RSS

الكتاتني أول إسلامي يترأس مجلس الشعب

لم يكن ليخطر ببال محمد سعد الكتاتني قبل نحو عام وهو يودع مجلس الشعب أن يعود إليه رئيسا، فقد كان غاية ما يتطلع إليه حينها أن تجرى انتخابات مجلس الشعب عام 2010 بنزاهة تسمح له ولجماعته الإخوان المسلمين تمثيلا مقبولا داخل المجلس.

وبعد أن اختاره حزب الحرية والعدالة المنبثق عن الجماعة لرئاسة مجلس الشعب المصري، كانت أولى كلمات الكتاتني “لن يُقصى أحد في برلمان الثورة، ومجلس الشعب سيُدار بجميع نوابه، ونعد الشعب المصري أن يكون مجلس الشعب ملبيا لطموحاتهم، والبرلمان سيتعاون مع الحكومة والمجلس العسكري حتى انتهاء الفترة الانتقالية”.

وهو بذلك يُعبر عن الوصف الذي لطالما وُصف به: رُمانة الميزان.

فمن هو الكتاتني؟

من المفارقات في سيرة الكتاتني أن الرجل الذي ولد عام ثورة يوليو 1952 أصبح رئيسا لأول مجلس شعب بعد ثورة يناير 2011.

 الدكتور محمد سعد الكتاتني

انطلقت الثورة ليُعتقل الكتاتني في سجن وادي النطرون حيث شهد عملية اقتحام السجن ووجد نفسه حراً ينتقل من المعتقل إلى ميدان التحرير. الكتاتني ابن التوازن المنفتح على التيارات الأخرى، وهو اختيار يمثل التوازن بين الجماعة والحزب من جهة، وبين الإخوانية والليبرالية من جهة أخرى.

السيرة الذاتية للكتاتني تفيد بأنه تخرّج في كلية العلوم عام 1974، وحصل على شهادة الدكتوراه في العلوم عام 1984 ليعمل بعدها أستاذا للميكروبيولوجي في قسم النبات بكلية العلوم في جامعة المنيا، ثم رئيسا لقسم النبات بالكلية نفسها في الفترة بين عامي 1994 و1998، قبل أن يحصل على إجازة في الآداب من قسم الدراسات الإسلامية عام 2000.

دخل الكتاتني المجال السياسي عبر جماعة الإخوان المسلمين، وشارك في تأسيس لجنة التنسيق بين الأحزاب والقوى الوطنية والنقابات المهنية، ثم رئيساً للمكتب الإداري للإخوان في محافظة المنيا، قبل أن ينتخب عضواً في مجلس الشعب عام 2005 عن دائرة بندر المنيا، ثم انتخبته الكتلة البرلمانية للإخوان رئيساً لها، واختير بعد ذلك متحدثا إعلاميا باسم جماعة الإخوان بعد أن انتُخب عضوا في مكتب الإرشاد بها.

ومع إعلان الجماعة إنشاء حزب الحرية والعدالة انتخب أمينا عاما له.

وللكتاتني العديد من الأنشطة المجتمعية والسياسية والبرلمانية المتنوعة، منها انتخابه أمينا عاما لنقابة العلميين، فنقيبا للعلميين بمحافظة المنيا.

كما أنه عضو بمنظمة العفو الدولية، وعضو المنتدى العالمي للبرلمانيين الإسلاميين، وعضو مؤسس للمنظمة العربية لبرلمانيين عرب ضد الفساد. وعضو المجموعة التوجيهية لبرنامج الإصلاح البرلماني الذي تشرف عليه مؤسسة ويستمنستر الديمقراطية ببريطانيا.

ومثّل الكتاتني البرلمان المصري في عدة مؤتمرات واتحادات دولية.

الجزيرة 23/1/2012م

 
 

أطماع إسرائيل في تركيا

محمد جبرؤوتي

 بالأمس كنت في تركيا شاهدت الأراضي الواقعة على ضفاف الفرات واقتربت من نهر الفرات وغرفت غرفة بيدي وشربت منه. سرت خلال الأراضي بالحافة وشاهدتها أيضا من الأعلى بالطائرة.. ليحفظ الله تلك الأراضي من المشروع الصهيوني. شعار الصهيونية حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل يعني كل الأراضي الواقعة بين منابع الفرات في تركيا إلى شط العرب وكل الأراضي الممتدة من منابع النيل إلى المصب في مصر عند المتوسط ويتمثل الشعار في العلم الإسرائيلي الذي للأسف يرفرف فوق كثير من سفارات الدول العربية والإسلامية والذي يرمز للمشروع الصهيوني.. إسرائيل ما عندها كم بشري يكفي لتغطية الأراضي التي ترغب بالسيطرة عليها وفق المشروع الصهيوني والأراضي التي تطمع فيها وفق علمها معظمها خالية من السكان والمسألة لا تحتاج لسكان فتركيا يفوق عدد سكانها الـ80 مليون ومعظم أراضيها حول الفرات خالية من السكان فالاحتلال لا يشترط أن يكون احتلالا سكانيا إنما يأخذ شكل سيطرة عسكرية وجغرافية، تعمل أمريكا مع بعض الحكومات الغربية وبعض الأنظمة العربية بالوكالة عن الصهاينة في تنفيذ هذا المشروع وقد حقق المشروع الصهيوني- حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل- الجزء الأكبر من أهدافه:

– احتلال العراق.

– تقسيم السودان وعزم واشنطن تزويد دولة جنوب السودان بالسلاح وبحث التعاون العسكري معها.

– زرع نظام في سورية يعمل على بقاء البلد ضعيفة علميا وديموغرافيا ويصمت عن عملية تهويد القدس ويساهم في تذبيح الفلسطينيين ويضمن جبهة صامتة مع إسرائيل.

– اتفاقيات سلام تضمن سلامة أمن إسرائيل والصمت على عدوانها ضد الفلسطينيين.

خطر المشروع الصهيوني لا يقتصر على الدول العربية فقط لأن الفرات يدخل مئات الكيلومترات في الأراضي التركية التي تدخل في مطمع العلم الصهيوني هذه الأطماع الصهيونية لم تنتبه لها تركيا بوعي كاف بل كانت تتواصل دبلوماسيا وعسكريا مع إسرائيل التي استمرت بالتجسس على الدولة التركية ومؤسساتها حتى أثناء التحالف العسكري معها ووصل ذلك لمحاولات انقلاب بتحريض ضباط الجيش على الحزب الحاكم كما انطلت عليها ألاعيب دول الاتحاد الأوروبي التي تعشمها عبثا بالانضمام إليه لإبقاء الأمل قائم ريثما يتمكن اليهود من إسقاط حزب العدالة والتنمية ويأتوا بحكومة عميلة تقبل بتقسيم تركيا وتتنازل عن الأراضي الواقعة في مطمع العلم الإسرائيلي وهنا تأتي لعبة الغرب بالموافقة على انضمام الأجزاء الغربية من تركيا للاتحاد الأوروبي مقابل أن تبلع إسرائيل الأراضي التركية الممتدة إلى الفرات.

على تركيا أن تصحى من نومها وتتوقف عن أحلامها بخصوص الانضمام للاتحاد الأوروبي خاصة بعد أن رأت التحريض الفرنسي وإثارة موضوع الأرمن وبعد أن رفعت مئات بل لعلها ألاف التقارير من قبل الأجهزة الأمنية التركية إلى القيادة التركية تثبت تورط كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا في دعم حزب العمال الكردستاني بالمال والسلاح.. الدخول في الاتحاد الأوروبي لن يتم إلا برضى وموافقة إسرائيل إن تجسس الاسرائيليين ومحاولتهم احداث اضطرابات في تركيا وضرب الأمن القومي يهدف لإسقاط حزب العدالة والتنمية وبروز حكومة موالية لإسرائيل تنفذ مشروعها وتسلم الأراضي الواقعة على الفرات للكيان الصهيوني فهل ترضى تركيا بهذا الثمن مقابل الانضمام للإتحاد الأوروبي.

هذا اللعب الصهيوني يتناغم ويتوافق مع لعب اللاعبين الأوربيين فأوروبا تكره كل شيء إسلامي وعربي غير النفط والخيانات وأهالي الأراضي الممتدة إلى الفرات في الجزء التركي معظمهم أهالي ريف كما في أورفه وماردين وسي إيرت وهاتاي بعضهم يتكلم اللغة العربية ويلبس الشروال ويضع العقال على الرأس ويتكلم بلهجة تشبه لهجة أهل الخليج وأهل العراق، هنا يطرح السؤال نفسه هل ستسمح أوروبا للعقال والشروال بدخول الاتحاد الأوروبي المشروع الصهيوني أفشلته قافلة مرمرة وأفشله أيضا الربيع العربي لكن يبقى الخطر قائم ما دامت تركيا تحلم بالانضمام لقبيلة الثعالب الأوروبية.

انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يحدث بوجود شرفاء في القيادة التركية يتمسكون بوحدة تركيا وأمنها القومي والاقتصادي، الانضمام يحتاج لحكومة عميلة تتنازل عن الأرض للمشروع الصهيوني وتترك قيمها وعاداتها وتاريخها وتتبع عادات الغرب.. ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبعِ ملتهم.

القدس العربي 24/1/2012م

 
 

إصلاح بلا دماء.. انظر غربًا

بقلم: شعبان عبد الرحمن

 التجربة التي تخوضها المملكة المغربية لتحقيق الإصلاح السياسي جديرة بالتأمل، وهي بالمناسبة لم تأخذ حظَّها من الاهتمام الإعلامي؛ فلم يكن نصيبها من التغطيات إلا جزءًا يسيرًا بجوار تغطيات المجازر التي دارت في بلاد الثورات العربية، وخاصةً ليبيا وسورية واليمن.

وأعتقد أن التوازن في التغطيات الإعلامية مطلوب لأهداف عديدة، أهمها- على الأقل- تشجيع الدول المرشحة للثورات خلال المرحلة المقبلة- وهي دول عديدة- للاحتذاء بما جرى في المغرب، والبناء عليه وتحسينه؛ لتحقيق الإصلاح الشامل دون إراقة دماء، ودون خلْع حكام أو قتلهم أو تشريدهم خارج البلاد، وذلك يوفِّر على الدولة مقوِّماتها دون تدمير ودون تقتيل للشعب، ودون شلِّ الحياة فيها، ودون رمي الحكام في مزابل التاريخ؛ فمنذ أن تفجَّرت المظاهرات في شوارع المغرب- تماشيًا مع الثورات العربية- مطالبةً بإصلاحات سياسية، ومقاومة الفساد، وإقامة دولة العدل.. التقط النظام المغربي الخيط وتجاوب مع مطالب الجماهير الثائرة في الشارع، وأقرَّ عددًا من التعديلات الدستورية التي لم ترق إلى كل مطالب الجماهير، ولكنها كانت خطوةً على طريق الإصلاح، ثم أجرى “النظام” انتخابات برلمانية دعت قوى مغربية عديدة إلى مقاطعتها، لكنَّ غالبية الأحزاب شاركت فيها، وقدَّم النظام المغربي صورةً جيدةً من الشفافية والنزاهة؛ إذ أفرزت تلك الانتخابات القوى الحقيقية التي يريدها الشعب المغربي، وفي مقدمتها حزب “العدالة والتنمية” ذو التوجه الإسلامي، ثم زاد الملك المغربي الأمر مصداقيةً بتكليف السيد “عبد الإله بنكيران”، الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية”، بتشكيل الحكومة التي ستكون أول حكومة في تاريخ المغرب يشكِّلها إسلاميون.

ولا شك أن تلك الإجراءات والتوجهات من النظام المغربي اقتلعت- ولو بالقدر القليل- بذور الشك التي نثرتها الممارسات الانتخابية والسياسية السابقة، وأحلَّت محلَّها بذور الثقة، وإن لم تكن مكتملةً، فهي- كما قلنا آنفًا- خطوة على طريق الإصلاح، وعلى طريق احترام مطالب الشعب والتجاوب معها بجدية، ويبقى على النظام المغربي المضيّ قدمًا- وبسرعة- في هذا الطريق السلمي الحضاري نحو تحقيق الإصلاح الشامل.

ويمكن للحكومة الجديدة بقيادة حزب “العدالة والتنمية” قطع شوط بعيد في معالجة الملفات الصعبة التي يعاني منها الشعب المغربي، كمقاومة الفساد، وحل مشكلة البطالة، وتوفير مناخ أكثر سلامةً للممارسة السياسية.

وأعتقد أن هذه الحكومة بقيادة “عبد الإله بنكيران” قادرة على الانطلاق بنجاح نحو تحقيق هذه الأهداف، بل ووضع المغرب على طريق الإصلاح الشامل الذي يحقق للشعب المغربي نهضته المرجوَّة، وذلك راجع في رأيي إلى:

1- شخصية السيد “عبد الإله بنكيران” المنفتحة على الجميع، والتي تميل إلى البساطة في الحياة، وفي التعامل مع عامة الناس دون تعقيد أو سدود، إضافةً إلى تجربته الثرية في الحياة السياسية، وتجربته الغنية بالدروس في العمل الإسلامي؛ فهو واحد من قيادات تأسيس العمل الإسلامي الحديث (منذ فترة السبعينيات من القرن الماضي)، وقد ساعدته شخصيته المنفتحة وتجربته الثرية في إنجاز تحالف تاريخي مع القوى السياسية المغربية الرئيسة المخالِفة للإسلاميين في التوجُّه والفكر، وأصبحت الحكومة المغربية ممثِّلةً لمعظم أطياف الشعب المغربي.  على المستوى الشخصي أعرف الأستاذ “عبد الإله بنكيران” جيدًا، وقد التقيت معه في بيروت والخرطوم والدار البيضاء ونواكشوط، في إطار اجتماعات “رابطة الصحافة الإسلامية”، عندما كان رئيسًا لتحرير صحيفة “التجديد” المغربية، وبعد أن أصبح أمينًا عامًّا لحزب “العدالة والتنمية”، وتناقشنا كثيرًا في أمور عامة عدة، وما أستطيع قوله هنا: إنك لا تملك إلا احترام هذا الرجل؛ لما يتمتع به من رحابة صدر، وعُمق التفكير، ومصداقية الكلمة، في إطار من روح المرح والفكاهة العفوية، ولو حافظ “بنكيران” على تلك المقومات التي حباه الله بها؛ فسوف يكون زعيمًا شعبيًّا بلا منازع في منطقة المغرب العربي، مثلما حازها من قبل الراحل العظيم الشيخ “محفوظ نحناح”، يرحمه الله، الزعيم الجزائري؛ الذي حظي بحب جارف من الجزائريين وبكل من التقاه.

2- دعْم الملك “محمد السادس” لتلك الحكومة بكل الإمكانات المطلوبة، وما يبدو حتى الآن أن هناك دعمًا وتأييدًا لتلك الحكومة، ولو استمرَّ ذلك الدعم فسوف تمضي المملكة المغربية في تجربتها إلى تحقيق الأهداف المرجوَّة.

3- استمرار جديَّة الأحزاب المشاركة في الحكومة في المضيِّ قدمًا بالتجربة نحو النجاح، ونسيان الجميع حزبيتهم، والعمل بروح الوطنية نحو تحقيق الأهداف الكبرى للشعب المغربي، وحل مشكلاته المستعصية، والتي تعدُّ صورةً طبق الأصل من مشكلات معظم الشعوب العربية.

إن ما يشهده المغرب في هذا الصدد يمثل فرصةً نادرةً للجميع- في المغرب- نظامًا وشعبًا وقوى سياسية؛ فهي فرصة للنظام لكي يواصل طريقه في التجاوب مع المطالب الشعبية عبر بوابة المؤسسات المنتخبة، ودون الوصول إلى نقطة الضغط الشعبي والرد الرسمي الخشن؛ الذي أوقع كثيرًا من البلاد في صدامات دامية، وهي فرصة لحزب “العدالة والتنمية” لكي ينفِّذ برامجه كاملةً وبكل ثقة، وفرصة للقوى السياسية الأخرى لكي تصطفَّ حول مشتركات واحدة لتحقيقها، بصرف النظر عن الأهداف الحزبية، ولا شك أن انتهاز الجميع تلك الفرصة النادرة سيُعيد للشارع ثقته في نظامه، ويعيد إليه هدوءه، ويدفعه نحو الالتفاف حول مَنْ يحققون له مطالبه بجدية ومصداقية، وبالتالي تجنيب البلاد ما يجري في بلاد الثورات العربية.

نحن إذًا في العالم العربي نعيش تجربتين: تجربة تنتزع الشعوب فيها حقوقها؛ باقتلاع نظام الحكم الجائر والمستبدّ، بعد تقديم عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وتجربة تجاوب نظام الحكم في المغرب مع بعض مطالب الجماهير، وهي تجربة يمكن أن تمثِّل إضاءةً مهمةً لكل مَنْ يريد أن يستبق انفجار ثورة شعبية تطالبه بالرحيل، ولكل مَنْ لا يريد أن تنغمس يداه في دماء شعبه، ولكل مَنْ يريد أن يحافظ على الأمن والأمان في بلاده، وينطلق نحو تحقيق التنمية وبناء دولة الرفاهية والحرية.

المجتمع 14/1/2012م

 
 

دور مجلة الدعوة في مساندة الشعب السوري

بقلم: السيد شعيب

عانى الشعب السوري كثيرًا من القمع والاستبداد على يد النظام البعثي النصيري الذي استولى على السلطة في مارس 1963م وسام الشعب السوري الأبي سوء العذاب، فكمم الأفواه، وصادر الحريات، وقتل وشرد الآلاف من السوريين الوطنيين، ومكن للصهاينة من احتلال الجولان، وأجهض القضية الفلسطينية.. إلى آخر المخازي والجرائم التي ارتكبها في حق الشعب السوري والشعوب العربية والإسلامية جمعاء.

وحجم المأساة التي تعرض لها الشعب السوري على يد نظام حافظ الأسد بداية من عام 1979م وحتى عام 1982م، لا تختلف في قسوتها وبشاعتها عما يشهده الشعب السوري الآن من قمع وإبادة على يد نظام بشار الأسد، فالقمع هو القمع، والتكتيم الإعلامي هو هو، والعصبية والدافع الانتقامي والحقد الأعمى هو هو، والالتجاء إلى شق الصف السوري وتأجيج الطائفية بين السوريين هو هو.

ولقد قامت صحافة الإخوان المسلمين في تلك الفترة التي صمتت بها الأبواق الإعلامية الرسمية عن رصد ما يجري بسوريا، وأغفلت الصحف القومية الحديث عن النكبات والمذابح التي تعرض لها الشعب السوري في فترة حافظ الأسد، قامت مجلة الدعوة الغراء بكشف جرائم النظام البعثي النصيري ضد الشعب السوري، ورصدت انتهاكات نظام الأسد في حق المناضلين السوريين.

سوابق حافظ الأسد

أفسحت المجلة لكتابها الحديث عن سوابق حافظ الأسد وجرائمه في حق السوريين؛ فكتب الأستاذ عبد المنعم جبارة (مجلة الدعوة العدد 51 السنة الثلاثون أغسطس 1980) عن سوابق حافظ الأسد قائلاً: “إذا كان الحكام المستبدون في عالمنا العربي والإسلامي هم الحكام المستبدون في العالم استخفافًا واستهتارًا بالشعوب ومصالحها وقضاياها، فإن نظام البعث النصيري في سوريا هو أكثر النظم المستبدة المتبجحة في عالم المسلمين والعرب استبدادًا واستخفافًا واستهتارًا بالشعب السوري العربي المسلم وأكثرها تبجحًا ووقاحة.

 حافظ الأسد

8% من الشعب السوري من النصيريين الذين طعنوا الإسلام والمسلمين في كل العصور، وتعاونوا مع جميع أعداء الإسلام في كل زمان منذ الغزو التتري إلى الغزو الصليبي وحتى الغزو اليهودي الذي تدعمه اليوم موسكو وواشنطن، هؤلاء يتحكمون في مصير الشعب المسلم استبدادًا وقهرًا وجبروتًا وعبثًا. ويريدون إخضاع الشعب السوري بالحديد والنار والتصفية الدموية والإرهاب، ويتبجحون فيزعمون أنهم دعاة الحرية وأنهم حققوا للشعب العديد من المكاسب والمنافع”.

كما أماط الأستاذ عبد المنعم جبارة اللثام عن أباطيل الإعلام السوري النصيري الذي يوعز لأبواقه أن تتسابق في إضفاء صفات لبطولة على حافظ الأسد وأعضاء حزبه الأبطال. ونعتهم بالإخلاص والتفاني في خدمة الشعب، والسهر على خدمته ومصالحه، ودعم أمنه واستقراره.. إلخ.

ومن الحقائق التي كشفها عن النظام البعثي أنه دأب على اختطاف العديد من الكتاب والصحفيين من بيروت بعد أن كتبوا مقالات اعتبرها النصيريون تهجمًا عليهم أو إساءة لهم، وإيداعهم السجون دونما تحقيقات أو محاكمات.

وبأمر من حافظ الأسد يجتمع مجلس الشعب للموافقة على مشروع مقدم منه لتشديد العقوبات ضد الإخوان المسلمين في سوريا. وقال رفعت الأسد: “إننا مستعدون لشن مائة حرب وتدمير مليون مخبأ والتضحية بمليون شهيد من أجل حماية الوطن، وإن الإخوان المسلمين يريدون إذلال سوريا ودفعها للاستسلام”.

ومعروف أن الإخوان المسلمين ليسوا وحدهم من بين قطاعات الشعب السوري العريضة التي ترفض النظام البعثي، بل إن الشعب كله قد أعلن رفضه للحكم الديكتاتوري والعميل، وأعلن إصراره على تحطيم القيود وكسر الأغلال، ولكن النظام السوري يشن حرب الإعلام والدعاية ضد الإخوان وحدهم.

كما قام الأسد بحل نقابات الصيادلة والمهندسين والمحامين؛ لاعتراضها على أسلوب الحكم القمعي وخنق الحريات وتعيين عملائه على رأس كل منها. وحين رفض المحامون والصيادلة والمهندسون الإذعان لهذه القرارات الجائرة جرت عليهم عمليات الاعتقال والزج بهم في السجون بتهمة الانحراف بالنقابات والخروج بها عن أهدافها.

من ناحية أخرى، ألقى الكاتب الضوء على علاقة النصيريين بالقضية الفلسطينية، موضحًا عدم إيمانهم بالعمل الفلسطيني المستقل عن المؤثرات الغربية والموالي للقضية الفلسطينية وحدها، ودأبهم على تفتيت العمل الفلسطيني وتحويل ولائه من الولاء للقضية الفلسطينية وحدها إلى الولاء للأسد ولنظامه.

أما عن علاقة الأسد بالدين فقد ذكر الكاتب أن حافظ الأسد يتمسح في الدين، ويتبع أسلوب التقية الذي يمارسه النصيريون، فلا مانع لديه من ولوج المساجد والتهجم على الإخوان المسلمين والشعب المسلم في سوريا باسم الدين.

وتحت عنوان “حافظ الأسد يتحالف مع الشيطان” ذكرت المجلة (العدد 51 السنة الثلاثون أغسطس 1980) قيام حافظ الأسد بتعزيز علاقته مع الحزب الشيوعي السوري لمواجهة ثورة الشعب السوري ضد حكم الاستبداد، ودلائل ذلك:

– موافقة طاغية سوريا على أن يقوم الحزب الشيوعي بإصدار صحيفة ناطقة باسمه.

– سماحه للحزب الشيوعي بتوسيع دعايته بين الطلبة، وهو ما كان ممنوعًا من قبل.

 – موافقته على أن يحمل أعضاء الحزب الشيوعي السلاح للدفاع عن أماكن الحزب بالمدن السورية المختلفة ضد الانتفاضة السورية.

كما كتب الأستاذ جابر رزق في (العدد 54 السنة 30 أكتوبر 1980) مقالاً بعنوان: “جرائم طاغية سوريا ضد الإسلام والمسلمين”، وعدد جرائم يندى لها جبين الإنسانية مثل تهريب الأموال إلى خارج سوريا ووضعها في البنوك اليهودية استعدادا ليوم الهروب، ونشر الإلحاد والكفر بين أبناء الشعب السوري، وانتهاك حرمات المساجد، واعتقال روادها؛ بل قتلهم وإرغام الصائمين على الإفطار.. وتمزيق المصاحف ووطئها بالأقدام.

أما أبرز الأعمال التي قام بها حزب البعث منذ استيلائه على السلطة في آذار مارس 1963م فهو: تصفية الجيش السوري، تدمير الاقتصاد السوري، وتشريد رءوس الأموال والخبرات الاقتصادية حتى عادت سوريا عشرات السنين إلى الوراء، وإشاعة الفوضى والانحلال الخلقي وخنق الحريات، وملاحقة رجال الفكر وحملة الأقلام، وتشريد الطاقات الفعالة المنتجة وكل الكفاءات العلمية والفنية، وشن الحرب الضارية على عقيدة الأمة وإيمانها، وتمزيق الشعب السوري، وتصنيف سكان سوريا إلى مواطنين من فئات متعددة، السكان من أصل عربي مواطنون من الفئة الأولى، السكان من أصل غير عربي (تركي أو شركسي أو تركماني أو كردي) مواطنون من الفئة الثانية.

حافظ الأسد وسقوط الجولان

كما وقفت المجلة طويلاً عند خيانة حافظ الأسد للقضية الوطنية بتسليمه الجولان لليهود، فهو الذي أذاع البيان المشئوم من إذاعة دمشق بسقوط الجولان قبل أن تطأها قدم أي جندي يهودي بسبع عشرة ساعة، وأصدر أوامره للجيش بالانسحاب الكيفي أي كل واحد ينسحب بالطريقة التي يراها، وقد تحدث زعماء البعث عن خيانة الأسد، وعن الأموال التي قبضها والمفاوضات السرية التي تمت بينه وبين العدو الصهيوني، وسجل هذا كله في كتب نشروها وتحمل أسماءهم.

 هضبة الجولان المحتلة

وهو الذي قتل الفلسطينيين في تل الزعتر، وتعاون مع الصليبيين في لبنان وحال بين الفلسطينيين والعمل الفدائي، وجرد الشعب السوري من السلاح حتى وصلت جيوش العدو الصهيوني إلى مشارف دمشق.

وفي هذا الصدد كتب الأستاذ جابر رزق مقالاً بعنوان “سقوط الجولان وخيانة حافظ الأسد (مجلة الدعوة العدد 53 السنة 30 سبتمبر 1980) استعرض فيه كتاب “سقوط الجولان” الذي ألفه ضابط استخبارات الجولان خليل مصطفى بريز تضمن الكثير من الأدلة والبراهين والشواهد على خيانة حزب البعث السوري الحاكم الذي ينفذ المخطط الصليبي اليهودي في المنطقة بعد أن ورثته الطائفة العلوية النصيرية الحاقدة وصبغته بصبغتها، وبين خطة حزب البعث للتمكين للمخطط الصهيوني في المنطقة.

أخبار وتطورات الثورة السورية

تابعت المجلة أخبار الثورة السورية وأخبار المجاهدين السوريين، فأوردت أنباء عن انحياز أفراد من القوات المسلحة إلى صفوف المجاهدين من الشعب السوري، وأبرزت الإضرابات العامة في حلب وحماة والمعرة والباب وإعزاز لمدة خمسة عشر يومًا، وأعمال العنف وأعداد القتلى.

ومن الأخبار الأخرى التي أوردتها المجلة، قيام السلطة بنقل ما يقرب من خمسين ألف عسكري مع ألف دبابة مجنزرة ومئات السيارات حاملات الجنود وعدد من طائرات الهليكوبتر إلى حلب وحماة، وقطع وسائل الاتصال بين حماة وأي مدينة أخرى.

كما أبرزت المجلة الاستقالات الجماعية من قبل بعض أساتذة الجامعات بحلب؛ احتجاجًا على اعتقال خمسة من بينهم. كما خرجت مظاهرات صاخبة في المدارس والجامعات؛ احتجاجا على قتل أحد أساتذة جامعة حلب وهو الدكتور حسن محمد حسين.

– مصادرة المحلات التجارية في المدن السورية، وانتهاك أعراض النساء السوريات أثناء عمليات التمشيط والتفتيش التي تقوت بها قوات النظام.

– قيام السلطة بقتل نقيب الأطباء في حماة، وكذلك نقيب المحامين خضر الشيشكلي، وقبل قتلهما فقئوا أعينهما ثم رشقوهما بالرصاص.

– قيام النظام البعثي بارتكاب مذبحة جسر الشغور التي راح ضحيتها أكثر من 400 شهيد من الشيوخ والرجال والنساء والأطفال.

– حذرت المجلة من محاولة اختطاف الثورة السورية وسرقتها، حيث تم تشكيل جبهة وطنية من خارج سوريا لإسقاط نظام الطاغية حافظ الأسد، وكان يرأس الجبهة مندوب سوريا الدائم في الأمم المتحدة، ولا يستبعد أن تكون المخابرات الغربية من وراء تكوينها لخطف ثمار الثورة من أبطال ثورة سوريا الحقيقيين، وهم الإخوان المسلمون الذين قدموا تضحيات ضخمة، وهم يناضلون من داخل سوريا لإسقاط نظام الطاغية، وليسوا مجرد معارضين يقيمون في الخارج.

وحوت المجلة في أعدادها مقالات كثيرة وتغطيات واسعة عن الثورة السورية، من ذلك “الشعب السوري يجاهد لإسقاط الحكم البعثي النصيري”. “مجلة النذير صوت المجاهدين السوريين”، “طاغية سوريا حذاء مؤقت لروسيا”، “المجاهدون يوقعون خسائر فادحة في عملاء البعث” “تحقيق خاص بالدعوة من داخل سجون سوريا” كشف هذا التحقيق عن أساليب التعذيب الوحشية التي يستخدمها النصيريون ضد الشعب السوري، ونشر صور جثث الشهداء، وأكاذيب الإعلام البعثي ضد الإخوان المسلمين، “تشكيل الجبهة الإسلامية في سوريا أكبر رد على السلطة الباغية” بقيادة العالم السوري الشيخ محمد أبو النصر البيانوني”، صور من بطولات المجاهدين السوريين ضد السلطة النصيرية الباغية”، “زبانية السلطة يقتل بعضهم بعضًا”، “سفاح سوريا حول المستشفى إلى مسلخ بشري”، “رئيس سوريا أسير روسيا”، “حديث مع أمين الجبهة الإسلامية بسوريا”، “صور من بطولات المجاهدين السوريين في حلب”.

وفي صفحة “وطننا الإسلامي” أفردت المجلة على صفحاتها حوار مع أحد المجاهدين السوريين، الذي أوضح أن الثورة السورية ليست في حلب وحماة فقط، ولكنها امتدت لتشمل كل المحافظات السورية في إدلب وجسر الشغور وأريحا وجبل الزاوية واللاذقية وحمص ودمشق وغيرها.

كما أشارت إلى تكاتف السوريين في مواجهة النظام، وتحدثت عن التلاحم بين فئات الشعب السوري المختلفة؛ الصوفي والسلفي والإخواني والتبليغ والعلماء وأئمة المساجد وزعماء الأحياء والنقابات المهنية ضد النظام البعثي، لا يشذ من ذلك إلا الشيوعيون الذين يتعاونون مع السلطة النصيرية الفاسدة.

كما أبرزت المجلة موقف الشيخ عبد العزيز بن باز من الثورة السورية داعيًا المسلمين في كل مكان لمد يد العون والمساعدة بكل سبيل ممكنة.

مذبحة سجن تدمر أو مجزرة الألف سجين

ومن المذابح الجماعية التي كشفتها المجلة مذبحة سجن تدمر التي ارتكبها نظام الأسد في حق صفوة من السوريين، ففي صباح يوم الجمعة 27/6/1980 توجهت 12 طائرة هليكوبتر تابعة لسرايا الدفاع والوحدات العامة من مطار حماة إلى سجن تدمر الصحراوي؛ حيث المعتقل الكبير للإخوان المسلمين والضباط السنيين فأخرجوا كافة المعتقلين ثم أطلقوا نيرانهم الرشاشة عليهم فاستشهد ما بين 800 إلى 1000 معتقل، وأكثرهم من الضباط وحملة الشهادات العليا من الأطباء والمهندسين والصيادلة والمحامين والقضاة والمدرسين والطلاب، ثم قامت السلطة الباغية بحفر حفرة كبيرة ودفنت جثث الشهداء مع الجرحى وهم أحياء وهالت عليهم التراب بواسطة جرافتين.

ومن الجدير بالذكر أن المجرم رفعت الأسد هو الذي قاد عملية المجزرة وكان يطلق بنفسه النيران على المعتقلين من طائرة هليكوبتر.

ومن أجل تغطية هذه الجريمة المنكرة زعمت السلطة أن هناك محاولة هرب من سجن تدمر قضي عليها. كما قامت السلطة الغاشمة بتشكيل ما أسمته المحاكم الميدانية العسكرية لإصدار أحكام مزورة بحق هؤلاء الإخوة الشهداء.

مؤتمرات للإخوان في محافظات مصر لمساندة الشعب السوري

وفي جميع محافظات مصر كان الإخوان المسلمون يعقدون المؤتمرات لمناصرة الشعب السوري وتعريف الناس بمعاناة إخوانهم السوريين وجرائم النظام البعثي في سوريا، من هذه المؤتمرات المؤتمر الذي عقده الإخوان في الجامع الأزهر وحضره الأستاذ عمر التلمساني والأستاذ مصطفى مشهور والشيخ محمد الغزالي وكوكبة أخرى من العلماء، تناول المؤتمر دور المسلمين في نصرة الشعب السوري، وكشف حقيقة الطائفة النصيرية التي ينتمي إليها حافظ الأسد، وتاريخ حزب البعث. وأقيم معرض صور للمذابح التي تعرض لها الشعب السوري.

وفي مؤتمر شبين الكوم في المنوفية، انتهى المجتمعون إلى قراراته وتوصياته أهمها:

– حثّ المسلمين في جميع أنحاء العالم على إعداد أنفسهم للجهاد في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم ودعم إخوانهم في سوريا بالمال.

– مقاومة التعتيم الإعلامي الذي يصاحب قضية الثورة السورية، فكل مسلم يتحدث عن هذه الثورة بكل وسيلة.

– على الشعوب الإسلامية أن تضغط على حكوماتها لمناصرة هذه القضية.

– الاتصال بالهيئات الدولية والكتابة إليها؛ لتتخذ موقفًا واضحًا مما يحدث للشعب السوري.

وفي الأخير تنبأت المجلة بالنهاية المحتومة لحافظ الأسد ونظامه، ذلك الطاغية الذي أصدر قانونًا لم يسبق له مثيل بالحكم بالإعدام على كل من يثبت أنه من الإخوان المسلمين.

هذه صفحات من الماضي القريب تحمل في طياتها حقائق عن النظام البعثي القائم في سوريا، وتجيب عن تساؤلات كثيرة عن أسباب قمع البعثيين للشعب السوري، وأسباب صمود الشعب السوري ضد النظام القائم، وخلفيات الموقف الروسي المؤيد لنظام الأسد، وجهود الإخوان المسلمين في نصرة الشعب السوري الشقيق.

إخوان أون لاين 8/1/2012م

 
 

د. منى صبحي: الأخوات المسلمات تعلَّمن معنى الصمود

نشأت في أسرة علمانية، ولكن سرعان ما عادت أسرتها إلى رحاب الإسلام بسرعة بفضل الله تعالى ثم بجهود أمها، وفي ظل الإسلام عرفت دورها الحقيقي الذي خُلقت من أجله، فمنذ صغرها عملت داعيةً ومربيةً تنشر عطر الإسلام في كل مكان تصل إليه؛ محاولةً تحقيق مفهوم وسطية الإسلام وتطبيقه، وأنه نظام شامل وصالح لكل وزمان ومكان.

إنها الدكتورة منى صبحي جلبي، التي وُلدت في حلب بسوريا عام 27/9/1964م، وكانت من أوائل المتميزين في جميع المراحل الدراسية، وهي حاصلة على ليسانس آداب وتربية 1985 من جامعة المنصورة، كما حصلت على دبلومة خاصة في التربية عام 1987م، وكذلك حصلت على دكتوراه في التربية جامعة عين شمس 2011م، وهي زوجة الدكتور ضياء فرحات، أحد قيادات الإخوان؛ الذي تمَّت محاكمته عسكريًّا في القضية الأخيرة التي لفّقت لـ17 من قيادات الإخوان، كما أنها إحدى كوادر الأخوات المسلمات، ومربية للكثير من طالبات العلم، ومستشارة أسرية وتربوية.

 د. منى صبحي

(إخوان أون لاين) حاورها بعمق في موسوعتها التربوية الكبيرة..

* سألنا الدكتورة والمربية منى صبحي.. كيف نشأت؟

** نشأت في مدينة حلب بسوريا منذ صغري، وكانت حياة جميلة وهادئة حتى مرحلة الثانوية، ولكن كانت أسرتي عجيبة وغريبة الشكل؛ فوالدي كان رجلاً علمانيًّا، فكان خريج مدارس “الإرساليات” والتي تعني مدارس أجنبية، وكذلك أمي كانت علمانية، ولكن بمشيئة الله وإرادته تغير مسار والدتي إلى الالتزام في الستينيات أيام مصطفى السباعي، ثم التحقت بجماعة الإخوان المسلمين.

وكان لالتزام والدتي الأثر في تغيير مسار البيت نحو الالتزام الصحيح بمنهج جماعة الإخوان، ونظرًا لمعيشة والدي في الغرب اكتسب بعض الصفات الجيدة مثل الحرية، ولم يجبر أحدًا على أي شيء.. ترك لنا الحرية في اعتناق أي فكر، ولكن عاد للإسلام وعرف معناه في السبعينيات، وكان وقت ذاك يوجد الاحتلال الفرنسي الذي سرق الإسلام من السوريين وشوَّه صورة الإسلام عن طريق المتغربين وخريجي المدارس الفرنسية واتباع الطرق الصوفية على أنها هي الإسلام.

وكانت بواكير التزام أمي بالإسلام لها عظيم الشأن في حياتنا، فتفتح وعيي مبكرًا على حب الإسلام، والتحقنا بدروس العلم في المساجد ودروس العلماء والحلقات المسجدية ومحاضرات الدعوة، وكان عمري في ذلك الوقت 10 سنوات، وذلك حتى نهاية عام 1980م، وبعد ذلك اندلعت المواجهات المسلحة بين حافظ الأسد وشباب من الإخوان المسلمين، وكان الاتجاه السائد لدى السلطة استئصال الإسلاميين، فاختارت أسرتي المجيء إلى مصر لاستكمال التعليم، وظل والدي في حلب؛ لأنه كان ثريًّا، وكان يمدنا بالمال، وما زال مقيمًا حتى الآن في حلب.

القدوة الحسنة

* وما تأثير تربية والديك؟

** والدي كان القدوة لي في التربية.. كان يحترم الحرية الشخصية، وكان يحب العلم بشكل كبير، وغرس فيَّ حب طلب العلم الذي ورثته عنه.

ووالدتي تركت بصمة كبيرة في حياتي.. علمتني كيف أدير الاختلاف في الرأي داخل البيت بحكمة وذكاء، وعلمتني أكثر ماذا يعني انتمائي للإسلام، ليس كفكر فقط؛ ولكن في كل معاني الحياة، والجميل أن بيتنا كان يتميز بإقبال أمي واهتمامها بالإسلام، فكونت مكتبة ضخمة في البيت وتعدد الكتب، خاصةً الكتب الإسلامية الصحيحة، وهذه ميزة أن الإنسان يتربَّى في بيت علم، وكانت والدتي تسألني: ماذا تفعلين في هذا العلم؟ أي كيف تمارسينه عمليًّا؟ وكيف توظفين علمك هذا دعويًّا؟ وإلى شيء ملموس في حياتي؟!

* وكيف ومتى التحقتِ بجماعة الإخوان المسلمين؟

** التحقت بها من خلال الحلقات المسجدية منذ سن العاشرة، ثم ولله الحمد نشأت في أحضان الدعوة، والمسلم لا يستطيع أن يعيش بمفرده، ولذلك كان لا بد من الالتحاق بالتيار الوسطي الذي يدعو إلى الإسلام الشامل، وهذا ما يكون أقرب للفطرة البشرية.

* وما رسالة د. منى صبحي باعتبارها داعية؟

** رسالتي التي خلقنا الله من أجلها أن نعبد الله على حق، ونعبِّد الناس ونوضِّح لهم الطريق والأهداف والوسائل التي تجعلنا بحق مستخلَفين في الأرض، وهذه الرسالة التي سنسأل عليها جميعًا، وأما التمكين لدين الله فنحن حاليًّا الآن في مرحلة التمكين لدين الله عز وجل، بعدما طال الظلم لعقود.. (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5)) (القصص)، والله مَنَّ علينا بالنصر من عنده، ونسأله أن يجعلنا أئمة ويجعلنا الوارثين.

أهم المحطات

* ما أهم المحطات في حياتكم والتي ساهمت في تشكيل شخصيتكم الحالية؟

** المرحلة الأولى: هي ما قبل الزواج؛ حيث بدأت في الكتابة بمجلة “الأمة” وعمري 19 عامًا، ثم في مجلة “المنار” و”الفيصل الإسلامي” إلى أن تخرجت في دبلومة الدراسات العليا، وأسمي هذه المرحلة بالفترة الذهبية في طلب العلم ودروس العلماء والمساجد، وكانت فترة ثرية في تكويني العلمي والدعوي.

أما المرحلة الثانية: بعد تخرجي من الدراسات العليا وزواجي.. فكانت فترة البيت ورعاية الزوج والأولاد، وهذه كانت نقطةً فاصلةً في حياتي؛ حيث تحوَّلت من طلب العلم إلى بيت الزواج، وتميزت هذه المرحلة بالتفرغ الكامل للأولاد ومعايشتهم تربويًّا، وبذلك انتقلت من العلم النظري إلى التطبيق العملي في بيتي مع أولادي، وهنا أهم فترات حياتي حيث عملت بحديث الرسول الكريم: “الزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم”؛ لذلك لزمت بيتي 10 سنين حتى أربِّي أولادي تربيةً حسنةً.

والمرحلة الثالثة: انتقلت إلى القاهرة والتحق أصغر الأولاد بالمدرسة، ومن ثم عدت إلى الدراسة، وسجَّلت الماجستير، وحصلت عليه، ثم بدأت تسجيل الدكتوراه وشهدت هذه المرحلة التحاقي بالندوات العلمية، خاصةً الصالون الثقافي للأستاذ الدكتور سعيد إسماعيل، وانضمامي إلى اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل، ومشاركتي في المؤتمرات العلمية في مصر والدول العربية وأوروبا، وكتاباتي في الصحافة، وإلقاء المحاضرات في الأماكن العامة وإصدار عدة بحوث علمية، فكانت هذه المرحلة هي المواءمة بين البيت والعمل، وكان هناك تشجيع من زوجي وأولادي.

المرحلة الرابعة: كانت هذه المرحلة من أحلك المراحل وأصعبها، وفيها انقطعت عن العمل وعن الحياة لأمرين مهمين؛ الأول: اعتقال زوجي الدكتور ضياء فرحات وإحالته مع إخوانه ظلمًا وعدوانًا إلى المحاكمات العسكرية، والثاني: ولادتي طفلي يوسف، وكنت مشغولة في رحلة زيارة زوجي في السجن؛ حيث لم يحكموا عليه هو والمجموعة التي كانت معه إلا بعد عام ونصف فكنا نذهب يومًا للمحكمة ويومًا للزيارة.. تخيلي!! عام ونصف على ذلك الأمر يومًا وراء يوم.

ومن الطرائف عندما أذهب لزيارة زوجي في السجن أو لحضور المحكمة كان كل جيراني يدعون لنا، وفي إحدى المرات سألتني بوابة العمارة وقالت يا دكتورة اليوم محكمة ولا زيارة، فردت طفلتها الصغيرة اليوم يا أمي محكمة، حتى الأطفال حفظوا ترتيب الأيام، فالكل كان يتابع الحدث عن كثب، وكان ذهابنا هذا لدعم زوجي الدكتور ضياء ومن معه من إخوانه، وعلى رأسهم م. خيرت الشاطر، إلى أن تم تنفيذ الحكم.

وفي هذه المرحلة كنت مشغولة جدًّا لم أجد وقتًا لبيتي ولا لأولادي ولا لرسالة الدكتوراه ورسالتي الدعوية؛ لأنهم شغلونا حيث لم يعطوهم حكمًا سريعًا ولا أخرجوهم من المعتقل بشكل سريع أيضًا، فكانت الحياة أشبه بأن تكون متوقفةً إلى أن وضعت صغيري يوسف، وكان تسميته بذلك الاسم أسوةً بسيدنا يوسف عليه السلام، وحتى يكمل درب أبيه، فتربى هذا الصغير في غياهب السجون عامين ونصف، وهو إلى الآن لا ينسى بعض الأحداث في المعتقل.

 ومرت الأيام إلى أن وصلنا إلى افتتاح شركة “الضياء”، وكان من المقرر أن يفتتحها ولدي الأكبر بلال، وأخذنا حكمًا بفتحها فعلاً، وكان ابني يجهز الترتيبات لعمل الافتتاح فكانت الطامة الكبرى أن أُحرقت الشركة ليلة افتتاحها 1/6/2009م، وكان مكان الشركة في المنصورة، وعندما عاينت الشرطة لمعرفة من المتسبب ذكروا أنه “ضد مجهول”، وأنتم تعرفون “من المجهول”، وعلى إثرها تمَّ اعتقال بلال لإجباره على مكاتبة أنه هو الذي أحرق الشركة، ولم ينفّذ طلبهم رغم الضغوط التي تعرَّض لها وقضى في الحبس ثلاثة أيام، ولم يتم الإفراج عنه إلا بجمهرة شعبية وإعلامية، ولم يكن يعرف والده عن هذه الأحداث شيئًا إلا من الجرائد عندما كتبوا عن إفراج بلال.

وكان لهذه المرحلة- رغم شدتها- إيجابيات أكثر من سلبيات؛ هي حسن توكلنا على الله وزيادة إيماننا بقضاء الله وقدره؛ حيث لم يصبنا الجزع؛ لأننا نعلم أن هذه المحنة في سبيل الله، وكنا نرجو الأجر والثواب من الله تعالى على التعب والمشقة.. على أن رحلة طره وما بها من المتاعب والتضييق في أحيان كثيرة علمتنا التحدي للظالمين ابتغاء مرضاة الله، وكنا نتذكر دائمًا قول الله تعالى: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)) (آل عمران).

الأخوات المسلمات

* ماذا قدمت الأخت المسلمة في جماعة الإخوان المسلمين للمجتمع؟ وماذا يمكن أن تقدم مستقبلاً؟

** أستطيع أن أقول خلال 40 سنة في جماعة الإخوان المسلمين أن المرأة الإخوانية علمت أولادها وأهلها وجيرانها معنى الصمود أمام الظلم والفساد؛ وذلك لأن الجماعة عنيت بتربية المرأة تمامًا كتربية الرجل، وهذا يرجع لفهمها لمنطق التكليف الإلهي للرجل والمرأة، على حد سواء، في عمارة الكون، فالمناهج والبرامج الموجهة للمرأة في جماعة الإخوان أكسبتها قدرًا كبيرًا من الوعي والثقافة، وأفسحت لها مجالات العمل الأسري والمجتمعي بشكل متوازن وملموس، ومن خلال احتكاكي بالأخوات في الجماعة والمرأة خارج الجماعة ألحظ هذا الفرق، وأتمنَّى على نساء الأخوات المسلمات أن يبادرْن بتثقيف النساء في المجتمع ولو بجزء ضئيل من الثقافة التي تلقوها داخل الجماعة.

وهذا الوعي وهذه الثقافة كان لهما تأثير كبير في صمود بيوت الإخوان المسلمين أمام المحاولات المستميتة للقضاء على الإخوان ودعوتهم على مدى 80 عامًا.. لقد استعصت المرأة داخل الصف على المحاولات الشرسة لضرب الأسرة الإخوانية، عن طريق اعتقال الزوج أو ملاحقته المستمرة أو قطع موارد رزقه أو التشويه الإعلامي، حتى استحقَّت أن تكرم بهذه الثورة وهذا النصر، وأعتقد أن الأخت داخل الجماعة التي هي الزوجة والأم والابنة والحفيدة، نامت بعد يوم التنحي وهي مطمئنة أنهم لن يقتحموا البيت ويروِّعوا أهله وينتزعوا الزوج والابن والأخ إلى غياهب السجون، وأن على الأخت المسلمة أن تهنأ بهذا النصر الإلهي وتشمِّر عن ساعد الجد للعمل المنتج والخلاَّق داخل أسرتها ومجتمعها وأمتها.

دور المرأة

* كيف ترين دور المرأة المصرية في ثورة 25 يناير؟

** كان دورها ملموسًا؛ فهي الأم والزوجة والأخت والحفيدة والابنة، وإحساسها بالظلم المادي والاجتماعي والسياسي على أبيها وزوجها وأخيها وابنها، وإحساسها أنها تعيش في بلد غير بلدها ومحاصرتها بالأزمات.. كل ذلك جعل دورها جليًّا مثل دور الرجل، الاثنان تقاسما البطولة وتقاسما شرف الانتفاضة على الظلم والفساد والاستبداد، نلمس دورها في كل بيت حولنا.

* خرج الكثير من الدعوات التي تنادي ببرلمان للمرأة وانفتاح المرأة واسترداد حقوقها.. كيف ترين ذلك؟

** في الحقيقة أنا لم أكن متحيزةً للمرأة، الحياة كانت مسدودةً تمامًا أمام المرأة والرجل على حدٍّ سواء، والظلم والبشاعة والفساد كانت منظومة، وحاليًّا انزاحت الغمَّة والحمد لله، ومجالات عمل المرأة والرجل مفتوحة وكلٌّ في مساره، فمجالات العمل الطبيعية للمرأة لا تتعارض مع أدوارها داخل البيت ومفتوح أمامها العمل المجتمعي أو العام، وعليها أن تستغلَّ الوقت الصحيح في العمل الصحيح.

الإبداع

* كيف ترين دور الأم المعاصرة في تنمية مهارات ابنها وتطوير ملكاته الإبداعية والابتكارية؟

** قبل تنمية المهارات والإبداع نستطيع أن نعلِّق على شيء.. لا بد أن نعي أهمية التربية الصحيحة ووسائلها وأساليبها، وكيفية الاستفادة من الإمكانيات المتاحة لدى المرأة والإمكانات الموجودة لدى أطفالها، وأن الإبداع مناخ طبيعي قبل أن يكون توجُّهًا شخصيًّا، وهذا يتطلَّب إصلاح البيت والمدرسة والمجتمع والإعلام والتعليم، وهذه أشياء تساعد على إبداع الإنسان.. يتطلب أن نطلق مهارته للحرية والعمل المبدع؛ فالثورة حرَّرت القيود، وعلينا أن نختار الطريق، ونحدِّد معالمه، فنحن محتاجون أن نطلق في المصريين العمل المبدع والخلاَّق والمنتج، ويعجبني في حزب الحرية والعدالة أنه أخذ كلمة “الحرية”؛ أي نحرر الإنسان من الأوهام والظلم والفساد وبعد ذلك نطلق يده للحرية.

إخوان أون لاين 23/1/2012م