RSS

الطعام هو الحلقة المكملة للعبة الأمم

 (7) الطعام هو الحلقة المكملة للعبة الأمم – من سلسلة خواطر حول العالم

إذا لم يتم توجيه اهتمام كاف للقطاع الزراعي فسوف يواجه الشرق الأوسط بحلول نهاية هذا القرن نقصا كبيراً في الطعام. وقد تؤدي تلك المشكلة إلى العديد من المشاكل الفرعية الأخرى مثل سوء التغذية، والمجاعة، والموت، والأمراض.. ومما يدعو للسخرية أن غالبية العالم العربي أرضه زراعية ولكن الطلب على الطعام يفوق العرض.. فما الذي أدى إلى هذا الموقف إذن؟ وإلى من يوجه اللوم؟ ومن الذي يستفيد من وراء ذلك الموقف؟ وهل يمكن تلافيه؟ يجب استقصاء كل تلك الأسئلة قبل أن تتغير صورة العرب أغنياء النفط إلى صورتهم كمتسولين.

والسبب الأساسي للمشكلة هو الازدهار النفطي للدول العربية المنتجة للنفط. فقد كان لثرواتهم النفطية تأثير واضح على مجتمعاتهم وكذلك على دول المنطقة غير المنتجة للنفط. فأولا أوجد النمو السريع للدخل طبقات جديدة مثل المقاولين محدثي النعمة الذين حولوا بلادهم إلى مجتمع استهلاكي هائل.

وقام الأغنياء ومحدثو النعمة والطبقات المتوسطة بالإنفاق بتهور على المظاهر: مثل السيارات، والمنازل، والسلع المنزلية، والأزياء، والأطعمة. وحيث أن الطلب يفوق العرض فإن دولا مثل السعودية وبقية دول الخليج تستورد كل طعامها من الغرب.. ويتم استيراد أكثر من ثلث احتياجات سوريا والمغرب وتونس من الحبوب.. ويستورد الأردن كل احتياجاته من القمح، أما مصر فتستورد أكثر من نصف احتياجاتها الرئيسية.

ووفقا لإدارة الزراعة بالولايات المتحدة الأمريكية فقد قفزت صادرات الطعام إلى الشرق الأوسط من مليار دولار عام 1970م، إلى 32 مليار دولار عام 1982م. ومن المتوقع زيادة ذلك الحجم بمقدار 2 مليار دولار عام 1983م. ولم تتلكأ السوق الأوروبية حيث تقوم بتوريد ثلث الطلبات تقريبا (9 مليار دولار عام 1982م ومن المتوقع زيادتها إلى 11 مليار دولار عام 1983م). وتقوم السوق الأوروبية المشتركة بتوريد جميع أنواع السلع الجاهزة للاستهلاك ومنتجات الألبان واللحوم، وكذلك السكر. وفي عام 1981م بلغت نسبة واردات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 11% من الواردات الزراعية العالمية، وتتزايد تلك النسبة كل عام.

وقد تزايد الإمداد بالطعام بصورة كبيرة بسبب النمو السكاني السريع. وكنتيجة لذلك فإن طلبات الطعام في الدول غير النفطية مثل مصر والمغرب وسوريا وتونس تزيد بنسبة 5% إلى 8% كل عام.

وقد تزايد تعداد السكان بصورة كبيرة في الدول المنتجة للنفط بسبب الهجرة الهائلة للعمال الأجانب. وقد نتج عن الاندفاع المجنون نحو التصنيع مشاكل بالنسبة للدول العربية المنتجة وغير المنتجة للنفط. ففي أكثر الدول حدث انتقال هائل للسكان من المناطق الريفية إلى المدن وذلك لأسباب اقتصادية، تاركين القطاع الزراعي مهملا. أما في الدول غير المنتجة للنفط فقد أصبح تصدير القوة العاملة عملا رائجا. وقد أدى ذلك إلى كساد في النمو الزراعي بتلك الدول، ذلك أن حافز الأعمال المربحة للفلاحين المعدمين أقوى من أن يقاوم، فالدخول لا تزيد عدة مرات فقط بل يضمن العامل المسكن وسبل العيش والرعاية الطبية وغير ذلك. ولذلك فليس من المدهش أن نجد أن هجرة العمالة قد زادت من شمال وجنوب اليمن ومن السودان وعمان ومصر.

وقد أدى تخلف القطاع الزراعي وتفضيل الهجرة إلى المدينة إلى إهمال الزراعة ونقص الانتاج الزراعي. وقد باشرت بعض الدول مثل مصر وسوريا والعراق والجزائر إصلاحات زراعية غير مكتملة لم تقض على طبقة ملاك الأراضي ولم تقم بتوزيع الأراضي على الفلاحين. وفي هذه الأحوال لم يتأثر بذلك سوى جزء صغير من الأراضي (حوالي 12% في مصر). وفي أحوال كثيرة بدأ المقاولون الرأسماليون أعمالا زراعية وصعد توفيرهم للعمالة وزراعتهم الآلية من تحول المزارعين الفلاحين إلى العمل بالمدن.

وتقوم الأعمال الزراعية أيضا بإنتاج أطعمة الرفاهية مثل الفواكه والخضراوات والمواشي المعلفة حيث تكون هوامش الربح عالية. وقد تحول بعض المزارعين الأفراد كذلك إلى الزراعة الآلية وزاد استخدام الجرارات في المنطقة بنسبة 50%. ولكن أحوال المزارع لم تتحسن لأن الأغنياء فقط هم القادرون على شراء ما ينتج. وقد حاولت بعض الحكومات توفير حوافز إضافية لمزارعيها بعرض مبالغ أكثر لشراء منتجاتهم. ولكن ذلك لن يستمر طويلا بسبب عوامل خارجية تؤثر عليهم مثل واردات الطعام الهائلة.

ولقد أطلقت تحذيرات عديدة بخصوص تدهور الانتاج الغذائي في العالم العربي. وقد اكتشف الخبراء العرب في مؤتمر عقد في بداية هذا العام في الخرطوم أن الأراضي الصالحة للزراعة في العالم العربي تقدر بحوالي 51 مليون هكتار يروى 78% منها بالأمطار، ويعتمد الباقي على الري. وتقدر مساحة الأراضي التي تنتج محصولا بثلثي تلك المساحة فقط بينما يترك الثلث الباقي معتمدا على مياه الأمطار والوسائل الزراعية التقليدية.

ويبدو، والحالة هذه أن الكفاية الذاتية في إنتاج الطعام احتمال بعيد. وقد طرحت أفكار بإنشاء سوق عربية مشتركة تقوم الدول العربية الغنية فيها باستثمار القطاع الزراعي بالبلاد الفقيرة ذات التربة الجيدة. وفي حين تستمر الحكومات العربية في النقاش، تقوم الدول الغربية بجني إيرادات كبيرة. وفي الواقع هناك صراع بين الأمريكيين والسوق الأوروبية المشتركة على اسواق الطعام العربية حيث يمكنهم التخلص من منتجات أغذيتهم وفائض مزارعهم. ويشعر الأمريكيون الذين قاموا بشحن أكثر من 15 ألف طن من الدجاج إلى السعودية عام 1980م ووردوا إليها 400 طن فقط عام 1982م بالمرارة بسبب ضياع الباقي منهم وانتقاله إلى أسواق السوق الأوروبية المشتركة. وقد وعدت الحكومة بمنح تسهيلات ائتمانية أفضل لمزارعي الولايات المتحدة لتمكينهم من زيادة قدرتهم على المنافسة. وقد باعت الولايات المتحدة ما قيمته 230 مليون دولار من القمح والحبوب الأخرى والبيض والبذور وعلف الحيوانات إلى العراق مؤخرا وتتوقع زيادة المبيعات لتصل إلى مليار دولار في العام القادم. ولا تساعد مثل تلك الواردات المزارعين حيث ارتفعت الأجور في الريف بينما بقيت أسعار المحاصيل متدنية مما يوقع المزارعين في أزمة أرباح  والمشاكل المؤثرة على المزارعين والفلاحين والقطاعات الزراعية لا تهم مصدري الطعام الغربيين إذ كلما زاد التدهور الزراعي في الدول العربية كلما كان ذلك أفضل بالنسبة لهم، حيث أن الدول العربية تصبح عندئذ معتمدة تماما على الغرب في غذائها. وتلك هي المشكلة وهي تعطي صورة كئيبة جدا لمستقبل الدول العربية.

وقد اعتمدت مصر على مثل تلك المساعدة الغذائية من الولايات المتحدة منذ الستينيات لإطعام ملايينها الجائعة. وبعد عشرين عاما من التصنيع لايزال قطاعها الصناعي تهيمن عليه الزراعة. والتغيير الوحيد الذي حدث أن مصر قد اعتمدت أكثر وأكثر على الغرب في احتياجاتها من الطعام.

ومثل ذلك المصير ينتظر الدول العربية الأخرى إذا لم تعمل على تنشيط قطاعاتها الزراعية وتوفير كفاية ذاتية من الطعام والأمن الغذائي للمستقبل.

وتعتمد تلك الدول بالفعل على قطاعات أخرى مثل التقنية المستوردة (على شكل صناعات خطوط التجميع والضغط على أزرار) والمعدات العسكرية. يجعلهم الاعتماد على الطعام خاضعين تماما للمصالح والمصنعين الخارجيين وهذا يجعل الخروج من تلك الورطة أكثر صعوبة بكثير.

1983/11/21م

 
 

نحن ولعبة الأمم

(6) نحن ولعبة الأمم – من سلسلة خواطر حول العالم

لعبة الأمم مصطلح حديث للعبة قديمة.. تعني اتفاق القوى في العالم على توزيع الأدوار، واقتسام الثروات، واستغلال الشعوب، بطريقة تجنب الطامعين الصراع المكشوف. وليس معنى هذا انتهاء الصراعات بين هذه القوى، ولكنها صراعات تدور حول محاور ثابتة يتفق عليها. وأهم مواقع لعبة الأمم هي مواطن الشعوب الإسلامية.

أهداف لعبة الأمم

من أبرز أهداف لعبة الأمم ضرب الإسلام باعتباره الفكر الأصيل الذي يستطيع وحده أن يكون البديل لحضارة الرجل الأبيض التي يجمع فلاسفة الغرب ومنهم راسل على انتهائها. ولا يظنن القارئ أن هذا تمحل بعيد عن الموضوع.. بل هو أساس الأمر ولب الموضوع.

فهذا ديغول يسجل في مذكراته أنه فكر بالانتحار أثناء الحرب العالمية الثانية ويقول بصراحة.. لتأت أمم الإسلام ولتسيطر على العالم بعد اندحار أمم الغرب.. هاجس تعيشه العقلية الغربية وكابوس مخيف يخشون أن تسعد البشرية به.

وهذا بيرغر في كتابه المجتمع العربي اليوم يضع بصراحة الخطة التي تمكن الاستعمار وعملاءه من ضرب الأفكار الإسلامية فيقول: إن المجتمعات الريفية مازالت متمسكة بأهداب الدين.. وإن مجتمع المدينة ومجتمع الصناعة أقل تمسكا، وهو ينصح بالقضاء على المجتمعات الريفية والبدوية عن طريق توطين البدو وتهجيرهم إلى المدينة.

وهذا مايلز كوبلند أحد مؤسسي وكالة الاستخبارات الأمريكية وأحد مهندسي انقلاب 23 يوليو 1952م في مصر يقول بصراحة في كتابه لعبة الأمم: إن الانقلاب العسكري في مصر كان ضرورة لمنع ثورة الشعب الحقيقية التي كان سيقودها الإخوان المسلمون.

ولعبة الأمم اختراع قديم طوره الأمريكان.. فليس المهم عندهم من يباشر الحرب ضد الإسلام.. بل المهم عندهم النتيجة.

ففي الخمسينات كانت إذاعة إسرائيل تمدح الإخوان المسلمين وتهاجم ثورة مصر وقد اعترفت الكتب السياسية التي صدرت في السنوات الأخيرة أن هذا تكتيك لمحاربة هذه الفئة الدينية المتعصبة!

وفي السبعينات ذكرت نيوزويك الأمريكية أن الانقلاب الشيوعي في أفغانستان ليس مما يقلق أمريكا.. فقد كانت أمريكا تقلق قبل عشر سنوات لمثل هذا الأمر أما الآن فلا.. مادام الأمر حربا على الإسلام والمسلمين.

وفي إسرائيل تنعي صحيفة يديعوت أحرنوت على التلفزيون الإسرائيلي تسرعه في إظهار عواطفه المؤيدة للمسيحيين في لبنان ضد المسلمين.. وقد حذرت الصحيفة من انعكاس هذا الأمر على المسلمين بحيث يعودون لإسلامهم.. واعترفت الصحيفة أن إسرائيل مارست ضرب الحركة الإسلامية خلال الثلاثين عاما الماضية عن طريق اصدقائها في العالم العربي، وإذا لم تنجح إسرائيل اليوم في هذه العملية.. فإنها ستواجه عدوا حقيقيا لا وهميا.. عدواً يعتقد أنه يدخل الجنة إذا قتل يهوديا أو قتله يهودي.

ومن هنا كانت الحرب الضروس على الحركة الإسلامية في جميع أنحاء العالم. حربا تختلف كثيرا عن عملية الصراع على السلطة التي تتنافس قوى كثيرة في العالم للوصول إليها.. حربا كان المقصود منها سحق العمل الإسلامي في أنحاء العالم.. سحقا دمويا عنيفا رهيبا بينما تصمت كل وسائل العالم الإعلامية أمام هذا الإفناء المقصود.

فابتداء من إندونيسيا والحرب التي شنها سوكارنو على حزب ماشومي الذي حرر البلاد، وانتهاء بمصر والحرب الماحقة التي شنتها مختلف القوى السابقة واللاحقة على حركة الإخوان المسلمين التي تمثل الطبقة الواعية النظيفة في بلادهم.

ولم يكتفوا بحرب الحركات الإسلامية الكبيرة.. بل راحوا يتتبعون الحركات الإسلامية وهي ما تزال في مهدها.. في كثير من البلدان الأخرى.

الهدف الثاني للعبة الأمم: هو ضرب البلدان الإسلامية بما تمثله من ثروات غير محدودة وطاقة بشرية هائلة وموقع استراتيجي هام وواقع حضاري متميز.

هذه الأمور تجعل الغرب والشرق يخشى هذا المارد أن يتحرك.. لهذه الأسباب.. فقد عاشت أوروبا اياما عصيبة كانت تستدعي لقاءات دائمة بين زعاماتها للتخطيط للقضاء على الرجل المريض الذي هو في الحقيقة الخلافة الإسلامية في استانبول.

ولم يترك هؤلاء بلدا إسلاميا واحدا لم يفجروا فيه مشكلة، وحين تتفجر المشكلة – بعد أن يوجدوا أسبابها ويشجعوا أحجار شطرنجهم عليها- تراهم ينحازون تلقائيا ضد المسلمين.. ولا عبرة في ذلك للمواثيق والتحالفات والأحلاف.. والأمثلة على ذلك لا تكاد تنتهي.

فهذه تركيا لم تنفعها أحلافها مع الغرب في صراعها مع اليونان في قبرص.. وهذه باكستان تآمرت عليها كل القوى لتقسيمها وتحطيمها.. وهذه فلسطين الشرق والغرب ومعهم اليهود تآمروا لإقامة دولة إسرائيل على أنقاض شعب فلسطين المسلم.

وهذه الصومال وتشاد والسودان والمغرب والجزائر بل وقبلها تركستان الشرقية والغربية والجمهوريات الإسلامية في روسيا. وإذا نسي الغرب.. فلا يمكن أن ينسى انتصار الهلال التركي على الصليب اليوناني في قبرص..

وهذه قضية تتعدى حدود قطعة الأرض التي احتلها الجيش التركي.. إلى الشعور بأن المارد الإسلامي بدأ يتحرك.

والهدف الثالث هو النفط.. وهو هدف مهم واستراتيجي، يتلخص القول فيه ما قاله فورد رئيس جمهورية أمريكا السابق حين قال إن أمريكا على استعداد لخوض حرب من أجل النفط.. وأن الأمم في السابق واللاحق تقاتل من أجل مصالحها الاستراتيجية.

وأمر النفط قضيتان.. الأولى: الحصول على النفط الذي يشكل أساس الرفاه في أوروبا وأمريكا واليابان.. والثانية: الحصول على النفط بأبخس الأثمان..

ولسنا في حاجة للكلام على حصول الغرب على النفط فهذا تحصيل حاصل ولا تستطيع قوة لا محلية ولا خارجية أن تمنع الغرب من الحصول على النفط في الوقت الحاضر.. ليس لأن ذلك مستحيلا.. بل لظروف داخلية وخارجية لا تخفى على أحد.

أما الحصول على النفط بأبخس الأثمان فهذا أمر يقودنا إلى الهدف الرابع من أهداف لعبة الأمم وهو مخازن السلاح.

وتجارة السلاح في العالم من أهم التجارات التي تعتمد عليها الدول الكبرى في تعديل ميزانها التجاري.. وهي تجارة استراتيجية تتيح لهم التحكم في الزبائن. لهذا الأسباب فقد اقتسم اللاعبون اسواق السلاح في العالم: أكثر من النصف لأمريكا وأقل من النصف لروسيا وفتات لبريطانيا وفرنسا وغيرهما.. ولا تستطيع أية دولة خرق الاتفاق الذي أقره اللاعبون في بورصة التلاعب الدولي.

ومن شروط بيع السلاح عدم شرائه من دولة أخرى.. وعدم بيعه لدولة ثالثة، وعدم استعماله ضد الحليف الفلاني، وإذا تمرد الزبون فقطع الغيار تحيل السلاح إلى خردة لا قيمة لها.

ومن شروط التسليح كذلك عدم تصنيع السلاح محليا.. وفي كثير من شروط التسليح كان إغلاق مصانع السلاح المحلية.

وعندما يشتري الزبون السلاح بما لديه من أموال النفط وتملأ مخازنه بأحدث مبتكرات الدمار.. يعمد الغرب والشرق بالتضامن.. إلى تفجير واحدة من المشاكل الموقوتة ولا يتدخل لإيقاف التفجير إلا بعد تفريغ مخازن السلاح.. ثم تعاد الكرة من جديد.. مخازن تملأ وتفرغ وسيل دولارات النفط لا ينقطع إلى جيوب اللاعبين.

والهدف الخامس من أهداف لعبة الأمم: هو أمن إسرائيل وهو هدف متفق عليه.. وحين يتباكي الشرق أو الغرب ويدافع أحيانا – بالقول- عن مصالحنا.. فلمزيد من التضليل والخداع.. وإسرائيل الصهيونية امتداد للحقد الصليبي الذي قذف العالم الإسلامي بحملاته الصليبية.. وهو يقيم من إسرائيل رأس حربة على شكل صليب يمسك بها اليهودي الحاقد يغرسها في قلب المسلمين.

وأخيرا.. هناك أسرار رهيبة في هذه المجالات وأدوار محدودة مرسومة لأحجار الشطرنج وكل من يتعدى دوره المرسوم تحاول كل القوى إنهاءه بكل الوسائل.. ولهذا.. فقط.. يكمن العداء الرهيب من قبل حكام المسلمين تجاه الحركات الإسلامية.

1978/10/28م

 
 

أوبيك وحقيقة الأوضاع النفطية في دول العالم الثالث

(5) أوبيك وحقيقة الأوضاع النفطية في دول العالم الثالث – من سلسلة خواطر حول العالم

منظّمة الدول المصدرة للبترول – أوبك

خفضت النرويج مؤخرا أسعار نفطها بمقدار 1.5 دولا للبرميل، وتبعتها مباشرة إنكلترا فخفضت السعر 1.35 دولار للبرميل.. وما لبثت نيجيريا أن أعلنت عن تخفيض أكبر بمقدار دولارين للبرميل.. وبسرعة تداعت دول الأوبك إلى عقد اجتماع طارئ يوم 29 أكتوبر 1984م لبحث الأزمة.. وطار وزير النفط السعودي وبعض زملائه إلى نيجيريا لإقناعها بالعودة عن قرارها والالتزام بقرارات الأوبك السابقة التي ترغب في المحافظة على الأسعار والتحكم بها عن طريق تحفيض سقف الإنتاج.

عشرات المقالات تناولت الموضوع.. ولم نجد أحدها تناول الأمر في أعماقه.. لا لأنها تجهل الخلفيات والدوافع.. ولكن لأن القوى المتحكمة في كل شيء: في النفط وإنتاجه وأسعاره وأرصدته وصرفه وعملته.. تتحكم كذلك بالإعلام ما ينشر أو ما يمنع نشره.

ومن هنا رأينا من واجبنا أن نكتب بعض الكلمات التي تشير إلى خطوط اللعبة الدولية التي يمارسها الأقوياء ضد الضعفاء أو الشمال ضد الجنوب كما يحلو لهم أن يقسموا الجهات برأيهم ويسموا الآخرين على مزاجهم..

لعبة الأمم

وتجدنا هنا مضطرين أن نتكلم عن لعبة الأمم التي تذكر كثيرا هذه الأيام.. وحقيقتها كلمات قليلة: كيف تسيطر الدول الكبرى على مقدرات الدول الأصغر.. كيف يقرض البنك الدولي وهو أحد مؤسسات الدولار الحاكم الدول الصغرى بفوائد فاحشة تتضاعف كل عام دون أن تستطيع هذه الدول السداد أو حتى دفع الفوائد ومع الزمن أصبحت جميع الدول مستعمرة سياسياً أو عسكريا أو اقتصاديا.

لعبة الأمم.. كان اسمها المسألة الشرقية.. وبعد حين أخذت اسم مشكلة الشرق الأوسط.. وتطور الاسم ليصبح بين الشمال والجنوب.. كلها أسماء لمسمى واحد هو لعبة الأمم.

ونقول بكل الثقة أن السيطرة على العالم الإسلامي.. والتحكم في مقدراته.. وضرب معنوياته.. ونهب ثرواته.. وفتح أسواقه لاستهلاك ما ينتجون.. هي أهم أهداف لعبة الأمم..

وإذا كان النفط من أهم منتجات وثروات العالم الإسلامي، فقد أصبح هذا النفط بالتالي من أهم ما يشغل اللاعبين الرئيسيين في العالم.

النفط يتحكم بالسياسات

لا نتحاوز الحقيقة إذا قلنا إن إنتاج النفط وتصديره يتبع نظاما إرهابيا عالميا صارما.. فعندما قامت ثورة مصدق الوطنية في إيران أجهضوها بالنفط.. وفتحوا مقابلها وعلى الفور آبارا جديدة في مناطق أخرى فزاد إنتاج الكويت مثلا من عدة آلاف البراميل إلى عدة ملايين في اليوم الواحد.. وعندما تدفق النفط على نيجيريا تدخلوا فأجهضوا القوى الوطنية فاغتالوا أحمدو بيللو وأبو بكر تفيوا بيليوا.. أقاموا بيافرا وقتلوا مرتضى وهم اليوم يضغطون على بخاري لإجهاضه وإجهاض مخططاته.

اكتشف النفط في السودان.. وبدلا من أن تعمل شركة شيفرون الأمريكية على إنتاج النفط فقد اتفقت مع المتمردين في الجنوب على تعطيل العمل في محاولة للضغط على النظام في الخرطوم لإسقاطه أو الخضوع لإرادتها.

في جميع المناطق يمكنك عندما تبحث عن السياسات والتغيرات أن تسأل عن النفط فستجده وراء معظم الأحداث.

التحكم في الإنتاج

سياسات اليوم مثل تلبيس إبليس.. فقد ولي الزمن الذي تدفع فيه الدول الكبرى رواتب الملوك والرؤساء.. ولكنها تضطرهم للخضوع إن رغبوا أو إذا كرهوا.. يبنى المطار اليوم.. وبعد اكتشاف عيوبه يُبنى غيره.. وبعد اكتشاف صغر حجمه يبنى ثالث.. ورابع.. والمبالغ بمئات الملايين.. جميع مصانع العالم الاستهلاكية تصب في بلاد النفط.. والمبالغ بآلاف الملايين.

ليس ذلك فحسب.. بل والقنابل الموقوتة التي تركها المستعمر القديم.. أو التي زرعها من جديد المستعمر الجديد.. تنفجر بين براميل النفط، وانفجارها يخيف  والاستنجاد بالجيوش الأجنبية مكلف.. وشراء الأسلحة لإيداعها في المستودعات أكثر كلفة.. وإذا بقيت في الأرصدة بقية، خفضوا الدولار ليأكل ما تبقى قبل أن يسدل الستار..

من أجل ذلك فترى هذه الدول تتسابق على إنتاج المزيد من نفطها على الرغم من أن بقاء النفط في باطن الأرض – كما بعرف أهل العلم- يعد أكبر استثمار مالي للدول النفطية.. ولكن الحاجة الملحة التي فرضت نفسها على الحكومات المنتجة والتي لا تستفيد منها شعوبها إلا بالنذر اليسير، هذه الحاجة جعلت الدول تتسابق لإنتاج المزيد.

التحكم بالأسعار

وعندما يقال إن الدول الغربية لم تعد بحاجة إلى كميات كبيرة من النفط وإن لديها مخزون ضخم وإنها خفضت من استهلاكها.. وأن العرض أكثر من الطلب.. عندما يقال ذلك يستغرب الإنسان.. والعاقل بالطبع لا يصدق.. فما الذي تغير: هل خف صقيع أوروبا وأمريكا. أم توقفت مصانعها.. أم تعيش في ظلام بدل الكهرباء… أم قلّ عدد السيارات والطيارات.. فلماذا إذن تتسابق الدول إلى تخفيض الأسعار..

والجواب أن صبر هذه الدول بات محدوداً.. فالمشاريع التي تورطت فيها كثيرة.. ومشترياتها من السلاح رهيبة.. وسيف الخوف مسلط على الرقاب.. ولهذا تراها مسرعة لتخفيض الأسعار لبيع المزيد من نفطها.. وإذا كان هذا الذي أتثير مؤخراً تخفيض معلن فمن المؤكد أن الجميع وبخاصة تلك الدول المتحاربة تبيع نفطها منذ زمن طويل بأسعار أخفض بكثير من السعر المعلن..

وهل من علاج

ومن يجرؤ على العلاج؟ فيوم طالب ديغول بالحل.. وأعلن أنه يطالب بالدولار الذهب لأن أمريكا اشترت أوروبا كلها بحفنة من الدولارات التي لا تعدو أن تكون أوراقا في نهاية المطاف.. أسقطوه.

هل تجرؤ دول النفط أن تفرض على من يستهلك أو يشتري هذه المادة الاستراتيجية الهامة أن يشتريها بالدينار الإسلامي.. لتفعل ذلك لترى قيمة عملتها.. بل قيمة نفطها.. ولترى بعد ذلك كيف ينتهي التحكم العالمي في رقاب المستضعفين..!

هل تجرؤ دول النفط أن تقايض النفط بمصانع مختلفة الإنتاج أو بتكنولوجيا تنهضها مرة وإلى الأبد.. بدلا من هذه الأرصدة السخيفة التي تضر أكثر مما تنفع وتخيف أكثر مما تفيد..

هل تجرؤ دول النفط على استخراج زكاة النفط وإنفاقها على فقراء المسلمين في العالم، لترى كيف يتحول العالم الإسلامي المستضعف اليوم إلى كتلة هائلة هي الأولى في العالم عنذ ذاك.

أما الأوبك

أما الخوف على الأوبك.. ووجود الأوبك.. فخوف زرعوه عندنا.. لا مبرر له.. إن قضية النفط أخطر بكثير من منظمات.. أو مؤتمرات ومقررات.. إنها باختصار قضية وجود الأمة نفسها أو عدمه..

إن قضية النفط تحتاج من جيل الأمة الجديد الذي يفهم هذه القضايا ويقدرها حق قدرها.. أن يأخذ على عاتقه تحرير أمته من ضياعها أو استغلالها.. وعندها لا قيمة لأوبك إن بقيت أو سقطت..!

1984/11/12م

 
 

تحديات تواجه الدعاة

(4) تحديات تواجه الدعاة – من سلسلة خواطر حول العالم

يواجه الداعية في حياته كثيرا من العقبات والتحديات.. ويمرّ في كثير من المنعطفات والمعوقات.. وهذا أمر طبيعي في مثل الظروف التي نعيشها والمجتمعات التي نحياها..

فهو يواجه – في بعض الأحيان- عقبات في بيته مع أسرته وأولاده.. الأسرة تطالبه بالاستقرار والعناية بالعيال وتناشده الله والرحم، وتذكره بمسؤولياته عن الزوجة وسلوك الأبناء.. وواجباته في الدعوة تشده إلى الحركة والعمل المستمر وتذكره بأن للأبناء والأسرة ربا يحميهم وهو الذي خلقهم فلن ينساهم..

ويواجه الداعية – في أكثر الأحيان- عقبات من المجتمع الذي انقلبت موازينه وتعثرت قيمه وتصوراته.. وهو يرصد الداعية المسلم ويسجل عليه أقل هفوة أو غلطة ويأخذه بالشدة التي لا مبرر لها في أكثر الأحيان..

ويواجه الداعية – في كل الأحيان- عقبات شديدة من الأنظمة التي اعتبرته – ظلما وعدوانا- عدوها الأول.. فحاربته في رزقه.. وحاربته في حركته وتنقلاته.. وحاربته في فكره وقلمه.. وحاربته في نفسه وأهله.. أعدت الزنازين من أجله.. واستوردت خبراء التعذيب النفسي والجسدي له دون سواه.. هو نزيل كل أنواع السجون.. وقد كتب في بطاقته يحول إلى المعتقل بعد انتهاء مدة السجن!!

ولقد سجل القرآن الكريم هذه الأحوال التي تصيب الداعية، قال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)( آل عمران – 186).

وقال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)( البقرة – 155).

وقال تعالى: (الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)( العنكبوت (1-3)).

وهذه العقبات الخارجية.. هي تحديات طبيعية يتوقعها الداعية منذ اليوم الأول الذي اختار فيه هذا الطريق.

ولكن العقبات الأخرى (الذاتية) التي تصيب الداعية هي الأوقع والأكثر خطورة.. فهي تنبع من داخله.. تثنيه أو تمنيه.. وهي في الحالتين موهنة لعزمه مثبطة لعمله.. فالداعية الذي يعتقد أنه بمجرد انتسابه لحركة إسلامية، أو لاتحاد طلابي، أو للجنة عمل ما في مكان ما.. قد أدى الأمانة.. وأن الله لا يطلب منه غير هاتين الساعتين في الأسبوع وأنه قام بمسؤوليته خير قيام.. فيتبلد إحساسه مع مرور الزمن ويصبح عمله روتينيا ويصبح شعوره بالدعوة روتينيا كذلك.. ويفقد هذا الأخ حرارة اللقاء وقوة الاندفاع والإبداع وينطبق عليه عندئذ قول الرحمن: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)( الحديد- 16).

ولقد عالج الإسلام هذه الحالة الخطيرة التي تصيب الأمم والدعوات والأفراد على السواء وحاول اقتلاعها من جذورها.. فلقد أخرج أبو نعيم في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (ما من يوم يأتي على ابن آدم إلا وينادى فيه: يا ابن آدم أنا خلق جديد، وأنا فيما تعمل عليك شهيد، فاعمل خيرا أشهد لك به غداً، فإني لو مضيت لن تراني أبدا، ويقول الليل مثل ذلك).

فالأمر إذن.. ليس أمر ساعة أو ساعتين، أو موقف أو موقفين.. بل هو تسابق مع الزمن وإعلان في بداية النهار، وآخر مثله في بداية الليل.. إنك أيها الداعية مكلف بالعمل بدون توقف ما استمر النهار وكر الليل.. أما إذا توقفت مرة.. فعندها الموت أو الشلل مثل توقف الدم عن أعضاء جسم الإنسان..

فكيف يتصور الداعية أن تكون حياته تكراراً لما سبق.. لا غاية له سوى انتظار الموت.. وفي الأثر:  (من تساوى يوماه فهو مغبون.. ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون).. ولكن كيف يكون التقدم.. وكيف تتسابق مع الزمن..؟

يكون التقدم بأن نعمق  الفهم الإسلامي في أنفسنا.. فإذا سأل أحدنا نفسه.. ماذا تحفظ من كتاب الله.. أو سنة رسول الله؟.. ماذا قرأنا من الكتب الإسلامية.. أو غير الإسلامية.. هل نكتفي في ثقافاتنا أن نسمع كلمة من هنا أو كلمة من هناك.. إن جيلنا هو جيل السماع والنظر.. وعلى الداعية أن يفرض نفسه على واقعه، فيحول الجيل إلى جيل قراءة واستيعاب وتغيير.

ويكون التقدم بأن نحاسب أنفسنا وندعوا غيرنا.. فإذا كانت الدعوة خيرا لا نظير له.. فمن تمام الإيمان أن نحب للآخرين ما نحب لأنفسنا، فتصبح دعوتنا للغير واجبا من هذا الباب.. وواجبا من باب آخر.. هو دفع دماء جديدة لتيار الدعوة.. فهي كالكائن الحي.، في كل يوم يسقط منه شيء يموت.. وينبغي أن ينضم إليه شيء جديد تحيا به.

ويكون التقدم بأن نوجد في كل يوم شيئاً جديداً.. وهذا أمر ميسور إذا ركز الداعية ذهنه في أمور الدعوة.. فما بالنا نطور أعمالنا وتجارتنا ونحسن تثمير أموالنا.. حتى إذا وصلنا إلى الدعوة سألنا غيرنا ماذا عندكم؟ إننا ننتظر التعليمات. ينبغي أن نفكر في الدعوة ونوجد كل يوم مجالا جديدا (والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها..).

ويكون التقدم بأن نتحرك في عملية التبليغ.. فالمسلمون متخلفون يحتاجون من يعلمهم أمر دينهم، وفي عملية الجهاد والنفير (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ، إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)( التوبة (38-39)).

ويكون التقدم في عملية التغيير.. وهو نهاية المطاف.. أو بدايات المعركة.. (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)( الرعد-11).

هذه هي التحديات الخارجية والذاتية التي يواجهها الداعية إلى الله.. وهي تحديات كبيرة تطارد الإنسان وتلاحقه.. تغريه وتخوفه.. وهو معلق بين اليأس والرجاء.. ولا عاصم له سوى الله. قال تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)( الذاريات-50). وقال: (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ)( التوبة- 126).

1984/1/30م

 
 

غربة وذلة أم هجرة ونصرة.. ؟

(3) غربة وذلة أم هجرة ونصرة.. ؟ – من سلسلة خواطر حول العالم

عصرنا هذا هو عصر السرعة..

في ساعات تقطع المسافات التي لم يكن الإنسان يحلم أن يبلغها.. تدير قرص الهاتف فتكلم إنساناً في الطرف الآخر من الكرة الأرضية.. تضغظ أزرار التلكس فيقرأ رسالتك صاحبها قبل أن تفرغ من ضغط الأزرار.. حتى أحوال القمر والكواكب وسائر الأحلام التي كانت تداعب خيال الشعراء صارت حقائق يسجلها التلفزيون وعدسات المصورين.. فالإنسان يسبح في الفضاء، وينزل على القمر، ويقطع صخوراً من تربته، ويعود ليخبر سكان الأرض بأن أحلام الأمس صارت اليوم حقائق.

والناس ينتقلون من بلد إلى بلد.. بطائرات سريعة.. ثم أسرع.. ثم بالكونكورد وهي الأسرع من الصوت.. ويستقرون هنا أو هناك طلباً للارتزاق والعمل والعيش الكريم..

عندما اكتشفت أمريكا (العالم الجديد) بدأ الناس يهاجرون إليها من كل حدب وصوب.. واليوم الأمة الأمريكية خليط من كل الأمم.. يتكلمون مختلف اللهجات واللغات.. فيهم الأبيض والأصفر والأسود والأحمر.. ولقد وجد كل من هاجر إليها حتى العبيد، فرصة للعمل، وجامعة للدراسة، وجنسية أمريكية تعطى له بعد مرور خمس سنوات.

وتكرر هذا الموضوع في استراليا وفي جنوب أفريقيا.. وفي بلدان أخرى كثيرة انتقل إليها الناس وعاشوا فيها وكأنهم أصحابها..

فإذا كانت لقمة العيش قد دفعت بالكثيرين للهجرة إلى هذه البلدان، فإن الهجرة بدوافع الفكرة والعقيدة موجودة كذلك..

فعندما أحس النبي صلى الله عليه وسلم أن دعوته وصلت إلى جدار مسدود في مكة المكرمة هاجر إلى المدينة بالرغم من أن مكة هي أحب بلاد الله إليه.. وكذلك هاجر أصحابه تاركين وراءهم المال والعيال والأرض والوطن في سبيل الله ومن أجل عقيدتهم.. بل كان القرآن، في ذلك مفاصلاً.. قال تعالى:

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا..)( الأنفال- 72).

ولقد آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار.. فهم أمة واحدة بعضهم أولياء بعض. أما أولئك الذين آمنوا ولم يهاجروا فليس للمسلمين من ولايتهم من شيء..

مفاصلة كاملة بين دولة الإسلام بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المؤمنين السلبيين الذين آمنوا وأحبوا البقاء في دار الكفر يومذاك في مكة أو في بواديهم خارج المدينة.

واستجاب المؤمنون لنداء ربهم.. وسيرة قائدهم محمد صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله.. فإذا واجهتهم صعوبات وبات عملهم في هذه المنطقة متعذراً فعليهم الانتقال إلى غيرها.. (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً)( النساء- 97).

واجه المسلمون ذلك في القديم..

ويواجهونه في الحديث.. والأمور تختلف مكاناً بعد مكان وزماناً بعد آخر..

في عام 1954م عندما هاجر إخواننا من مصر بسبب الاضطهاد الكبير الذي واجهتهم به حكومة الثورة المصرية استقبلهم إخوانهم في الأقطار العربية وخاصة في الأردن وسوريا أحسن استقبال، حتى أن الرجل فيهم كان محظوظاً إذا نزل عليه رجل من هؤلاء.. أنزلوهم في بيوتهم.. وأنفقوا عليهم من أموالهم.. وزوجوا من كان يرغب بالزواج من كرائم عوائلهم.. أصدروا مجلة المسلمون بعد أن أغلقها الطغاة في مصر، وحاربوا عبد الناصر بسواعد إخوانهم في الشام وأقلامهم وهممهم.. كان كبيرهم في ذلك الوقت يوصي إخوانه بهؤلاء ويقول لهم: عاملوهم كما عامل إخوانكم الأنصار إخوانكم المهاجرين..

وكذلك مع إخواننا السوريين الذين اضطرتهم الظروف القاسية مع حكومتهم إلى الهجرة منذ عام 1979م فوجدوا أحسن استقبال من إخوانهم في مصر وإخوانهم في الأردن، حتى إنك كنت تشعر أنك في أهلك وفي بيتك..

ولا يمكن أن ينسى المسلم السوري الشيخ الجليل الأستاذ عمر التلمساني يخطب في جموع الشعب المصري من مكان إلى مكان يتكلم في أسبوع الشعب السوري الذي يكافح الظلم ويحارب الطغيان.

ويختلف الأمر من مكان إلى مكان، فبعض الحكومات تنظر إلى كل إنسان على أنه مرتزق وتسميه أجنبياً.. وليس ذلك الذي نقصد.. فمن الطبيعي أن لكل دولة قانوناً.. وأن تسمي الناس وتعاملهم حسب مقتضيات هذا القانون..

الذي نقصده هم هؤلاء الإسلاميـون الذين يهاجرون هذه الأيام.. فراراً من ظلم الحاكم بعد أن قارعوه.. جاءوا وفي مخيلتهم صورة الأنصار والمهاجرين.. فماذا وجدوا؟

وجدوا الإسلام ألواناً.. تعطيه الأرض لونه.. فهذا إسلام خليجي وذلك عربي وآخر هندي وهكذا..

ووجدوا العواطف الكريمة محصورة في حدود اللون والجنس والأرض.. لا تتعداها بل لا يسمح لها بالتجاوز.. فلا غرابة أن تسمع من هؤلاء أقوالاً جاهلية وإن زعم أصحابها الإسلام.. ولا غرابة كذلك أن يستشعر المهاجرون الذلة بدلاً من انتظار النصرة..!

1983/6/27م