RSS

تقسيم مصر.. سياسة رسمية أمريكية

13 Mar

بقلم أحمد فوده

 في بداية ثمانينات القرن العشرين، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي بريجنسكي: إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة من الآن هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الخليجية الأولى التي حدثت بين العراق وإيران تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود سايكس- بيكو.

 بريجنسكي

بعدها قامت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون بتكليف المؤرخ الصهيوني برنارد لويس بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفتيت الدول العربية والإسلامية إلى مجموعة من الدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، والذي وافق عليه الكونجرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية عام 1983م. وبذلك أصبح هذا المشروع أحد ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية الواجبة التنفيذ في السنوات التالية.

 برنارد لويس

وقد استطاعت الولايات المتحدة نسج علاقات خاصة مع نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك جعلت منه إحدى الأدوات الأمريكية لتنفيذ هذا المخطط في كافة الدول العربية بما فيها مصر نفسها، حيث استطاع هذا النظام خلخلة أركان الدولة المصرية بطريقة لم تحدث منذ نشأتها في العصر الحديث عام 1805م. من خلال العمل على تفريغ كافة مؤسساتها من مضمونها الحقيقي ومنعها من لعب أي دور في رسم سياسات البلاد داخليا وخارجيا، فضلا عن القضاء على كافة عناصر التميز والإبداع لدى أبناء الشعب المصري ودفعهم للكفر ببلدهم والهروب الجماعي منها إلى الدول الأخرى.

كما سمح هذا النظام الفاسد بتغلغل منظمات المجتمع المدني الأمريكية والمصرية الممولة من مؤسسات أمريكية، في داخل المجتمع والدولة المصرية بشكل كبير، مكنها من البدء في تنفيذ مخطط التقسيم عبر إثارة كافة عوامل الانقسام داخل المجتمع.

وشاركت إسرائيل في تنفيذ المخطط، حيث أشار الجنرال عاموس يادلين رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي السابق الذي أكد أن أيادينا تغلغلت داخل مصر بشكل غير مسبوق خلال حكم مبارك، مشيرا إلى أن العمل تطور في مصر حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979 وأحدثنا اختراقات سياسية وأمنية واقتصادية في أكثر من موقع ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي لتوليد بيئة متصارعة دائما ومنقسمة إلي أكثر من شطر لتعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية.. ولكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسني مبارك في معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في هذا البلد.

 عاموس يادلين

ولعل الأحداث التي وقعت في مصر قبل الثورة وبعدها دليل كاف على هذا المخطط الأمريكي الصهيوني في مصر، الذي دخل مرحلة جديدة بعد الثورة مستغلا حالة الضعف غير المسبوقة التي تعيشها الدولة المصرية بفعل تأثير ثورة يناير التي أزاحت الغبار عن حقيقة انهيار كافة مؤسسات هذه الدولة فيما عدا المؤسسة العسكرية التي تحمي ما تبقى منها.

وقد لجأت الولايات المتحدة وإسرائيل إلى أدواتهما التقليدية في استغلال الظرف الراهن لدفع مخطط التقسيم إلى الأمام، خاصة وأن إمكانية نجاحه بدت كبيرة حتى أن الإدارة الأمريكية حددت العام 2015م كحد أقصى لتقسيم مصر إلى أربع دويلات، كما قالت دولت عيسى مديرة برامج الحملات الانتخابية بالمعهد الجمهوري أحد المؤسسات الأمريكية المتهمة، التي أوضحت خلال لقاء مع فضائية دريم يوم 20 ديسمبر 2011م أنها قدمت استقالتها من المعهد بعد علمها بأن التمويلات التي يتلقاها المعهد من خارج مصر كانت تأتي من الكونجرس الأمريكي نفسه لتنفيذ مُخطط إفساد الحياة السياسية في مصر والإعداد لتقسيم مصر عام 2015م، مشيرةً إلى أن هناك بعض الشخصيات التابعة للمخابرات الأمريكية كانت تأتي إلى المعهد لتتابع الأمر بشكل مباشر.

ويبدو أن الإدارة الأمريكية لجأت إلى إستراتيجية شد الأطراف في هذه المرحلة تمهيدا لتوجيه ضربة قاتلة إلى قلب الدولة المصرية، حيث لاحظنا كيف تمت إثارة مشاكل عرقية وطائفية ودينية بعد الثورة في أطراف الدولة في سيناء مع البدو وفي الصعيد مع أهالي النوبة ثم الفتن الدينية المتنقلة بين المسيحيين والمسلمين، التي وصلت إلى مستوى غير مسبوق في أحداث ماسبيرو العام الماضي، التي جاءت نتيجة مشكلة حدثت في محافظة أسوان على الأطراف، لكن الرد جاء في قلب القاهرة حينما قام بعض المسيحيين المتعصبين باستخدام السلاح ضد قوات الجيش المصري من أجل جرها إلى مشكلة أمنية مع الطائفة المسيحية لاستدعاء التدخل الأجنبي. وهو ما حدث بالفعل في تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية التي عرضت إرسال قوات أمريكية لحماية الأقليات الدينية في مصر.

حتى الآن، فشلت كل المحاولات الأمريكية الصهيونية لتنفيذ مخططاتها بتقسيم مصر بفضل يقظة المؤسسة العسكرية المصرية التي وجهت ضربة قاصمة لهذه المخططات من خلال محاكمة الأدوات الأمريكية التي تقوم بتنفيذ هذا المخطط وهي شخصيات وبعض مؤسسات المجتمع المدني.

لكن هذا لا يعني توقف هذه المخططات، خاصة بعد الثورة التي تستعد لبناء الدولة المصرية وفقا لقيم الديمقراطية والحداثة، التي سيترتب عليه عودة الدور المصري مرة أخرى إلى المنطقة والقضاء أو التقليل من النفوذ الأمريكي الإسرائيلي الذي تضخم في العقود الماضية بفعل غياب هذا الدور. وهذا يعني دخول الصراع بين الطرفين مراحل جديدة بأدوات جديدة.

حزب الحرية والعدالة 20/2/2012م

Ncs2020@hotmail.com

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *