RSS

نحن ولعبة الأمم

10 Jun

(6) نحن ولعبة الأمم – من سلسلة خواطر حول العالم

لعبة الأمم مصطلح حديث للعبة قديمة.. تعني اتفاق القوى في العالم على توزيع الأدوار، واقتسام الثروات، واستغلال الشعوب، بطريقة تجنب الطامعين الصراع المكشوف. وليس معنى هذا انتهاء الصراعات بين هذه القوى، ولكنها صراعات تدور حول محاور ثابتة يتفق عليها. وأهم مواقع لعبة الأمم هي مواطن الشعوب الإسلامية.

أهداف لعبة الأمم

من أبرز أهداف لعبة الأمم ضرب الإسلام باعتباره الفكر الأصيل الذي يستطيع وحده أن يكون البديل لحضارة الرجل الأبيض التي يجمع فلاسفة الغرب ومنهم راسل على انتهائها. ولا يظنن القارئ أن هذا تمحل بعيد عن الموضوع.. بل هو أساس الأمر ولب الموضوع.

فهذا ديغول يسجل في مذكراته أنه فكر بالانتحار أثناء الحرب العالمية الثانية ويقول بصراحة.. لتأت أمم الإسلام ولتسيطر على العالم بعد اندحار أمم الغرب.. هاجس تعيشه العقلية الغربية وكابوس مخيف يخشون أن تسعد البشرية به.

وهذا بيرغر في كتابه المجتمع العربي اليوم يضع بصراحة الخطة التي تمكن الاستعمار وعملاءه من ضرب الأفكار الإسلامية فيقول: إن المجتمعات الريفية مازالت متمسكة بأهداب الدين.. وإن مجتمع المدينة ومجتمع الصناعة أقل تمسكا، وهو ينصح بالقضاء على المجتمعات الريفية والبدوية عن طريق توطين البدو وتهجيرهم إلى المدينة.

وهذا مايلز كوبلند أحد مؤسسي وكالة الاستخبارات الأمريكية وأحد مهندسي انقلاب 23 يوليو 1952م في مصر يقول بصراحة في كتابه لعبة الأمم: إن الانقلاب العسكري في مصر كان ضرورة لمنع ثورة الشعب الحقيقية التي كان سيقودها الإخوان المسلمون.

ولعبة الأمم اختراع قديم طوره الأمريكان.. فليس المهم عندهم من يباشر الحرب ضد الإسلام.. بل المهم عندهم النتيجة.

ففي الخمسينات كانت إذاعة إسرائيل تمدح الإخوان المسلمين وتهاجم ثورة مصر وقد اعترفت الكتب السياسية التي صدرت في السنوات الأخيرة أن هذا تكتيك لمحاربة هذه الفئة الدينية المتعصبة!

وفي السبعينات ذكرت نيوزويك الأمريكية أن الانقلاب الشيوعي في أفغانستان ليس مما يقلق أمريكا.. فقد كانت أمريكا تقلق قبل عشر سنوات لمثل هذا الأمر أما الآن فلا.. مادام الأمر حربا على الإسلام والمسلمين.

وفي إسرائيل تنعي صحيفة يديعوت أحرنوت على التلفزيون الإسرائيلي تسرعه في إظهار عواطفه المؤيدة للمسيحيين في لبنان ضد المسلمين.. وقد حذرت الصحيفة من انعكاس هذا الأمر على المسلمين بحيث يعودون لإسلامهم.. واعترفت الصحيفة أن إسرائيل مارست ضرب الحركة الإسلامية خلال الثلاثين عاما الماضية عن طريق اصدقائها في العالم العربي، وإذا لم تنجح إسرائيل اليوم في هذه العملية.. فإنها ستواجه عدوا حقيقيا لا وهميا.. عدواً يعتقد أنه يدخل الجنة إذا قتل يهوديا أو قتله يهودي.

ومن هنا كانت الحرب الضروس على الحركة الإسلامية في جميع أنحاء العالم. حربا تختلف كثيرا عن عملية الصراع على السلطة التي تتنافس قوى كثيرة في العالم للوصول إليها.. حربا كان المقصود منها سحق العمل الإسلامي في أنحاء العالم.. سحقا دمويا عنيفا رهيبا بينما تصمت كل وسائل العالم الإعلامية أمام هذا الإفناء المقصود.

فابتداء من إندونيسيا والحرب التي شنها سوكارنو على حزب ماشومي الذي حرر البلاد، وانتهاء بمصر والحرب الماحقة التي شنتها مختلف القوى السابقة واللاحقة على حركة الإخوان المسلمين التي تمثل الطبقة الواعية النظيفة في بلادهم.

ولم يكتفوا بحرب الحركات الإسلامية الكبيرة.. بل راحوا يتتبعون الحركات الإسلامية وهي ما تزال في مهدها.. في كثير من البلدان الأخرى.

الهدف الثاني للعبة الأمم: هو ضرب البلدان الإسلامية بما تمثله من ثروات غير محدودة وطاقة بشرية هائلة وموقع استراتيجي هام وواقع حضاري متميز.

هذه الأمور تجعل الغرب والشرق يخشى هذا المارد أن يتحرك.. لهذه الأسباب.. فقد عاشت أوروبا اياما عصيبة كانت تستدعي لقاءات دائمة بين زعاماتها للتخطيط للقضاء على الرجل المريض الذي هو في الحقيقة الخلافة الإسلامية في استانبول.

ولم يترك هؤلاء بلدا إسلاميا واحدا لم يفجروا فيه مشكلة، وحين تتفجر المشكلة – بعد أن يوجدوا أسبابها ويشجعوا أحجار شطرنجهم عليها- تراهم ينحازون تلقائيا ضد المسلمين.. ولا عبرة في ذلك للمواثيق والتحالفات والأحلاف.. والأمثلة على ذلك لا تكاد تنتهي.

فهذه تركيا لم تنفعها أحلافها مع الغرب في صراعها مع اليونان في قبرص.. وهذه باكستان تآمرت عليها كل القوى لتقسيمها وتحطيمها.. وهذه فلسطين الشرق والغرب ومعهم اليهود تآمروا لإقامة دولة إسرائيل على أنقاض شعب فلسطين المسلم.

وهذه الصومال وتشاد والسودان والمغرب والجزائر بل وقبلها تركستان الشرقية والغربية والجمهوريات الإسلامية في روسيا. وإذا نسي الغرب.. فلا يمكن أن ينسى انتصار الهلال التركي على الصليب اليوناني في قبرص..

وهذه قضية تتعدى حدود قطعة الأرض التي احتلها الجيش التركي.. إلى الشعور بأن المارد الإسلامي بدأ يتحرك.

والهدف الثالث هو النفط.. وهو هدف مهم واستراتيجي، يتلخص القول فيه ما قاله فورد رئيس جمهورية أمريكا السابق حين قال إن أمريكا على استعداد لخوض حرب من أجل النفط.. وأن الأمم في السابق واللاحق تقاتل من أجل مصالحها الاستراتيجية.

وأمر النفط قضيتان.. الأولى: الحصول على النفط الذي يشكل أساس الرفاه في أوروبا وأمريكا واليابان.. والثانية: الحصول على النفط بأبخس الأثمان..

ولسنا في حاجة للكلام على حصول الغرب على النفط فهذا تحصيل حاصل ولا تستطيع قوة لا محلية ولا خارجية أن تمنع الغرب من الحصول على النفط في الوقت الحاضر.. ليس لأن ذلك مستحيلا.. بل لظروف داخلية وخارجية لا تخفى على أحد.

أما الحصول على النفط بأبخس الأثمان فهذا أمر يقودنا إلى الهدف الرابع من أهداف لعبة الأمم وهو مخازن السلاح.

وتجارة السلاح في العالم من أهم التجارات التي تعتمد عليها الدول الكبرى في تعديل ميزانها التجاري.. وهي تجارة استراتيجية تتيح لهم التحكم في الزبائن. لهذا الأسباب فقد اقتسم اللاعبون اسواق السلاح في العالم: أكثر من النصف لأمريكا وأقل من النصف لروسيا وفتات لبريطانيا وفرنسا وغيرهما.. ولا تستطيع أية دولة خرق الاتفاق الذي أقره اللاعبون في بورصة التلاعب الدولي.

ومن شروط بيع السلاح عدم شرائه من دولة أخرى.. وعدم بيعه لدولة ثالثة، وعدم استعماله ضد الحليف الفلاني، وإذا تمرد الزبون فقطع الغيار تحيل السلاح إلى خردة لا قيمة لها.

ومن شروط التسليح كذلك عدم تصنيع السلاح محليا.. وفي كثير من شروط التسليح كان إغلاق مصانع السلاح المحلية.

وعندما يشتري الزبون السلاح بما لديه من أموال النفط وتملأ مخازنه بأحدث مبتكرات الدمار.. يعمد الغرب والشرق بالتضامن.. إلى تفجير واحدة من المشاكل الموقوتة ولا يتدخل لإيقاف التفجير إلا بعد تفريغ مخازن السلاح.. ثم تعاد الكرة من جديد.. مخازن تملأ وتفرغ وسيل دولارات النفط لا ينقطع إلى جيوب اللاعبين.

والهدف الخامس من أهداف لعبة الأمم: هو أمن إسرائيل وهو هدف متفق عليه.. وحين يتباكي الشرق أو الغرب ويدافع أحيانا – بالقول- عن مصالحنا.. فلمزيد من التضليل والخداع.. وإسرائيل الصهيونية امتداد للحقد الصليبي الذي قذف العالم الإسلامي بحملاته الصليبية.. وهو يقيم من إسرائيل رأس حربة على شكل صليب يمسك بها اليهودي الحاقد يغرسها في قلب المسلمين.

وأخيرا.. هناك أسرار رهيبة في هذه المجالات وأدوار محدودة مرسومة لأحجار الشطرنج وكل من يتعدى دوره المرسوم تحاول كل القوى إنهاءه بكل الوسائل.. ولهذا.. فقط.. يكمن العداء الرهيب من قبل حكام المسلمين تجاه الحركات الإسلامية.

1978/10/28م

 
 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *