RSS

تحديات تواجه الدعاة

15 May

(4) تحديات تواجه الدعاة – من سلسلة خواطر حول العالم

يواجه الداعية في حياته كثيرا من العقبات والتحديات.. ويمرّ في كثير من المنعطفات والمعوقات.. وهذا أمر طبيعي في مثل الظروف التي نعيشها والمجتمعات التي نحياها..

فهو يواجه – في بعض الأحيان- عقبات في بيته مع أسرته وأولاده.. الأسرة تطالبه بالاستقرار والعناية بالعيال وتناشده الله والرحم، وتذكره بمسؤولياته عن الزوجة وسلوك الأبناء.. وواجباته في الدعوة تشده إلى الحركة والعمل المستمر وتذكره بأن للأبناء والأسرة ربا يحميهم وهو الذي خلقهم فلن ينساهم..

ويواجه الداعية – في أكثر الأحيان- عقبات من المجتمع الذي انقلبت موازينه وتعثرت قيمه وتصوراته.. وهو يرصد الداعية المسلم ويسجل عليه أقل هفوة أو غلطة ويأخذه بالشدة التي لا مبرر لها في أكثر الأحيان..

ويواجه الداعية – في كل الأحيان- عقبات شديدة من الأنظمة التي اعتبرته – ظلما وعدوانا- عدوها الأول.. فحاربته في رزقه.. وحاربته في حركته وتنقلاته.. وحاربته في فكره وقلمه.. وحاربته في نفسه وأهله.. أعدت الزنازين من أجله.. واستوردت خبراء التعذيب النفسي والجسدي له دون سواه.. هو نزيل كل أنواع السجون.. وقد كتب في بطاقته يحول إلى المعتقل بعد انتهاء مدة السجن!!

ولقد سجل القرآن الكريم هذه الأحوال التي تصيب الداعية، قال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)( آل عمران – 186).

وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)( البقرة – 155).

وقال تعالى: (الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)( العنكبوت (1-3)).

وهذه العقبات الخارجية.. هي تحديات طبيعية يتوقعها الداعية منذ اليوم الأول الذي اختار فيه هذا الطريق.

ولكن العقبات الأخرى (الذاتية) التي تصيب الداعية هي الأوقع والأكثر خطورة.. فهي تنبع من داخله.. تثنيه أو تمنيه.. وهي في الحالتين موهنة لعزمه مثبطة لعمله.. فالداعية الذي يعتقد أنه بمجرد انتسابه لحركة إسلامية، أو لاتحاد طلابي، أو للجنة عمل ما في مكان ما.. قد أدى الأمانة.. وأن الله لا يطلب منه غير هاتين الساعتين في الأسبوع وأنه قام بمسؤوليته خير قيام.. فيتبلد إحساسه مع مرور الزمن ويصبح عمله روتينيا ويصبح شعوره بالدعوة روتينيا كذلك.. ويفقد هذا الأخ حرارة اللقاء وقوة الاندفاع والإبداع وينطبق عليه عندئذ قول الرحمن: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)( الحديد- 16).

ولقد عالج الإسلام هذه الحالة الخطيرة التي تصيب الأمم والدعوات والأفراد على السواء وحاول اقتلاعها من جذورها.. فلقد أخرج أبو نعيم في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (ما من يوم يأتي على ابن آدم إلا وينادى فيه: يا ابن آدم أنا خلق جديد، وأنا فيما تعمل عليك شهيد، فاعمل خيرا أشهد لك به غداً، فإني لو مضيت لن تراني أبدا، ويقول الليل مثل ذلك).

فالأمر إذن.. ليس أمر ساعة أو ساعتين، أو موقف أو موقفين.. بل هو تسابق مع الزمن وإعلان في بداية النهار، وآخر مثله في بداية الليل.. إنك أيها الداعية مكلف بالعمل بدون توقف ما استمر النهار وكر الليل.. أما إذا توقفت مرة.. فعندها الموت أو الشلل مثل توقف الدم عن أعضاء جسم الإنسان..

فكيف يتصور الداعية أن تكون حياته تكراراً لما سبق.. لا غاية له سوى انتظار الموت.. وفي الأثر:  (من تساوى يوماه فهو مغبون.. ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون).. ولكن كيف يكون التقدم.. وكيف تتسابق مع الزمن..؟

يكون التقدم بأن نعمق  الفهم الإسلامي في أنفسنا.. فإذا سأل أحدنا نفسه.. ماذا تحفظ من كتاب الله.. أو سنة رسول الله؟.. ماذا قرأنا من الكتب الإسلامية.. أو غير الإسلامية.. هل نكتفي في ثقافاتنا أن نسمع كلمة من هنا أو كلمة من هناك.. إن جيلنا هو جيل السماع والنظر.. وعلى الداعية أن يفرض نفسه على واقعه، فيحول الجيل إلى جيل قراءة واستيعاب وتغيير.

ويكون التقدم بأن نحاسب أنفسنا وندعوا غيرنا.. فإذا كانت الدعوة خيرا لا نظير له.. فمن تمام الإيمان أن نحب للآخرين ما نحب لأنفسنا، فتصبح دعوتنا للغير واجبا من هذا الباب.. وواجبا من باب آخر.. هو دفع دماء جديدة لتيار الدعوة.. فهي كالكائن الحي.، في كل يوم يسقط منه شيء يموت.. وينبغي أن ينضم إليه شيء جديد تحيا به.

ويكون التقدم بأن نوجد في كل يوم شيئاً جديداً.. وهذا أمر ميسور إذا ركز الداعية ذهنه في أمور الدعوة.. فما بالنا نطور أعمالنا وتجارتنا ونحسن تثمير أموالنا.. حتى إذا وصلنا إلى الدعوة سألنا غيرنا ماذا عندكم؟ إننا ننتظر التعليمات. ينبغي أن نفكر في الدعوة ونوجد كل يوم مجالا جديدا (والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها..).

ويكون التقدم بأن نتحرك في عملية التبليغ.. فالمسلمون متخلفون يحتاجون من يعلمهم أمر دينهم، وفي عملية الجهاد والنفير (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ، إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)( التوبة (38-39)).

ويكون التقدم في عملية التغيير.. وهو نهاية المطاف.. أو بدايات المعركة.. (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)( الرعد-11).

هذه هي التحديات الخارجية والذاتية التي يواجهها الداعية إلى الله.. وهي تحديات كبيرة تطارد الإنسان وتلاحقه.. تغريه وتخوفه.. وهو معلق بين اليأس والرجاء.. ولا عاصم له سوى الله. قال تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)( الذاريات-50). وقال: (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ)( التوبة- 126).

1984/1/30م

 
 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *