RSS

Monthly Archives: June 2013

لماذا نكتب اليوم عن حسن البنا..؟

 () لماذا نكتب اليوم عن حسن البنا..؟ – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من مصر

حياة حسن البنا.. حياة ثرة ذاخرة.. فهو صاحب المشروع الإسلامي الذي حرك المسلمين في أوائل القرن العشرين ابتداءً من مصر الكنانة.. حتى آخر منطقة في العالم.

وإذا اكتفى غيره بالتنظير حول قضايا الإسلام.. فقد انشغل هو ببناء الرجال.. وبالأمور العملية فقد كانت التربية والإعداد عنده ميدانياً عملياً.

نحن اليوم نذكره بمناسبة المؤامرة التي أدت إلى مقتله.. المؤامرة التي لا تختلف عن أي مؤامرة أخرى.. حدثت سابقاً أو تحدث اليوم..

استشهد حسن البنا وهذا ما كان يتمناه..

واستمرت دعوته حية خالدة..

تستمر المؤامرات.. وفي نفس الوقت ترتفع راية الإسلام لا تنال منها العاديات.

نحن اليوم نبحث عن رموز الأمة.. الذين يظهرون كلما اشتدت الحاجة إليهم، فيسدون الثغرة، ويلبون الحاجة، ويقومون بالواجب المطلوب لزمانهم ومكانهم في عملية الإحياء.

قد يكون الرمز الذي نبحث عنه خليفة راشداً مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد يكون قائداً عسكرياً فذاً مثل أبي عبيدة بن الجراح أو خالد بن الوليد أو صلاح الدين الأيوبي، وقد يكون مربياً روحياً مثل عبد القادر الجيلاني أو حسن البنا.

قد يكون الرمز معلماً.. أو عالماً.. في أمور الدنيا.. أو أمور الدين.. قد يكون عربياً من مصر.. أو كردياً من العراق.. أو داغستانياً من القوقاز.. فهذه الأمة أنقذها الله من دعاوى الجاهلية.. فقال نبيها r: (ليس منا من دعا إلى عصبية).

قد يكون الرمز شاباً.. وأكثر الرموز من الشباب.. فهم أقوى أجساداً.. وأقوم معرفة.. وأحد عقولاً.. وقد يكون كهلاً عجنته الأيام فصاغت منه واحداً من هؤلاء الذين قال المصطفى فيهم: (إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد للناس أمر دينهم).

نحن نبحث عن هؤلاء الرموز.. نعيش معهم.. ونجلي جوانب عظمتهم.. ونبحث عن الجانب الأهم في حياتهم.. هل لأننا مغرمون بالتاريخ..؟

كلا.. بل لأننا مغرمون بصناعة الحياة.. وصناعتها تحتاج إلى عالم ومتعلم، وتحتاج إلى قدوة كريمة وشاب يتطلع إلى هذه القدوة ينفعل بها، فتهديه إلى الطريق.

والأمة التي لا توقر رموزها.. بل الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم ربهم هدى.. إن لم يصادفوا مثل هذه الرموز.. طال عليهم الطريق وصعبت عليهم المهمة.. وإذا كان سيدنا محمد r آخى بين المؤمنين.. فنحن نريد أن نؤاخي بين رموز الماضي ورموز اليوم.. لإعادة بناء الحياة.

لهذا السبب نحن نكتب عن حسن البنا.. كما نكتب عن غيره من الرموز.. صناع الحياة.

في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، وقعت بلاد المسلمين في أيدي الصليبيين. احتلوا أرضها.. وامتصوا دماءها وثرواتها.. وعبثوا بفكرها ودينها.. وأقاموا لهم، رجالاً من بيننا.. يتحدثون بلغتنا ويتسمون بأسمائنا، ولكنهم سدنة لمعابدهم.. أقاموهم رموزاً لشبابنا وأسبغوا عليهم من صفات المجد والشهرة والعلم ما أزاغوا به العيون.. كنا بأمس الحاجة إلى رموز تمثلنا.. من أصحاب الإيمان العميق، والفكر الدقيق، والحس المرهف، والإرادة الصلبة.. يشعرون بما تعانيه أمتنا من أمراض، يشخصون داءها، ويصفون لها الدواء.

من هؤلاء حسن البنا الذي نحن اليوم بصدد الكتابة عنه.

يقول محمد الغزالي عنه في مقدمة كتابه (دستور الوحدة الثقافية): حسن البنا الذي أصفه ويصفه معي كثيرون بأنه مجدد القرن الرابع عشر للهجرة، فقد وضع جملة مبادئ تجمع الشمل المتفرق، وتوضح الهدف الغائم، ويعود بالمسلمين إلى كتاب ربهم، وسنة نبيهم، وتتناول ما عراهم خلال الماضي من أسباب العوج والاسترخاء، بيد آسية، وعين لماحة فلا تدع سببا لضعف أو خمول.

كان مدمناً لقراءة القرآن يتلوه بصوت رخيم، وكان يحسن تفسيره كأنه الطبري أو القرطبي، وله قدرة ملحوظة على فهم أصعب المعاني ثم عرضها على الجماهير بأسلوب سهل قريب.

وهو لم يحمل عنوان التصوف، بل لقد أبعد عن طريقة كانت تنتهي إليها بيئته.. ومع ذلك فإن أسلوبه في التربية وتعهد الأتباع وإشعاع مشاعر الحب في الله، كان يذكر بالحارث المحاسبي وأبي حامد الغزالي.

وقد درس السنة المطهرة على والده الذي أعاد ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل، كما درس الفقه المذهبي باقتضاب، فأفاده ذلك بصراً سديداً بمنهج السلف والخلف. ووقف حسن البنا على منهج محمد عبده وتلميذه صاحب المنار الشيخ محمد رشيد رضا، ووقع بينه وبين الأخير حوار مهذب، ومع إعجابه بالقدرة العلمية للشيخ رشيد، وإفادته منها، فقد أبي التورط فيما تورط فيه.

ولعله كان أقدر الناس على رفع المستوى الفكري للجماهير مع بعد عن أسباب الخلاف ومظاهر التعصب.

ولقد أحاط حسن البنا بالتاريخ الإسلامي، وتتبع عوامل المد والجزر في مراحله المختلفة، وتعمق تعمقاً شديداً في حاضر العالم الإسلامي، ومؤتمرات الاحتلال الأجنبي ضده.

ثم في صمت غريب أخذ الرجل الصالح ينتقل في مدن مصر وقراها، وأظنه دخل ثلاثة آلاف من القرى الأربعة آلاف التي تكون القطر كله.

وخلال عشرين سنة تقريباً صنع الجماهير التي  صدّعت الاستعمار الثقافي والعسكري، ونفخت روح الحياة في الجسد الهامد..

هل عرفت لماذا نكتب عن حسن البنا..؟

لا نريدها اليوم كتابة للاستمتاع.. بل كتابة تشد العزائم.. وتقبض على ناصية الأمور.. وتعيد صناعة الحياة بأيدي طليعة المستقبل.

صناعة الرموز

كان الإمام حسن البنا مشغولاً بصناعة الرموز، وهي مهمة كبيرة وشاقة إلا من سهلها الله عليه، فأنت تسمع من كثير من المربين كلمات تشجع الشباب على التميز.. ثم لا تجد ثمرة عملية لهذا التشجيع، وإذا تساءلت عن السبب لوجدته في:

الإخلاص الذي يميز فريقاً من الدعاة في دعوتهم.. في دأبهم على الشباب وتربيتهم.. في حبهم لأبنائهم.. في الأخذ بأيديهم للتميز.

كان على رأس هؤلاء القائد النبي محمد r الذي نما الحب بينه وبين من يدعوه، إلى درجة أن الرسول r أصبح أحب إليه من نفسه وأهله والناس أجمعين.. ومن نتائج هذا الحب أصبح أبو بكر الصديق، وأصبح عمر الفاروق، وأصبح أبو عبيدة أمين الأمة، وأصبح خالد بن الوليد سيف الله المسلول.

ولقد سار الإمام حسن البنا على هدي النبي؛ فحرك الجسد الهامد فأشعل الشوق فيه.. وأخذ بأيدي الفتيان من أمثال: توفيق الشاوي، والسيد سابق، ومحمد الغزالي، والبهي الخولي، ويوسف القرضاوي، وكامل الشريف، وعمر التلمساني، ومحمد فريد عبد الخالق، وعاكف، فأصبحوا دعاة عظماء: بكلمة أو بموقف عملي اتخذه معهم الإمام الشهيد.

كنت في عمّان في الاحتفال الذي أقامه الإخوان المسلمون بمناسبة مرور مائة سنة على مولد الإمام حسن البنا.. وقد تحدث في هذا الاحتفال الأستاذ كامل الشريف – يرحمه الله- الذي كان مسؤولاً عن مجاهدي الإخوان في فلسطين.. يقول: عندما زارنا الإمام حسن البنا في فلسطين يتفقد أبناءه المجاهدين، كتب لي رسالة يحدد لي فيها موعد وصوله.. وفي فلسطين قال لي الإمام: لو زرت فلسطين ولم أرَكَ لاعتبرت رحلتي فاشلة.

ماذا صنعت كلمات إمام الأمة في شاب صغير هو كامل الشريف؟ كيف سينمو الحب بين الجندي والقائد؟ ثم كيف سيكون الرمز الكبير قائد الجهاد في فلسطين والقناة فيما بعد؟

هناك فرق كبير بين كلمات هامدة لا قيمة لها يقولها بعض الدعاة للأبناء.. فلا تلامس قلوبهم ولا توقد شرارة الحب بينهم. وبين قيادات ربانية مخلصة.. تعيش وقدة الحب والشوق مع إخوانهم الشباب.. الذين لا يحتاجون عندئذ إلا لكلمة واحدة أو موقف واحد مع القائد ليتقدموا الصفوف!

 
 

!يالطا جديدة

(8) يالطا جديدة! – من سلسلة خواطر حول العالم

يالطا.. اسم علم على مكان التقى فيه قادة الغرب والشرق بعد الحرب العالمية الثانية، ووضعوا أمامهم خريطة العالم واقتسموها كالسلعة تماما.. فهذه الدولة من نصيب أمريكا، والثانية من نصيب فرنسا أو إنكلترا، وتلك من نصيب روسيا.. ولربما كانت الدولة الواحدة من نصيب أمريكا وروسيا معا كيوغسلافيا واليونان وألمانيا ورومانيا وغيرها.

وأكثر المناطق التي نالها الإجهاد، واعتدت عليها وعلى مقدراتها الدول الغالبة هي دول العالم الإسلامي.. من باكستان والهند وإندونيسيا وماليزيا شرقاً حتى المغرب غرباً.. وبموجب صك يالطا هذا أصبحت جميع مناطق العالم الإسلامي ضمن مناطق النفوذ.. تدار مباشرة أو من وراء حجاب.. بخيوط واضحة أو غير مرئية من لندن وباريس وواشنطن وموسكو..

ولقد استطاع الحكام الذين جاء بهم الأسياد أن يجهضوا كل تحرك شعبي. وعلى هذا الأساس قامت إسرائيل ومنع الشعب الفلسطيني من الدفاع عن نفسه وأرضه.. ومن نفس المنطلق تدور على ساحات العالم الإسلامي العريضة ثورات وتضحيات غايتها كسر الطوق وتحرير الإنسان وتحرير المجتمع والدولة.. وكلما أمعن الشعب وأصرّ على تحرير نفسه من الطغيان.. كلما أمعن الأسياد في واشنطن وموسكو بتدعيم رموز الخيانة ومساندتها بالمال والسلاح.

إن يالطا الجديدة.. التي تتحدث عنها الصحف.. ويقول فيها كثير من زعماء العالم لن تتناول بالتأكيد إعادة النظر في كيانات أوروبا وأمريكا.. ولكنها تتناول بكل تأكيد مزيدا من الأغلال والقيود للحركات الإسلامية.. ومزيدا من نهب ثروات شعوب العالم الإسلامي الذي يطلقون عليه حقدا واستهجاناً بالعالم الثالث.

إن يالطا الجديدة.. هي حرب صليبية تشن في كل بلد إسلامي.. لتدمير الإسلام والمسلمين، وتخمة أعداء الله الظالمين.. ولكل أمر منتهى.. ولكل ظالم عاقبة.. والعاقبة للمتقين العاملين.

1982/2/1م

 
 

الطعام هو الحلقة المكملة للعبة الأمم

 (7) الطعام هو الحلقة المكملة للعبة الأمم – من سلسلة خواطر حول العالم

إذا لم يتم توجيه اهتمام كاف للقطاع الزراعي فسوف يواجه الشرق الأوسط بحلول نهاية هذا القرن نقصا كبيراً في الطعام. وقد تؤدي تلك المشكلة إلى العديد من المشاكل الفرعية الأخرى مثل سوء التغذية، والمجاعة، والموت، والأمراض.. ومما يدعو للسخرية أن غالبية العالم العربي أرضه زراعية ولكن الطلب على الطعام يفوق العرض.. فما الذي أدى إلى هذا الموقف إذن؟ وإلى من يوجه اللوم؟ ومن الذي يستفيد من وراء ذلك الموقف؟ وهل يمكن تلافيه؟ يجب استقصاء كل تلك الأسئلة قبل أن تتغير صورة العرب أغنياء النفط إلى صورتهم كمتسولين.

والسبب الأساسي للمشكلة هو الازدهار النفطي للدول العربية المنتجة للنفط. فقد كان لثرواتهم النفطية تأثير واضح على مجتمعاتهم وكذلك على دول المنطقة غير المنتجة للنفط. فأولا أوجد النمو السريع للدخل طبقات جديدة مثل المقاولين محدثي النعمة الذين حولوا بلادهم إلى مجتمع استهلاكي هائل.

وقام الأغنياء ومحدثو النعمة والطبقات المتوسطة بالإنفاق بتهور على المظاهر: مثل السيارات، والمنازل، والسلع المنزلية، والأزياء، والأطعمة. وحيث أن الطلب يفوق العرض فإن دولا مثل السعودية وبقية دول الخليج تستورد كل طعامها من الغرب.. ويتم استيراد أكثر من ثلث احتياجات سوريا والمغرب وتونس من الحبوب.. ويستورد الأردن كل احتياجاته من القمح، أما مصر فتستورد أكثر من نصف احتياجاتها الرئيسية.

ووفقا لإدارة الزراعة بالولايات المتحدة الأمريكية فقد قفزت صادرات الطعام إلى الشرق الأوسط من مليار دولار عام 1970م، إلى 32 مليار دولار عام 1982م. ومن المتوقع زيادة ذلك الحجم بمقدار 2 مليار دولار عام 1983م. ولم تتلكأ السوق الأوروبية حيث تقوم بتوريد ثلث الطلبات تقريبا (9 مليار دولار عام 1982م ومن المتوقع زيادتها إلى 11 مليار دولار عام 1983م). وتقوم السوق الأوروبية المشتركة بتوريد جميع أنواع السلع الجاهزة للاستهلاك ومنتجات الألبان واللحوم، وكذلك السكر. وفي عام 1981م بلغت نسبة واردات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 11% من الواردات الزراعية العالمية، وتتزايد تلك النسبة كل عام.

وقد تزايد الإمداد بالطعام بصورة كبيرة بسبب النمو السكاني السريع. وكنتيجة لذلك فإن طلبات الطعام في الدول غير النفطية مثل مصر والمغرب وسوريا وتونس تزيد بنسبة 5% إلى 8% كل عام.

وقد تزايد تعداد السكان بصورة كبيرة في الدول المنتجة للنفط بسبب الهجرة الهائلة للعمال الأجانب. وقد نتج عن الاندفاع المجنون نحو التصنيع مشاكل بالنسبة للدول العربية المنتجة وغير المنتجة للنفط. ففي أكثر الدول حدث انتقال هائل للسكان من المناطق الريفية إلى المدن وذلك لأسباب اقتصادية، تاركين القطاع الزراعي مهملا. أما في الدول غير المنتجة للنفط فقد أصبح تصدير القوة العاملة عملا رائجا. وقد أدى ذلك إلى كساد في النمو الزراعي بتلك الدول، ذلك أن حافز الأعمال المربحة للفلاحين المعدمين أقوى من أن يقاوم، فالدخول لا تزيد عدة مرات فقط بل يضمن العامل المسكن وسبل العيش والرعاية الطبية وغير ذلك. ولذلك فليس من المدهش أن نجد أن هجرة العمالة قد زادت من شمال وجنوب اليمن ومن السودان وعمان ومصر.

وقد أدى تخلف القطاع الزراعي وتفضيل الهجرة إلى المدينة إلى إهمال الزراعة ونقص الانتاج الزراعي. وقد باشرت بعض الدول مثل مصر وسوريا والعراق والجزائر إصلاحات زراعية غير مكتملة لم تقض على طبقة ملاك الأراضي ولم تقم بتوزيع الأراضي على الفلاحين. وفي هذه الأحوال لم يتأثر بذلك سوى جزء صغير من الأراضي (حوالي 12% في مصر). وفي أحوال كثيرة بدأ المقاولون الرأسماليون أعمالا زراعية وصعد توفيرهم للعمالة وزراعتهم الآلية من تحول المزارعين الفلاحين إلى العمل بالمدن.

وتقوم الأعمال الزراعية أيضا بإنتاج أطعمة الرفاهية مثل الفواكه والخضراوات والمواشي المعلفة حيث تكون هوامش الربح عالية. وقد تحول بعض المزارعين الأفراد كذلك إلى الزراعة الآلية وزاد استخدام الجرارات في المنطقة بنسبة 50%. ولكن أحوال المزارع لم تتحسن لأن الأغنياء فقط هم القادرون على شراء ما ينتج. وقد حاولت بعض الحكومات توفير حوافز إضافية لمزارعيها بعرض مبالغ أكثر لشراء منتجاتهم. ولكن ذلك لن يستمر طويلا بسبب عوامل خارجية تؤثر عليهم مثل واردات الطعام الهائلة.

ولقد أطلقت تحذيرات عديدة بخصوص تدهور الانتاج الغذائي في العالم العربي. وقد اكتشف الخبراء العرب في مؤتمر عقد في بداية هذا العام في الخرطوم أن الأراضي الصالحة للزراعة في العالم العربي تقدر بحوالي 51 مليون هكتار يروى 78% منها بالأمطار، ويعتمد الباقي على الري. وتقدر مساحة الأراضي التي تنتج محصولا بثلثي تلك المساحة فقط بينما يترك الثلث الباقي معتمدا على مياه الأمطار والوسائل الزراعية التقليدية.

ويبدو، والحالة هذه أن الكفاية الذاتية في إنتاج الطعام احتمال بعيد. وقد طرحت أفكار بإنشاء سوق عربية مشتركة تقوم الدول العربية الغنية فيها باستثمار القطاع الزراعي بالبلاد الفقيرة ذات التربة الجيدة. وفي حين تستمر الحكومات العربية في النقاش، تقوم الدول الغربية بجني إيرادات كبيرة. وفي الواقع هناك صراع بين الأمريكيين والسوق الأوروبية المشتركة على اسواق الطعام العربية حيث يمكنهم التخلص من منتجات أغذيتهم وفائض مزارعهم. ويشعر الأمريكيون الذين قاموا بشحن أكثر من 15 ألف طن من الدجاج إلى السعودية عام 1980م ووردوا إليها 400 طن فقط عام 1982م بالمرارة بسبب ضياع الباقي منهم وانتقاله إلى أسواق السوق الأوروبية المشتركة. وقد وعدت الحكومة بمنح تسهيلات ائتمانية أفضل لمزارعي الولايات المتحدة لتمكينهم من زيادة قدرتهم على المنافسة. وقد باعت الولايات المتحدة ما قيمته 230 مليون دولار من القمح والحبوب الأخرى والبيض والبذور وعلف الحيوانات إلى العراق مؤخرا وتتوقع زيادة المبيعات لتصل إلى مليار دولار في العام القادم. ولا تساعد مثل تلك الواردات المزارعين حيث ارتفعت الأجور في الريف بينما بقيت أسعار المحاصيل متدنية مما يوقع المزارعين في أزمة أرباح  والمشاكل المؤثرة على المزارعين والفلاحين والقطاعات الزراعية لا تهم مصدري الطعام الغربيين إذ كلما زاد التدهور الزراعي في الدول العربية كلما كان ذلك أفضل بالنسبة لهم، حيث أن الدول العربية تصبح عندئذ معتمدة تماما على الغرب في غذائها. وتلك هي المشكلة وهي تعطي صورة كئيبة جدا لمستقبل الدول العربية.

وقد اعتمدت مصر على مثل تلك المساعدة الغذائية من الولايات المتحدة منذ الستينيات لإطعام ملايينها الجائعة. وبعد عشرين عاما من التصنيع لايزال قطاعها الصناعي تهيمن عليه الزراعة. والتغيير الوحيد الذي حدث أن مصر قد اعتمدت أكثر وأكثر على الغرب في احتياجاتها من الطعام.

ومثل ذلك المصير ينتظر الدول العربية الأخرى إذا لم تعمل على تنشيط قطاعاتها الزراعية وتوفير كفاية ذاتية من الطعام والأمن الغذائي للمستقبل.

وتعتمد تلك الدول بالفعل على قطاعات أخرى مثل التقنية المستوردة (على شكل صناعات خطوط التجميع والضغط على أزرار) والمعدات العسكرية. يجعلهم الاعتماد على الطعام خاضعين تماما للمصالح والمصنعين الخارجيين وهذا يجعل الخروج من تلك الورطة أكثر صعوبة بكثير.

1983/11/21م

 
 

نحن ولعبة الأمم

(6) نحن ولعبة الأمم – من سلسلة خواطر حول العالم

لعبة الأمم مصطلح حديث للعبة قديمة.. تعني اتفاق القوى في العالم على توزيع الأدوار، واقتسام الثروات، واستغلال الشعوب، بطريقة تجنب الطامعين الصراع المكشوف. وليس معنى هذا انتهاء الصراعات بين هذه القوى، ولكنها صراعات تدور حول محاور ثابتة يتفق عليها. وأهم مواقع لعبة الأمم هي مواطن الشعوب الإسلامية.

أهداف لعبة الأمم

من أبرز أهداف لعبة الأمم ضرب الإسلام باعتباره الفكر الأصيل الذي يستطيع وحده أن يكون البديل لحضارة الرجل الأبيض التي يجمع فلاسفة الغرب ومنهم راسل على انتهائها. ولا يظنن القارئ أن هذا تمحل بعيد عن الموضوع.. بل هو أساس الأمر ولب الموضوع.

فهذا ديغول يسجل في مذكراته أنه فكر بالانتحار أثناء الحرب العالمية الثانية ويقول بصراحة.. لتأت أمم الإسلام ولتسيطر على العالم بعد اندحار أمم الغرب.. هاجس تعيشه العقلية الغربية وكابوس مخيف يخشون أن تسعد البشرية به.

وهذا بيرغر في كتابه المجتمع العربي اليوم يضع بصراحة الخطة التي تمكن الاستعمار وعملاءه من ضرب الأفكار الإسلامية فيقول: إن المجتمعات الريفية مازالت متمسكة بأهداب الدين.. وإن مجتمع المدينة ومجتمع الصناعة أقل تمسكا، وهو ينصح بالقضاء على المجتمعات الريفية والبدوية عن طريق توطين البدو وتهجيرهم إلى المدينة.

وهذا مايلز كوبلند أحد مؤسسي وكالة الاستخبارات الأمريكية وأحد مهندسي انقلاب 23 يوليو 1952م في مصر يقول بصراحة في كتابه لعبة الأمم: إن الانقلاب العسكري في مصر كان ضرورة لمنع ثورة الشعب الحقيقية التي كان سيقودها الإخوان المسلمون.

ولعبة الأمم اختراع قديم طوره الأمريكان.. فليس المهم عندهم من يباشر الحرب ضد الإسلام.. بل المهم عندهم النتيجة.

ففي الخمسينات كانت إذاعة إسرائيل تمدح الإخوان المسلمين وتهاجم ثورة مصر وقد اعترفت الكتب السياسية التي صدرت في السنوات الأخيرة أن هذا تكتيك لمحاربة هذه الفئة الدينية المتعصبة!

وفي السبعينات ذكرت نيوزويك الأمريكية أن الانقلاب الشيوعي في أفغانستان ليس مما يقلق أمريكا.. فقد كانت أمريكا تقلق قبل عشر سنوات لمثل هذا الأمر أما الآن فلا.. مادام الأمر حربا على الإسلام والمسلمين.

وفي إسرائيل تنعي صحيفة يديعوت أحرنوت على التلفزيون الإسرائيلي تسرعه في إظهار عواطفه المؤيدة للمسيحيين في لبنان ضد المسلمين.. وقد حذرت الصحيفة من انعكاس هذا الأمر على المسلمين بحيث يعودون لإسلامهم.. واعترفت الصحيفة أن إسرائيل مارست ضرب الحركة الإسلامية خلال الثلاثين عاما الماضية عن طريق اصدقائها في العالم العربي، وإذا لم تنجح إسرائيل اليوم في هذه العملية.. فإنها ستواجه عدوا حقيقيا لا وهميا.. عدواً يعتقد أنه يدخل الجنة إذا قتل يهوديا أو قتله يهودي.

ومن هنا كانت الحرب الضروس على الحركة الإسلامية في جميع أنحاء العالم. حربا تختلف كثيرا عن عملية الصراع على السلطة التي تتنافس قوى كثيرة في العالم للوصول إليها.. حربا كان المقصود منها سحق العمل الإسلامي في أنحاء العالم.. سحقا دمويا عنيفا رهيبا بينما تصمت كل وسائل العالم الإعلامية أمام هذا الإفناء المقصود.

فابتداء من إندونيسيا والحرب التي شنها سوكارنو على حزب ماشومي الذي حرر البلاد، وانتهاء بمصر والحرب الماحقة التي شنتها مختلف القوى السابقة واللاحقة على حركة الإخوان المسلمين التي تمثل الطبقة الواعية النظيفة في بلادهم.

ولم يكتفوا بحرب الحركات الإسلامية الكبيرة.. بل راحوا يتتبعون الحركات الإسلامية وهي ما تزال في مهدها.. في كثير من البلدان الأخرى.

الهدف الثاني للعبة الأمم: هو ضرب البلدان الإسلامية بما تمثله من ثروات غير محدودة وطاقة بشرية هائلة وموقع استراتيجي هام وواقع حضاري متميز.

هذه الأمور تجعل الغرب والشرق يخشى هذا المارد أن يتحرك.. لهذه الأسباب.. فقد عاشت أوروبا اياما عصيبة كانت تستدعي لقاءات دائمة بين زعاماتها للتخطيط للقضاء على الرجل المريض الذي هو في الحقيقة الخلافة الإسلامية في استانبول.

ولم يترك هؤلاء بلدا إسلاميا واحدا لم يفجروا فيه مشكلة، وحين تتفجر المشكلة – بعد أن يوجدوا أسبابها ويشجعوا أحجار شطرنجهم عليها- تراهم ينحازون تلقائيا ضد المسلمين.. ولا عبرة في ذلك للمواثيق والتحالفات والأحلاف.. والأمثلة على ذلك لا تكاد تنتهي.

فهذه تركيا لم تنفعها أحلافها مع الغرب في صراعها مع اليونان في قبرص.. وهذه باكستان تآمرت عليها كل القوى لتقسيمها وتحطيمها.. وهذه فلسطين الشرق والغرب ومعهم اليهود تآمروا لإقامة دولة إسرائيل على أنقاض شعب فلسطين المسلم.

وهذه الصومال وتشاد والسودان والمغرب والجزائر بل وقبلها تركستان الشرقية والغربية والجمهوريات الإسلامية في روسيا. وإذا نسي الغرب.. فلا يمكن أن ينسى انتصار الهلال التركي على الصليب اليوناني في قبرص..

وهذه قضية تتعدى حدود قطعة الأرض التي احتلها الجيش التركي.. إلى الشعور بأن المارد الإسلامي بدأ يتحرك.

والهدف الثالث هو النفط.. وهو هدف مهم واستراتيجي، يتلخص القول فيه ما قاله فورد رئيس جمهورية أمريكا السابق حين قال إن أمريكا على استعداد لخوض حرب من أجل النفط.. وأن الأمم في السابق واللاحق تقاتل من أجل مصالحها الاستراتيجية.

وأمر النفط قضيتان.. الأولى: الحصول على النفط الذي يشكل أساس الرفاه في أوروبا وأمريكا واليابان.. والثانية: الحصول على النفط بأبخس الأثمان..

ولسنا في حاجة للكلام على حصول الغرب على النفط فهذا تحصيل حاصل ولا تستطيع قوة لا محلية ولا خارجية أن تمنع الغرب من الحصول على النفط في الوقت الحاضر.. ليس لأن ذلك مستحيلا.. بل لظروف داخلية وخارجية لا تخفى على أحد.

أما الحصول على النفط بأبخس الأثمان فهذا أمر يقودنا إلى الهدف الرابع من أهداف لعبة الأمم وهو مخازن السلاح.

وتجارة السلاح في العالم من أهم التجارات التي تعتمد عليها الدول الكبرى في تعديل ميزانها التجاري.. وهي تجارة استراتيجية تتيح لهم التحكم في الزبائن. لهذا الأسباب فقد اقتسم اللاعبون اسواق السلاح في العالم: أكثر من النصف لأمريكا وأقل من النصف لروسيا وفتات لبريطانيا وفرنسا وغيرهما.. ولا تستطيع أية دولة خرق الاتفاق الذي أقره اللاعبون في بورصة التلاعب الدولي.

ومن شروط بيع السلاح عدم شرائه من دولة أخرى.. وعدم بيعه لدولة ثالثة، وعدم استعماله ضد الحليف الفلاني، وإذا تمرد الزبون فقطع الغيار تحيل السلاح إلى خردة لا قيمة لها.

ومن شروط التسليح كذلك عدم تصنيع السلاح محليا.. وفي كثير من شروط التسليح كان إغلاق مصانع السلاح المحلية.

وعندما يشتري الزبون السلاح بما لديه من أموال النفط وتملأ مخازنه بأحدث مبتكرات الدمار.. يعمد الغرب والشرق بالتضامن.. إلى تفجير واحدة من المشاكل الموقوتة ولا يتدخل لإيقاف التفجير إلا بعد تفريغ مخازن السلاح.. ثم تعاد الكرة من جديد.. مخازن تملأ وتفرغ وسيل دولارات النفط لا ينقطع إلى جيوب اللاعبين.

والهدف الخامس من أهداف لعبة الأمم: هو أمن إسرائيل وهو هدف متفق عليه.. وحين يتباكي الشرق أو الغرب ويدافع أحيانا – بالقول- عن مصالحنا.. فلمزيد من التضليل والخداع.. وإسرائيل الصهيونية امتداد للحقد الصليبي الذي قذف العالم الإسلامي بحملاته الصليبية.. وهو يقيم من إسرائيل رأس حربة على شكل صليب يمسك بها اليهودي الحاقد يغرسها في قلب المسلمين.

وأخيرا.. هناك أسرار رهيبة في هذه المجالات وأدوار محدودة مرسومة لأحجار الشطرنج وكل من يتعدى دوره المرسوم تحاول كل القوى إنهاءه بكل الوسائل.. ولهذا.. فقط.. يكمن العداء الرهيب من قبل حكام المسلمين تجاه الحركات الإسلامية.

1978/10/28م

 
 

أوبيك وحقيقة الأوضاع النفطية في دول العالم الثالث

(5) أوبيك وحقيقة الأوضاع النفطية في دول العالم الثالث – من سلسلة خواطر حول العالم

منظّمة الدول المصدرة للبترول – أوبك

خفضت النرويج مؤخرا أسعار نفطها بمقدار 1.5 دولا للبرميل، وتبعتها مباشرة إنكلترا فخفضت السعر 1.35 دولار للبرميل.. وما لبثت نيجيريا أن أعلنت عن تخفيض أكبر بمقدار دولارين للبرميل.. وبسرعة تداعت دول الأوبك إلى عقد اجتماع طارئ يوم 29 أكتوبر 1984م لبحث الأزمة.. وطار وزير النفط السعودي وبعض زملائه إلى نيجيريا لإقناعها بالعودة عن قرارها والالتزام بقرارات الأوبك السابقة التي ترغب في المحافظة على الأسعار والتحكم بها عن طريق تحفيض سقف الإنتاج.

عشرات المقالات تناولت الموضوع.. ولم نجد أحدها تناول الأمر في أعماقه.. لا لأنها تجهل الخلفيات والدوافع.. ولكن لأن القوى المتحكمة في كل شيء: في النفط وإنتاجه وأسعاره وأرصدته وصرفه وعملته.. تتحكم كذلك بالإعلام ما ينشر أو ما يمنع نشره.

ومن هنا رأينا من واجبنا أن نكتب بعض الكلمات التي تشير إلى خطوط اللعبة الدولية التي يمارسها الأقوياء ضد الضعفاء أو الشمال ضد الجنوب كما يحلو لهم أن يقسموا الجهات برأيهم ويسموا الآخرين على مزاجهم..

لعبة الأمم

وتجدنا هنا مضطرين أن نتكلم عن لعبة الأمم التي تذكر كثيرا هذه الأيام.. وحقيقتها كلمات قليلة: كيف تسيطر الدول الكبرى على مقدرات الدول الأصغر.. كيف يقرض البنك الدولي وهو أحد مؤسسات الدولار الحاكم الدول الصغرى بفوائد فاحشة تتضاعف كل عام دون أن تستطيع هذه الدول السداد أو حتى دفع الفوائد ومع الزمن أصبحت جميع الدول مستعمرة سياسياً أو عسكريا أو اقتصاديا.

لعبة الأمم.. كان اسمها المسألة الشرقية.. وبعد حين أخذت اسم مشكلة الشرق الأوسط.. وتطور الاسم ليصبح بين الشمال والجنوب.. كلها أسماء لمسمى واحد هو لعبة الأمم.

ونقول بكل الثقة أن السيطرة على العالم الإسلامي.. والتحكم في مقدراته.. وضرب معنوياته.. ونهب ثرواته.. وفتح أسواقه لاستهلاك ما ينتجون.. هي أهم أهداف لعبة الأمم..

وإذا كان النفط من أهم منتجات وثروات العالم الإسلامي، فقد أصبح هذا النفط بالتالي من أهم ما يشغل اللاعبين الرئيسيين في العالم.

النفط يتحكم بالسياسات

لا نتحاوز الحقيقة إذا قلنا إن إنتاج النفط وتصديره يتبع نظاما إرهابيا عالميا صارما.. فعندما قامت ثورة مصدق الوطنية في إيران أجهضوها بالنفط.. وفتحوا مقابلها وعلى الفور آبارا جديدة في مناطق أخرى فزاد إنتاج الكويت مثلا من عدة آلاف البراميل إلى عدة ملايين في اليوم الواحد.. وعندما تدفق النفط على نيجيريا تدخلوا فأجهضوا القوى الوطنية فاغتالوا أحمدو بيللو وأبو بكر تفيوا بيليوا.. أقاموا بيافرا وقتلوا مرتضى وهم اليوم يضغطون على بخاري لإجهاضه وإجهاض مخططاته.

اكتشف النفط في السودان.. وبدلا من أن تعمل شركة شيفرون الأمريكية على إنتاج النفط فقد اتفقت مع المتمردين في الجنوب على تعطيل العمل في محاولة للضغط على النظام في الخرطوم لإسقاطه أو الخضوع لإرادتها.

في جميع المناطق يمكنك عندما تبحث عن السياسات والتغيرات أن تسأل عن النفط فستجده وراء معظم الأحداث.

التحكم في الإنتاج

سياسات اليوم مثل تلبيس إبليس.. فقد ولي الزمن الذي تدفع فيه الدول الكبرى رواتب الملوك والرؤساء.. ولكنها تضطرهم للخضوع إن رغبوا أو إذا كرهوا.. يبنى المطار اليوم.. وبعد اكتشاف عيوبه يُبنى غيره.. وبعد اكتشاف صغر حجمه يبنى ثالث.. ورابع.. والمبالغ بمئات الملايين.. جميع مصانع العالم الاستهلاكية تصب في بلاد النفط.. والمبالغ بآلاف الملايين.

ليس ذلك فحسب.. بل والقنابل الموقوتة التي تركها المستعمر القديم.. أو التي زرعها من جديد المستعمر الجديد.. تنفجر بين براميل النفط، وانفجارها يخيف  والاستنجاد بالجيوش الأجنبية مكلف.. وشراء الأسلحة لإيداعها في المستودعات أكثر كلفة.. وإذا بقيت في الأرصدة بقية، خفضوا الدولار ليأكل ما تبقى قبل أن يسدل الستار..

من أجل ذلك فترى هذه الدول تتسابق على إنتاج المزيد من نفطها على الرغم من أن بقاء النفط في باطن الأرض – كما بعرف أهل العلم- يعد أكبر استثمار مالي للدول النفطية.. ولكن الحاجة الملحة التي فرضت نفسها على الحكومات المنتجة والتي لا تستفيد منها شعوبها إلا بالنذر اليسير، هذه الحاجة جعلت الدول تتسابق لإنتاج المزيد.

التحكم بالأسعار

وعندما يقال إن الدول الغربية لم تعد بحاجة إلى كميات كبيرة من النفط وإن لديها مخزون ضخم وإنها خفضت من استهلاكها.. وأن العرض أكثر من الطلب.. عندما يقال ذلك يستغرب الإنسان.. والعاقل بالطبع لا يصدق.. فما الذي تغير: هل خف صقيع أوروبا وأمريكا. أم توقفت مصانعها.. أم تعيش في ظلام بدل الكهرباء… أم قلّ عدد السيارات والطيارات.. فلماذا إذن تتسابق الدول إلى تخفيض الأسعار..

والجواب أن صبر هذه الدول بات محدوداً.. فالمشاريع التي تورطت فيها كثيرة.. ومشترياتها من السلاح رهيبة.. وسيف الخوف مسلط على الرقاب.. ولهذا تراها مسرعة لتخفيض الأسعار لبيع المزيد من نفطها.. وإذا كان هذا الذي أتثير مؤخراً تخفيض معلن فمن المؤكد أن الجميع وبخاصة تلك الدول المتحاربة تبيع نفطها منذ زمن طويل بأسعار أخفض بكثير من السعر المعلن..

وهل من علاج

ومن يجرؤ على العلاج؟ فيوم طالب ديغول بالحل.. وأعلن أنه يطالب بالدولار الذهب لأن أمريكا اشترت أوروبا كلها بحفنة من الدولارات التي لا تعدو أن تكون أوراقا في نهاية المطاف.. أسقطوه.

هل تجرؤ دول النفط أن تفرض على من يستهلك أو يشتري هذه المادة الاستراتيجية الهامة أن يشتريها بالدينار الإسلامي.. لتفعل ذلك لترى قيمة عملتها.. بل قيمة نفطها.. ولترى بعد ذلك كيف ينتهي التحكم العالمي في رقاب المستضعفين..!

هل تجرؤ دول النفط أن تقايض النفط بمصانع مختلفة الإنتاج أو بتكنولوجيا تنهضها مرة وإلى الأبد.. بدلا من هذه الأرصدة السخيفة التي تضر أكثر مما تنفع وتخيف أكثر مما تفيد..

هل تجرؤ دول النفط على استخراج زكاة النفط وإنفاقها على فقراء المسلمين في العالم، لترى كيف يتحول العالم الإسلامي المستضعف اليوم إلى كتلة هائلة هي الأولى في العالم عنذ ذاك.

أما الأوبك

أما الخوف على الأوبك.. ووجود الأوبك.. فخوف زرعوه عندنا.. لا مبرر له.. إن قضية النفط أخطر بكثير من منظمات.. أو مؤتمرات ومقررات.. إنها باختصار قضية وجود الأمة نفسها أو عدمه..

إن قضية النفط تحتاج من جيل الأمة الجديد الذي يفهم هذه القضايا ويقدرها حق قدرها.. أن يأخذ على عاتقه تحرير أمته من ضياعها أو استغلالها.. وعندها لا قيمة لأوبك إن بقيت أو سقطت..!

1984/11/12م