RSS

الطعام هو الحلقة المكملة للعبة الأمم

14 Jun

 (7) الطعام هو الحلقة المكملة للعبة الأمم – من سلسلة خواطر حول العالم

إذا لم يتم توجيه اهتمام كاف للقطاع الزراعي فسوف يواجه الشرق الأوسط بحلول نهاية هذا القرن نقصا كبيراً في الطعام. وقد تؤدي تلك المشكلة إلى العديد من المشاكل الفرعية الأخرى مثل سوء التغذية، والمجاعة، والموت، والأمراض.. ومما يدعو للسخرية أن غالبية العالم العربي أرضه زراعية ولكن الطلب على الطعام يفوق العرض.. فما الذي أدى إلى هذا الموقف إذن؟ وإلى من يوجه اللوم؟ ومن الذي يستفيد من وراء ذلك الموقف؟ وهل يمكن تلافيه؟ يجب استقصاء كل تلك الأسئلة قبل أن تتغير صورة العرب أغنياء النفط إلى صورتهم كمتسولين.

والسبب الأساسي للمشكلة هو الازدهار النفطي للدول العربية المنتجة للنفط. فقد كان لثرواتهم النفطية تأثير واضح على مجتمعاتهم وكذلك على دول المنطقة غير المنتجة للنفط. فأولا أوجد النمو السريع للدخل طبقات جديدة مثل المقاولين محدثي النعمة الذين حولوا بلادهم إلى مجتمع استهلاكي هائل.

وقام الأغنياء ومحدثو النعمة والطبقات المتوسطة بالإنفاق بتهور على المظاهر: مثل السيارات، والمنازل، والسلع المنزلية، والأزياء، والأطعمة. وحيث أن الطلب يفوق العرض فإن دولا مثل السعودية وبقية دول الخليج تستورد كل طعامها من الغرب.. ويتم استيراد أكثر من ثلث احتياجات سوريا والمغرب وتونس من الحبوب.. ويستورد الأردن كل احتياجاته من القمح، أما مصر فتستورد أكثر من نصف احتياجاتها الرئيسية.

ووفقا لإدارة الزراعة بالولايات المتحدة الأمريكية فقد قفزت صادرات الطعام إلى الشرق الأوسط من مليار دولار عام 1970م، إلى 32 مليار دولار عام 1982م. ومن المتوقع زيادة ذلك الحجم بمقدار 2 مليار دولار عام 1983م. ولم تتلكأ السوق الأوروبية حيث تقوم بتوريد ثلث الطلبات تقريبا (9 مليار دولار عام 1982م ومن المتوقع زيادتها إلى 11 مليار دولار عام 1983م). وتقوم السوق الأوروبية المشتركة بتوريد جميع أنواع السلع الجاهزة للاستهلاك ومنتجات الألبان واللحوم، وكذلك السكر. وفي عام 1981م بلغت نسبة واردات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 11% من الواردات الزراعية العالمية، وتتزايد تلك النسبة كل عام.

وقد تزايد الإمداد بالطعام بصورة كبيرة بسبب النمو السكاني السريع. وكنتيجة لذلك فإن طلبات الطعام في الدول غير النفطية مثل مصر والمغرب وسوريا وتونس تزيد بنسبة 5% إلى 8% كل عام.

وقد تزايد تعداد السكان بصورة كبيرة في الدول المنتجة للنفط بسبب الهجرة الهائلة للعمال الأجانب. وقد نتج عن الاندفاع المجنون نحو التصنيع مشاكل بالنسبة للدول العربية المنتجة وغير المنتجة للنفط. ففي أكثر الدول حدث انتقال هائل للسكان من المناطق الريفية إلى المدن وذلك لأسباب اقتصادية، تاركين القطاع الزراعي مهملا. أما في الدول غير المنتجة للنفط فقد أصبح تصدير القوة العاملة عملا رائجا. وقد أدى ذلك إلى كساد في النمو الزراعي بتلك الدول، ذلك أن حافز الأعمال المربحة للفلاحين المعدمين أقوى من أن يقاوم، فالدخول لا تزيد عدة مرات فقط بل يضمن العامل المسكن وسبل العيش والرعاية الطبية وغير ذلك. ولذلك فليس من المدهش أن نجد أن هجرة العمالة قد زادت من شمال وجنوب اليمن ومن السودان وعمان ومصر.

وقد أدى تخلف القطاع الزراعي وتفضيل الهجرة إلى المدينة إلى إهمال الزراعة ونقص الانتاج الزراعي. وقد باشرت بعض الدول مثل مصر وسوريا والعراق والجزائر إصلاحات زراعية غير مكتملة لم تقض على طبقة ملاك الأراضي ولم تقم بتوزيع الأراضي على الفلاحين. وفي هذه الأحوال لم يتأثر بذلك سوى جزء صغير من الأراضي (حوالي 12% في مصر). وفي أحوال كثيرة بدأ المقاولون الرأسماليون أعمالا زراعية وصعد توفيرهم للعمالة وزراعتهم الآلية من تحول المزارعين الفلاحين إلى العمل بالمدن.

وتقوم الأعمال الزراعية أيضا بإنتاج أطعمة الرفاهية مثل الفواكه والخضراوات والمواشي المعلفة حيث تكون هوامش الربح عالية. وقد تحول بعض المزارعين الأفراد كذلك إلى الزراعة الآلية وزاد استخدام الجرارات في المنطقة بنسبة 50%. ولكن أحوال المزارع لم تتحسن لأن الأغنياء فقط هم القادرون على شراء ما ينتج. وقد حاولت بعض الحكومات توفير حوافز إضافية لمزارعيها بعرض مبالغ أكثر لشراء منتجاتهم. ولكن ذلك لن يستمر طويلا بسبب عوامل خارجية تؤثر عليهم مثل واردات الطعام الهائلة.

ولقد أطلقت تحذيرات عديدة بخصوص تدهور الانتاج الغذائي في العالم العربي. وقد اكتشف الخبراء العرب في مؤتمر عقد في بداية هذا العام في الخرطوم أن الأراضي الصالحة للزراعة في العالم العربي تقدر بحوالي 51 مليون هكتار يروى 78% منها بالأمطار، ويعتمد الباقي على الري. وتقدر مساحة الأراضي التي تنتج محصولا بثلثي تلك المساحة فقط بينما يترك الثلث الباقي معتمدا على مياه الأمطار والوسائل الزراعية التقليدية.

ويبدو، والحالة هذه أن الكفاية الذاتية في إنتاج الطعام احتمال بعيد. وقد طرحت أفكار بإنشاء سوق عربية مشتركة تقوم الدول العربية الغنية فيها باستثمار القطاع الزراعي بالبلاد الفقيرة ذات التربة الجيدة. وفي حين تستمر الحكومات العربية في النقاش، تقوم الدول الغربية بجني إيرادات كبيرة. وفي الواقع هناك صراع بين الأمريكيين والسوق الأوروبية المشتركة على اسواق الطعام العربية حيث يمكنهم التخلص من منتجات أغذيتهم وفائض مزارعهم. ويشعر الأمريكيون الذين قاموا بشحن أكثر من 15 ألف طن من الدجاج إلى السعودية عام 1980م ووردوا إليها 400 طن فقط عام 1982م بالمرارة بسبب ضياع الباقي منهم وانتقاله إلى أسواق السوق الأوروبية المشتركة. وقد وعدت الحكومة بمنح تسهيلات ائتمانية أفضل لمزارعي الولايات المتحدة لتمكينهم من زيادة قدرتهم على المنافسة. وقد باعت الولايات المتحدة ما قيمته 230 مليون دولار من القمح والحبوب الأخرى والبيض والبذور وعلف الحيوانات إلى العراق مؤخرا وتتوقع زيادة المبيعات لتصل إلى مليار دولار في العام القادم. ولا تساعد مثل تلك الواردات المزارعين حيث ارتفعت الأجور في الريف بينما بقيت أسعار المحاصيل متدنية مما يوقع المزارعين في أزمة أرباح  والمشاكل المؤثرة على المزارعين والفلاحين والقطاعات الزراعية لا تهم مصدري الطعام الغربيين إذ كلما زاد التدهور الزراعي في الدول العربية كلما كان ذلك أفضل بالنسبة لهم، حيث أن الدول العربية تصبح عندئذ معتمدة تماما على الغرب في غذائها. وتلك هي المشكلة وهي تعطي صورة كئيبة جدا لمستقبل الدول العربية.

وقد اعتمدت مصر على مثل تلك المساعدة الغذائية من الولايات المتحدة منذ الستينيات لإطعام ملايينها الجائعة. وبعد عشرين عاما من التصنيع لايزال قطاعها الصناعي تهيمن عليه الزراعة. والتغيير الوحيد الذي حدث أن مصر قد اعتمدت أكثر وأكثر على الغرب في احتياجاتها من الطعام.

ومثل ذلك المصير ينتظر الدول العربية الأخرى إذا لم تعمل على تنشيط قطاعاتها الزراعية وتوفير كفاية ذاتية من الطعام والأمن الغذائي للمستقبل.

وتعتمد تلك الدول بالفعل على قطاعات أخرى مثل التقنية المستوردة (على شكل صناعات خطوط التجميع والضغط على أزرار) والمعدات العسكرية. يجعلهم الاعتماد على الطعام خاضعين تماما للمصالح والمصنعين الخارجيين وهذا يجعل الخروج من تلك الورطة أكثر صعوبة بكثير.

1983/11/21م

 
 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *