RSS

لماذا نكتب اليوم عن حسن البنا..؟

25 Jun

 () لماذا نكتب اليوم عن حسن البنا..؟ – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من مصر

حياة حسن البنا.. حياة ثرة ذاخرة.. فهو صاحب المشروع الإسلامي الذي حرك المسلمين في أوائل القرن العشرين ابتداءً من مصر الكنانة.. حتى آخر منطقة في العالم.

وإذا اكتفى غيره بالتنظير حول قضايا الإسلام.. فقد انشغل هو ببناء الرجال.. وبالأمور العملية فقد كانت التربية والإعداد عنده ميدانياً عملياً.

نحن اليوم نذكره بمناسبة المؤامرة التي أدت إلى مقتله.. المؤامرة التي لا تختلف عن أي مؤامرة أخرى.. حدثت سابقاً أو تحدث اليوم..

استشهد حسن البنا وهذا ما كان يتمناه..

واستمرت دعوته حية خالدة..

تستمر المؤامرات.. وفي نفس الوقت ترتفع راية الإسلام لا تنال منها العاديات.

نحن اليوم نبحث عن رموز الأمة.. الذين يظهرون كلما اشتدت الحاجة إليهم، فيسدون الثغرة، ويلبون الحاجة، ويقومون بالواجب المطلوب لزمانهم ومكانهم في عملية الإحياء.

قد يكون الرمز الذي نبحث عنه خليفة راشداً مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد يكون قائداً عسكرياً فذاً مثل أبي عبيدة بن الجراح أو خالد بن الوليد أو صلاح الدين الأيوبي، وقد يكون مربياً روحياً مثل عبد القادر الجيلاني أو حسن البنا.

قد يكون الرمز معلماً.. أو عالماً.. في أمور الدنيا.. أو أمور الدين.. قد يكون عربياً من مصر.. أو كردياً من العراق.. أو داغستانياً من القوقاز.. فهذه الأمة أنقذها الله من دعاوى الجاهلية.. فقال نبيها r: (ليس منا من دعا إلى عصبية).

قد يكون الرمز شاباً.. وأكثر الرموز من الشباب.. فهم أقوى أجساداً.. وأقوم معرفة.. وأحد عقولاً.. وقد يكون كهلاً عجنته الأيام فصاغت منه واحداً من هؤلاء الذين قال المصطفى فيهم: (إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد للناس أمر دينهم).

نحن نبحث عن هؤلاء الرموز.. نعيش معهم.. ونجلي جوانب عظمتهم.. ونبحث عن الجانب الأهم في حياتهم.. هل لأننا مغرمون بالتاريخ..؟

كلا.. بل لأننا مغرمون بصناعة الحياة.. وصناعتها تحتاج إلى عالم ومتعلم، وتحتاج إلى قدوة كريمة وشاب يتطلع إلى هذه القدوة ينفعل بها، فتهديه إلى الطريق.

والأمة التي لا توقر رموزها.. بل الفتية الذين آمنوا بربهم وزادهم ربهم هدى.. إن لم يصادفوا مثل هذه الرموز.. طال عليهم الطريق وصعبت عليهم المهمة.. وإذا كان سيدنا محمد r آخى بين المؤمنين.. فنحن نريد أن نؤاخي بين رموز الماضي ورموز اليوم.. لإعادة بناء الحياة.

لهذا السبب نحن نكتب عن حسن البنا.. كما نكتب عن غيره من الرموز.. صناع الحياة.

في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، وقعت بلاد المسلمين في أيدي الصليبيين. احتلوا أرضها.. وامتصوا دماءها وثرواتها.. وعبثوا بفكرها ودينها.. وأقاموا لهم، رجالاً من بيننا.. يتحدثون بلغتنا ويتسمون بأسمائنا، ولكنهم سدنة لمعابدهم.. أقاموهم رموزاً لشبابنا وأسبغوا عليهم من صفات المجد والشهرة والعلم ما أزاغوا به العيون.. كنا بأمس الحاجة إلى رموز تمثلنا.. من أصحاب الإيمان العميق، والفكر الدقيق، والحس المرهف، والإرادة الصلبة.. يشعرون بما تعانيه أمتنا من أمراض، يشخصون داءها، ويصفون لها الدواء.

من هؤلاء حسن البنا الذي نحن اليوم بصدد الكتابة عنه.

يقول محمد الغزالي عنه في مقدمة كتابه (دستور الوحدة الثقافية): حسن البنا الذي أصفه ويصفه معي كثيرون بأنه مجدد القرن الرابع عشر للهجرة، فقد وضع جملة مبادئ تجمع الشمل المتفرق، وتوضح الهدف الغائم، ويعود بالمسلمين إلى كتاب ربهم، وسنة نبيهم، وتتناول ما عراهم خلال الماضي من أسباب العوج والاسترخاء، بيد آسية، وعين لماحة فلا تدع سببا لضعف أو خمول.

كان مدمناً لقراءة القرآن يتلوه بصوت رخيم، وكان يحسن تفسيره كأنه الطبري أو القرطبي، وله قدرة ملحوظة على فهم أصعب المعاني ثم عرضها على الجماهير بأسلوب سهل قريب.

وهو لم يحمل عنوان التصوف، بل لقد أبعد عن طريقة كانت تنتهي إليها بيئته.. ومع ذلك فإن أسلوبه في التربية وتعهد الأتباع وإشعاع مشاعر الحب في الله، كان يذكر بالحارث المحاسبي وأبي حامد الغزالي.

وقد درس السنة المطهرة على والده الذي أعاد ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل، كما درس الفقه المذهبي باقتضاب، فأفاده ذلك بصراً سديداً بمنهج السلف والخلف. ووقف حسن البنا على منهج محمد عبده وتلميذه صاحب المنار الشيخ محمد رشيد رضا، ووقع بينه وبين الأخير حوار مهذب، ومع إعجابه بالقدرة العلمية للشيخ رشيد، وإفادته منها، فقد أبي التورط فيما تورط فيه.

ولعله كان أقدر الناس على رفع المستوى الفكري للجماهير مع بعد عن أسباب الخلاف ومظاهر التعصب.

ولقد أحاط حسن البنا بالتاريخ الإسلامي، وتتبع عوامل المد والجزر في مراحله المختلفة، وتعمق تعمقاً شديداً في حاضر العالم الإسلامي، ومؤتمرات الاحتلال الأجنبي ضده.

ثم في صمت غريب أخذ الرجل الصالح ينتقل في مدن مصر وقراها، وأظنه دخل ثلاثة آلاف من القرى الأربعة آلاف التي تكون القطر كله.

وخلال عشرين سنة تقريباً صنع الجماهير التي  صدّعت الاستعمار الثقافي والعسكري، ونفخت روح الحياة في الجسد الهامد..

هل عرفت لماذا نكتب عن حسن البنا..؟

لا نريدها اليوم كتابة للاستمتاع.. بل كتابة تشد العزائم.. وتقبض على ناصية الأمور.. وتعيد صناعة الحياة بأيدي طليعة المستقبل.

صناعة الرموز

كان الإمام حسن البنا مشغولاً بصناعة الرموز، وهي مهمة كبيرة وشاقة إلا من سهلها الله عليه، فأنت تسمع من كثير من المربين كلمات تشجع الشباب على التميز.. ثم لا تجد ثمرة عملية لهذا التشجيع، وإذا تساءلت عن السبب لوجدته في:

الإخلاص الذي يميز فريقاً من الدعاة في دعوتهم.. في دأبهم على الشباب وتربيتهم.. في حبهم لأبنائهم.. في الأخذ بأيديهم للتميز.

كان على رأس هؤلاء القائد النبي محمد r الذي نما الحب بينه وبين من يدعوه، إلى درجة أن الرسول r أصبح أحب إليه من نفسه وأهله والناس أجمعين.. ومن نتائج هذا الحب أصبح أبو بكر الصديق، وأصبح عمر الفاروق، وأصبح أبو عبيدة أمين الأمة، وأصبح خالد بن الوليد سيف الله المسلول.

ولقد سار الإمام حسن البنا على هدي النبي؛ فحرك الجسد الهامد فأشعل الشوق فيه.. وأخذ بأيدي الفتيان من أمثال: توفيق الشاوي، والسيد سابق، ومحمد الغزالي، والبهي الخولي، ويوسف القرضاوي، وكامل الشريف، وعمر التلمساني، ومحمد فريد عبد الخالق، وعاكف، فأصبحوا دعاة عظماء: بكلمة أو بموقف عملي اتخذه معهم الإمام الشهيد.

كنت في عمّان في الاحتفال الذي أقامه الإخوان المسلمون بمناسبة مرور مائة سنة على مولد الإمام حسن البنا.. وقد تحدث في هذا الاحتفال الأستاذ كامل الشريف – يرحمه الله- الذي كان مسؤولاً عن مجاهدي الإخوان في فلسطين.. يقول: عندما زارنا الإمام حسن البنا في فلسطين يتفقد أبناءه المجاهدين، كتب لي رسالة يحدد لي فيها موعد وصوله.. وفي فلسطين قال لي الإمام: لو زرت فلسطين ولم أرَكَ لاعتبرت رحلتي فاشلة.

ماذا صنعت كلمات إمام الأمة في شاب صغير هو كامل الشريف؟ كيف سينمو الحب بين الجندي والقائد؟ ثم كيف سيكون الرمز الكبير قائد الجهاد في فلسطين والقناة فيما بعد؟

هناك فرق كبير بين كلمات هامدة لا قيمة لها يقولها بعض الدعاة للأبناء.. فلا تلامس قلوبهم ولا توقد شرارة الحب بينهم. وبين قيادات ربانية مخلصة.. تعيش وقدة الحب والشوق مع إخوانهم الشباب.. الذين لا يحتاجون عندئذ إلا لكلمة واحدة أو موقف واحد مع القائد ليتقدموا الصفوف!

 
 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *