RSS

Monthly Archives: May 2013

تحديات تواجه الدعاة

(4) تحديات تواجه الدعاة – من سلسلة خواطر حول العالم

يواجه الداعية في حياته كثيرا من العقبات والتحديات.. ويمرّ في كثير من المنعطفات والمعوقات.. وهذا أمر طبيعي في مثل الظروف التي نعيشها والمجتمعات التي نحياها..

فهو يواجه – في بعض الأحيان- عقبات في بيته مع أسرته وأولاده.. الأسرة تطالبه بالاستقرار والعناية بالعيال وتناشده الله والرحم، وتذكره بمسؤولياته عن الزوجة وسلوك الأبناء.. وواجباته في الدعوة تشده إلى الحركة والعمل المستمر وتذكره بأن للأبناء والأسرة ربا يحميهم وهو الذي خلقهم فلن ينساهم..

ويواجه الداعية – في أكثر الأحيان- عقبات من المجتمع الذي انقلبت موازينه وتعثرت قيمه وتصوراته.. وهو يرصد الداعية المسلم ويسجل عليه أقل هفوة أو غلطة ويأخذه بالشدة التي لا مبرر لها في أكثر الأحيان..

ويواجه الداعية – في كل الأحيان- عقبات شديدة من الأنظمة التي اعتبرته – ظلما وعدوانا- عدوها الأول.. فحاربته في رزقه.. وحاربته في حركته وتنقلاته.. وحاربته في فكره وقلمه.. وحاربته في نفسه وأهله.. أعدت الزنازين من أجله.. واستوردت خبراء التعذيب النفسي والجسدي له دون سواه.. هو نزيل كل أنواع السجون.. وقد كتب في بطاقته يحول إلى المعتقل بعد انتهاء مدة السجن!!

ولقد سجل القرآن الكريم هذه الأحوال التي تصيب الداعية، قال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)( آل عمران – 186).

وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)( البقرة – 155).

وقال تعالى: (الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)( العنكبوت (1-3)).

وهذه العقبات الخارجية.. هي تحديات طبيعية يتوقعها الداعية منذ اليوم الأول الذي اختار فيه هذا الطريق.

ولكن العقبات الأخرى (الذاتية) التي تصيب الداعية هي الأوقع والأكثر خطورة.. فهي تنبع من داخله.. تثنيه أو تمنيه.. وهي في الحالتين موهنة لعزمه مثبطة لعمله.. فالداعية الذي يعتقد أنه بمجرد انتسابه لحركة إسلامية، أو لاتحاد طلابي، أو للجنة عمل ما في مكان ما.. قد أدى الأمانة.. وأن الله لا يطلب منه غير هاتين الساعتين في الأسبوع وأنه قام بمسؤوليته خير قيام.. فيتبلد إحساسه مع مرور الزمن ويصبح عمله روتينيا ويصبح شعوره بالدعوة روتينيا كذلك.. ويفقد هذا الأخ حرارة اللقاء وقوة الاندفاع والإبداع وينطبق عليه عندئذ قول الرحمن: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)( الحديد- 16).

ولقد عالج الإسلام هذه الحالة الخطيرة التي تصيب الأمم والدعوات والأفراد على السواء وحاول اقتلاعها من جذورها.. فلقد أخرج أبو نعيم في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (ما من يوم يأتي على ابن آدم إلا وينادى فيه: يا ابن آدم أنا خلق جديد، وأنا فيما تعمل عليك شهيد، فاعمل خيرا أشهد لك به غداً، فإني لو مضيت لن تراني أبدا، ويقول الليل مثل ذلك).

فالأمر إذن.. ليس أمر ساعة أو ساعتين، أو موقف أو موقفين.. بل هو تسابق مع الزمن وإعلان في بداية النهار، وآخر مثله في بداية الليل.. إنك أيها الداعية مكلف بالعمل بدون توقف ما استمر النهار وكر الليل.. أما إذا توقفت مرة.. فعندها الموت أو الشلل مثل توقف الدم عن أعضاء جسم الإنسان..

فكيف يتصور الداعية أن تكون حياته تكراراً لما سبق.. لا غاية له سوى انتظار الموت.. وفي الأثر:  (من تساوى يوماه فهو مغبون.. ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون).. ولكن كيف يكون التقدم.. وكيف تتسابق مع الزمن..؟

يكون التقدم بأن نعمق  الفهم الإسلامي في أنفسنا.. فإذا سأل أحدنا نفسه.. ماذا تحفظ من كتاب الله.. أو سنة رسول الله؟.. ماذا قرأنا من الكتب الإسلامية.. أو غير الإسلامية.. هل نكتفي في ثقافاتنا أن نسمع كلمة من هنا أو كلمة من هناك.. إن جيلنا هو جيل السماع والنظر.. وعلى الداعية أن يفرض نفسه على واقعه، فيحول الجيل إلى جيل قراءة واستيعاب وتغيير.

ويكون التقدم بأن نحاسب أنفسنا وندعوا غيرنا.. فإذا كانت الدعوة خيرا لا نظير له.. فمن تمام الإيمان أن نحب للآخرين ما نحب لأنفسنا، فتصبح دعوتنا للغير واجبا من هذا الباب.. وواجبا من باب آخر.. هو دفع دماء جديدة لتيار الدعوة.. فهي كالكائن الحي.، في كل يوم يسقط منه شيء يموت.. وينبغي أن ينضم إليه شيء جديد تحيا به.

ويكون التقدم بأن نوجد في كل يوم شيئاً جديداً.. وهذا أمر ميسور إذا ركز الداعية ذهنه في أمور الدعوة.. فما بالنا نطور أعمالنا وتجارتنا ونحسن تثمير أموالنا.. حتى إذا وصلنا إلى الدعوة سألنا غيرنا ماذا عندكم؟ إننا ننتظر التعليمات. ينبغي أن نفكر في الدعوة ونوجد كل يوم مجالا جديدا (والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها..).

ويكون التقدم بأن نتحرك في عملية التبليغ.. فالمسلمون متخلفون يحتاجون من يعلمهم أمر دينهم، وفي عملية الجهاد والنفير (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ، إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)( التوبة (38-39)).

ويكون التقدم في عملية التغيير.. وهو نهاية المطاف.. أو بدايات المعركة.. (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)( الرعد-11).

هذه هي التحديات الخارجية والذاتية التي يواجهها الداعية إلى الله.. وهي تحديات كبيرة تطارد الإنسان وتلاحقه.. تغريه وتخوفه.. وهو معلق بين اليأس والرجاء.. ولا عاصم له سوى الله. قال تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)( الذاريات-50). وقال: (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ)( التوبة- 126).

1984/1/30م

 
 

غربة وذلة أم هجرة ونصرة.. ؟

(3) غربة وذلة أم هجرة ونصرة.. ؟ – من سلسلة خواطر حول العالم

عصرنا هذا هو عصر السرعة..

في ساعات تقطع المسافات التي لم يكن الإنسان يحلم أن يبلغها.. تدير قرص الهاتف فتكلم إنساناً في الطرف الآخر من الكرة الأرضية.. تضغظ أزرار التلكس فيقرأ رسالتك صاحبها قبل أن تفرغ من ضغط الأزرار.. حتى أحوال القمر والكواكب وسائر الأحلام التي كانت تداعب خيال الشعراء صارت حقائق يسجلها التلفزيون وعدسات المصورين.. فالإنسان يسبح في الفضاء، وينزل على القمر، ويقطع صخوراً من تربته، ويعود ليخبر سكان الأرض بأن أحلام الأمس صارت اليوم حقائق.

والناس ينتقلون من بلد إلى بلد.. بطائرات سريعة.. ثم أسرع.. ثم بالكونكورد وهي الأسرع من الصوت.. ويستقرون هنا أو هناك طلباً للارتزاق والعمل والعيش الكريم..

عندما اكتشفت أمريكا (العالم الجديد) بدأ الناس يهاجرون إليها من كل حدب وصوب.. واليوم الأمة الأمريكية خليط من كل الأمم.. يتكلمون مختلف اللهجات واللغات.. فيهم الأبيض والأصفر والأسود والأحمر.. ولقد وجد كل من هاجر إليها حتى العبيد، فرصة للعمل، وجامعة للدراسة، وجنسية أمريكية تعطى له بعد مرور خمس سنوات.

وتكرر هذا الموضوع في استراليا وفي جنوب أفريقيا.. وفي بلدان أخرى كثيرة انتقل إليها الناس وعاشوا فيها وكأنهم أصحابها..

فإذا كانت لقمة العيش قد دفعت بالكثيرين للهجرة إلى هذه البلدان، فإن الهجرة بدوافع الفكرة والعقيدة موجودة كذلك..

فعندما أحس النبي صلى الله عليه وسلم أن دعوته وصلت إلى جدار مسدود في مكة المكرمة هاجر إلى المدينة بالرغم من أن مكة هي أحب بلاد الله إليه.. وكذلك هاجر أصحابه تاركين وراءهم المال والعيال والأرض والوطن في سبيل الله ومن أجل عقيدتهم.. بل كان القرآن، في ذلك مفاصلاً.. قال تعالى:

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا..)( الأنفال- 72).

ولقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار.. فهم أمة واحدة بعضهم أولياء بعض. أما أولئك الذين آمنوا ولم يهاجروا فليس للمسلمين من ولايتهم من شيء..

مفاصلة كاملة بين دولة الإسلام بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المؤمنين السلبيين الذين آمنوا وأحبوا البقاء في دار الكفر يومذاك في مكة أو في بواديهم خارج المدينة.

واستجاب المؤمنون لنداء ربهم.. وسيرة قائدهم محمد صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله.. فإذا واجهتهم صعوبات وبات عملهم في هذه المنطقة متعذراً فعليهم الانتقال إلى غيرها.. (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً)( النساء- 97).

واجه المسلمون ذلك في القديم..

ويواجهونه في الحديث.. والأمور تختلف مكاناً بعد مكان وزماناً بعد آخر..

في عام 1954م عندما هاجر إخواننا من مصر بسبب الاضطهاد الكبير الذي واجهتهم به حكومة الثورة المصرية استقبلهم إخوانهم في الأقطار العربية وخاصة في الأردن وسوريا أحسن استقبال، حتى أن الرجل فيهم كان محظوظاً إذا نزل عليه رجل من هؤلاء.. أنزلوهم في بيوتهم.. وأنفقوا عليهم من أموالهم.. وزوجوا من كان يرغب بالزواج من كرائم عوائلهم.. أصدروا مجلة المسلمون بعد أن أغلقها الطغاة في مصر، وحاربوا عبد الناصر بسواعد إخوانهم في الشام وأقلامهم وهممهم.. كان كبيرهم في ذلك الوقت يوصي إخوانه بهؤلاء ويقول لهم: عاملوهم كما عامل إخوانكم الأنصار إخوانكم المهاجرين..

وكذلك مع إخواننا السوريين الذين اضطرتهم الظروف القاسية مع حكومتهم إلى الهجرة منذ عام 1979م فوجدوا أحسن استقبال من إخوانهم في مصر وإخوانهم في الأردن، حتى إنك كنت تشعر أنك في أهلك وفي بيتك..

ولا يمكن أن ينسى المسلم السوري الشيخ الجليل الأستاذ عمر التلمساني يخطب في جموع الشعب المصري من مكان إلى مكان يتكلم في أسبوع الشعب السوري الذي يكافح الظلم ويحارب الطغيان.

ويختلف الأمر من مكان إلى مكان، فبعض الحكومات تنظر إلى كل إنسان على أنه مرتزق وتسميه أجنبياً.. وليس ذلك الذي نقصد.. فمن الطبيعي أن لكل دولة قانوناً.. وأن تسمي الناس وتعاملهم حسب مقتضيات هذا القانون..

الذي نقصده هم هؤلاء الإسلاميـون الذين يهاجرون هذه الأيام.. فراراً من ظلم الحاكم بعد أن قارعوه.. جاءوا وفي مخيلتهم صورة الأنصار والمهاجرين.. فماذا وجدوا؟

وجدوا الإسلام ألواناً.. تعطيه الأرض لونه.. فهذا إسلام خليجي وذلك عربي وآخر هندي وهكذا..

ووجدوا العواطف الكريمة محصورة في حدود اللون والجنس والأرض.. لا تتعداها بل لا يسمح لها بالتجاوز.. فلا غرابة أن تسمع من هؤلاء أقوالاً جاهلية وإن زعم أصحابها الإسلام.. ولا غرابة كذلك أن يستشعر المهاجرون الذلة بدلاً من انتظار النصرة..!

1983/6/27م

 
 

الفجر

(1) الفجر – من سلسلة خواطر حول العالم

الفجر.. ساعة تنفس الحياة في يسر، وفرح، وابتسام، وإيناس ودود ندى، والوجود الغافي يستيقظ رويداً رويدا، وكأن أنفاسه مناجاة وكأن تفتحه ابتهال..

الفجر هذا لنا معه قصة..

قصة طويلة.. زمانها أربعة عشر قرنا..

ومكانها.. كل الأرض التي شهدت تعظيم الله وتكبيره..

في رأس الجبل البعيد عن مكة حيث ينقطع لغو الناس وحديثهم الباطل.. ويبدو السكون الشامل المستغرق.. في هذه القمة السامقة المنزوية شهد الفجر محمداً صلى الله عليه وسلم منقطعاً عن العالمين متجهاً بفؤاده المشوق إلى رب العالمين.. في هذا الغار المهيب المحجب.. كانت النفس الكبيرة تتلوى حسرة وحيرة لا تدري لها مخرجاً.. هناك كان الأمين يتعبد ويصقل قلبه وينقي روحه ويقترب من الحق جهده ويبتعد عن الباطل وسعه..

في هذا الغار ينزل وحي السماء نورا يسطع على القلب العاني إلهاماً وهداية وتثبيتا وعناية.. وهكذا شهد الفجر ميلاد الرسالة تنزل من علياء السماء على قلب الرسول الكريم..

وبدأت الرحلة الطويلة.. مع الفجر..

الإغراء يكبر.. والأمين ثابت على العهد..

والتهديد والتعذيب يشتد ويقسو والأمين وأصحابه كالطود الأشم لا تلين لهم قناة ولا تضعف لهم نفس..

تساموا على الأرض وما فيها من ظلم..

(أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك أو ينزل بي سخطك.. لك العتبى حتى ترضى.. ولا حول ولا قوة إلا بك..)

وتمضي القصة بكل جلالها وعظمتها تُشهد الفجر والحياة بقية فصولها.. في ثلث الليل قبيل الفجر.. خرج الثلاثة والسبعون رجلا من رحالهم لميعادهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسللون تسلل القطا مستخفين في ظلام الليل.. ليلتقوا مع الرسول الكريم.. فيبايعوه أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم.. وهكذا شهد الليل قبل الفجر ميلاد الدولة الجديدة تقام في أرض المدينة.

ويأبى الطغيان أن يسمح للموكب الكريم أن يتقدم بيد الخلاص ليمسح شقاء الإنسان.. فيجتمع الطغاة في دار الندوة ليأتمروا بالرسول الركريم ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه.. (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)( الأنفال-30).

وثلاث ليال طوال بقي الرسول الكريم مع صاحبه العظيم أبي بكر في غار ثور.. وفي كل مرة يشهد الفجر الصراع الأزلي بين الطغيان بكل عنجهيته وجبروته وبين الحق بكل نصاعته وإخلاصه.. وحين يبكي ابو بكر.. يهمس له الرسول الكريم: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما..).

لا تخف يا ابا بكر على حبيبك فالله سيرعاه ليبلّغ الرسالة ويؤدي الأمانة..

وانتقل الرسول الكريم إلى المدينة بين أصحابه وأنصاره.. ليقيموا هناك المجتمع المسلم.. وليأسسوا أول دار للإسلام.. ولكن هل انتهت القصة.. ؟

لا.. فما زالت لها فصول تطول.

فمن فصول القصة معركة بدر..

ومن فصولها معركة أحد..

ومن فصولها غزوة الأحزاب..

الشرك بكل فصائله: قريش ومعها قبائل العرب واليهود ومعهم كل أرض النفاق..

من داخل المدينة ومن خارجها اشتد الأمر على المسلمين..

ويحاولون اقتحام الخندق واحتلال بيت النبي صلى الله عليه وسلم..

ووقع ثقل المقاومة على أصحاب الإيمان الراسخ.. كان عليهم أن يكبتوا مظاهر القلق والخوف.. وسألوا الرسول عن المخرج فقد بلغت القلوب الحناجر..

قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا)..

فستر الله عوارتهم.. وآمن روعاتهم.. وصرف عنهم كيد الشرك والطغيان..

ولكن هل انتهت القصة.. لا.. فما زالت لها فصول تطول..

واقترب الرحيل.. (أيها الناس: فمن كنت جلدت له ظهراً، فهذا ظهري ليستقد منه ومن كنت شتمت له عرضا، فهذا عرضي فليستقد منه)،

ألا وإن الشحناء ليست من طبعي ولا من شأني..

أيها الناس: (من كان عليه شيء فليؤده.. ولا يقل فضوح الدنيا.. ألا وإن فضوح الدنيا أيسر من فضوح الآخرة.. أيها ناس.. من خشي من نفسه شيئا فليقم أدع له..

فقام رجل فقال: يا رسول الله إني لكذاب إني لفاحش إني لنؤوم، فقال النبي: (اللهم ارزقه صدقاً وإيماناً وأذهب عنه النوم).

وفي صلاة الفجر.. فجر الاثنين وقد اصطف المسلمون قياما خلف أبي بكر أحب الرسول الكريم أن يلقي نظرة أخيرة على أصحابه فبرز للناس.. وعاد بعدها ليلقى ربه وهو يقول: (بل الرفيق الأعلى والجنة).

فهل انتهت القصة برحيل القائد العظيم والرسول الكريم والزعيم صاحب الرسالة.. كلا.. بل لها فصول تطول..

فلئن غاب الرسول الكريم فكل اصحابه أمناء على الدعوة باقون على العهد..

وهكذا فإن موكب الدعوة إلى الله الموغل في القدم، الضارب في شعاب الزمان ماض في طريقة اللاجب، ماض في خطه الواصب مستقيم الخطى ثابت الأقدام يعترض طريقه المجرمون من كل قبيل، يقاومه التابعون من الضالين والمتبوعين ويصيب الأذى من يصيب من الدعاة وتسيل الدماء وتتمزق الأشلاء.. والموكب في طريقه لا ينحني ولا ينثني ولا ينكص ولا يحيد.

صراع طويل ودائم بين الطغيان والطغاة..

وبين الإيمان والدعاة..

الزمان: عام 1928.

المكان: الإسماعيلية في مصر.

في هذا الزمان والمكان شهدت الدنيا ميلاد جماعة الإخوان المسلمين..

جماعة مؤمنة تدعو الناس إلى الله..

وبدأت الدعوة تنتشر وتقوى حتى كانت حرب فلسطين عام 1948م ودخلت كتائب الإخوان الأرض الطيبة تدافع عنها وتحميها..

الزمان: 26 مايو 1948.

المكان: مستعمرة رامات راحيل في فلسطين..

كان جنود الهاجاناه ينامون ملء جفونهم مطمئنين إلى حصونهم القوية حتى انتصف الليل أو كاد وبدأت أشباح الإخوان تنطلق من مركز القيادة حيث يبتلعها الظلام الكثيف ثم تلتقي في سكون في مناطق مختلفة في الجبال المحيطة بالمستعمرة، ثم انطلقت إشارة ضوئية زحف بعدها مجاهدو الإخوان.. وعندما دقت ساعة الكنيسة الكبيرة دقتين بعد منتصف الليل ارتجت الأرض تحت دوي المدافع وتمزقت حجب الليل المظلم من وهج القنابل التي انقضّت كالشهب على المستعمرة الساكنة.. ولم تمض إلا دقائق حتى شبت الحرائق وتفجرت الألغام وبدأ الزحف.. وفي لمح البصر كان الإخوان يفجرون الألغام تحت الأسلاك الشائكة ومن ورائهم فصائل الاقتحام لتحتل الأغراض التي خصصت لها..

واستمات اليهود في الدفاع عن مستعمرتهم.. ولكن ثبات الإخوان وحبهم للموت أسقط في أيديهم وبدأوا يجلون عبر ممراتهم السرية إلى مستعمرة (تل بيوت) على مقربة من القدس.. وحين كان آخر يهودي يغادر المستعمرة هارباً كان صوت المؤذن يتهادى مع نسيم الفجر.

(الله أكبر الله أكبر.. أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله..)

وكان عدد قتلى اليهود في هذه المعركة أكثر من مائتين.. ولم يزد شهداء الإخوان عن تسعة وشهيد من إخوان الأردن الذين كانوا يرابطون في صور باهر بقيادة أخيهم عبد اللطيف أبو قورة رئيس الإخوان المسلمين في الأردن يومذاك.

الزمان: 5 يونيو 1948.

المكان: تل بيوت القريبة من القدس في فلسطين.

انطلقت جماعة الإخوان إلى مستعمرة تل بيوت.

وقرب الفجر سمعت بيت لحم انفجاراً مدويا وتهدمت ثلاثة حصون من تل بيوت وعاد بعدها حسين حجازي قائد مجموعة الإخوان هناك.

محمد سلطان من الإخوان المسلمين يزحف على بطنه حاملاً لغماً هائلا وهدفه أحد مراكز الحراسة، ينتبه إليه الحراس وهو على قيد خطوات من هدفه، فيطلقون عليه رصاصات تصيبه في ذراعه وتعجزه عن المضي في زحفه.. ولكنه يتحامل ويتحامل ويظل يجاهد بعناد حتى يقترب من هدفه فيفجر اللغم ليدمر مركز الحراسة ويقضى على البطل الفذ محمد سلطان..

عمر عبد الرؤوف.. يستشهد فيقول: (أترون ما أرى.. إني أراها وأشم رائحتها.. الجنة) وهذا عبد الرحمن عبد الخلاق.. وغيرهم كثير كلهم جاءوا ليطبقوا عمليا شعار دعوتهم.. الموت في سبيل الله اسمى أمانينا.

ولكن هل انتهت القصة.. كلا.. فلها فصول تطول..

وهل يسكت الاستعمار عن هذا الوعي الذي ظهر، وعن هذه الروح التي نمت..

وعن هذه الجماعة المسلمة التي بزغت.. وعن هذه القيادة المؤمنة التي توضحت.. فالإخوان يعودون من أرض فلسطين لا إلى بيوتهم ولكن إلى المعتقلات.. ولا ليجدوا مرشدهم وزعيمهم حسن البنا فلقد اغتالته يد آثمة.

ولكن هل انتهت القصة.. كلا فلها فصول تطول..

فالاستعمار المتمثل بالإنكليز جاثم على أرض مصر يحتل قناتها وأهم مراكزها.. فماذا يكون رد فعل المؤمنين..؟

الزمان: عام 1951.

المكان: قناة السويس.

ها هو عصام الشربيني وفتحي البوز اثنان من فدائيي الإخوان المسلمين يهاجمون دورية مصفحة دأب العدو على إخراجها في منطقة جنوب القنطرة ويلقون على الدورية قنابلهم التي لم تنفجر ورشاشاتهم التي أطلقت رصاصات وتوقفت.. واستطاعوا الانسحاب.. هكذا بدون سلاح إلا سلاحاً من بقايا الصحراء الغربية يتصدى به الرجال المؤمنون للجنود المدججين بالسلاح.

وفي الإسماعيلية حيث القائد يوسف طلعت يرقب تحركات الإنكليز ويوجه رجاله يضربون العدو في كل مكان يفجرون الذخائر ويضربون السيارات المصفحة ويقتلون رجال العدو.. كل ذلك بخنجر مرهف أو قنبلة قديمة قد تنفجر وقد لا تنفجر وبرشاش قديم قد ينطلق وقد يتوقف.. ومعركة التل الكبير.. هل سمعت بها يا أخي المسلم..

أقرأ عنها.. فهي ملحمة جهادية رائعة تذكرك بجهاد خالد وعكرمة ولقد تناقلت الأنباء يومها الشيء الكثير، من معركة التل الكبير مشيدة ببطولة شباب الإخوان المسلمين الخارقة وكيف صمد عشرات من شباب الإخوان المسلمين بالبنادق الخفيفة ساعات طويلة أمام مجموعة لواء من المشاة البريطانيين تؤازرهم الدبابات والمدفعية واستشهد عمر شاهين واستشهد أحمد المنسي وأسر عشرات غيرهم.. كل هذا لا شيء أمام أن ينتصر المعنى الكبير.. الجهاد في سبيل الله أسمى أمانينا.. ولكن هل انتهت القصة.. كلا.. فلها فصول تطول..

وتتالت قوافل الشهداء..

عبد القادر عودة: الرجل التقي النقي الذي لم يند عن مسلك الطهر والشرف في أية مرحلة من حياته..

محمد فرغلي   : الرجل الذي قال إنني أموت وأنا مطمئن إلى أن شعب مصر سيدرك أننا متنا في سبيل استعادة حرياته من مغتصبيها.

يوسف طلعت   : جزار الإنكليز في ساحة الشهادة.

يا يوسف إن أمثالك من الصديقين يضيق عنه قرن بأكمله فلا يشهده الناس إلا مرة كل بضعة قرون..

إبراهيم الطيب.. هنداوي دوير.. محمود عبد اللطيف.

هناك في سجن مصر البائسة حيث يخفق علم اسود، ستة من الإخوان المسلمين شنقوا في صباح 8/12/1954.

هذه هي القافلة الأولى من شهداء الإخوان

محمد السيد عفيفي، الشيخ رائف، عمر جمعة، سعد الدين محمود شوقي، سيد العزب صوان، فهمي إبراهيم نصر، محمد هريدي، علي إبراهيم حمزة، محمد أبو الفتوح معوض، عثمان حسن عيد، أحمد عبود متولي، سمير عثمان، مصطفى حامد علي، خير الدين إبراهيم عطية، لطيف محمد نظمي، أحمد محمود الشناوي، عبد الله محمد سميح، عبد الفتاح محمود عطالله، وجدي عبد الله، عصمت عزت عثمان، عبد الله عبد العزيز الجندي، فريد أحمد، رزق حسن إسماعيل، إبراهيم محمود أبو الدهب، محمود عبد الجواد العطار، السيد علي محمد، أنور مصطفى أحمد، أحمد حامد علي قرقر، محمد محمد سليمان.

وهذه قافلة أخرى سقطت في السجون..

سيد قطب

محمد يوسف هواش

عبد الفتاح إسماعيل

قافلة ثالثة.. من قوافل الكفاح

(وتتبدل الأحوال، ويقف المسلم موقف المغلوب المجرد من القوة المادية، فلا يفارقه شعوره بأنه الأعلى، وينظر إلى غالبه من علٍ مادام مؤمناً ويستيقن أنها فترة وتمضي وإن للإيمان كرة لا مفر منها، وهبها كانت القاضية فإنه لا يحني لها رأساً، إن الناس كلهم يموتون أما هو فيستشهد، وهو يغادر هذه الأرض إلى الجنة وغالبه إلى النار وشتان شتان، وهو يسمع نداء ربه الكريم (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ. مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ. لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ..)( آل عمران (96-98)).

في هذا الضجيج يقف المؤمن قابضا على دينه كالقابض على الجمر في المجتمع الشارد عن الدين وعن الفضيلة وعن القيم العليا، وعن الاهتمامات النبيلة، وعن كل ما هو طاهر نظيف جميل وهو يقول (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ)( هود- 38)..

هل انتهت قصتنا مع الفجر..

ساعة تنفس الحياة في يسر، وفرح وابتسام، وإيناس ودود ندى، والوجود الغافي يستيقظ رويدا رويدا، وكأن أنفاسه مناجاة وكأنما تفتحه ابتهال..

لا ابدا أبداً.. فلنا مع الفجر فصول تطول..

فصول عرضناها خطوطا عامة سريعة..

وفصول مازال موعدنا معها.. مع الفجر القريب القريب..

ويومها يفرح المؤمنون بنصر الله..

 
 

مقدمة – خواطر حول العالم

هذا هو الجزء الأول من كتاب خواطر حول العالم.. وهو مجموعة مناظر سجلتها أثناء تجوالي في أركان الأرض الأربعة.

فهذا منظر من باريس.. وذاك من بلجيكا.. وآخر من السويد.. وغيره من إنكلترا أو إيطاليا.. وغيرها من بلدان أوروبا التي يعيش إنسانها في أقصى درجات الترف المادي.. ومع ذلك فما زالت روحه ظمآى.. وفؤاده خاو يبحث عن شيء يعيد إليه توازنه وطمأنينته فلا يجد.. فقد مسخت البرامج والمناهج فطرته، مثله مثل الظمآن الذي يزداد عطشه كلما شرب من ماء البحر.

ومناظر أخرى سجلتها في أفريقيا.. قارتنا المسلمة.. في ملاوي، في زمبابوي، في دار السلام.. في موريتانيا.. في السنغال.. في شمال القارة وجنوبها، من شرقها إلى غربها.. في كل تلك البلاد كانت لي وقفات، أمعنت فيها النظر في هذه القارة البكر التي يتسابق الغربيون والشرقيون إلى نهب ثرواتها.. بعد أن استعبدوا واسترقوا إنسانها.. وبعد انسحاب جيوشهم.. تسابقت فرق التبشير والتنصير تقدم المدرسة والمستوصف في يد وتنتزع بالمقابل حيويتهم ومعنوياتهم ومقومات شخصيتهم وتذكرهم باستمرار بعهود الاستعمار وعصاه الغليظة.

ومناظر أخرى وقفت فيها على أوضاع بلادنا في جنوب شرق آسيا في الهند وباكستان وأفغانستان وتركيا.. وبقية بقاع آسيا، القارة التي تضم أكثرية المسلمين في العالم.. عشت مع أربكان في كفاحه.. ومع أنور إبراهيم في شبابه.. ومع برهان الدين رباني وهو يعلن الجهاد المقدس.. مع المودودي والندوي وكل الهامات العالية في شبه القارة الهندية.. التي حملت رايات الكفاح ومازال رفاقهم من بعدهم يواصلون.. ومع الأخ أحمد توتونجي وجميع رفاقنا في الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية، الجنود المجهولين الذين رسموا المعالم عالية شامخة لكل طلاب الحقيقة في العالم.

سجلت الكثير من الوقفات في بلاد العرب.. في السودان ومصر والجزائر وموريتانيا وتونس والسعودية والخليج وبلاد الشام.. وغيرها من البلاد التي حملت الراية.. ومازالت تعاني تبعات الأصالة.. ولقد عشت مع إخواني جميعا وهم في ساحات السجون.. أو المعتقلات أو أمام أعواد المشانق وهم يصرون على مواصلة الكفاح مهما تكن النتائج..

في يوم من أيامي، قبل ثلاثين سنة، نصحني مدرس (علم الاجتماع) أن أسجل كل يوم خاطرة عن منظر رأيته وتأثرت به، أو عن صنيع مهم قمت به، أو عن حادثة مهمة مررت بها.. وكان ذلك.. ما ركبت طائرة.. ولا باخرة.. ولا جلست في فندق.. أو تمتعت بمنظر إلا وكان دفتري جاهزاً لتسجيل ذلك المنظر أو ذلك الحدث..

هذه هي خواطر حول العالم..

عشت مع الدعوة في عطائها الذي لا ينفذ، وفي محنتها المتجددة، وفي مستقبلها الزاهر الذي ينتظرها.. عشت معها جندياً بكل كياني أمنحها قلبي وكل وجبة في فؤادي.. ولكني نظرت فيها وفي تجاربها.. فأيدت وعارضت وذكرت الرأي والرأي الآخر.. وأنا في كل ذلك محب واله.. لهذه الدعوة التي أكرمنا الله بالانضمام لصفها..

عشت مع الدعاة.. من كل البلدان.. ومن جميع الأجناس.. رأيت الصدق والإخلاص يتجسم واقعا حقيقيا مع هذا وذاك.. ورأيت غير ذلك.. هالات فارغة فيها من المكر والخديعة.. كما فيها من تظاهر الصلاح والتقوى.. عشت مع هؤلاء أخا ومحبا ومقتديا.. وعشت مع هؤلاء صريحا واضحا فهنا الرجولة وهنا الصدق، وصديقك من صدقك لا من صدّقك.

هذه الخواطر مشاريع كتب أريد كتابتها.. بدأتها ولم يسعفني الوقت لإكمالها.. هي مشاريع المستقبل لي أو لغيري ممن يلتقط طرف الخيط ويمضي مع هذه المعالم.

هذه هي خواطري حول العالم..

وحسبي منها أنها سجلت كما وقعت.. لم أزوّق ولم أحرّف.. وسيحس بها القارئ.. فوراء كل كلمة قصة.. ووراء كل موقف تضحية..

وسيكون لإخواننا موقف من هذه الخواطر..

موقف المؤيد الذي يرى فيها روحاً جديدة تسري.. قبسا من قبس الدعاة العظماء الذين تتلمذنا على فكرهم ومواقفهم..

وموقف الخصم الذي سيحمل الكلمة ما لا تحتمل.. وسيزوّر المواقف ويشمّر عن ساعد المكر ويصيح: يا غيرة الدين!

وموقف الإنسان العاقل المعتدل.. الذي يحسن الظن ويدعو لأخيه في ظهر الغيب.. دعوة تسديد لما وفق فيه من نظرات.. ودعوة تصحيح لما أخطأ فيه.. وهذا الصنف هو الذي يعنيني بالدرجة الأولى.

والحمد لله رب العالمين.

الكويت  23/5/2012م