RSS

إصلاح بلا دماء.. انظر غربًا

31 Jan

بقلم: شعبان عبد الرحمن

 التجربة التي تخوضها المملكة المغربية لتحقيق الإصلاح السياسي جديرة بالتأمل، وهي بالمناسبة لم تأخذ حظَّها من الاهتمام الإعلامي؛ فلم يكن نصيبها من التغطيات إلا جزءًا يسيرًا بجوار تغطيات المجازر التي دارت في بلاد الثورات العربية، وخاصةً ليبيا وسورية واليمن.

وأعتقد أن التوازن في التغطيات الإعلامية مطلوب لأهداف عديدة، أهمها- على الأقل- تشجيع الدول المرشحة للثورات خلال المرحلة المقبلة- وهي دول عديدة- للاحتذاء بما جرى في المغرب، والبناء عليه وتحسينه؛ لتحقيق الإصلاح الشامل دون إراقة دماء، ودون خلْع حكام أو قتلهم أو تشريدهم خارج البلاد، وذلك يوفِّر على الدولة مقوِّماتها دون تدمير ودون تقتيل للشعب، ودون شلِّ الحياة فيها، ودون رمي الحكام في مزابل التاريخ؛ فمنذ أن تفجَّرت المظاهرات في شوارع المغرب- تماشيًا مع الثورات العربية- مطالبةً بإصلاحات سياسية، ومقاومة الفساد، وإقامة دولة العدل.. التقط النظام المغربي الخيط وتجاوب مع مطالب الجماهير الثائرة في الشارع، وأقرَّ عددًا من التعديلات الدستورية التي لم ترق إلى كل مطالب الجماهير، ولكنها كانت خطوةً على طريق الإصلاح، ثم أجرى “النظام” انتخابات برلمانية دعت قوى مغربية عديدة إلى مقاطعتها، لكنَّ غالبية الأحزاب شاركت فيها، وقدَّم النظام المغربي صورةً جيدةً من الشفافية والنزاهة؛ إذ أفرزت تلك الانتخابات القوى الحقيقية التي يريدها الشعب المغربي، وفي مقدمتها حزب “العدالة والتنمية” ذو التوجه الإسلامي، ثم زاد الملك المغربي الأمر مصداقيةً بتكليف السيد “عبد الإله بنكيران”، الأمين العام لحزب “العدالة والتنمية”، بتشكيل الحكومة التي ستكون أول حكومة في تاريخ المغرب يشكِّلها إسلاميون.

ولا شك أن تلك الإجراءات والتوجهات من النظام المغربي اقتلعت- ولو بالقدر القليل- بذور الشك التي نثرتها الممارسات الانتخابية والسياسية السابقة، وأحلَّت محلَّها بذور الثقة، وإن لم تكن مكتملةً، فهي- كما قلنا آنفًا- خطوة على طريق الإصلاح، وعلى طريق احترام مطالب الشعب والتجاوب معها بجدية، ويبقى على النظام المغربي المضيّ قدمًا- وبسرعة- في هذا الطريق السلمي الحضاري نحو تحقيق الإصلاح الشامل.

ويمكن للحكومة الجديدة بقيادة حزب “العدالة والتنمية” قطع شوط بعيد في معالجة الملفات الصعبة التي يعاني منها الشعب المغربي، كمقاومة الفساد، وحل مشكلة البطالة، وتوفير مناخ أكثر سلامةً للممارسة السياسية.

وأعتقد أن هذه الحكومة بقيادة “عبد الإله بنكيران” قادرة على الانطلاق بنجاح نحو تحقيق هذه الأهداف، بل ووضع المغرب على طريق الإصلاح الشامل الذي يحقق للشعب المغربي نهضته المرجوَّة، وذلك راجع في رأيي إلى:

1- شخصية السيد “عبد الإله بنكيران” المنفتحة على الجميع، والتي تميل إلى البساطة في الحياة، وفي التعامل مع عامة الناس دون تعقيد أو سدود، إضافةً إلى تجربته الثرية في الحياة السياسية، وتجربته الغنية بالدروس في العمل الإسلامي؛ فهو واحد من قيادات تأسيس العمل الإسلامي الحديث (منذ فترة السبعينيات من القرن الماضي)، وقد ساعدته شخصيته المنفتحة وتجربته الثرية في إنجاز تحالف تاريخي مع القوى السياسية المغربية الرئيسة المخالِفة للإسلاميين في التوجُّه والفكر، وأصبحت الحكومة المغربية ممثِّلةً لمعظم أطياف الشعب المغربي.  على المستوى الشخصي أعرف الأستاذ “عبد الإله بنكيران” جيدًا، وقد التقيت معه في بيروت والخرطوم والدار البيضاء ونواكشوط، في إطار اجتماعات “رابطة الصحافة الإسلامية”، عندما كان رئيسًا لتحرير صحيفة “التجديد” المغربية، وبعد أن أصبح أمينًا عامًّا لحزب “العدالة والتنمية”، وتناقشنا كثيرًا في أمور عامة عدة، وما أستطيع قوله هنا: إنك لا تملك إلا احترام هذا الرجل؛ لما يتمتع به من رحابة صدر، وعُمق التفكير، ومصداقية الكلمة، في إطار من روح المرح والفكاهة العفوية، ولو حافظ “بنكيران” على تلك المقومات التي حباه الله بها؛ فسوف يكون زعيمًا شعبيًّا بلا منازع في منطقة المغرب العربي، مثلما حازها من قبل الراحل العظيم الشيخ “محفوظ نحناح”، يرحمه الله، الزعيم الجزائري؛ الذي حظي بحب جارف من الجزائريين وبكل من التقاه.

2- دعْم الملك “محمد السادس” لتلك الحكومة بكل الإمكانات المطلوبة، وما يبدو حتى الآن أن هناك دعمًا وتأييدًا لتلك الحكومة، ولو استمرَّ ذلك الدعم فسوف تمضي المملكة المغربية في تجربتها إلى تحقيق الأهداف المرجوَّة.

3- استمرار جديَّة الأحزاب المشاركة في الحكومة في المضيِّ قدمًا بالتجربة نحو النجاح، ونسيان الجميع حزبيتهم، والعمل بروح الوطنية نحو تحقيق الأهداف الكبرى للشعب المغربي، وحل مشكلاته المستعصية، والتي تعدُّ صورةً طبق الأصل من مشكلات معظم الشعوب العربية.

إن ما يشهده المغرب في هذا الصدد يمثل فرصةً نادرةً للجميع- في المغرب- نظامًا وشعبًا وقوى سياسية؛ فهي فرصة للنظام لكي يواصل طريقه في التجاوب مع المطالب الشعبية عبر بوابة المؤسسات المنتخبة، ودون الوصول إلى نقطة الضغط الشعبي والرد الرسمي الخشن؛ الذي أوقع كثيرًا من البلاد في صدامات دامية، وهي فرصة لحزب “العدالة والتنمية” لكي ينفِّذ برامجه كاملةً وبكل ثقة، وفرصة للقوى السياسية الأخرى لكي تصطفَّ حول مشتركات واحدة لتحقيقها، بصرف النظر عن الأهداف الحزبية، ولا شك أن انتهاز الجميع تلك الفرصة النادرة سيُعيد للشارع ثقته في نظامه، ويعيد إليه هدوءه، ويدفعه نحو الالتفاف حول مَنْ يحققون له مطالبه بجدية ومصداقية، وبالتالي تجنيب البلاد ما يجري في بلاد الثورات العربية.

نحن إذًا في العالم العربي نعيش تجربتين: تجربة تنتزع الشعوب فيها حقوقها؛ باقتلاع نظام الحكم الجائر والمستبدّ، بعد تقديم عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وتجربة تجاوب نظام الحكم في المغرب مع بعض مطالب الجماهير، وهي تجربة يمكن أن تمثِّل إضاءةً مهمةً لكل مَنْ يريد أن يستبق انفجار ثورة شعبية تطالبه بالرحيل، ولكل مَنْ لا يريد أن تنغمس يداه في دماء شعبه، ولكل مَنْ يريد أن يحافظ على الأمن والأمان في بلاده، وينطلق نحو تحقيق التنمية وبناء دولة الرفاهية والحرية.

المجتمع 14/1/2012م

 
 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *