الجبهة المصرية
يقول الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المصرية في كتابه القيم (حرب أكتوبر):
(لم نكف عن التفكير في الهجوم على العدو الذي يحتل أراضينا حتى في أحلك ساعات الهزيمة في يونيو 1967م. لقد كان الموضوع ينحصر فقط في متى يتم الهجوم، وربط هذا التوقيت بإمكانات القوات المسلحة لتنفيذه)( حرب أكتوبر – سعد الدين الشاذلي، ص- 13).
كانت أمام القيادة المصرية خطتان:
الخطة الأولى: تقوم على أساس تدمير جمع قوات العدو في سيناء، والتقدم السريع لتحريرها، هي وقطاع غزة في عملية واحدة ومستمرة.
والخطة الثانية: وكان يتبناها رئيس أركان الجيش الشاذلي هدفها هو عبور قناة السويس، وتدمير خط بارليف واحتلاله، ثم اتخاذ أوضاع دفاعية على مسافة تتراوح بين (10 – 12 كم) شرق القناة، على أن تبقى القوات في هذه الأوضاع الجديدة إلى أن يتم تجهيزها وتدريبها للقيام بالمرحلة التالية من تحرير الأرض(المرجع السابق، ص- 18).
اعتمدت القيادة المصرية الخطة الثانية التي أطلقوا عليها اسم (بدر – 1). وهي بالطبع خطة متواضعة إذا ما قيست بالأولى.. ولكنها الممكنة. فقد كانت القوات المصرية ضعيفة إذا ما قيست بقوة إسرائيل. لقد تحطمت الطائرات المصرية على الأرض مرتين الأولى عام 1956م والثانية عام 1967م فلا يريدون لها أن تتحطم مرة أخرى، أما الدفاعات الجوية والتي كانت تعتمد أساسا على صواريخ سام الثابتة فهي دفاعية، تستطيع التصدي للطائرات المهاجمة على مسافة (10- 12) كم شرق القناة، ولكنها لا تستطيع التصدي للطائرات في مدى أبعد. وكذلك كنا نرغب في أن نحارب إسرائيل في ظروف ليست مواتية لها وأن نطيل أمد الحرب قدر الإمكان.
تتلخص خطة بدر بأن تقوم خمس فرق مشاة مجهزة باقتحام قناة السويس من خمس نقاط وتقوم هذه الفرق بتدمير خط بارليف.. ثم تتقدم القوات المصرية إلى مسافة تتراوح بين (10 – 15) كم شرق القناة.
في يوم 6 أكتوبر 1973م نفذت الخطة كما خطط لها العسكريون بمنتهى الدقة، واستطاع الجندي المصري الذي تعرض للذل والمهانة في حروب 1948م و1956م و1967م، أن يسجل صفحات خالدة في البطولة والشجاعة، وأن يسجل نصرا مؤزرا كان له الفضل في تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر. استطاع الجيش المصري وهو يردد هتاف المجد (الله أكبر) أن يجتاز قناة السويس، وهي مانع مائي صناعي عرضه مابين 180 – 200 م، أنشأ اليهود على ضفته الشرقية سدا ترابيا بارتفاع يصل إلى 20 مترا، مما يجعل من المستحيل عبور أية مركبة برمائية إلى الشاطئ الآخر إلا بعد إزالة هذا السد. وعلى طول السد الترابي بنى الإسرائيليون خطا دفاعيا قويا أطلقوا عليه خط بارليف ، وكان يتكون من 35 حصنا. كانت هذه الحصون مدفونة في الأرض وذات أسقف قوية تجعلها قادرة على أن تتحمل قصف المدفعية الثقيلة دون أن تتأثر بذلك. وكان يحيط بها حقول ألغام وأسلاك كثيفة. وما بين هذه الحصون كان هناك مرابض نيران للدبابات بمعدل مربض كل 100 متر.
وزيادة على كل هذه الموانع، أدخل الإسرائيليون سلاحا جديدا رهيبا هو النيران المشتعلة فوق الماء لكي تحرق كل من يحاول عبور القناة(المصدر السابق (ص-41)).
هذا هو خط بارليف الذي كانت تفاخر إسرائيل بقوته.. وتتحدى به القوات المصرية وتعلن أن اختراقه يحتاج إلى تعاون سلاح المهندسين الروسي والأمريكي إلى جانب سلاح الهندسة المصري !
ومع ذلك فقد حطمه الجندي المصري الشجاع، فبحلول الساعة الثامنة من صباح يوم الأحد 18 أكتوبر 1973م كانت القوات المصرية قد حققت نجاحا حاسما في معركة القنال. عبرت فيه أصعب مانع مائي في العالم وحطمت خط بارليف في 18 ساعة. وهو رقم قياسي لم تحققه أية عملية عبور في تاريخ البشرية. وقد تم بأقل خسائر ممكنة. فقد بلغت الخسائر: 5 طائرات و20 دبابة و 80 شهيدا، مقابل 30 طائرة و 300 دبابة وعدة آلاف من القتلى للعدو الذي خسر كذلك خط بارليف بكامله. وأصبحت أسطورة خط بارليف الذي كان يتغنى بها الإسرائيليون في خبر كان(المصدر السابق (ص- 235)).
ثغرة الدفرسوار
بعد أن حطمت القوات المصرية الهجمات المضادة للعدو.. أصرت القيادة السياسية المصرية على تقدم الجيش نحو المضائق. وعلى الرغم من اعتراض رئيس أركان الجيش الفريق الشاذلي الذي قاد المعركة منذ بدايتها.. إلا أن الأمر نفذ وكانت نكسة خطيرة لعب فيها الطيران المعادي دورا خطيرا حطم في ساعات أكثر من 250 دبابة… فقد خلا له الجو.. وبدأ يدمر المدرعات التي لا يحميها شيء.
هذا الخطأ أدى إلى خطأ آخر.. وهو الاضطرار إلى دفع قوة الاحتياطي الاستراتيجي إلى شرق القناة لتعويض الخسائر.. فأدى ذلك إلى خلخلة القوة وأصبح الموقف مثاليا لكي يقوم العدو بمحاولة لاختراق مواقعنا.
وبالفعل فقد تسللت قوات العدو إلى غرب القناة من منطقة الدفرسوار واستطاعت أن تقصف الصواريخ المضادة في غرب القناة مما جعل الطيران المعادي حرا في اختراق أجوائنا، وأن تطوق الجيش الثالث مما جعله أسيرا في يد العدو.. يفرض العدو علينا أقسى الشروط مقابل تموينه، لم يكن أقلها إلغاء الحظر البترولي الذي فرضته الدول البترولية على أمريكا وحلفائها.
وتقدمت قوات العدو في الاتجاهين نحو السويس فحاصرتها وميناء الادبية فحطمتها ونحو الإسماعيلية. وهكذا تضيع الانتصارات العظيمة أمام رغبة القيادات الغبية التي تطلب الشهرة أكثر مما تطلب النصر.
اتفاقية فض الاشتباك
في 18 يناير 1974م تم التوقيع على الاتفاقية الأولى لفض الاشتباك بين مصر وإسرائيل وكانت بنودها كما يلي:
1- تقوم إسرائيل بسحب قواتها إلى مسافة 30 كم شرق القناة.
2- تسحب مصر قواتها شرق القناة باستثناء قوة رمزية (7000جندي).
3- تفصل قوات الأمم المتحدة بين الفريقين.
وهذه النهاية نستطيع أن نصفها بحرب مشرفة تنتهي بمأساة.. (المصدر السابق (ص- 235))
الجبهة السورية
أما على الجبهة السورية فقد حققت القوات السورية نصرا مؤزرا في الأيام الأولى للحرب استطاعت فيها السيطرة على كامل منطقة الجولان وجبل الشيخ التي كانت إسرائيل احتلتها عام 1967م.. وصلت هذه القوات إلى بحيرة طبريا، وشعرت إسرائيل بالخطر يقترب منها مع تحطم كل دبابة تزج بها في المعركة.. ولهذا قررت القيادة الإسرائيلية تركيز الحرب على الجبهة السورية.. وركز الطيران وأفضل قوات الاحتياط في هذه الجبهة واستطاعت من خلال بعض القيادات السورية المتهاونة التي قدمت فيما بعد للمحاكمة وتم إعدامها.. أن تستعيد المواقع التي خسرتها.. وأن تتقدم ليصبح الطريق إلى دمشق سالكا أمامها.
حرب أكتوبر 1973م في الميزان
ركز الكتاب الإسرائيليون كثيرا على هذه الحرب.. واعتبروها من أخطر الحروب التي خاضتها إسرائيل.. وبالرغم من أن النتائج النهائية للحرب كانت متواضعة.. أو بعبارة أخرى أن العرب لم يحققوا فيها النصر المطلوب.. إلا أن الصحيح أن إسرائيل لم تنتصر أيضا بل كانت أقرب إلى الهزيمة.. وبالطبع فهناك فرق كبير بين هزيمة العرب وبين هزيمة إسرائيل في نهاية المطاف.
أهم الأمور التي مكنت العرب من تسجيل النصر النسبي على اسرائيل.. هي
1- انتشت إسرائيل بنصرها عام 1967م.. إلى درجة أنها لم تعد تصدق أن العرب بإمكانهم محاربتها.. فلما وصلت استخباراتهم العسكرية بعض المعلومات عن الاستعدادات المصرية أو السورية استبعدوها ولسان حالهم يقول: هل يجرأ العرب على فعلها ؟
2- هذه الحرب هي الوحيدة التي اعترفت إسرائيل بأن العرب خططوا لها وأنهم لم يتركوا أمرا للصدفة.. وأن الدهاء العربي تغلب على الذكاء اليهودي(زلزال في اكتوبر – زئيف شيف). وأنهم كسروا في هذه الحرب حاجز الخوف الذي كان يتنامى في النفس العربية منذ حروبهم الفاشلة في 1948م و1956م و1967م.
3- في هذه الحرب عبر المصريون وحطموا خط بارليف وهم يهتفون الله أكبر وفي جيب كل واحد منهم كراس عقيدتنا الدينية طريقنا للنصر من تأليف رئيس الأركان سعد الدين الشاذلي. عبروا القناة وهي أصعب مانع مائي في العالم وحطموا خط بارليف في 18 ساعة..
4- وفي هذه الحرب انهارت القيادات الإسرائيلية العسكرية منها والسياسية.. ومع انهيارهم أدركوا أن مؤسسة جيشهم التي ظنوا أنها لا تقهر.. قد تعرضت للفساد والانهيار الخلقي الذي أصاب مجمل الشعب اليهودي.
5- وفي هذه الحرب ثبت لإسرائيل.. وكذلك أدرك الجندي المصري والسوري مدى صلابته وقدرته وتفوقه في القتال على عدوه.. وأن تساوي الظروف والتسليح يجعله الأعلى.
6- في هذه الحرب ظهر معدن المقاتل المصري من أبناء الشعب.. فحين حاول الإسرائيليون احتلال مدينة السويس دفعوا ثمنا باهظا لهذه المحاولة وانسحبوا بعد ذلك مذمومين مدحورين.
7- وأخيرا فإن هذه الحرب التي بدأت بداية مشرفة وانتهت بكثير من الأخطاء.. كان يمكن أن تشكل علامة فارقة تضع حدا لعهدين.. عهد وجود إسرائيل وعهد غيابها.
قرار مجلس الأمن الدولي رقم 338
بعد التفاهم الأمريكي السوفياتي، دعي مجلس الأمن الدولي للاجتماع في 22 اكتوبر 1973م وبعد مداولات اتخذ قراره رقم 338 التالي نصه:
أولا: يدعو جميع الأطراف إلى وقف إطلاق النار وأي نشاط عسكري فورا، على أن يتم هذا القرار في المواقع التي تحتلها هذه الأطراف الآن.
ثانيا: يدعوا الأطراف المعنية إلى البدء مباشرة، بعد وقف إطلاق النار، بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 بجميع فقراته.
ثالثا: يقرر وجوب بدء مفاوضات فورية، وفي الوقت ذاته يتم فيه وقف إطلاق النار وتحت رعاية مناسبة، بغية تحقيق سلام دائم وعادل في الشرق الأوسط.
مؤتمر جنيف
في 21/12/1973م في قصر الأمم بجنيف، المقر الأوروبي للأمم المتحدة، تم افتتاح المؤتمر الذي ضم وفود: الأمم المتحدة وأمريكا وروسيا وإسرائيل ومصر والأردن.. بينما امتنعت سوريا عن الحضور.
لعب كيسنجر وزير خارجية أمريكا اليهودي المتعصب دورا رئيسا في هذا المؤتمر.. من أهم نتائج مؤتمر جنيف كان: اتفاق فصل القوات بين مصر وإسرائيل على أن تنسحب القوات الإسرائيلية 30 كم إلى داخل سيناء وأن يبقى المصريون على الضفة الشرقية للقناة على مسافة (8-9) كم. وأن تفصل قوات الأمم المتحدة بين الفريقين.