
عام 1968 قام البعث بانقلاب عسكري سيطر فيه على الحكم في العراق. وأصبح اللواء أحمد حسن البكر رئيساً للجمهورية.. وعمل البكر وصدام معاً وأصبحا القوة المهيمنة على حزب البعث.
عام 1972 عقد العراق معاهدة تعاون وصداقة مع الاتحاد السوفياتي، كما أمم شركة النفط الوطنية، التي تأسست في ظل الإدارة البريطانية، وكانت تصدر النفط إلى الغرب بأسعار رخيصة.
وقد استثمر بعض أموال النفط التي أعقبت أزمة عام 1973 في الصناعة والتعليم والصحة، مما رفع المستوى المعيشي إلى أعلى مستوى في العالم العربي.
عام 1974م ثار الأكراد في شمال العراق بدعم من شاه إيران الذي تؤيده الإدارة الأمريكية. وقد دفع هذا الصراع الحكومة العراقية إلى طاولة المفاوضات مع إيران، إذ وافقت على تقاسم السيطرة على شط العرب (اتفاقية الجزائر التي وقعت عام 1975)، مقابل ذلك أوقف شاه إيران تقديم الدعم المادي للأكراد في شمال العراق مما مكّن النظام العراقي من إخماد الانتفاضة الكردية.
عام 1978، أصبح الانتماء إلى أي من أحزاب المعارضة جريمة يعاقب عليها القانون العراقي بالإعدام. وفي العام التالي أجبر صدام حسين المهيب أحمد حسين البكر على الاستقالة وتولى جميع السلطات في البلاد.
وقد أقدم صدام على إعدام العشرات من منافسيه في قيادة الحزب والدولة خلال أيام من وصوله إلى الرئاسة.
في 22 سبتمبر عام 1980م بدأت الحرب مع إيران.. وهذه الحرب هي بكل المقاييس حرب بالوكالة.. خاضها صدام حسين برعاية أمريكية وبدعم خليجي.. كانت المليارات طوع يديه.. والأقمار الصناعية التجسسية الأمريكية تقدم له المعلومات.. وأسلحة الدمار الشامل تزوده بها أمريكا ليضرب إيران والأكراد في داخل العراق.. أهداف الحرب أمريكياً كانت إسقاط النظام الإيراني الجديد.. وأهدافها عراقياً.. أن يتسنّم صدام حسين مركزاً مرموقاً في السياسية الشرق أوسطية التي ترعاها أمريكا.
في 18 يوليو عام 1988م وافقت إيران على هدنة اقترحتها الأمم المتحدة. وبدأ سريان وقف إطلاق النار في 20 أغسطس، وأرسلت الأمم المتحدة قوات دولية لحفظ السلام.
وبنهاية الحرب لم تتغير حدود البلدين تغييراً كبيراً لكن كلا من العراق وإيران شعرتا بثقل التكاليف البشرية والاقتصادية الهائلة لثمانية أعوام من الحرب التي حصدت أرواح نحو (400) ألف شخص من الجانبين كما خلفت نحو (750) ألف مصاب.
تقدر قيمة الخسائر الاقتصادية وخسائر عائدات النفط لكل من البلدين بأكثر من (400) مليار دولار. إلا أنه بعد ثلاثة أعوام من انتهاء الحرب وفي عام 1991 وبعد شهر واحد من الغزو العراقي للكويت وافق العراق على الالتزام باتفاقية عام 1975 التي وقعها مع إيران.
اغتنمت إسرائيل فترة انشغال العراق بحربه ضد إيران.. فأغارت مجموعة من الطائرات الإسرائيلية على مفاعل تموز النووي الذي أقامته فرنسا في العراق.. وحولته إلى أنقاض.
في 2 أغسطس 1990 غزا صدام حسين الكويت.. مدعياً أنها جزء من العراق.. في هذا التاريخ يمكننا أن نقول أن أمريكا خطت أولى خطواتها الاستراتيجية.. هيأت الأمر سفيرتها في بغداد أبريل غلاسبي التي أفهمت صدام عمق الروابط بين البلدين.. وعندما تحدث عن نيته في الحرب ضد الكويت.. قالت له السفيرة: هذه قضايا داخلية لا علاقة لنا بها.
كان هدف أمريكا توريط صدام وإزالته.. فهو عميل لا يُطمأن إليه.. وهدف القيادة العراقية.. هو ابتزاز دول الخليج.. وإشباع نزعة التأله التي بدأت تظهر على شخصية صدام حسين.
في (17) يناير1991م شنت أمريكا عملية عاصفة الصحراء ضد العراق.. وفي 27 فبراير تحررت الكويت وقبلت العراق قرار وقف إطلاق النار.
وتحرك الشعب العراقي في الشمال والجنوب في انتفاضة شعبية.. كان بإمكانها الإطاحة بصدام حسين.. ولكن اللعبة لم تنته بعد.. فعلى الرغم من وجود القوات الأمريكية داخل العراق، فقد سمحت لصدام باستخدام أسلحته لإبادة الانتفاضة في الشمال وفي الجنوب.. فأسلحته فتاكة حين يكون عدوه شعبه.. وفرضت أمريكا عليه قرارها بإنشاء منطقة الحظر الجوي في الشمال وفي الجنوب.. بحجة الدفاع عن الشعب العراقي(في مارس 1991في الشمال وعام 1992 في الجنوب).
تقول جماعة( إندايت) التي تدعو لمحاكمة القادة العراقيين بتهم ارتكاب جرائم حرب، إن المتمردين قد اعدموا جماعياً، وإن المستشفيات والمدارس والمساجد والأضرحة وطوابير اللاجئين الفارين قد تعرضت للقصف. وتقول الولايات المتحدة، التي تعرضت لانتقادات شديدة لسماحها لصدام حسين باستمرار استخدام قواته الجوية، إن ما بين ثلاثين ألفاً وستين ألف عراقي قد لقوا حتفهم.
وفي الشمال، فر نحو مليون ونصف المليون كردي عبر الجبال إلى إيران وتركيا. وقد ساهمت الظروف المناخية السيئة والتضاريس الصعبة في زيادة معاناة اللاجئين وخلقت كارثة إنسانية رهيبة.
ولقد تسببت حرب الخليج الثانية بأسوأ الكوارث البيئية التي شهدها العالم. فقد أضرم العراقيون النار في (600) بئر نفطي في الكويت على الأقل، مما نتج عنه غمامة سوداء من الدخان غطت سماء الكويت. وقد تطلبت عملية إطفاء هذه الحرائق جهوداً مضنية بذلها متخصصون في هذا المضمار على مدى ستة أشهر.
أما في العراق، فقد أثار التلوث الناتج عن استخدام القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها للذخيرة المصنوعة من مادة اليورانيوم المنضب قلقاً شديداً.
ويقول العراقيون إن الإشعاع الناتج عن استخدام هذا النوع من الذخائر قد تسبب في ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية تسعة أضعاف في المناطق الجنوبية من البلاد وعلى الأخص المناطق المحيطة بمدينة البصرة.
في أبريل 1991م قررت الأمم المتحدة إجراء عمليات تفتيش على الأسلحة العراقية. استمرت اللجنة في عملها لأكثر من سبع سنوات تم خلالها تدمير العديد من الأسلحة المحظورة وتفكيك معدات إنتاجها.
في يونيو 1993م أصدر الرئيس الأمريكي بيل كلينتون تعليمات بتوجيه ضربات جوية لمقر المخابرات العراقية رداً على محاولة لاغتيال سلفه جورج بوش الأب قبل هذا بشهرين أثناء زيارة قام بها للكويت.
في ديسمبر 1998م شنت الولايات المتحدة وبريطانيا عملية ثعلب الصحراء.. وكان الهدف المعلن رسمياً من حملة التفجير والقصف باستخدام صواريخ كروز التي أصابت (100) هدف في مختلف أنحاء العراق، هو حرمان صدام حسين من القدرة على إنتاج أسلحة دمار شامل!
وشملت الأهداف، بالإضافة إلى المواقع التي لها علاقة بإنتاج أسلحة كيماوية وبيولوجية، مواقع الشرطة السرية، وقوات الحرس الجمهوري، وقواعد جوية، ومواقع دفاع جوي، ومصافي نفط البصرة.
وفي 26 نوفمبر 1993م وافقت بغداد من دون شروط على القرار رقم (715) الصادر عن مجلس الأمن حول مراقبة التسليح العراقي. وهو القرار الذي استغله الأمريكان حتى قيام الحرب الأخيرة.
في 27 نوفمبر 2002م استأنف مفتشو نزع الاسلحة بقيادة بليكس عملهم في داخل العراق.. بعد تبني مجلس الأمن في (8) نوفمبر 2002م القرار (1441) الذي يطالب العراق بكشف برنامجه لإنتاج أسلحة الدمار الشامل.
حاولت أمريكا وانكلترا الحصول على قرار ثان من مجلس الأمن يخولها استخدام القوة.. ولكن الفيتو الفرنسي منع صدور مثل هذا القرار.. ولهذا بدأت أمريكا الحرب بقرار منفرد يوم 20 مارس 2003م.
بدايات الحرب كانت مفاجئة للأمريكان.. فقد توقعوا أن يستقبلهم العراقيون بالزغاريد.. ولكن المقاومة كانت في البداية شرسة.. مما أربك خطة الحرب الأمريكية.
وبينما كان العالم الذي تحمّس مع العراقيين، الذين نهضوا في بداية الحرب نهضة رجل واحد يتصدون للعدوان.. وكان الجميع ينتظرون معركة بغداد التي ستكون مقبرة للغزاة.. وإذا بالأمريكان يدخلون بغداد يوم 9 أبريل 2003 دون مقاومة.. فلقد هربت القيادة واستسلمت القوات التي ظنها الناس حصناً لا يمكن تجاوزه.
لقد تآمر صدام حسين على رفاقه الحزبيين.. وقام بانقلاب داخلي أبعد أحمد حسن البكر الذي اعتبره البعثيون في العراق بمثابة والد الجميع.. وتابع المسيرة نحو البعثيين الذين انشقوا عليه فصفاهم في كل مكان وصلت إليه يده.. ولم يسلم من هؤلاء صهره زوج ابنته الذي قتله بيده كما أشيع.
وتآمر صدام حسين على الأكراد.. فحاول قتل الزعيم الكردي مصطفى البرزاني بعد أن عقد معه اتفاقية الحكم الذاتي.. ونجا البرزاني من الموت بأعجوبة.. وإن كانت حادثة تفجير مقره قد أودت بحياة عدد كبير من مساعديه.. ثم قام بتهجير الأكراد من مناطقهم في الشمال وأثناء نقلهم من ديارهم إلى الجنوب صفى منهم فيما عرف بالأنفال (180) ألف إنسان.. وكانت إحدى حلقات الأحزان الكردية وتحديداً في 16 مارس 1988م ما شهدته بلدة حلبجة الكردية التي قتل فيها وفي يوم واحد خمسة آلاف مواطن عراقي كردي.
في ذلك اليوم المشؤوم ألقت المروحيات والطائرات العراقية خليطاً فتاكاً من غاز الخردل وغاز الأعصاب، مما أدى إلى سقوط ذلك العدد الكبير من القتلى في تلك البلدة الحدودية الصغيرة، وأما من نجا من الموت فقد أصيب بالعمى أو بأمراض مزمنة خطيرة!
واليوم وبعد مرور خمسة عشر عاماً على تلك الجريمة النكراء، التي استخدم فيها نظام صدام أسلحة الدمار الشامل ضد شعبه يقود وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد حملة عسكرية غير مسبوقة لإزالة تلك الأسلحة وإطاحة نظام صدام.. ولكنها ستكون مفارقة تاريخية مؤلمة، ذلك أن اسم دونالد رامسفيلد ذاته، وليس أي شخص آخرسواه، يرتبط بمذبحة (حلبجة) وبتزويد نظام صدام بأسلحة الدمار الشامل خلال الحرب العراقية الإيرانية!
ولمزيد من الإيضاح، فإن إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق ريغان محت في العام 1982 اسم العراق من لائحة الدول الراعية للإرهاب، وفتحت بذلك الباب أمام التعاون الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد ضد إيران، وبناءً على نصيحة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السي. آي. إيه حينذاك صدر قرار بتزويد نظام صدام بالمعلومات العسكرية عن إيران، وتقديم الاستشارات التخطيطية، وتزويده بالسلاح، وضمان عدم نقص الذخائر.. وفي هذا الإطار ابتعث الرئيس ريغان مندوبه دونالد رامسفيلد إياه يوم 19كانون أول( ديسمبر) من العام 1983 إلى بغداد في مهمة خاصة تستهدف دعم التعاون العسكري السري بين الولايات المتحدة والعراق، وكرر رامسفيلد الزيارة في 24آذار( مارس) من العام 1984، وفي ذينك العامين استخدم صدام الأسلحة الكيماوية ضد القوات الإيرانية، التي عدّها الأمريكان تفوقاً تكتيكياً ضرورياً للعراق على إيران، ويكشف الصحافي بوب وودوارد في صحيفة واشنطن بوست (15 ديسمبر من العام 1986) أن السي. آي. إيه هي التي أعانت نظام صدام على تصنيع غاز الخردل!
وتآمر صدام حسين على الشيعة في العراق.. قبل حربه مع إيران.. وأثناء الحرب.. وأثناء الانتفاضة الشعبية بعد حرب عام 1991.
موقفه من الشيعة جزء منه انتهازي.. فقد نال به ثناء دول الخليج.. وأحياناً بعض الإسلاميين الذين اعتبروه حارس البوابة الشرقية للوطن العربي.. وثناء أمريكا التي كانت تعادي إيران وتعتبرها العدو الأول لها ولإسرائيل.
وباختصار فلم يبق لصدام حسين إلا الشريحة السنية في وسط العراق.. وأقاربه في تكريت.. وأزلامه في حزب البعث.. وهؤلاء جميعاً طلاب زعامات.. ورجال بلا قلب.. يمكن اعتبارهم مجرمي حرب في العرف الإسلامي والقانوني.
وحزب البعث حزب شكّله ميشيل عفلق وصلاح البيطار، استمدا فلسفته من الفلسفة الغربية الفرنسية العلمانية،، وكل من يقرأ مبادئ البعث كما كتبها مؤسسه ميشيل عفلق في كتابه( في سبيل البعث).. يدرك أنها فلسفة تعادي الإسلام والقيم التي نشأت عليها وآمنت بها شعوبنا المسلمة..
ولا نتصور أن المسافة ستكون كبيرة بين البعث برئاسة صدام حسين.. والبعث الذي سيتعاون مع الاحتلال.. فتاريخه منذ أكثر من خمسين سنة توصلنا لمثل هذه النتيجة. ولقد صرح وزير الدفاع البريطاني لصحيفة الأوبزرفر في (13) أبريل 2003م أن أعضاء حزب البعث سيسمح لهم بالمشاركة في إعادة بناء البلاد..!!
نتائج الحرب
1- كان واضحاً أن حرب أمريكا على العراق ستنتهي بانتهاء النظام العراقي.. فالخلل في ميزان القوى، والفرق بين سلاح أكل عليه الدهر وشرب في العراق، وبين أقوى ترسانة أسلحة وأكثرها تطوراً وفتكاً في امريكا.. كبيرٌ للغاية وسيحسم النتيجة لصالح أمريكا..
كان المتعاطفون مع الشعب العراقي.. أو لنقل الناقمون على أمريكا نتيجة عدوانها.. يتمنون أن تطول الحرب قليلاً وأن يسقط عدد آخر من قوات الاحتلال الأمريكي لا أكثر.
2- ولكن لم يكن من المتوقع أبداً.. أن يحدث هذا الانهيار السريع في قمة القيادة في بغداد.. إن الطريقة التي سُلّمت بها مفاتيح بغداد شكلت فضيحة لكل التحليلات الاستراتيجية التي صدرت عن الجانب العربي، والتي لم تبرز فقط هشاشة بنية النظام وهزال قدراته العسكرية، بل كشفت ضعف شعور رأس النظام بأي مسؤولية تجاه مستقبل البلد الذي حكمه لمدة ثلاثة عقود، فكان زجه في المعارك مثل إخراجه منها محكوماً بالبحث عن سلامة القائد حتى لو كانت سلامة موهومة.
وهذا المنطق للأسف الشديد.. هو منطق جميع الحكومات الثورية التي ابتليت بها أمتنا..فبعد نكسة عام 1967.. أعلن جمال عبد الناصر قائد ثورة يوليو في مصر أن إسرائيل لم تنتصر.. فالثورة العظيمة والقائد العظيم ما زالا موجودين.وبنفس الطريقة صرّح إبراهيم ماخوس وزير خارجية سوريا أثناء حرب عام 1967، وعلى نفس المنوال مشى صدام حسين في جميع معاركه، حتى وصل إلى أم المعارك.. ثم إلى أم الهزائم.
يوم فتح السلطان محمد الفاتح استانبول عرض الأمان على إمبراطور القسطنطينية فأبى.. وقال لابد للقائد من أن يدافع عن بلده ويموت مع شعبه..
جميع هؤلاء الثوريين الذين ابتليت بهم بلادنا..لم يعرفوا إلا الهزائم.. فهم أقل شأناً من أن تصفهم شعوبهم يوماً بأنهم دافعوا عن البلاد..!!
3- المعارضة العراقية.. متعددة التيارات.. من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.. قوى إسلامية.. وشيعية وهي الأوسع وجوداً على الساحة حالياً.. والتيار الوطني الذي يهمه إقامة حكم ديموقراطي مستقل في العراق ينعم شعبه بخيراته، ويحسن علاقاته مع جميع جيرانه، ويستثمر ثروات بلاده في التعليم والصحة والرفاه..
وتيارات أخرى أوجدها الإنكليز والأمريكان.. أنفقوا عليها.. وحملوها معهم كجزء من مستلزمات الحملة لاحتلال العراق..
هؤلاء كما رصدتهم جريدة الحياة(حسن منيمنة 13/4/2003):
* الاتجاه الأول أولوياته هي استقرار الترتيب السياسي الملائم للولايات المتحدة في المنطقة، والمحافظة بالتالي على الحلفاء واسترضاؤهم. وأفق هذا الاتجاه هو المدى المتوسط، لإدراك أصحابه أن العديد من هؤلاء الحلفاء يعيش أزمات ويواجه تحديات داخلية مختلفة، والثقة في تمكنهم من تجاوز محنهم على المدى الطويل ضئيلة.
* ما أولوية الاتجاه الثاني فضمان المصلحة الاقتصادية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتحديداً تثبيت أسعار النفط أو دفعها إلى التراجع، وربما أيضاً الاستفادة من إعادة إعمار العراق لصالح القطاع الخاص الأمريكي. وأفق هذا الاتجاه هو المدى القصير، لارتباطه على الغالب باعتبارات داخلية اقتصادية وانتخابية أمريكية.
* أما الاتجاه الثالث فأولويته تبديد خطر الإرهاب بأسلحة الدمار الشامل، عبر إزالتها أو على الأقل تدجين أصحابها . وأفقه مرتبط بالنجاحات التي قد تتحقق في تفتيت الشبكات المعادية.
* ويبقى الاتجاه الرابع وهو عقائدي الطابع، والساعي إلى إعادة ترتيب المنظومة السياسية والاقتصادية العالمية بما ينسجم ومصالح واشنطن. وأفقه هو المدى البعيد، بل حديث أصحابه هو، عن(القرن) الأمريكي الجديد.
* هذه التشكيلة.. يضاف إليها فلول البعثيين الذين هم أزلام كل سلطة.
أما الإسلاميون فلهم دور كبير
بشرط الابتعاد عن الطائفية.. فمازال السنة يتحدثون عن الشيعة كطابور خامس لإيران.. ومازال الشيعة ينظرون للسنة باعتبارهم كانوا أدوات النظام الاستبدادي.. والتيار الديني هو تيار توحيد العراق: بإمكانه توحيد السنة والشيعة والأكراد والتركمان وجميع الملل والنحل في العراق. عليهم أن يستفيدوا من تجارب الماضي وينطلقوا بروح جديدة توحد ولا تفرق، تقوي ولا تضعف.. تبدأ من نقطة الوفاق ثم توسعه.
لاشيء سيحرر البلد من تركة النظام ومآسيه والصفحات السود، سوى أن يتعلم قادة المعارضة في الخارج والداخل دروس الإنقاذ، لأن الامتحان كبير. وكلهم يسمع صرخات استغاثة في بغداد التي استبيحت ليلاً ونهاراً بغزو آخر، جعل بعض الذين خالوا أن النصر اكتمل على نظام صدام يذكرون له (مأثرة) حفظ أمن الشارع وممتلكات المواطنين الأبرياء!
حتى في حضور الجنرال تومي فرانكس و(الحاكم المؤقت) الصهيوني جاي غارنر، يمكن لقادة المعارضة أن يختاروا تعلم الدرس، لإنقاذ البلد من مشاريع الإدارات العشائرية التي ستزرع بذور حروب صغيرة بلا نهاية. فإيقاظ الروح القبلية العشائرية لا يمكن إلا أن يغذي الرغبة في تقويض أسس الدولة الموحدة،لتنكفئ الطوائف والقوميات على ذاتها. أكثر من ذلك، لن يكون للمعارضة خلاص من نار تفكيك البلد وتشرذمه، إذا تمسكت بأصوات الأشخاص- الرموز- في معركة البقاء، وتصارعت على المقاعد والمناصب لتنتهي مستنجدة بالأمريكي كقوة(ردع) وحيدة بين الفصائل والأحزاب، والطوائف والمذاهب العشائرية، و(الأقليات).
* الأقلية الوحيدة في العراق اليوم هي العراق الوطن، فالأمريكي انتصر بالقوة، والمعارضة ما زالت مشروع انتصار وستبقى كذلك،إلى أن تتمكن من استعجال رحيل الأجنبي، وهزيمة الغرائز والمصالح الذاتية، والثارات المتراكمة. لن تربح في كركوك ولا بغداد ولا الناصرية، إلا إذا أنقذت وحدة العراق وأعادته إلى شعبه.في هذه الحال فقط لن يؤرخ 9 نيسان(أبريل) لبداية فصل جديد من الكوارث(زهير قصيباتي(الحياة 13\4\2003 )).