أو دليل الرجل الذكي إلى التشهير بالمسلمين(جلال أمين)
كل الدلائل تشير إلى أن الإدارة الأميركية كان لديها، ولا يزال، مخطط لإحكام سيطرتها على أماكن متعددة من العالم، وعلى موارد اقتصادية أساسية خارج حدودها، من أهمها النفط، وأن أحداث 11 سبتمبر 2001م ساعدت الإدارة الأميركية في السير سيراً حثيثاً نحو تنفيذ هذا المخطط. لا يكاد يكون هناك خلاف على هذا، وإن كان هناك خلاف على ما إذا كانت هذه الأحداث صدفة ذهبية استغلتها الإدارة الأميركية أحسن استغلال، أو أنها خُلقت خلقاً لكي تُستغل هذا الاستغلال.
انني أميل إلى هذا الرأي الأخير، ولكن هذا ليس موضوعي الآن، وإنما الذي يهمني الآن أنه، في كلا الحالين، كان من المفيد جداً للإدارات الأميركية، وكذلك للمشروع الصهيوني وإسرائيل، أن تستغل أحداث 11 سبتمبر إلى أقصى درجة ممكنة لتشويه سمعة الإسلام والمسلمين. فسواء كان المخططون والمنفذون لهذا الحادث هم بالفعل، كما زعمت القصة الأميركية الرسمية، عرباً ومسلمين، وأن الهدف من تنفيذ هذه الانفجارات شيء له علاقة بالخلاف بين المسلمين أو العرب وبين السياسة الأميركية، أو لم تكن هذه هي الحقيقة، فقد كان ولا يزال من المفيد جداً للإدارة الأميركية وإسرائيل الزعم بأن هذه هي الحقيقة. ذلك أن من الصعب جداً أن نتصور أن تستطيع الإدارة الأميركية السير في تحقيق مخططها العسكري والاقتصادي من دون وجود عدو، بل عدو خطير، يبرر كل هذا الانفاق على الحرب، وكل هذه التضحيات التي لا بد أن يتحملها الشعب الأميركي، اقتصادية وبشرية. وقد وُجد أن الإسلام والمسلمين عدو مناسب جداً، أولاً لوجوده وانتشاره في معظم المناطق التي يراد تنفيذ المخطط العسكري والاقتصادي فيها. وثانياً لسهولة الربط بين العنف والخطر المراد تخويف الناس منهما، وبين الدين، اذ أن التطرف أو التعصب الديني يمكن قبوله بسهولة كتفسير للعنف والقتل والاعتداء، كما وُجد من المناسب تسميته بالإرهاب. وثالثاً لأن الفلسطينيين الذين يقاومون المشروع الصهيوني والدولة الإسرائيلية، والعرب الذين يعادون هذا المشروع وهذه الدولة، غالبيتهم العظمى من المسلمين. فلماذا لا تُضرب كل هذه العصافير بحجر واحد، وهو تشويه سمعة الإسلام والمسلمين؟
لا بد أن الفكرة بدت معقولة جداً ومفيدة للغاية، بل الأرجح ان هذا المنحى من التفكير نشأ وبدأ وضعه موضع التنفيذ قبل أحداث 11 سبتمبر بكثير، بل حتى قبل سقوط الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة، ذلك أن التفكير الاستراتيجي لا ينتظر حتى آخر لحظة لتفجير حملة دعائية مفيدة، بل لا بد من التمهيد لها شيئاً فشيئاً حتى يبدو التطور طبيعياً للغاية. وإسرائيل لا بد أفادت في أي حال من أي تشويه لسمعة الإسلام والمسلمين، منذ خمسين عاماً على الأقل، كما أن تضخيم حجم ما سمي بـالإرهاب الإسلامي (بل ربما خلقه خلقاً في بعض الأحوال)، كان مفيداً لتحقيق أهداف أميركية مهمة، حتى قبل 11 سبتمبر بكثير، كتخويف بعض الحكومات العربية واجبارها على الاعتماد على الدعم الأميركي لمواجهة هذا الإرهاب، وفي الوقت نفسه اعطاء هذه الحركات مبرراً للاستمرار في الحكم واستخدام أساليب القمع بحجة التصدي للإرهاب الإسلامي.
في ظروف كهذه، كيف يمكن الاستغناء عن خدمات رجل مثل المؤرخ البريطاني الشهير برنارد لويس؟ ليس المطلوب بالضبط مؤرخاً شهيراً، فليس التدقيق في التاريخ وتحليله هو الغرض الآن، بل المطلوب رجل يجمع بين الشهرة كمؤرخ، والولاء الذي لا شك فيه لهذا الهدف نفسه الذي تتوخاه الآن الإدارة الأميركية وأصحاب المشروع الصهيوني والإسرائيلي، وهو التشهير بالإسلام والمسلمين. فها هو ذا رجل نشر في الستين عاماً الماضية عدداً كبيراً من الكتب التاريخية عن العرب والمسلمين والشرق الأوسط، تفصح عن علم واسع وانكباب طويل على المصادر التاريخية الأصيلة، فاكتسب شهرته كمؤرخ خبير بأي شيء يتعلق بالإسلام، ولكن لا رغبة عنده البتة في ذكر الحقيقة الكاملة عن الإسلام، بل لديه دافع قوي للغاية، بسبب ولائه للصهيونية، لذكر ما يسيء إلى الإسلام والمسلمين، فكيف لا يستفاد منه؟
برنارد لويس
ترددت الأخبار إذاً عن قرب برنارد لويس في السنين الأخيرة من آذان صانعي القرار في الولايات المتحدة، كلما تعلق الأمر بمصالح أميركا في الشرق الأوسط وعلاقتها بهذه الدولة العربية أو تلك، وذلك بعد انتقال الرجل من لندن، حيث كان يعمل استاذاً في كلية الدراسات الشرقية والافريقية، القريبة آنذاك بدورها من آذان وزارة الخارجية البريطانية، إلى جامعة برينستون في الولايات المتحدة.
ولم تمض شهور قليلة بعد أحداث 11 سبتمبر حتى صدر لبرنارد لويس كتاب عن الخلفية التاريخية لهذه الأحداث، في رأي لويس، وهو كتاب أين مكمن الخطأ؟ What Went Wrong? ويقصد بهذا العنوان السؤال الآتي: ما هو بالضبط الذي جعل المسلمين يرتكبون أحداث 11 سبتمبر، ويتجرأون على تفجير البرجين الشهيرين في نيويورك، ووزارة الدفاع في واشنطن، حتى وصل بهم الأمر إلى تهديد العالم كله على هذا النحو؟
كتاب What Went Wrong? لبرنارد لويس
طبعاً اتبعت كل الأساليب لضمان نجاح الكتاب وتسويقه على أوسع نطاق ممكن، فالرسالة التي يحملها من المهم أن تصل في هذا الوقت إلى أكبر عدد ممكن من الناس. وهذه الرسالة هي أن هناك أشياء متأصلة وعميقة للغاية في نفسية المسلمين وعقليتهم تجعلهم يتصرفون على هذا النحو الذي شهدناه في 11 سبتمبر.
وفعلاً تصدر الكتاب قائمة الكتب الأكثر مبيعاًَ، وأعيد طبعه مرات عدة. فالجميع يريد أن يعرف المزيد عن هذا الإسلام الذي يسمع عنه للمرة الأولى، وأن يفهم لماذا يقبل بعض المسلمين على ارتكاب هذا العمل الجنوني، فجاءت الاجابة سهلة وواضحة: إنهم ارتكبوا هذا العمل الجنوني لأنهم مسلمون، لا أكثر ولا أقل.
الطريف أن المؤرخ الكبير لم يتوقف لحظة للتحقق من صحة القصة الرسمية التي أذاعتها الإدارة الأميركية بعد أقل من 3 ساعات من وقوع الحادث: المخططون والمنفذون كلهم إرهابيون مسلمون، جنسياتهم كلهم إما سعودية أو مصرية، وزعيمهم سعودي من أصل يمني اسمه أسامة بن لادن، وسبب ارتكابهم لهذه الأعمال كراهيتهم لأميركا، والهدف غير واضح تماماً إلا الانتقام من أميركا، والنفع العائد على هؤلاء الإرهابيين من هذا العمل غير واضح أيضاً إلا اشباع الرغبة في الانتقام، ولا يهم بعد ذلك ما إذا كان الإسلام أو المسلمون سيعود عليهم أي نفع من هذا العمل.
أسامة بن لادن
وبينما شكك كتّاب فرنسيون وألمان في القصة كلها، وقال بعض القانونيين الانكليز ان ما يُقدم على أنه أدلة ضد هؤلاء السعوديين والمصريين التسعة عشر، هو من الضعف بحيث لا يكفي حتى لتقديمهم للمحاكمة، ناهيك عن إدانتهم، بدا الاستاذ برنارد لويس، لسبب أو آخر، واثقاً كل الثقة من صحة جميع الاتهامات، مما يوحي بأنه كان يحمل ضغينة مؤكدة ضد الإسلام والمسلمين حتى قبل وقوع أحداث 11 سبتمبر.
ثم عاد الاستاذ لويس فأصدر في ابريل الماضي كتاباً جديداً بعنوان أزمة الإسلام، وله عنوان فرعي هو حرب مقدسة وإرهاب غير مقدس (Bernard Lewis: The Crisis of Islam: Holy War and Unholy Terror, Weidenfeld & Nicolson, 2003, London) نفدت نسخه بمجرد صدوره، فأعيد طبعه، ولا أشك في أنه سيعاد طبعه مرات عدة على فترات قصيرة، إذ لا يزال الذين يريدون أن يفهموا أزمة الإسلام كثيرين، وحتى ان لم يكونوا كثيرين، فإن المؤلف وأصدقاءه على استعداد، بلا شك، لتوزيع الكتاب مجاناً لو لزم الأمر.
الكتاب الجديد يشترك مع القديم في أن كليهما يقبلان بلا أدنى تردد الرواية الرسمية التي اذاعتها الإدارة الأميركية: الزعيم المخطط هو بن لادن، والأشرطة التي يذيعها من حين لآخر من محطة تلفزيون قطر، حقيقية وغير مزيفة، والمنفذون إما سعوديون أو مصريون الخ. ولكن الكتاب الجديد يختلف عن الكتاب السابق في أمور عدة. فالكتاب السابق كان به بعض التاريخ القديم والحديث، أما هذا الكتاب فهو أقرب إلى المنشور الدعائي. الكتاب السابق كتبه مؤرخ بالغ التحيز ضد المسلمين لإقناع أكبر عدد ممكن من الناس بأن ارتكاب المسلمين لأعمال 11 سبتمبر ليس غريباً بالمرة. أما هذا الكتاب الأخير فكتبه ناشط سياسي (سواء كان هو فعلاً برنارد لويس الذي يظهر اسمه على الكتاب، أم ايلي آلشيك Eli Alshech الطالب بالدراسات العليا في جامعة برنستون الذي يشكره برنارد لويس في نهاية الكتاب على ما قدمه من مساعدات في صور مختلفة في القيام بالبحث اللازم وفي إعداد هذا الكتاب). وهو كتاب موجه أساساً للأميركيين، في محاولة لإقناعهم اقناعاً نهائياً بالميول الاجرامية للمسلمين، وبصحة ما وجه إليهم من اتهامات في الماضي، وما يمثلونه من خطر على الأميركيين والعالم في المستقبل، إلى جانب بعض الأهداف الأخرى.
إن من يقرأ هذا الكتاب لا يسعه عند الانتهاء منه إلا الشعور بأن الكتاب، قبل أن يشرع في كتابته، قد خطط له تخطيطاً جيداً، حتى تتوافر له كل فرص النجاح في تحقيق أهدافه، بل ان من الممكن للقارئ أن يستخلص من الكتاب بسهولة مجموعة من المبادئ العامة تصلح دليلاً ممتازاً لأي شخص يستهدف تشويه الإسلام والمسلمين. هذه المبادئ تصلح لأن تنشر في كتاب مستقل بعنوان مثل دليل الرجل الذكي إلى التشهير بالإسلام والمسلمين.
وسأقوم الآن بشرح ما استخلصته من الكتاب من مبادئ، ولخصتها في ستة، آملاً أن يكتشف القارئ منها حقيقة هذا الكتاب ويفهم طبيعته:
المبدأ الأول، وهو أبسط المبادئ وأوضحها، لا تدخر أي جهد في الحاق أي وصمة عار (وعلى الأخص ما يعتبره الأميركيون الآن وصمة عار) بالإسلام والمسلمين. الصورة الاجمالية التي يخرج بها القارئ عن المسلمين لا بد أن تكون قبيحة للغاية، ومن مختلف الجوانب والزوايا. لا بأس، بل قد يكون من اللازم، ذكر صفة أو صفتين ايجابيتين، أي لمصلحة الإسلام والمسلمين، حتى يمكن أن يقول القارئ لنفسه: إن الكاتب محايد على رغم كل شيء، إذا وجد شيئاً طيباً ذكره. لكن مشكلته فقط هي أنه لا يجد الكثير من الأشياء الطيبة التي يمكن ذكرها عن الإسلام والمسلمين.
على أي حال، هذه الصفة الايجابية، إذا ذُكرت، يجب أن تُذكر عرضاً وبسرعة وبشكل يجعل التأكيد على السلبيات قوياً وظاهراً، فلا يبقى إلا الانطباع السلبي في النهاية.
هذا المبدأ يتبعه برنارد لويس من أول صفحة في الكتاب إلى آخر صفحة، بل ابتداء من العنوان الفرعي للكتاب حرب مقدسة وإرهاب غير مقدس. ثم يدخل المؤلف في الموضوع مباشرة. مشكلة المسلمين تنبع، حسب كلام المؤلف، من موقفهم من التاريخ، إذ بينما يعيش سائر شعوب العالم عدا المسلمين، في الحاضر، وينظرون إلى المستقبل، يعيش المسلمون في الماضي. عندما يشير الأميركيون إلى واقعة ما بقولهم هذا تاريخ، فإنهم في العادة يقصدون بهذا أنها غير مهمة ويجب اهمالها. أما المسلمون، فعكس هذا بالضبط، ما حدث في الماضي أهم مما يحدث في الحاضر، ولا يجوز نسيانه، ويجب الاقتداء به، كذلك في ما يتعلق بـالشعور القومي. المسلمون لا ينظرون إلى الأمة الواحدة على أنها كيان يتكون من أديان عدة، بل يرون الدين على أنه ينقسم إلى أمم عدة. ترتب على ذلك أن نظرة المسلم إلى غير المسلمين هي أنهم كفار، وطريقة التعامل معهم هي الجهاد، أي محاربتهم حتى يتحولوا إلى مسلمين، ومن ثم فالبلاد التي يسكنها غير المسلمين هي في نظر المسلمين دار حرب، وعلى رأس البلاد التي يجب على المسلمين الجهاد ضدها هي الولايات المتحدة.
هكذا يلخص برنارد لويس أربعة عشر قرناً من التاريخ بمنتهى البساطة. فلا يميز بين المسلمين المعاصرين والمسلمين في عصر الفتوحات الإسلامية، عندما كانوا يحاربون لنشر الدين، ولا يبين المواقف الإسلامية المختلفة في الجهاد باختلاف الفقهاء والأزمنة، ولا يميّز بين مواقف الدول الإسلامية بعضها عن البعض الآخر أو بين مواقف الدولة الإسلامية نفسها اتجاه دولة صديقة أو عدوة، سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة. فالجميع في نظر المسلمين، بهذا يوحي كلام برنارد لويس، كفار، وبلادهم جميعاً دار حرب، في أي زمان ومكان، منذ ظهور الإسلام. ويشطب برنارد لويس، عندما يتكلم عن القومية عند المسلمين، على أكثر من مئة عام من تطور الشعور القومي في البلاد الإسلامية، وما نشأ عن الاستعمار من شعور بالانتماء إلى دولة تطمح إلى الاستقلال، بصرف النظر عما يحدث في البلاد الإسلامية الأخرى، خصوصاً عندما تكون الدول الإسلامية المختلفة تخضع لقوى استعمارية مختلفة. المسلمون لا يفكرون إلا في الدين ولا يريدون إلا استعادة التاريخ، هذا هو المعنى الذي يتركه كلام لويس في ذهن القارئ، وهما أمران لا بد أن يؤديا إلى ضيق الأفق، والتعصب، ومعاداة الجميع ما داموا غير مسلمين.
كنا نشكو في الماضي من أن فكرة كثير من الغربيين عنا، خصوصاً الأميركيين، لا تزيد كثيراً عن صورة للأهرام وسط الصحراء، وبجوارها بعض أشجار النخيل وجمل أو جملان. ونحاول أن نقنع من نراه منهم بأن في بلادنا أشياء أخرى كثيرة غير هذا، واننا قطعنا في مضمار التقدم شوطاً أكبر بكثير مما يُظن، وأن لدينا متعلمين ومثقفين كثيرين يجيدون اللغات الأجنبية، ويعرفون عن اعلام الفكر الغربي أكثر بكثير مما يعرف خريجو الجامعات الغربية. ولكن ها نحن الآن نواجه في بداية القرن الواحد العشرين من يقول للأميركيين عنا اننا قوم لا نعرف إلا الماضي، وأن الماضي عندنا يتلخص في كلمة واحدة هي الإسلام، واننا لا نميز بين صديق وعدو، فالجميع كفّار.
ما الذي يمكن أن يتوقعه القارئ الأميركي من قوم كهؤلاء، من حيث موقفهم من الديموقراطية مثلاً؟ انهم قد يطالبون بالديموقراطية ويشكون من غيابها، ولكنهم لا يريدونها إلا ريثما يقيمون حكومة إسلامية، وبعد هذا لا بد أن يتنكروا لها. ومن ثم يلخص برنارد لويس موقفنا من الديموقراطية بالعبارة الآتية: لكل شخص صوت واحد – بشرط أن يكون رجلاً لا امرأة – وبشرط أن يكون له صوت مرة واحدة فقط، أي ريثما يأتي الحكم الإسلامي (ص85).
وجد برنارد لويس بغيته بالطبع في ذلك التقرير الشهير عن التنمية الإنسانية العربية لسنة 2002 والذي أصدره برنامج الأمم المتحدة للانماء عن حال التنمية في البلاد العربية مع التركيز على حال التعليم ومركز المرأة ودرجة الديموقراطية، والذي صدر بعد أحداث سبتمبر بنحو تسعة شهور، ورحبت به كثير من الدوائر السياسية والإعلامية في الغرب، إذ وجدته يقدم تفسيراً معقولاً جداً لإقدام العرب والمسلمين على الإرهاب. ذلك أن هذا التقرير الغريب لم يجد بدوره من نقيصة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية إلا نسبها للعرب، وحرص أيضاً على تجاهل أي سبب خارجي لهذه النقائص، وحمّل العرب وحدهم المسؤولية عن كل فشل. وإذا كان العرب قد فشلوا كل هذا الفشل، فلا عجب أن يبحثوا عن ضحية يلقون عليها بالمسؤولية عن أخطائهم وتقصيرهم، فوجدوا في الغرب هذه الضحية السهلة وعلى الأخص أقوى دولة غربية، وهي الولايات المتحدة، فصبوا عليها جام غضبهم، وعلموا أنفسهم قيادة الطائرات ليفجروا مواقع مهمة في نيويورك وواشنطن(الحياة 27/7/2003).
المبدأ الثاني، يتعلق بالكراهية. اذ لا يكفي ان يكون هذا العدو (العربي والمسلم) حافلاً بمختلف النقائص والعيوب، بل يجب ان يحمل ايضاً قدراً كبيراً من الكراهية العمياء لأصدقائك، وعلى الأخص للأميركيين. لإثبات ذلك يبدأ الكتاب، في أولى صفحات المقدمة باقتطاف شريط فيديو نسب الى بن لادن في اعقاب احداث سبتمبر مباشرة (7 أكتوبر 2001) وتكلم فيه عما سببه الاميركيون للمسلمين من اذلال واساءة لسمعتهم لفترة تزيد على ثمانين عاماً مما يبرر بالطبع كراهيتهم الشديدة لنا.
المؤرخ الكبير برنارد لويس يقبل اذاً، ومن دون مناقشة، ما تقوله وسائل الاعلام من نسبة هذه الشرائط لبن لادن ولا يقول اي كلمة توحي بأن هذه المسألة ليست مؤكدة. فالمطلوب ليس التحقق من مصدر هذا الكلام، بل التمعن فقط في معانيه الفظيعة والملأى بالكراهية. ويستمر الكتاب في اقتطاف بيانات مماثلة، كبيان منشور في 23 فبراير 1998 في جريدة القدس العربي التي قالت انه ارسل اليها بالفاكس ويحمل توقيعات اسامة بن لادن ومن أسمتهم زعماء جماعات الجهاد في مصر وباكستان وبنغلادش. يقول هذا البيان: ان قتل الاميركيين وحلفائهم، المدنيون منهم والعسكريون، هو واجب شخصي على كل مسلم يوجد في اي بلد يستطيع فيه القيام بهذا العمل، وذلك حتى يتم تحرير المسجد الاقصى والمسجد الحرام من قبضتهم(ص-23) وغير ذلك من عبارات لا بد ان تبث في قلب القارئ الاميركي وحلفائه، الرعب من اي شيء له علاقة بالإسلام والمسلمين.
المبدأ الثالث، لا يكفي ان يكون عدوك مليئاً بالعيوب، ويحمل لك فائق الكراهية، بل لا بد ايضاً أن يكون قوياً وقادراً على الاضرار بك. فما الذي يخيف من عدو مهما كان متخلفاً وكارهاً لك، اذا كان ضعيفاً لا يستطيع ايذاءك؟ لا تكتمل الصورة اذاً إلا بأن يكون هذا العدو الجاهل والمتخلف والذي لا يترجم في السنة اكثر من 330 كتاباً، قوياً جداً وقادراً على صنع المستحيلات. فكما ان بن لادن، الذي يعيش عيشة بدائية في الكهوف والجبال، قادر على قيادة حملة منظمة ووضع خطة عبقرية، تعجز اقوى اجهزة الاستخبارات في العالم عن كشفها او منع تنفيذها، لغزو اقوى دولة في العالم، وضرب اكبر مدينة فيها، ووزارة الدفاع في عاصمتها، كذلك المسلمون بصفة عامة، على رغم جهلهم وتخلفهم، يشكلون خطراً فظيعاً يهدد العالم بأسره بالهلاك والدمار.
ان الحملة التي يقودها اسامة بن لادن ليست مجرد عملية انتقامية من الولايات المتحدة واسرائيل، بل هي بداية لاستئناف صراع الهدف منه السيطرة على العالم، وهو الصراع الذي بدأ في القرن السابع الميلادي(ص (125-126)). ويبدو ان اسامة بن لادن واتباعه، قادرون على ذلك ما لم يواجهوا بالقوة المناسبة، اذ يقول لويس انه لو ثبت ان الاصوليين على صواب في تقديراتهم وانتصروا في حربهم فإن مستقبلاً مظلماً ينتظر العالم خصوصاً ذلك الجزء من العالم الذي فيه الاسلام(ص-127). وهو يتبنى خطاب حكومات العالم الثالث الموالية للولايات المتحدة، بتضخيمه خطر الحركات الارهابية واعتبارها الخطر الاكبر الذي يهدد الاستقرار والازدهار، واتخاذ هذا الخطر ذريعة لتبرير حكمها الديكتاتوري. فيذهب لويس بدوره الى اعتبار الجماعات الاسلامية الثورية اقوى التحديات التي تواجه هذه الدول. ولكن الخطر ليس قاصراً بطبيعة الحال على هذه الدول، بل انه يهدد العالم بأسره.
المبدأ الرابع، وهو على قدر كبير من الاهمية، ان تحاول قدر الامكان ألا تظهر هذا العدو على انه مجرد حفنة قليلة من الاشخاص، او نسبة صغيرة من المسلمين. بعبارة اوضح، يجب ان تبذل كل جهدك للقضاء على اي تمييز قد يوجد في ذهن القارئ (والموجود في الحقيقة) بين المسلمين المستعدين للقيام بأعمال العنف، وغيرهم من المسلمين، او بين من يسمون بالمتطرفين والمعتدلين، او بين الاصوليين وغير الاصوليين الخ. مثل هذا التمييز يضرّ بقضيتك بالغ الضرر. فالمطلوب ان يخرج القارئ بانطباع سيئ عن المسلمين بوجه عام، حتى يمكن ضربهم بوجه عام. ولو حدث واستقر مثل هذا التمييز لدى الناس لاستدرّ منهم العطف على المدنيين او النساء والاطفال من المسلمين الذين قد يقعون ضحية القنابل او الدبابات الاميركية او الاسرائيلية، او ضحية الحصار الاقتصادي على العراق الخ. من المهم جداً اذاً تمييع الفوارق بين فئات المسلمين المختلفة، المقاتلة منها وغير المقاتلة.
كيف طبّق برنارد لويس هذا المبدأ؟ انه نادراً ما يستخدم وصف المتطرفين او الاصوليين، بل يفضل ان يتكلم عن الاسلام، او العالم الاسلامي او المسلمين او عن شعوب الاسلام او عن اعداد لا يستهان بها من المسلمين الخ حتى لا يبقى اي مجال للشك في ان الانطباع النهائي الذي سيترسب في ذهن القارئ لا يتضمن هذا التمييز بين متطرف وغير متطرف، عدواني او مسالم.
وهو يبدأ احد الفصول، وهو المعنون ظهور الارهاب بعبارة صحيحة تماماً هي: ليس كل المسلمين اصوليين، ومعظم الاصوليين ليسوا ارهابيين. ولكنه يأتي بعد ذلك مباشرة بجملة غير صحيحة بتاتاً هي ولكن معظم الارهابيين اليوم مسلمون، بل يفاخرون بأنهم مسلمون(ص-107). من السهل طبعاً على برنارد لويس ان يتبنى تعريفاً للإرهاب يجعل معظم الارهابيين اليوم مسلمين ولكن اي تعريف محايد للإرهاب يجعل نسبة الاعمال الارهابية التي ارتكبها مسلمون في العشرين او الخمسين سنة الاخيرة، نسبة ضئيلة جداً من المجموع (حتى لو استثنينا الاعمال الارهابية التي تقوم بها بعض الدول بجيوشها المنظمة أو بجهاز الشرطة فيها أو الاستخبارات). ويستمر برنارد لويس في الفقرة نفسها فيقول: ان شكوى المسلمين من لصق صفة الاسلام بالإرهاب بينما لا تلصق صفة المسيحية بالإرهابيين في ايرلندا او الباسك، شكوى مفهومة ولكن المسلمين عليهم ان يوجهوا هذه الشكوى لا نحو ناقلي الاخبار والاحداث بل الى صانعي الاحداث انفسهم (يقصد الارهابيين انفسهم). ويستمر في توضيح مقصده قائلاً: فأسامة بن لادن واتباعه في تنظيم القاعدة قد لا يمثلون الاسلام، وكثير من اقوالهم واعمالهم يتعارض تعارضاً مباشراً مع المبادئ الاساسية في الاسلام وتعالميه، ولكنهم نبعوا من داخل الحضارة الاسلامية، تماماً كما نبع هتلر والنازية من داخل البلاد المسيحية، وكل من هؤلاء واولئك لا بد ان ينظر اليهم في اطار بيئتهم الثقافية والدينية والتاريخية(ص-107).
والنتيجة؟ النتيجة انه لم يبين لماذا لا تطلق صفة المسيحية على النازية، بينما تلصق صفة الارهاب بالإسلام ولكنه رسّخ في ذهن القارئ، ان الارهابيين هم النتيجة الطبيعية للبيئة الاسلامية. هكذا في فقرة واحدة وبعبارات قليلة، جعل برنارد لويس ارتكاب بعض المسلمين لأعمال ارهابية نتيجة طبيعية للثقافة والتاريخ والديانة الاسلامية، وفي اثناء التظاهر بأنه ينبغي ان يكون جميع المسلمين ارهابيين، جعل المسلمين الارهابيين (بما فيهم بالطبع رجال ونساء المقاومة الفلسطينية) يشبهون هتلر والنازيين.
المبدأ الخامس: لا تنسَ ان للمسلمين حججاً مضادة لحججك وبعضها لا يخلو من قوة جعلت الكثيرين يشكون في سلامة موقفنا، وكسبت للمسلمين والعرب انصاراً في مختلف البلاد، بما فيها الولايات المتحدة نفسها، الى درجة ان بعض الرجال والنساء الاميركيين والاوروبيين ذهبوا الى فلسطين لشد أزر المقاومة والدفاع عنهم، بل ودفع بعضهم حياته ثمناً لهذه المؤازرة. فما هي طريقة التعامل المثلى مع هذه الحجج؟
لا تظن ان من الأفضل تجاهلها وكأنها غير موجودة، اذ سيظل البعض يعيدها ويكررها وسيضرّ هذا بموقفك. الافضل ان تذكر هذه الحجج وترد عليها، ولكن الاثر النهائي سيتوقف على طريقة عرضك لهذا الحجج وطريقتك في الرد عليها. ذلك ان من الممكن ان تعرض اقوى الحجج واقربها الى الحقيقة بطريقة شبه هزلية تثير ضحك القارئ منها، ومن ثم تنجو بنفسك من اثرها. نعم، اعرض حجج عدوك ولكن على نحو تبدو وكأنها كلام شخص أبله لا يكاد يستحق الالتفات اليه. او فلتعرض حجة عدوك، ولكن حوّلها مباشرة الى حجة ضدها، فما يقوله عن دوافعك وخططك قل مثله بالضبط عن دوافعه وخططه، فتبدو انت وهو، في اسوأ الاحوال، متساويين في سوء الخلق. ولكن من المهم في كل الاحوال الا تبدو اثناء ذلك وكأنك تناقش حججه وترد عليه، حجّة بحجّة، فهذا يسبغ عليه اهمية ليس من مصلحتك اسباغها عليه، بل اذكر حجّج عدوك على نحو عارض وضع ردودك عليها اثناء الحديث عن شيء آخر، فتمحو ما يمكن ان يكون لحججه من اثر من دون ان تبدو وكأنك تأبه له وتهتم بما يقول.
طبق برنارد لويس هذا المبدأ في كتابه الاخير، ولكنه لم ينجح دائـماً في عرضه. بل انه في بعض المواضع ذهب ابعد كثيراً مما ينبغي، ما يمكن ان يثير سخرية القارئ من المؤلف لا من المسلمين. فمثلاً اراد لويس ان يرد على النقد الشائع لسياسة الولايات المتحدة في كثير من البلاد العربية والاسلامية من انها تقدم الدعم وكل انواع الحماية والمساعدة لنظم عميلة لأميركا، تمارس البطش والقمع ضد شعوبها، وان هذا هو احد اسباب سخط الايرانيين على الولايات المتحدة واتخاذ الثورة الايرانية الاسلامية في 1979 موقعاً معادياً لأميركا. اذ كان الشاه المخلوع من هذا النوع من الحكّام. هذه الحجة من شأنها ان تؤدي ليس فقط الى ادانة الولايات المتحدة اخلاقياً وسياسياً، بل قد تؤدي الى تبرئة ذمة المسلمين من اتهامهم بأنهم غير ديموقراطيين بطبعهم، بل قد تؤدي ايضاً الى القاء المسؤولية في كثير من اوجه فشلهم، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا على الاسلام، بل على الولايات المتحدة الاميركية. فماذا كان رد برنارد لويس على هذا؟ قال انه: في السنوات التي تلت الثورة الايرانية اكتشف الايرانيون ان حكم الطغاة الاتقياء والمتدينين قد يكون على الدرجة نفسها من السوء كحكم الطغاة غير الاتقياء، بل اسوأ منه(ص-79) وهو رد مضحك اذ يذكّر المرء بحالة رجل يشكو من ان رجلاً آخر يقوم بتعذيبه افظع تعذيب، فيرد عليه الآخر الذي يقوم بتعذيبه بقوله وهل كنت سعيداً قبل ان ابدأ في تعذيبك؟.
ثم يتظاهر لويس بأنه يقبل احدى حجج المسلمين وهي ان الولايات المتحدة والدول العربية بصفة عامة تكيل بمكيالين، فتعامل المسلمين على نحو يختلف عن معاملتها لغيرهم. ولكنه يفسر ذلك بقوله ان المسلمين يتحملون من حكّامهم ويمارسون بأنفسهم من صور الاعتداء على حقوق الانسان ما لا يقبله اي شعب آخر، ومعنى هذا (على حد قوله) ان هؤلاء الناس ليست لديهم القدرة على اقامة مجتمع ديموقراطي وليس لديهم لا الاهتمام ولا القدرة على مراعاة قواعد السلوك الآدمي(ص-80).
يقول لويس ايضاً ان هناك من يذهب الى ان المسلمين ناس مهذبون ومحبون للسلام ويتحلون بالتقوى، وانما دفع بعضهم دفعاً الى ارتكاب ما ارتكبوه ما تعرضوا له من معاملة لا تطاق من جانب الغرب، وان سبب لجوئنا الى معاملتهم كأعداء هو ان لدينا حاجة نفسية الى وجود عدو يحتل المكان الذي كان يحتله الاتحاد السوفياتي (ص20 – 21).
ولكن هذا المذهب المتساهل لا يعجب لويس اذ يرى ان عدداً لا يستهان به من المسلمين ـ وليس فقط مما نسميهم اصوليين ـ معادون لنا وخطرون، ليس بسبب اننا نحتاج الى عدو، ولكن لأنهم هم يحتاجون الى عدو (ص21).
لا يرى لويس ايضاً بأساً من ان يذكر رأي بعض العرب والمسلمين من ان احداث 11 سبتمبر لم يرتكبها عرب او مسلمون، وان بعضهم يلمح الى أنها يمكن ان تكون قد رُتبت من جانب الاميركيين أنفسهم. ولكنه يعرض هذا الرأي بطريقة تثير السخرية منه على الفور، كما انه يتجنب تماماً اي ذكر للمنافع المهمة التي يمكن ان تعود على الاميركيين او الاسرائيليين (بل عادت عليهم بالفعل) من جراء هذه الاحداث. فلا يأتي بذكر النفط العراقي مثلاً او نفط وسط آسيا، أو مصالح الشركات الاميركية التي يمكن ان تستفيد من الحملات الاميركية التي تلت هذه الاحداث، او مصلحة المؤسسة العسكرية الاميركية في فرض او توسيع نفوذها، أو مصلحة الاسرائيليين في تشويه سمعة العرب والمسلمين الخ، بل يذكر فقط ان هذا الرأي يقول: أن هذا الهجوم (في 11 سبتمبر) نظمه الرئيس بوش، لتحويل الانظار عن ضآلة كمية الاصوات التي حصل عليها في انتخابات الرئاسة، وهي كمية لا تكفي لانتخاب موظف في قرية من قرى الصعيد في مصر، وان كولن باول مشترك مع الرئيس بوش في هذا الترتيب (ص121).
هكذا يبدو كل من يشكك في ان المسلمين والعرب هم الذين ارتكبوا اعمال 11 سبتمبر شخصاً اقرب الى الجنون، كما ان القارئ لا بد ان يفهم ان مثل هذا المجنون آت من مصر، والا فلماذا هذا التشبيه بقرية من قرى الصعيد؟ وهذا المجنون يعتقد ان الذي رتّب المسألة ليس هو الاستخبارات الاميركية او الاسرائيلية او هيئة مماثلة، بل هو الرئيس بوش وأبوه ووزير خارجيته!
المبدأ السادس والاخير: يتعلق بإسرائيل، ذلك انه يجب الا ننسى ان تشويه سمعة الاسلام والمسلمين، يستهدف، عدا خدمة بعض المصالح الاميركية المباشرة في البلاد الاسلامية، تحسين صورة اسرائيل لدى الرأي العام، والاميركي على وجه الخصوص، وابرازها في صورة افضل ممثل للحضارة الغربية في الشرق الاوسط، على أمل الحصول على المزيد من الدعم المادي والمعنوي لها، بما فيه الدعم العسكري، وغضّ الابصار عما ترتكبه اسرائيل من اعمال تستحق اكثر من غيرها وصف الارهابية. اذا تذكرت ذلك فمن المفيد (وهو أمر ممكن دائـماً) بث جملة اعتراضية هنا وهناك، حتى حين لا يتعلق الكلام بإسرائيل، تبرز اسرائيل في هذه الصورة الممتازة وترسخ كل الافكار التي يروج لها لمصلحة اسرائيل طوال الخمسين عاماً الماضية.
هكذا فعل برنارد لويس مرات عدة في كتابه الصغير. فالذي يشكك في ان احداث 11 سبتمبر ارتكبها عرب او مسلمون هو كالذي يشكك في الهولوكوست او محرقة اليهود على يد النازيين (ص120) واسرائيل هي واحدة من الاماكن الكثيرة في العالم التي يقف فيها العالم الاسلامي وجهاً لوجه امام العالم غير الاسلامي (ص70) اي ان كل ما يحتويه هذا الكتاب من فظائع عن المسلمين يتعرض له الاسرائيليون المساكين، وان مشكلة اسرائيل، طبقاً لهذا التصوير، ليست بالضبط مشكلة مع العرب او الفلسطينيين بسبب ما حدث من انتزاعها من الفلسطينيين دولتهم واراضيهم، ولكنها مشكلة مع المسلمين الذين ورد وصفهم بالتفصيل على هذا النحو البشع في هذا الكتاب.
ومن ثم فمشكلة اسرائيل مع هؤلاء المسلمين لا تختلف عن مشكلة الاميركيين وغير المسلمين عموماً. ولكن من حيث ان اسرائيل دولة ديموقراطية ومجتمع مفتوح فإن من السهل الحصول على اخبار ـ او تشويه الاخبار ـ عما يجري في داخلها (ص70).
والسبب الاساسي وراء هجرة اليهود الى فلسطين في الثلاثينات هو ما فعله النازيون الالمان، وعلى كل حال، فقد اتخذ الزعماء الفلسطينيون في ذلك الوقت، وكثير من الزعماء العرب، موقف الدعم والتأييد للألمان الذين ارسلوا اليهود الى فلسطين (ص72).
كما يذكر برنارد لويس ان العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة واسرائيل لم تكن الا نتيجة التغلغل السوفياتي في الشرق الاوسط، ومن ثم لا بد ان تبدو مفهومة ومعقولة في نظر الاميركيين، ولكنه لا يذكر ان هذه العلاقة الاستراتيجية ما زالت مستمرة وعلى مستوى اعلى بكثير منها في اي وقت في الماضي، بعد سنوات طويلة من سقوط الاتحاد السوفياتي، وتحول روسيا الى صديق للولايات المتحدة.
آخر جملة في الكتاب تحذّر من المستقبل المظلم الذي ينتظر العالم كله، اذا سُمح للاصوليين الاسلاميين بأن يصنعوا ما يشاؤون. وقد رأينا في الكتاب ان التفرقة بين الاصوليين وبين المسلمين بوجه عام ليست واضحة تماماً، اذاً فهذا المستقبل المظلم هو ما يجب ان يتوقعه العالم اذا تُرك المسلمون بصفة عامة من دون تأنيب. ولكن الفقرة السابقة مباشرة اكثر تفاؤلاً، اذ تتكلم عن القوى المحبة للحرية في منطقة الشرق الاوسط، والمتعاطفة مع الولايات المتحدة وتشارك الاميركيين قيمهم وتقدر نمط حياتهم. ليس من الملائم ذكر اسرائيل بالاسم هنا، ولكن الامر واضح ولا يحتاج الى بيان. ليس من السهل مساعدة هذه القوى ولكننا على الاقل يجب الا نقف عائقاً في وجهها. فاذا نجحت فانه سيكون لنا اصدقاء وحلفاء بالمعنى الحقيقي لهاتين الكلمتين وليس فقط بالمعنى الديبلوماسي (ص126).
وهكذا تجد في كتاب صغير ضد الاسلام والمسلمين اشارات متعددة تمتدح اسرائيل وتثني عليها وتدافع عنها، وتنفي اي نقد يمكن ان يوجه اليها، بل توصي بتقديم كل دعم لها، وازالة العوائق التي تقف في وجهها. وهذان هما الهدفان الرئيسيان من كتاب هذا المؤرخ الكبير برنارد لويس، وليس، كما يزعم الكتاب، فهم ازمة الاسلام. ذلك ان أزمة الاسلام الحقيقية لا علاقة لها بأي شيء جاء ذكره في هذا الكتاب، وان كان لها علاقة قوية بوجود مؤرخين وكتّاب وصحافيين من نوع برنارد لويس(الحياة 28/7/2003).