RSS

أوبيك وحقيقة الأوضاع النفطية في دول العالم الثالث

01 Jun

(5) أوبيك وحقيقة الأوضاع النفطية في دول العالم الثالث – من سلسلة خواطر حول العالم

منظّمة الدول المصدرة للبترول – أوبك

خفضت النرويج مؤخرا أسعار نفطها بمقدار 1.5 دولا للبرميل، وتبعتها مباشرة إنكلترا فخفضت السعر 1.35 دولار للبرميل.. وما لبثت نيجيريا أن أعلنت عن تخفيض أكبر بمقدار دولارين للبرميل.. وبسرعة تداعت دول الأوبك إلى عقد اجتماع طارئ يوم 29 أكتوبر 1984م لبحث الأزمة.. وطار وزير النفط السعودي وبعض زملائه إلى نيجيريا لإقناعها بالعودة عن قرارها والالتزام بقرارات الأوبك السابقة التي ترغب في المحافظة على الأسعار والتحكم بها عن طريق تحفيض سقف الإنتاج.

عشرات المقالات تناولت الموضوع.. ولم نجد أحدها تناول الأمر في أعماقه.. لا لأنها تجهل الخلفيات والدوافع.. ولكن لأن القوى المتحكمة في كل شيء: في النفط وإنتاجه وأسعاره وأرصدته وصرفه وعملته.. تتحكم كذلك بالإعلام ما ينشر أو ما يمنع نشره.

ومن هنا رأينا من واجبنا أن نكتب بعض الكلمات التي تشير إلى خطوط اللعبة الدولية التي يمارسها الأقوياء ضد الضعفاء أو الشمال ضد الجنوب كما يحلو لهم أن يقسموا الجهات برأيهم ويسموا الآخرين على مزاجهم..

لعبة الأمم

وتجدنا هنا مضطرين أن نتكلم عن لعبة الأمم التي تذكر كثيرا هذه الأيام.. وحقيقتها كلمات قليلة: كيف تسيطر الدول الكبرى على مقدرات الدول الأصغر.. كيف يقرض البنك الدولي وهو أحد مؤسسات الدولار الحاكم الدول الصغرى بفوائد فاحشة تتضاعف كل عام دون أن تستطيع هذه الدول السداد أو حتى دفع الفوائد ومع الزمن أصبحت جميع الدول مستعمرة سياسياً أو عسكريا أو اقتصاديا.

لعبة الأمم.. كان اسمها المسألة الشرقية.. وبعد حين أخذت اسم مشكلة الشرق الأوسط.. وتطور الاسم ليصبح بين الشمال والجنوب.. كلها أسماء لمسمى واحد هو لعبة الأمم.

ونقول بكل الثقة أن السيطرة على العالم الإسلامي.. والتحكم في مقدراته.. وضرب معنوياته.. ونهب ثرواته.. وفتح أسواقه لاستهلاك ما ينتجون.. هي أهم أهداف لعبة الأمم..

وإذا كان النفط من أهم منتجات وثروات العالم الإسلامي، فقد أصبح هذا النفط بالتالي من أهم ما يشغل اللاعبين الرئيسيين في العالم.

النفط يتحكم بالسياسات

لا نتحاوز الحقيقة إذا قلنا إن إنتاج النفط وتصديره يتبع نظاما إرهابيا عالميا صارما.. فعندما قامت ثورة مصدق الوطنية في إيران أجهضوها بالنفط.. وفتحوا مقابلها وعلى الفور آبارا جديدة في مناطق أخرى فزاد إنتاج الكويت مثلا من عدة آلاف البراميل إلى عدة ملايين في اليوم الواحد.. وعندما تدفق النفط على نيجيريا تدخلوا فأجهضوا القوى الوطنية فاغتالوا أحمدو بيللو وأبو بكر تفيوا بيليوا.. أقاموا بيافرا وقتلوا مرتضى وهم اليوم يضغطون على بخاري لإجهاضه وإجهاض مخططاته.

اكتشف النفط في السودان.. وبدلا من أن تعمل شركة شيفرون الأمريكية على إنتاج النفط فقد اتفقت مع المتمردين في الجنوب على تعطيل العمل في محاولة للضغط على النظام في الخرطوم لإسقاطه أو الخضوع لإرادتها.

في جميع المناطق يمكنك عندما تبحث عن السياسات والتغيرات أن تسأل عن النفط فستجده وراء معظم الأحداث.

التحكم في الإنتاج

سياسات اليوم مثل تلبيس إبليس.. فقد ولي الزمن الذي تدفع فيه الدول الكبرى رواتب الملوك والرؤساء.. ولكنها تضطرهم للخضوع إن رغبوا أو إذا كرهوا.. يبنى المطار اليوم.. وبعد اكتشاف عيوبه يُبنى غيره.. وبعد اكتشاف صغر حجمه يبنى ثالث.. ورابع.. والمبالغ بمئات الملايين.. جميع مصانع العالم الاستهلاكية تصب في بلاد النفط.. والمبالغ بآلاف الملايين.

ليس ذلك فحسب.. بل والقنابل الموقوتة التي تركها المستعمر القديم.. أو التي زرعها من جديد المستعمر الجديد.. تنفجر بين براميل النفط، وانفجارها يخيف  والاستنجاد بالجيوش الأجنبية مكلف.. وشراء الأسلحة لإيداعها في المستودعات أكثر كلفة.. وإذا بقيت في الأرصدة بقية، خفضوا الدولار ليأكل ما تبقى قبل أن يسدل الستار..

من أجل ذلك فترى هذه الدول تتسابق على إنتاج المزيد من نفطها على الرغم من أن بقاء النفط في باطن الأرض – كما بعرف أهل العلم- يعد أكبر استثمار مالي للدول النفطية.. ولكن الحاجة الملحة التي فرضت نفسها على الحكومات المنتجة والتي لا تستفيد منها شعوبها إلا بالنذر اليسير، هذه الحاجة جعلت الدول تتسابق لإنتاج المزيد.

التحكم بالأسعار

وعندما يقال إن الدول الغربية لم تعد بحاجة إلى كميات كبيرة من النفط وإن لديها مخزون ضخم وإنها خفضت من استهلاكها.. وأن العرض أكثر من الطلب.. عندما يقال ذلك يستغرب الإنسان.. والعاقل بالطبع لا يصدق.. فما الذي تغير: هل خف صقيع أوروبا وأمريكا. أم توقفت مصانعها.. أم تعيش في ظلام بدل الكهرباء… أم قلّ عدد السيارات والطيارات.. فلماذا إذن تتسابق الدول إلى تخفيض الأسعار..

والجواب أن صبر هذه الدول بات محدوداً.. فالمشاريع التي تورطت فيها كثيرة.. ومشترياتها من السلاح رهيبة.. وسيف الخوف مسلط على الرقاب.. ولهذا تراها مسرعة لتخفيض الأسعار لبيع المزيد من نفطها.. وإذا كان هذا الذي أتثير مؤخراً تخفيض معلن فمن المؤكد أن الجميع وبخاصة تلك الدول المتحاربة تبيع نفطها منذ زمن طويل بأسعار أخفض بكثير من السعر المعلن..

وهل من علاج

ومن يجرؤ على العلاج؟ فيوم طالب ديغول بالحل.. وأعلن أنه يطالب بالدولار الذهب لأن أمريكا اشترت أوروبا كلها بحفنة من الدولارات التي لا تعدو أن تكون أوراقا في نهاية المطاف.. أسقطوه.

هل تجرؤ دول النفط أن تفرض على من يستهلك أو يشتري هذه المادة الاستراتيجية الهامة أن يشتريها بالدينار الإسلامي.. لتفعل ذلك لترى قيمة عملتها.. بل قيمة نفطها.. ولترى بعد ذلك كيف ينتهي التحكم العالمي في رقاب المستضعفين..!

هل تجرؤ دول النفط أن تقايض النفط بمصانع مختلفة الإنتاج أو بتكنولوجيا تنهضها مرة وإلى الأبد.. بدلا من هذه الأرصدة السخيفة التي تضر أكثر مما تنفع وتخيف أكثر مما تفيد..

هل تجرؤ دول النفط على استخراج زكاة النفط وإنفاقها على فقراء المسلمين في العالم، لترى كيف يتحول العالم الإسلامي المستضعف اليوم إلى كتلة هائلة هي الأولى في العالم عنذ ذاك.

أما الأوبك

أما الخوف على الأوبك.. ووجود الأوبك.. فخوف زرعوه عندنا.. لا مبرر له.. إن قضية النفط أخطر بكثير من منظمات.. أو مؤتمرات ومقررات.. إنها باختصار قضية وجود الأمة نفسها أو عدمه..

إن قضية النفط تحتاج من جيل الأمة الجديد الذي يفهم هذه القضايا ويقدرها حق قدرها.. أن يأخذ على عاتقه تحرير أمته من ضياعها أو استغلالها.. وعندها لا قيمة لأوبك إن بقيت أو سقطت..!

1984/11/12م

 
 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *