RSS

وزير الداخلية التونسي الجديد: إخواني عاش 15 سنه فى سجن انفرادي بأمن الدولة

وزير الداخلية التونسي الجديد على العريض من مواليد مدينة مدنين في الجنوب التونسي. تخرّج مهندسا أولا من مدرسة البحرية التجارية بالساحل التونسي. واكب مؤسسات الحركة وخاصة المؤتمر ومجلس الشورى منذ أوائل الثمانينات.

أشرف بين 1982 وسنة 1986 على لجنة مشروع الأولويات الذي أفرز ورقات أساسية في بلورة مشروع الحركة أهمّها:

تقييم مسار الحركة منذ النشأة حتى سنة 1984 .

الاستراتيجية المؤقتة للحركة التي أجابت على أولويات الحركة وتصورها لمنهج التغيير وبلورت طبيعتها كحركة سياسية مدنية سلمية.

معالم رؤيتنا التنظيمية.

رأس المهندس علي العريض مجلس شورى الحركة من سنة 1982 إلى مؤتمر ديسمبر 1986 وتولى صحبة المهندس حمادي الجبالي إدارة قيادة الحركة الداخلية وتوثيق العلاقة مع الوسط السياسي في أجواء من الملاحقة الأمنية الشديدة بين محاكمة القيادة في سنة 1981 والانفراج السياسي في سنة 1984 الذي عقبه مؤتمر أعاد انتخاب القيادة التاريخية على رأس الحركة.

شغل الأخ علي العريض عضوية المكتب التنفيذي للحركة وكان رئيسا للمكتب السياسي منذ مؤتمر سنة 1988 حتى تاريخ اعتقاله في 23 ديسمبر 1990 . كما كان الناطق الرسمي بالنيابة للحركة.

حوكم سنة 1987 بعشر سنوات سجنا غيابيا، ثم حوكم في نفس السنة بالإعدام الذي أسقط عنه بعفو رئاسي سنة 1988 . ومثل سنة 1992 أمام المحكمة العسكرية التي أصدرت عليه حكما بالسجن 15 سنة. وزيادة على ألوان التعذيب البدني الرهيب الذي تعرض له المهندس العريض في أروقة وزارة الداخلية أثناء الإيقاف التحفظي الذي استمر أشهرا، خضع في السجن بعد الحكم عليه إلى ضغوط مادية ومعنوية شديدة كان من بينها ما نشرته صحيفة الفضائح المخابراتية “الإعلان” من ادعاء امتلاك شريط فيديو يتّهمه بالوقوع في “جريمة جنسية”، وكان كل ذلك لحمله على الاستقالة وطلب العفو، لكنه صبر واحتمل .

نافذة مصر 26/12/2011م

 
 

أفلام سينما توثق ثورتيْ مصر وتونس

في محاولة لإعادة بث روح الثورة من جديد في كل من مصر وتونس، يسعى أول إنتاج سينمائي وثائقي حول الربيع العربي في كلتا الدولتين إلى تسليط الضوء على الصراعات المرتقبة بشأن صعود الإسلاميين إلى سدة الحكم.

فالمرحلة الأخيرة من الثورة التي أسقطت الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في تونس، ثم الأسابيع الثلاثة للثورة التي أدت إلى سقوط الرئيس حسني مبارك في مصر، جرت أمام أعين العالم، في ظل مراقبة الإعلام ووسائل التوثيق الأخرى على الأرض للإحداث يوما بعد يوم، على العكس من انتفاضات مثل التي شهدتها إيران عام 1979 والسودان عام 1985.

ميدان التحرير

وفي فيلمه “ميدان التحرير” يستخدم مخرج الأفلام الوثائقية الإيطالي ستيفانو سافونا لقطات من الحشود التي أمضت ثلاثة أسابيع وسط القاهرة في يناير وفبراير 2011، في تسلسل أشبه بالحلم يسجل الهتافات والإيقاعات المؤثرة للمحتجين المصريين، ويسهر قارعو الطبول ومن يقودون الهتافات الذين يخرجون بمجموعة من القوافي المبتكرة حتى وقت متأخر من الليل، في مجموعة من الفعاليات تؤكد أمل المحتجين الذين لم تهتز معنوياتهم أبدا ولا تنتهي وسائلهم لتسلية أنفسهم.

كما يسلط الفيلم الضوء على نقاشات الشباب المصري بشأن المستقبل الذي بدأت تتضح معالمه، بالنظر إلى التقدم الذي حققته الجماعات الإسلامية بقيادة جماعة الإخوان المسلمين، في أول انتخابات حرة في مصر.

وتقول شابة تدعى نهى “لا أعرف بماذا أفكر فيهم (الإخوان المسلمين) لأن كل ما سمعناه عنهم كان من الدولة..، لا يهم ما إذا كانت الدولة المستقبلية دينية أم لا، المهم أننا تخلصنا من النظام”.

وبعد إعلان نبأ تنحي الرئيس السابق حسني مبارك تركز الكاميرا على شاب مصري آخر -يدعى أحمد- يعلن بالإنجليزية “ستكون لدينا الآن دولة مدنية..، لن تكون لدينا دولة دينية”.

وفي فيلم وثائقي مصري آخر، يعرض في مهرجان دبي السينمائي الدولي، هو “مولود في 25 يناير” -أي اليوم الذي بدأت فيه الاحتجاجات ضد النظام في مصر- تُسلط الكاميرا على لافتة يرفعها أحد المحتجين.

وقال رشوان -وهو مخرج سينمائي ينتمي إلى “المجتمع الفني الذي يشعر بالقلق” بشأن صعود الإسلاميين في المستقبل- “إن المخاوف مبالغ فيها..، أعتقد أن الثورة مستمرة..، عندما يصاب الناس بخيبة الأمل كل ما عليهم فعله هو التوجه إلى يوتيوب ومشاهدة كل اللقطات السابقة”.

لا خوف

وحول الثورة التونسية، يوثق فيلم “لا خوف بعد اليوم” للمخرج التونسي مراد بن شيخ، ردود فعل مدونة ومحامية حقوقية وصحفي خلال المراحل الأخيرة من الثورة، بعدما فقدت قوات الأمن السيطرة على الشوارع.

وتناقش المحامية راضية نصراوي الأحداث الدائرة أثناء تناولها الطعام مع أصدقائها في مطعم، وتقول “لم يكن ممكنا حتى أن نلتقي على هذا النحو من قبل، فقد كانت ستصلهم معلومات مسبقة عن المكان الذي سنتناول فيه الغداء”.

وتتذكر نصراوي زملاءها الذين دُمرت حياتهم بسبب مراقبة ومضايقات الشرطة، قائلة “قمنا بثورة عام 1984 وكانت بسبب الخبز، لكن هذه الثورة مختلفة فهي من أجل الحرية والحقوق والواجبات”.

مخرج الفيلم مراد بن شيخ قال إنه شعر بأنه يشهد صحوة أمة، وأضاف “في هذين الأسبوعين -وبينما كان العالم يتابع- تغيرت نظرة التونسيين لأنفسهم، شعرت بأن من المهم أن أوثق هذه اللحظة”.

وتابع “للمرة الأولى تكون لدى مخرج القدرة على التعامل مع الأحداث الحقيقية، لم يكن هذا متاحا من قبل”.

أخبار العالم 15/12/2011م

 
 

الجارديان: العراق تُرك للذئاب

نشرت صحيفة “الجارديان” مقالا بعنوان (تُرك للذئاب)  يصف المشهد الحالي في العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية منها .

و قالت الصحيفة: “لم يستغرق الأمر طويلا قبل أن يعود رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى عادته، ففي اليوم الذي غادرت فيه القوات الأمريكية العراق نهائيا انقلب المالكي على طارق الهاشمي نائب رئيسه متهما إياه بما كان يشتبه بقيامه هو نفسه به، أي إصدار الأوامر بالقيام بتفجيرات واغتيال خصومه السياسيين.”

وتنبه الصحيفة إلى أن “الهاشمي ـ الذي فر إلى كردستان ليحظى ببعض الأمان نسبيا ـ ليس مجرد سني بارز في الحكومة التي تهيمن عليها الشيعة فحسب، وإنما هو الاسم الذي به أمكن عقد صفقة مشاركة القائمة العراقية في الحكومة والتي رتبت لها الولايات المتحدة العام الماضي.

وتستطرد الجارديان فتقول إن “العراق يبدو مهددا بالعودة إلى مستنقع الطائفية، فالهاشمي الذي ندد بالاتهامات ضده واصفا إياها بمحاولة الانقلاب ليس وحده، فهناك صالح المطلك نائب رئيس الوزراء الذي صدرت إليه الأوامر بعدم الظهور في البرلمان ثانية، كما أن مجلس الصحوة من المقاتلين السنة الذي انقلبوا على القاعدة قد تركوا وهم في أمس الحاجة”.

وتلقي الصحيفة باللوم على الرئيس الأمريكي باراك أوباما فتقول إنه “كان بإمكان أي شخص التنبؤ بما سيجري، اللهم إلا رئيس أمريكي في عجلة من أمره عازم على نفض يديه من العراق”.

وتضيف أن 30 على الأقل من المرتبطين بإياد علاوي رئيس القائمة العراقية قد اعتقلوا في الأسابيع الأخيرة من قبل قوات أمنية تحت السيطرة الشخصية للمالكي في مداهمات كانت في ظاهرها تستهدف أعضاء سابقين في حزب البعث وابتدأت بإشارة استخبارية من ليبيا بالتخطيط لانقلاب، إلا أن ذلك قد اصبح ذريعة لاتخاذ إجراءات ضد القيادات السنية.

وترى الغارديان أنه يحق لعلاوي ـ الذي كان ضد الصفقة مع المالكي واضطر للرضوخ لرغبة حزبه بعد انشقاق شخصيات رئيسية عنه ـ القول “ألم أقل لكم ذلك؟”، كما ترى أيضًا أنه كان على حق في اتهام المالكي بأنه “دكتاتور ناشئ” وأنه يدفع بالبلاد إلى هاوية حرب طائفية جديدة، ويتجلى ذلك أكثر ما يتجلى في محافظة الأنبار حيث الفلوجة والرمادي وسجن أبو غريب، المواقع التي شهدت أسوأ فظائع الحرب.

وتوضح الصحيفة أن انضمام القائمة العراقية إلى الحكومة كان أساس الاستقرار الهش الذي مكن الولايات المتحدة من الانسحاب، لكن ـ ولنفس السبب ـ استبعادها قد لا ينبئ بخير في المستقبل.

وترى أن فكرة “استعادة السنة لبعض ما فقدوه من سلطة عن طريق القائمة العراقية قد أصبحت شيئا من الماضي، وحتى الوزارة التي صممت من أجلها لا تقوم بأعمالها، فالمالكي لم يعد يتصرف أبدا وكأن هناك ائتلافا. وهذا بالإضافة إلى الاعتقالات والاغتيالات قد لبّد الجو في المناطق السنية بالغيوم. وفي الأسبوع الماضي أعلنت محافظة ديالا هي الأخرى الحكم الذاتي، والعراق يتفسّخ مرة أخرى وقد لا يعود بلدا واحدا من جديد”.

مفكرة الإسلام 21/12/2012م

 
 

العراق أرقام وحقائق .. وجه أمريكا القبيح

1-  مليونان و350 ألف عراقي وصل عدد ضحايا الغزو الأمريكي للعراق حتى شهر مارس 2009م، يضاف إليها 34313 قتيلاً خلال عام 2009م، وأكثر من 4500 منذ مطلع عام 2010م، (رصد «د. جديون بلويا»، معتمداً على رصد منظمة السياسة الخارجية المشتركة العادلة في إحصائية لها، اعتمدت فيها على أرقام استقتها من المستشفيات وأقسام الشرطة والهيئات والمنظمات الإنسانية والصحية الدولية العاملة في العراق، وعبر مسح شامل لجميع الأراضي العراقية، إضافة إلى معهد (UK ORB)، ومجلة «لانست»، والقسم السكاني في الأمم المتحدة؛ صدرت في 5/3/2009م).

2-  أكثر من 5500 قتيل ومخطوف وسجين بين عالم ومفكر وأستاذ وأكاديمي وباحث، وخاصة علماء الذرة والفيزياء والكيمياء (اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتقرير لها بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة للاحتلال، صدر في 24/3/2008م).

3-  80% من عمليات الاغتيال استهدفت العاملين في الجامعات، أكثر من نصف القتلى يحمل لقب أستاذ وأستاذ مساعد، و20% من العلماء المغتالين يحملون شهادة الدكتوراه، وثلثهم مختص بالعلوم والطب (التقرير الدولي لمعهد الاقتصاديات والسلام بعنوان «التصنيف العالمي للسلام»، صدر في 4/6/2009م).

4-  العراق أخطر بلد في العالم للسنة الثالثة على التوالي في تصنيف لبلدان العالم حول استتباب الأمن والسلام فيه (صريح لممثلة اتحاد الأسرى والسجناء السياسيين العراقيين المحامية سحر الياسري، في حوار على هامش مؤتمر نظمته اللجنة العالمية لمناهضة العزل، بالتعاون مع جامعة بروكسل الحرة بعنوان «إرهاب الحرب الأمريكية على الإرهاب»، 2007م).

5-  في العراق أكبر عدد سجون في العالم، فيه 36 سجناً عدا سجن «أبو غريب» الذي يعد الأرحم من بينها، رغم فضائحه الفظيعة، وتضم هذه السجون 400 ألف معتقل، منهم 6500 حدَث، و10 آلاف امرأة («دوغلاس ستون»، قائد المعتقلات الأمريكية في العراق، في لقاء مع قناة «CNN» الإخبارية في 5/5/2008م).

المجتمع 17/12/2011م

 
 

الثورة السورية والبنية الإقليمية الشيعية

محمد بن المختار الشنقيطي

كان عالم الاجتماع العراقي الراحل الدكتور علي الوردي (1913-1995) من الباحثين العرب الجادين الذين حاولوا فهم الإشكال السني الشيعي بمنطق التحليل التاريخي، بعيدا عن النفَس الطائفي.

فقد أوضح الوردي في دراسته لنفسية الفرد العراقي كيف يتحول الدين أحيانا في السياق الطائفي الملتهب إلى هوية مغلقة ومجردة من أي التزام أخلاقي، وتوصل إلى أن الإنسان العراقي “أقل الناس تمسكا بالدين، وأكثرهم انغماسا بين المذاهب الدينية، فتراه ملحدا من ناحية وطائفيا من ناحية أخرى” (علي الوردي: شخصية الفرد العراقي، ص 47)، لقد “ضعفت نزعة التدين في أهل العراق وبقيت فيهم الطائفية: حيث صاروا لا دينيين وطائفيين في آن واحد، وهنا موضع العجب” (علي الوردي: وعاظ السلاطين، ص 260).

وتذكرنا ملاحظات الوردي هنا بقول الكاتب الأيرلندي جوناثان سويفت (1667-1745): “لدينا من التدين ما يكفي ليبغِّض بعضَنا إلى بعض، لكن ليس لدينا منه ما يكفي ليحبِّب بعضنا إلى بعض”.

وقد يكون في حكم الوردي هنا تعميم مجحف، فالتعصب الديني الممزوج بضعف التدين ليس عاما في أهل العراق، ولا هو خاص بالعراقيين دون الشعوب الأخرى. لكن الوردي يلفت النظر إلى ظاهرة عامة جديرة بالتأمل، وهي تحوًّل الأديان والمذاهب الدينية أحيانا إلى مجرد هوية وعصبية سياسية متجردة من أي مغزى أخلاقي أو رسالة إنسانية.

وتنطبق هذه الظاهرة على حكام دمشق اليوم أكثر من أي حكام عرب آخرين، فهم يجمعون بين انعدام التدين والتعصب الطائفي الذي يصل حد الفاشية.

لكن الأكثر إثارة في نظرات علي الوردي -وهو المنحدر من أسرة شيعية- هو تحليله للتشيع باعتباره مخزونا نفسيا واجتماعيا. فقد شبّه الوردي التشيع بالبركان الخامد الذي يُتوقع ثورانه في كل لحظة، فكتب منذ عقود يقول: “إنهم (الشيعة) اليوم ثوار خامدون، فقد خدرهم السلاطين، وحولوا السيوف التي يقاتلون بها الحكام قديما إلى سلاسل يضربون بها ظهورهم، وحرابا يجرحون بها رؤوسهم، ومن يدري فقد يأتي عليهم يوم تتحول فيه هذه السلاسل والحراب إلى سيوف صارمة من جديد… إن موسم الزيارة في كربلاء يمكن تشبيهه بموسم الحج لكثرة الوافدين إليه، هذا ولكن الزيارة الشيعية تختلف من بعض الوجوه عن الحج، إذ هي تحمل في باطنها بذرة من الثورة الخامدة، ومن يشهد هرج الزوار في كربلاء يدرك أن وراء ذلك خطرا دفينا… شبهنا التشيع في وضعه الراهن بالبركان الخامد، فهو قد كان في يوم من الأيام بركانا ثائرا، ثم خمد على مرور الأيام، وأصبح لا يختلف عن غيره من الجبال الراسية إلا بفوهته والدخان المتصاعد منها، والبركان الخامد لا يخلو من خطر رغم هدوئه الظاهر، إنه يمتاز على الجبل الأصم بكونه يحتوي في باطنه على نار متأججة، ولا يدري أحد متى تنفجر هذه النار مرة أخرى.” (الوردي: وعاظ السلاطين، ص 255).

ومن الواضح أن البركان الشيعي الخامد الذي تحدث عنه الوردي منذ عقود قد انفجر انفجارا مدويا، وألقى بحممه إلى أصقاع بعيدة. وكانت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 والانفجار الطائفي الدموي في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003 تحقيقا لنظرات الوردي الصائبة.

فقد فتح البركان الخامد فوهته على مصراعيها، فغطى إيران بلهبه، وألقى بحممه فأحرق العراق، وامتد حريقه إلى بلدان أخرى عديدة. ولا يكفي تفسير هذا الانفجار البركاني بظلم الشاه أو بدور الاحتلال الأميركي للعراق-رغم خطورتهما- فقد عانت شعوب عديدة من الاستبداد ومن الاستعمار فلم تكن ثمرات ذلك انفجارا بهذه الروح والمزاج، وإنما يحتاج الأمر إلى أخذ ذلك المخزون النفسي الذي تحدث عنه الوردي في الاعتبار.

وقد نال سوريا حظها من انفجار البركان الشيعي الخامد، لكن هذا البركان لم يثر في سوريا في صيغة ثورة مدوية على النمط الإيراني، أو في صيغة حرب أهلية على النمط العراقي، وإنما اتخذ في سوريا صيغة تسرب هادئ إلى قمة الجبل، وتحكمٍ فيها دون ضجيج، وإنما أسفر الإحياء الشيعي في سوريا عن وجهه البركاني في مذابح حماة وتصفيات سجن تدمر المروعة.

وربما كان الشيعة اللبنانيون الذين تحول بركانهم إلى سياط في ظهر إسرائيل هم الاستثناء الذي لم تتجه حمم بركانه إلى الداخل العربي المسلم بشكل عنيف، رغم المناوشات التي بدت على السطح من حين لآخر.

وبدخول إيران في حلف مع سوريا مطلع الثمانينيات، ثم انضمام العراق إلى ذلك الحلف بعد ثلاثة عقود، وانبعاث الشيعة اللبنانيين -بصعودهم الاجتماعي وريادتهم في مقاومة إسرائيل- اكتملت حلقات ما دعاه والي نصر “صحوة الشيعة” في كتابه المعنون بهذه العنوان، واستحكمت حلقات بنية إقليمية شيعية قوية، تمتد من طهران إلى بيروت، مرورا ببغداد ودمشق.

بيد أن هذه البنية التي تحولت تمددا إيرانيا في الفراغ الإستراتيجي العربي لم تحسن التعامل مع أهم حدث في تاريخ العرب الحديث، وهو ربيع الثورات العربية الذي نعيشه اليوم. لقد استغرب كثيرون من أهل الرأي والقلم -ومنهم من يمقُت الطائفية كما أمقُتُها- إجماع الأطراف الإقليمية الشيعية اليوم على الاصطفاف مع نظام الأسد في فظائعه ضد الشعب السوري:

* فقد وقفت إيران بعنجهية وعناد مع نظام الأسد الذي اعتبرته حليفا لا يمكن التفريط فيه، ولم ترفَّ أجفان القادة الإيرانيين ولا رقت قلوبهم أمام مشاهد الشباب السوري الذي تحصده آلة الموت الأسدية حصدا. والعجب أن تحاول إيران القيام بدور الغرب الاستعماري في حماية الدكتاتورية في وقت اضطر فيه الغرب نفسه إلى الخجل من هذا الدور القذر والتملص منه.

ليس من ريب أن هذا دليل على تخلف الحكام الإيرانيين في قراءتهم للمسار التاريخي الذي تتجه إليه المنطقة اليوم، وجهلهم بعواقب ذلك على دولتهم الصاعدة التي يتقاذفها الأعداء من كل جانب.

* وتحول حسن نصر الله إلى بوق للنظام الدموي في دمشق، وأصبح الرجل الذي كان ملهما للشباب العربي وجها باهتا من حماة الطغيان ودعاته، فغدت طلعاته الإعلامية تسويغا للظلم وتشريعا للقتل، بعد أن كانت بالأمس القريب بريق أمل في بحر من ظلمات الهوان. وكما هو حال إيران فقد ركب حزب الله المهالك في وقوفه إلى جانب القتلة في سوريا، إذ رجح مصلحته التكتيكية في الحلف مع نظام الأسد على مصلحة إستراتيجية أكبر هي الالتحام بعمق شعبي سوري وعربي توفره له الثورات.

* أما القوى الشيعية في العراق فقد تردد موقفها بين الصفاقة التي برر بها مقتدى الصدر دموية الأسد واتهم الثوار السوريين بالطائفية -ربما من باب قول العرب: “رمتني بدائها وانسلت”- إلى الموقف المراوغ الذي تبناه نوري المالكي مراعاة لتوازنات السياسة الداخلية العراقية.

لقد تناسى المالكي كل صراعه مع حكام سوريا، واتهامه لهم بدعم المقاومة العراقية، حينما أصبح ما يعتبره مكسبا طائفيا في خطر، وهو حكم العلويين لسوريا. وقد نهج المالكي في الفترة الأخيرة نهج الغموض الإستراتيجي في القضية السورية، فهو يجامل الداخل العراقي والجامعة العربية بجمل منمقة حول أهمية السلم الأهلي في سوريا، ويسعى لإنقاذ حكم الأسد المتداعي بكل ما يملك.

إن الاستبداد هو الذي فرق بين السنة والشيعة، وبين العرب والإيرانيين، وهو استبداد قد يلبس عمامة فقهية أو خوذة عسكرية، لكنه هو الاستبداد ذاته بوجهه القبيح. ولن يجمع بين الطرفين سوى الحرية والاعتراف بحق الاختلاف. فلن يسعف الأسدَ الملطخ اليدين بدماء شعبه أن يسحب العلويين إلى حرب أهلية مع شعبهم، أو يتترس بحلف إقليمي مذهبي لا يملك من الانتماء إليه سوى الاسم والمصلحة الأنانية. ولن يكون الرد المناسب على اصطفاف البنية الإقليمية الشيعية وراء مصاصي الدماء في دمشق هو اصطفاف إقليمي سني مقابل، بل الرد الحقيقي هو ما رد به ثوار سوريا من نقض المنطق الطائفي، والتصميم على تحقيق دولة الحرية والعدل للجميع مهما يكن الثمن. فليس يهم مذهب الظالم أو مذاهب المظاهرين له، وإنما المهم هو الأخذ على يد الظالم، وقسره على الحق والعدل قسرا.

ربما يكون قدَر بلاد الشام -الجميلة بتاريخها وأهلها- أن تكون مركز تجاذب أبدي. فقد تنازعها الفرس واليونان، ثم الفرس والرومان، ثم العرب والروم، ثم الترك والفرنجة، ثم الترك والروم، ثم الفرنسيون والإنجليز.. وكانت -ولا تزال- موطن تنازع طائفي وثراء ديني وثقافي كثيف.

لكن الربيع العربي الحالي فرصة تاريخية للمصالحة مع الذات ومع الغير، بميلاد فضاء من الحرية يسع الجميع، بما في ذلك تمكين الشيعة من الخروج من أسر المظلومية والذاكرة الموتورة إلى الاندماج في جسد الأمة من جديد، دون خوف من الاضطهاد، أو تنازل عن الخصوصية الفكرية والفقهية.

لكن مواقف القوى الإقليمية الشيعية من الثورة السورية يوشك أن يحول هذه الفرصة التاريخية إلى سراب. لقد تحول حامل راية المظلومية التاريخية إلى ظالم أو مُظاهِر للظلم، وفرط قادة الشيعة في إيران والعراق ولبنان فيما تحمله الثورات العربية من إمكان التئام الجرح الطائفي المزمن، وبناء دولة المواطَنة الرحبة التي لا منة فيها لأحد على أحد، ولا تمييز فيها على أساس الدين أو المذهب.

لقد سمعتْ البشرية كلها -عبر القنوات الفضائية والشبكة الإلكترونية- ذلك الرجل السوري الذي يأخذ بنياط القلوب، وهو يصرخ: “أنا إنسان.. ماني حيوان”. وهو يذكرنا بالإفريقي الأسود في أميركا الستينيات الذي كان يحمل على صدره لافتة كتب عليها نفس الجملة البسيطة العميقة المؤلفة من كلمتين: “أنا إنسان”. وهذا المدخل الإنساني هو الذي كان يتعين على قادة الشيعة أن يتدبروا به الثورة السورية. أما المثنوية والأنانية السياسية والكيل بمكيالين فهي أمور لا تصلح في التعاطي مع ثورات شعوب تسقي شجرة الحرية كل يوم بدمائها، وإنما يصلح للتعاطي مع هذه الثورات موقف أخلاقي صُراح لا ازدواجية فيه ولا التواء، موقف يُعاضِد كل الشعوب الطامحة إلى العدل والحرية، من صنعاء إلى حمص، ومن المنامة إلى طرابلس الغرب. موقف لا يرى في الإنسان العربي الثائر من أجل الحرية والكرامة سنيا أو شيعيا، مسلما أو مسيحيا، بل يرى فيه إنسانا مجردا، يسعى إلى الاعتراف بإنسانيته.

لقد أمسكت الشعوب العربية بزمام تاريخها، وهي مصممة على التخلص من الغزاة والطغاة والغلاة، سنة كانوا أو شيعة، مسلمين أو مسيحيين.. فهل يدرك حكماء الشيعة ذلك ويلتحموا بتيار التاريخ الجارف قبل فوات الأوان؟ وهل يتداركون مخاطر الهوة التي يقودهم إليها أسدٌ ظالم، مجروح الكبرياء، غارق في الدماء؟

الجزيرة 21/12/2011م