RSS

د. منى صبحي: الأخوات المسلمات تعلَّمن معنى الصمود

29 Jan

نشأت في أسرة علمانية، ولكن سرعان ما عادت أسرتها إلى رحاب الإسلام بسرعة بفضل الله تعالى ثم بجهود أمها، وفي ظل الإسلام عرفت دورها الحقيقي الذي خُلقت من أجله، فمنذ صغرها عملت داعيةً ومربيةً تنشر عطر الإسلام في كل مكان تصل إليه؛ محاولةً تحقيق مفهوم وسطية الإسلام وتطبيقه، وأنه نظام شامل وصالح لكل وزمان ومكان.

إنها الدكتورة منى صبحي جلبي، التي وُلدت في حلب بسوريا عام 27/9/1964م، وكانت من أوائل المتميزين في جميع المراحل الدراسية، وهي حاصلة على ليسانس آداب وتربية 1985 من جامعة المنصورة، كما حصلت على دبلومة خاصة في التربية عام 1987م، وكذلك حصلت على دكتوراه في التربية جامعة عين شمس 2011م، وهي زوجة الدكتور ضياء فرحات، أحد قيادات الإخوان؛ الذي تمَّت محاكمته عسكريًّا في القضية الأخيرة التي لفّقت لـ17 من قيادات الإخوان، كما أنها إحدى كوادر الأخوات المسلمات، ومربية للكثير من طالبات العلم، ومستشارة أسرية وتربوية.

 د. منى صبحي

(إخوان أون لاين) حاورها بعمق في موسوعتها التربوية الكبيرة..

* سألنا الدكتورة والمربية منى صبحي.. كيف نشأت؟

** نشأت في مدينة حلب بسوريا منذ صغري، وكانت حياة جميلة وهادئة حتى مرحلة الثانوية، ولكن كانت أسرتي عجيبة وغريبة الشكل؛ فوالدي كان رجلاً علمانيًّا، فكان خريج مدارس “الإرساليات” والتي تعني مدارس أجنبية، وكذلك أمي كانت علمانية، ولكن بمشيئة الله وإرادته تغير مسار والدتي إلى الالتزام في الستينيات أيام مصطفى السباعي، ثم التحقت بجماعة الإخوان المسلمين.

وكان لالتزام والدتي الأثر في تغيير مسار البيت نحو الالتزام الصحيح بمنهج جماعة الإخوان، ونظرًا لمعيشة والدي في الغرب اكتسب بعض الصفات الجيدة مثل الحرية، ولم يجبر أحدًا على أي شيء.. ترك لنا الحرية في اعتناق أي فكر، ولكن عاد للإسلام وعرف معناه في السبعينيات، وكان وقت ذاك يوجد الاحتلال الفرنسي الذي سرق الإسلام من السوريين وشوَّه صورة الإسلام عن طريق المتغربين وخريجي المدارس الفرنسية واتباع الطرق الصوفية على أنها هي الإسلام.

وكانت بواكير التزام أمي بالإسلام لها عظيم الشأن في حياتنا، فتفتح وعيي مبكرًا على حب الإسلام، والتحقنا بدروس العلم في المساجد ودروس العلماء والحلقات المسجدية ومحاضرات الدعوة، وكان عمري في ذلك الوقت 10 سنوات، وذلك حتى نهاية عام 1980م، وبعد ذلك اندلعت المواجهات المسلحة بين حافظ الأسد وشباب من الإخوان المسلمين، وكان الاتجاه السائد لدى السلطة استئصال الإسلاميين، فاختارت أسرتي المجيء إلى مصر لاستكمال التعليم، وظل والدي في حلب؛ لأنه كان ثريًّا، وكان يمدنا بالمال، وما زال مقيمًا حتى الآن في حلب.

القدوة الحسنة

* وما تأثير تربية والديك؟

** والدي كان القدوة لي في التربية.. كان يحترم الحرية الشخصية، وكان يحب العلم بشكل كبير، وغرس فيَّ حب طلب العلم الذي ورثته عنه.

ووالدتي تركت بصمة كبيرة في حياتي.. علمتني كيف أدير الاختلاف في الرأي داخل البيت بحكمة وذكاء، وعلمتني أكثر ماذا يعني انتمائي للإسلام، ليس كفكر فقط؛ ولكن في كل معاني الحياة، والجميل أن بيتنا كان يتميز بإقبال أمي واهتمامها بالإسلام، فكونت مكتبة ضخمة في البيت وتعدد الكتب، خاصةً الكتب الإسلامية الصحيحة، وهذه ميزة أن الإنسان يتربَّى في بيت علم، وكانت والدتي تسألني: ماذا تفعلين في هذا العلم؟ أي كيف تمارسينه عمليًّا؟ وكيف توظفين علمك هذا دعويًّا؟ وإلى شيء ملموس في حياتي؟!

* وكيف ومتى التحقتِ بجماعة الإخوان المسلمين؟

** التحقت بها من خلال الحلقات المسجدية منذ سن العاشرة، ثم ولله الحمد نشأت في أحضان الدعوة، والمسلم لا يستطيع أن يعيش بمفرده، ولذلك كان لا بد من الالتحاق بالتيار الوسطي الذي يدعو إلى الإسلام الشامل، وهذا ما يكون أقرب للفطرة البشرية.

* وما رسالة د. منى صبحي باعتبارها داعية؟

** رسالتي التي خلقنا الله من أجلها أن نعبد الله على حق، ونعبِّد الناس ونوضِّح لهم الطريق والأهداف والوسائل التي تجعلنا بحق مستخلَفين في الأرض، وهذه الرسالة التي سنسأل عليها جميعًا، وأما التمكين لدين الله فنحن حاليًّا الآن في مرحلة التمكين لدين الله عز وجل، بعدما طال الظلم لعقود.. (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5)) (القصص)، والله مَنَّ علينا بالنصر من عنده، ونسأله أن يجعلنا أئمة ويجعلنا الوارثين.

أهم المحطات

* ما أهم المحطات في حياتكم والتي ساهمت في تشكيل شخصيتكم الحالية؟

** المرحلة الأولى: هي ما قبل الزواج؛ حيث بدأت في الكتابة بمجلة “الأمة” وعمري 19 عامًا، ثم في مجلة “المنار” و”الفيصل الإسلامي” إلى أن تخرجت في دبلومة الدراسات العليا، وأسمي هذه المرحلة بالفترة الذهبية في طلب العلم ودروس العلماء والمساجد، وكانت فترة ثرية في تكويني العلمي والدعوي.

أما المرحلة الثانية: بعد تخرجي من الدراسات العليا وزواجي.. فكانت فترة البيت ورعاية الزوج والأولاد، وهذه كانت نقطةً فاصلةً في حياتي؛ حيث تحوَّلت من طلب العلم إلى بيت الزواج، وتميزت هذه المرحلة بالتفرغ الكامل للأولاد ومعايشتهم تربويًّا، وبذلك انتقلت من العلم النظري إلى التطبيق العملي في بيتي مع أولادي، وهنا أهم فترات حياتي حيث عملت بحديث الرسول الكريم: “الزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم”؛ لذلك لزمت بيتي 10 سنين حتى أربِّي أولادي تربيةً حسنةً.

والمرحلة الثالثة: انتقلت إلى القاهرة والتحق أصغر الأولاد بالمدرسة، ومن ثم عدت إلى الدراسة، وسجَّلت الماجستير، وحصلت عليه، ثم بدأت تسجيل الدكتوراه وشهدت هذه المرحلة التحاقي بالندوات العلمية، خاصةً الصالون الثقافي للأستاذ الدكتور سعيد إسماعيل، وانضمامي إلى اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل، ومشاركتي في المؤتمرات العلمية في مصر والدول العربية وأوروبا، وكتاباتي في الصحافة، وإلقاء المحاضرات في الأماكن العامة وإصدار عدة بحوث علمية، فكانت هذه المرحلة هي المواءمة بين البيت والعمل، وكان هناك تشجيع من زوجي وأولادي.

المرحلة الرابعة: كانت هذه المرحلة من أحلك المراحل وأصعبها، وفيها انقطعت عن العمل وعن الحياة لأمرين مهمين؛ الأول: اعتقال زوجي الدكتور ضياء فرحات وإحالته مع إخوانه ظلمًا وعدوانًا إلى المحاكمات العسكرية، والثاني: ولادتي طفلي يوسف، وكنت مشغولة في رحلة زيارة زوجي في السجن؛ حيث لم يحكموا عليه هو والمجموعة التي كانت معه إلا بعد عام ونصف فكنا نذهب يومًا للمحكمة ويومًا للزيارة.. تخيلي!! عام ونصف على ذلك الأمر يومًا وراء يوم.

ومن الطرائف عندما أذهب لزيارة زوجي في السجن أو لحضور المحكمة كان كل جيراني يدعون لنا، وفي إحدى المرات سألتني بوابة العمارة وقالت يا دكتورة اليوم محكمة ولا زيارة، فردت طفلتها الصغيرة اليوم يا أمي محكمة، حتى الأطفال حفظوا ترتيب الأيام، فالكل كان يتابع الحدث عن كثب، وكان ذهابنا هذا لدعم زوجي الدكتور ضياء ومن معه من إخوانه، وعلى رأسهم م. خيرت الشاطر، إلى أن تم تنفيذ الحكم.

وفي هذه المرحلة كنت مشغولة جدًّا لم أجد وقتًا لبيتي ولا لأولادي ولا لرسالة الدكتوراه ورسالتي الدعوية؛ لأنهم شغلونا حيث لم يعطوهم حكمًا سريعًا ولا أخرجوهم من المعتقل بشكل سريع أيضًا، فكانت الحياة أشبه بأن تكون متوقفةً إلى أن وضعت صغيري يوسف، وكان تسميته بذلك الاسم أسوةً بسيدنا يوسف عليه السلام، وحتى يكمل درب أبيه، فتربى هذا الصغير في غياهب السجون عامين ونصف، وهو إلى الآن لا ينسى بعض الأحداث في المعتقل.

 ومرت الأيام إلى أن وصلنا إلى افتتاح شركة “الضياء”، وكان من المقرر أن يفتتحها ولدي الأكبر بلال، وأخذنا حكمًا بفتحها فعلاً، وكان ابني يجهز الترتيبات لعمل الافتتاح فكانت الطامة الكبرى أن أُحرقت الشركة ليلة افتتاحها 1/6/2009م، وكان مكان الشركة في المنصورة، وعندما عاينت الشرطة لمعرفة من المتسبب ذكروا أنه “ضد مجهول”، وأنتم تعرفون “من المجهول”، وعلى إثرها تمَّ اعتقال بلال لإجباره على مكاتبة أنه هو الذي أحرق الشركة، ولم ينفّذ طلبهم رغم الضغوط التي تعرَّض لها وقضى في الحبس ثلاثة أيام، ولم يتم الإفراج عنه إلا بجمهرة شعبية وإعلامية، ولم يكن يعرف والده عن هذه الأحداث شيئًا إلا من الجرائد عندما كتبوا عن إفراج بلال.

وكان لهذه المرحلة- رغم شدتها- إيجابيات أكثر من سلبيات؛ هي حسن توكلنا على الله وزيادة إيماننا بقضاء الله وقدره؛ حيث لم يصبنا الجزع؛ لأننا نعلم أن هذه المحنة في سبيل الله، وكنا نرجو الأجر والثواب من الله تعالى على التعب والمشقة.. على أن رحلة طره وما بها من المتاعب والتضييق في أحيان كثيرة علمتنا التحدي للظالمين ابتغاء مرضاة الله، وكنا نتذكر دائمًا قول الله تعالى: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)) (آل عمران).

الأخوات المسلمات

* ماذا قدمت الأخت المسلمة في جماعة الإخوان المسلمين للمجتمع؟ وماذا يمكن أن تقدم مستقبلاً؟

** أستطيع أن أقول خلال 40 سنة في جماعة الإخوان المسلمين أن المرأة الإخوانية علمت أولادها وأهلها وجيرانها معنى الصمود أمام الظلم والفساد؛ وذلك لأن الجماعة عنيت بتربية المرأة تمامًا كتربية الرجل، وهذا يرجع لفهمها لمنطق التكليف الإلهي للرجل والمرأة، على حد سواء، في عمارة الكون، فالمناهج والبرامج الموجهة للمرأة في جماعة الإخوان أكسبتها قدرًا كبيرًا من الوعي والثقافة، وأفسحت لها مجالات العمل الأسري والمجتمعي بشكل متوازن وملموس، ومن خلال احتكاكي بالأخوات في الجماعة والمرأة خارج الجماعة ألحظ هذا الفرق، وأتمنَّى على نساء الأخوات المسلمات أن يبادرْن بتثقيف النساء في المجتمع ولو بجزء ضئيل من الثقافة التي تلقوها داخل الجماعة.

وهذا الوعي وهذه الثقافة كان لهما تأثير كبير في صمود بيوت الإخوان المسلمين أمام المحاولات المستميتة للقضاء على الإخوان ودعوتهم على مدى 80 عامًا.. لقد استعصت المرأة داخل الصف على المحاولات الشرسة لضرب الأسرة الإخوانية، عن طريق اعتقال الزوج أو ملاحقته المستمرة أو قطع موارد رزقه أو التشويه الإعلامي، حتى استحقَّت أن تكرم بهذه الثورة وهذا النصر، وأعتقد أن الأخت داخل الجماعة التي هي الزوجة والأم والابنة والحفيدة، نامت بعد يوم التنحي وهي مطمئنة أنهم لن يقتحموا البيت ويروِّعوا أهله وينتزعوا الزوج والابن والأخ إلى غياهب السجون، وأن على الأخت المسلمة أن تهنأ بهذا النصر الإلهي وتشمِّر عن ساعد الجد للعمل المنتج والخلاَّق داخل أسرتها ومجتمعها وأمتها.

دور المرأة

* كيف ترين دور المرأة المصرية في ثورة 25 يناير؟

** كان دورها ملموسًا؛ فهي الأم والزوجة والأخت والحفيدة والابنة، وإحساسها بالظلم المادي والاجتماعي والسياسي على أبيها وزوجها وأخيها وابنها، وإحساسها أنها تعيش في بلد غير بلدها ومحاصرتها بالأزمات.. كل ذلك جعل دورها جليًّا مثل دور الرجل، الاثنان تقاسما البطولة وتقاسما شرف الانتفاضة على الظلم والفساد والاستبداد، نلمس دورها في كل بيت حولنا.

* خرج الكثير من الدعوات التي تنادي ببرلمان للمرأة وانفتاح المرأة واسترداد حقوقها.. كيف ترين ذلك؟

** في الحقيقة أنا لم أكن متحيزةً للمرأة، الحياة كانت مسدودةً تمامًا أمام المرأة والرجل على حدٍّ سواء، والظلم والبشاعة والفساد كانت منظومة، وحاليًّا انزاحت الغمَّة والحمد لله، ومجالات عمل المرأة والرجل مفتوحة وكلٌّ في مساره، فمجالات العمل الطبيعية للمرأة لا تتعارض مع أدوارها داخل البيت ومفتوح أمامها العمل المجتمعي أو العام، وعليها أن تستغلَّ الوقت الصحيح في العمل الصحيح.

الإبداع

* كيف ترين دور الأم المعاصرة في تنمية مهارات ابنها وتطوير ملكاته الإبداعية والابتكارية؟

** قبل تنمية المهارات والإبداع نستطيع أن نعلِّق على شيء.. لا بد أن نعي أهمية التربية الصحيحة ووسائلها وأساليبها، وكيفية الاستفادة من الإمكانيات المتاحة لدى المرأة والإمكانات الموجودة لدى أطفالها، وأن الإبداع مناخ طبيعي قبل أن يكون توجُّهًا شخصيًّا، وهذا يتطلَّب إصلاح البيت والمدرسة والمجتمع والإعلام والتعليم، وهذه أشياء تساعد على إبداع الإنسان.. يتطلب أن نطلق مهارته للحرية والعمل المبدع؛ فالثورة حرَّرت القيود، وعلينا أن نختار الطريق، ونحدِّد معالمه، فنحن محتاجون أن نطلق في المصريين العمل المبدع والخلاَّق والمنتج، ويعجبني في حزب الحرية والعدالة أنه أخذ كلمة “الحرية”؛ أي نحرر الإنسان من الأوهام والظلم والفساد وبعد ذلك نطلق يده للحرية.

إخوان أون لاين 23/1/2012م

 
 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *