RSS

Monthly Archives: August 2013

من اغتال رفيق الحريري؟

(1) من اغتال رفيق الحريري؟ – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من لبنان

لم أكن بصدد أن أكتب شيئاً عن رفيق الحريري.. ولكن حادث مقتله.. وعرض جانب من سيرته على شاشات التلفزيون.. ومعرفتي بعدد من الطلبة الذين قيل أن عددهم 33 ألفاً، درّسهم الحريري على حسابه في الجامعات المختلفة في أوروبا وأمريكا.. وصور العائلات والنساء والرجال والأرامل الذين كان ينفق عليهم الحريري.. بدّل الصورة التي كنت كونتها عن الرجل.. وبذلك رأيت أن أكتب بضع كلمات عن هذا الرجل الكبير.

الرئيس الشهيد رفيق الحريري

الكلمة الأولى: إن رفيق الحريري وهو (حتى الآن) الأخير في مسلسل الاغتيالات.. الذي سقط فيه عددٌ من قيادات لبنان، ومنهم:

كمال جنبلاط السياسي الأخلاقي الوطني، رشيد كرامي الوطني الأخلاقي، أديب الصالح السياسي المؤمن الذي برز دوره عندما غاب غيره، بشير الجميل رئيس جمهورية لبنان، الرئيس رينيه معوض الذي اختير رئيسا للجمهورية بعد مؤتمر الطائف الذي عقد في السعودية، بشير الجميل، الشيخ حسن خالد مفتي لبنان، وسليم الحص الذي كان ينبغي أن يقتل مع حسن خالد والذي لعب القدر في إبعاده عن مسلسل القتل، معروف سعد الزعيم الشعبي البارز في صيدا، وريمون اده الذي هرب إلى فرنسا ومات فيها حتى لا يغتال.. والمرابطون الذين تمت تصفيتهم دون الميليشيات كلها.

قالوا: كان القتل في إطار الإسلام السني.. عبّر عن ذلك مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني عندما قال: المستهدف من اغتيال الحريري هم سنة لبنان.

وأقول: بل كان لكل القيادات الوطنية التي ترفض الاحتلال والتبعية وحكم المخابرات.

الكلمة الثانية: أن رفيق الحريري كان عرّاب اتفاق الطائف ومهندسه.. وقد أثار هذا الاتفاق حنق جميع الأطراف اللبنانية والخارجية التي تريد الهيمنة وحدها على لبنان.. عن طريق تمزيق الصفوف، وتطبيق سياسة فرّق تسد.. ولهذا فقد كان الحريري هو الهدف الذي ينتظرون تصفيته.. عندما يصبح اتفاق الطائف هو الذي يفرض المواقف!

الكلمة الثالثة:  أما من قتل الحريري.. كثيرون قالوا وسموا هذا الطرف أو ذاك، وبعضهم قال: فتش عن المستفيد، وبعضهم كالعادة ألقاها في وجه القوى الخارجية إسرائيل وفرنسا والأمريكان.. وأنا أقول:

    * الذي قتل الحريري هو الذي اغتال من سبقوه، والذين سجلت قضاياهم ضد مجهول. بينما أصابع الناس تشير إلى هذا المجهول!

    * بل هو ممن اعتاد تصفية الناس بغير حساب.. فالقتل هو في الأساس موقف نفسي تكتسبه الديكتاتوريات عندما تستهين بالإنسان من مواطنيها أو غيرهم.

الكلمة الرابعة: حول المبادرة التي أطلقتها الجماعة الإسلامية في لبنان والتي طالبت:

1-   أن تبادر الدولة إلى إقالة المسؤولين الأمنيين.. الذين يتحملون المسؤولية عن هذه الجريمة.

2- لا يمكن البحث في أية مبادرة لإزالة الاحتقان، قبل الكشف عن مرتكبي هذه الجريمة، ومعاقبتهم، وأن تصدي القضاء اللبناني وحده للتحقيق في هذه الجريمة لا يريح أهالي الشهداء والمصابين وجمهور الناس.

3-   استقالة رئيس الجمهورية.. وهي مبادرة قيمة.. حبذا أن تؤخذ بالجدية اللازمة من قبل كل الأطراف.

الكلمة الخامسة.. هي مجرد تساؤلات!

فما علاقة الوجود السوري في لبنان.. وتدخله في كل صغيرة وكبيرة من أمور شعبه.. مثل نقل حارس.. أو تعيين جندي.. أو اختيار رئيس بلدية.. أو إرسال بعض القبضايات لتأديب فلان.. أو منع مواطن لبناني من دخول بلده لأكثر من ثلث قرن.. أو خطف بعض اللبنانيين إلى عنجر أولاً ثم إلى دمشق.. ما علاقة كل ذلك بنظريات التحرير ومقاومة الأعداء..؟

ثم أليست الجولان منطقة نموذجية للتحرك ضد إسرائيل.. فلماذا صمتت هذه الجبهة منذ عام 1967م؟ وبقيت جبهة جنوب لبنان وحدها المشتعلة؟!

وإذا كانت السلطات جادة في معرفة من قتل الحريري.. فلماذا لا تكشف من قتل الذين سبقوه؟!

2005/3/9م

 
Leave a comment

Posted by on August 9, 2013 in خواطر حول العالم

 

الانتخابات في اليمن

(4) الانتخابات في اليمن – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من اليمن

 

جرت في الأيام الأخيرة انتخابات برلمانية في اليمن.. وما زالت بعض ذيولها مستمرة.

ولا يُعرف هل ستستمر هذه الذيول، أم أنها أجواء الانتخابات التي تصعّد المواقف.. وتعلي من نبرة التحدي.. ويضفي الحماس فيها على المواقف مزيداً  من التوتر؟

وعهد الناس بهذه البلاد.. أن الإيمان يمان.. والحكمة يمانية.. فما الذي غيّر الأمر؟

طبيعة الديمقراطية في بلادنا

لقد وفدت إلينا الديمقراطية.. التي أوجدها الفكر الإغريقي.. ثم التقطها الغرب الرأسمالي.. باعتباره امتداداً للفكر الروماني والإغريقي.. وبدأ بتطبيقها.. ثم بالمناداة بها باعتبارها الفكر المخلص من الديكتاتورية.. والفساد.. والاضطهاد.. وعرّفها الغرب عندما قدمها للآخرين بأنها تقوم على: رعاية حقوق الإنسان، والحريات، والتعددية السياسية، والانتخابات البرلمانية، والأحزاب وتعددها، والمعارضة بأطيافها، وإعطاء المرأة حقها السياسي، واحترام الأقليات الدينية والعرقية ووضعها على قدم المساواة مع الآخرين، وتداول السلطة، والتعايش السلمي بين الدول والجماعات والأحزاب.

وقد أصبحت الديمقراطية في العالم الإسلامي قضية كبيرة.. فالبعض لا يقبلها باعتبارها حكم الشعب للشعب والمسلمون لا يرون ذلك فالنصوص القرآنية والحديث النبوي الشريف هو المحكم في قضايا المسلمين.. باستثناء المصالح التي لم يرد فيها نص فالكلمة فيها للاجتهاد المنضبط بالنصوص.

وبعض المسلمين نظروا للقضية باعتبارها مدخلاً للخلاص من الظلم والاستبداد والتبعية، وأداة لتخطي العسكرتاريا الحاكمة!!

عندما سئل الأستاذ نجم الدين أربكان.. لماذا غيرتم نظرتكم في قضية انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي.. قال: وجدنا الاتحاد الأوروبي أرحم بنا من حكومات العسكر..!

وبدأت الأنظمة في بلادنا امتثالاً للغرب.. بتطبيق الديمقراطية.. وأوجد كل نظام تعريفه الخاص للديمقراطية.

فبعض الأنظمة سمحت للأحزاب التي لا تمثل أحداً.. ومنعت الاعتراف بالأحزاب التي تمثل الشعب.. وأقام الحاكم حزباً له، يحصل على معظم أصوات البرلمان.. يحكم به ويتمتع بخيرات الأمة ولا يجد من يحاسبه.

وبعض الأنظمة اعتبرت حزبها الحاكم.. هو الحزب القائد.. وكل من ينتسب لأحزاب أخرى.. يقدم إلى المحكمة.. حكمه السجن في بعض الأقطار.. والإعدام في أقطار أخرى مثل النظام المستبد الذي سقط أخيراً في العراق.

وبعض الأنظمة.. لا انتخاب ولا من يحزنون.

كنت أتحاور مع بعض المسؤولين في السودان وقلت لهم: لماذا ينجح كثيرٌ من النواب بالتزكية؟ لماذا لا تكون معركة حقيقية.. ينجح فيها من يريده الشعب؟!

وأريد أن أقول: أن الديمقراطية في اليمن.. هي من أفضل الديمقراطيات في المنطقة العربية المبتلاة بالديكتاتورية والفساد.. ففيها أحزاب حقيقية.. وفيها معارضة حقيقية..

لقد زرت اليمن قبل فترة.. وتجولت في العديد من المدن.. وتحدثت مع شرائح متعددة حديثاً واضحاً وصريحاً.. ولم يسألني أحد.

ولقد سرّني ما قرأته للأستاذ الأمين العام للتجمع اليمني للإصلاح محمد اليدومي.. عندما دعا إخوانه إلى قبول نتائج الاقتراع لاختيار البرلمان الجديد.. وأكد أن حزبه الذي خاض منافسة شرسة مع الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) سيتعاون معه على رغم رفضه أن يكون شماعة للحزب الحاكم وسياسته.

رصيد الخبرة

ثم هناك عامل آخر.. يدعو الإسلاميين في اليمن إلى استمرار علاقتهم بالحزب الحاكم.. قد تتوتر هذه العلاقات أحياناً فيدخل المصلحون لإصلاحها.. فرصيد الخبرة والتجربة                                                        –

يتطلبان ذلك..

فهما معاً (التجمع والرئيس) من تصدى للجبهة الوطنية الديمقراطية المدعومة بالسلاح من الحكم الشيوعي في عدن.. والتي كادت أن تحقق انتصاراً على الحكم في صنعاء عام 1980.. فنزلت الحركة الإسلامية بكل فصائلها إلى الميدان.. وبتفاهم كامل مع الرئيس علي عبد الله صالح.. وخاضت مع الماركسيين معارك عنيفة أكبرها معركة جبال هكمان الشهيرة في محافظة تعز.. وقلبت هذه المعارك موازين القوة.. فاضطر على ناصر محمد إلى زيارة صنعاء مطالباً بوقف إطلاق النار.

وفي مرحلة تالية (1981 – 1983) حقق الإسلاميون والرئيس معاً الإجراءات المتعلقة بإنجاح المؤتمر الشعبي العام وإقرار الميثاق الوطني.

وفي نوفمبر 1989 وقّع الجنوبيون بعد تصاعد المدّ الإسلامي، وسقوط الاتحاد السوفياتي، اتفاقية الوحدة مع الشمال.. وفي مايو 1990 قامت الوحدة في اليمن بين الشطر الشمالي والجنوبي.

وفي 4 مايو 1994 قامت الحرب التي افتعلها الاشتراكيون في الجنوب، وفي 21 مايو 1994 أعلن علي سالم البيض انفصال المحافظات الشرقية والجنوبية.

علي سالم البيض

كانت الظروف الإقليمية والدولية تدعم حكومة عدن.. وكانت معسكرات الاشتراكيين تملك ترسانة هائلة من الأسلحة الروسية المتطورة.

وفي وقت تعددت فيه الخيارات أمام السلطة في صنعاء! هل يجمعون ما خف وزنه وغلى ثمنه.. ويركبون الطائرات إلى أقرب دولة تحميهم..؟!

ومرة أخرى نزل الإسلاميون إلى الميدان.. ولا توجد أدنى مبالغة عندما نقول أن الإسلاميين هم الذين حسموا المعركة لصالح الوحدة.

وتساءلوا : ماذا يريد الرئيس؟

يريد أن يكون رئيساً للجمهورية بدلاً من المجلس الرئاسي الذي هو فيه عضو من ثلاثة.. أحدهم من التجمع اليمني للإصلاح..؟ ووافق التجمع.. وأصبح علي عبد الله صالح رئيساً للجمهورية.

يريد أن يترشح للرئاسة مرة ثانية وثالثة؟

ورشح التجمع الرئيس علي عبد الله صالح للانتخابات الرئاسية.

لقد حسبها التجمع اليمني للإصلاح بطريقة صحيحة.. فرصيد الخبرة، والتجربة، والطريق المشترك، والمواقف الصعبة، التي سلكاها معاً مع الرئيس.. تتطلب مثل هذه المواقف..

ولكن هل هذا الموقف لصالح التجمع اليمني للإصلاح؟

نعم بكل تأكيد.. والدليل على ذلك هو أنه بالرغم من كل إجراءات السلطة.. واعتداءات الحزب الحاكم.. فقد حصل التجمع اليمني للإصلاح على أصوات المدن الكبرى.. التي تضم المثقفين والطلاب والسياسيين.. وهؤلاء أثقل في الميزان من الأعداد المضاعفة التي حصل عليها الحزب الحاكم في القرى ومواقع القبائل.. ومن تعرفه خيرٌ من الذي تجهله!.

صنعاء – 2003م

 
Leave a comment

Posted by on August 4, 2013 in خواطر حول العالم

 

حقيقة الأزمة وقضية الوحدة اليمنية

(3) حقيقة الأزمة وقضية الوحدة اليمنية – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من اليمن

شعب يمني واحد

في أقسى الظروف التي عاشها اليمن.. كان اليمنيون يشعرون أنهم شعب واحد.. وإذا كانت الظروف قد أملت على بلادهم أن تقسم بين شمال يحكمه الأئمة، وجنوب يخضع للاستعمار البريطاني، إلا أن الشعب كان يعيش الوحدة في وجدانه وكل مشاعره.

عندما قامت حركة الأحرار اليمنية في الشمال في أربعينات هذا القرن ضد حكم الأئمة الذي أشاع الظلم والفقر والجهل والمرض.. لم يجد بعض قادة الحركة مثل الزبيري والنعمان – بعد فشل حركتهم – إلا مدينة عدن.. ليجدوا قلوب وبيوت إخوانهم في الجنوب مفتوحة لهم.. الأمر الذي مكنهم من قيادة حركتهم من الجنوب

الزبيري والنعمان

وعندما نجحت ثورة سبتمبر 1962‏م ضد الإمامة.. جعلت من أهدافها ‏الستة التي أعلنتها: تحرير جنوب البلاد من الاستعمار البريطاني.

فمن أين جاءت قصة يمنين وشعبين..؟

القصة بدأت مع تسلم الحزب الاشتراكي (الابن الشرعي للجبهة ‏القومية) السلطة في الجنوب.. وهذا الحزب شأنه شأن جميع ‏الأحزاب القومية في الوطن العربي كان يصم الآذان بشعارات الوحدة.. فلما تسلم السلطة جاء من يذكره.. بأنه آن الأوان لتطبيق شعارات الحزب وإعلان الوحدة.. ولكن الفريق الماركسي في الحزب.. ذكّر الرفاق وقال: وكيف ننضم إلى شمال متخلف رجعي..؟!

وبدأت الحكاية التي تكررت في كل بلاد العرب.. ثورة ثقافية تجعل الجميع يؤمن بالاشتراكية والماركسية، ومن ثم يصير اللقاء وتكون الوحدة تلقائية. كان التيار لصالح الماركسيين.. فعندما تسلم إبراهيم الحمدي الحكم في الشمال بانقلاب عسكري عام 1974‏م.. قرر زيارة عدن والإعلان من هناك عن ثورة ثقافية.. وعندما قتل عام 1977م وحكم من بعده المقدم أحمد الغشمي قتله الاشتراكيون.. ثم جاء من بعده على عبد الله صالح عام 1978‏م.

في هذه الفترة عام 1978‏م تكونت الجبهة الوطنية في الشمال.. تحمل أفكار الحزب الاشتراكي الحاكم في الجنوب.. والتي قامت بعمليات تخريب في بعض المحافظات الشمالية.. كانت أعنفها حرب عام 1979م التي استمرت لأكثر من عام.. والتي كادت أن تحقق انتصارا على الحكم في الشمال عام 1980م. واشترطت من أجل وقف القتال اشتراكها في الحكم بشرط إعطائها الوزارات السيادية مثل الخارجية والداخلية والإعلام والتربية والجيش.

ولقد استطاع الكفاح الشعبي الإسلامي الذي أدرك خطورة سيطرة الماركسيين على كامل اليمن، أن يخوض معارك عنيفة مع مرتزقة الجبهة الوطنية المدعومة من جيش الجنوب.. كان أعظمها المعركة التي خاضها المجاهدون في جبال هكمان الشهيرة في محافظة ‏تعز والتي كان من نتائجها أن قام علي ناصر محمد الأمين العام للحزب الاشتراكي بزيارة لصنعاء يطالب بوضع حد للقتال وفتح صفحة جديدة بين البلدين.. لقد أخافهم الزحف الإسلامي.. !!

ومع هذه الصفحة الجديدة التي أرساها علي عبد الله صالح مع علي ناصر محمد.. بدأت مرحلة المؤتمر الشعبي الذي تأسس عام 1982‏م برئاسة علي عبد الله صالح.

علي عبدالله صالح

نتائج متوقعة بين الحرب والسلام

لم تنته المعارك بعد.. وحتى كتابة هذا التحليل فإن القوات الشمالية مازالت تحاصر عدن.. مع وجود ضغوط سياسية تحول دون اقتحامها.. ومع ذلك فإننا نستطيع أن نسجل بعض النتائج المتوقعة بين الحرب والسلام:

1- مهما تكن النتائج وسواء بقيت الوحدة الصورية أم حل مكانها الانفصال أو التشرذم .. فإن الجنون الذي حدث كرس الانفصال الأبدي ودق اسفين الفرقة والأحقاد والرغبات الجامحة بالثأر والانتقام. خاصة وأن عدد القتلى تجاوز حسب التقديرات الـ 20 ألف قتيل.

2- ومهما تكن نتائج المعارك.. فإن هذه الحرب التي يدعو فيها خطباء المساجد في صنعاء إلى الجهاد ضد الماركسيين المارقين، وبالمقابل يحاول الجنوبيون جاهدين استمالة العشائر والقبائل والأحزاب التي سبق وحاربوها.. هذه الحرب لن تتوقف عندما تصمت المدافع والصواريخ .. بل ستتحول إلى حرب استنزاف قبلية لن تهدد وحدة اليمن فقط.. بل ستعمل على تمزيقه إلى شعوب وقبائل تحكّم شرائع الغزو والثأر بدلا من قانون الدولة..

هذه الحروب االقبلية هي الأكثر دواما، فلا أحد يتنازل عنها، لأن شرف القبيلة يعلو على حياة كل أفرادها.

‏ولقد سمعنا وقرأنا لسلطان حضرموت.. أن بلاده لم تكن في يوم ‏جزءا من اليمن .. شماله أو جنوبه !

3- مما لا شك فيه أن التخويف بالأصولية لعب دورا في تفجير الأوضاع في اليمن.. فقد قدّم قادة الحزب الاشتراكي أنفسهم كمن يحارب ليمنع إقامة دولة إسلامية أصولية ستكون مصدر تهديد للدول المجاورة لليمن حسبما قال الأمين العام المساعد للحزب السيد سالم صالح محمد. ومن الواضح أن الاشتراكيين يطمعون من وراء هذه التصريحات استثارة القوى الإقليمية والدولية للمبادرة إلى تقديم العون لهم.

أما الأحزاب الأصولية في اليمن فهي:

حزب الحق: وهو حزب إسلامي ذو ميول شيعية زيدية . شكل قبل فترة مع الحزب الاشتراكي نواة معارضة ضد علي عبد الله صالح. وعندما ‏أعلن الاشتراكي الانفصال عاد الحزب إلى قواعده الشمالية.

التجمع اليمني للإصلاح ذو الصلة الوثيقة بالإخوان المسلمين، فهو مرتبط بالحركة الإسلامية العالمية، وله علاقات وثيقة مع دول إسلامية عدة. يتولى الشيخ عبد المجيد الزنداني وهو أحد قادته ‏عضوية مجلس الرئاسة اليمني. كما ويشارك التجمع بعدد من الوزراء. كما أن الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر زعيم التجمع يترأس مجلس النواب.. كما أن عددا من الإسلاميين يشغلون مواقع جيدة في عدد من الأجهزة الأمنية.

رابطة أبناء اليمن وزعيمها عبد الرحمن الجفري الذي تحالف حديثا مع الحزب الاشتراكي، وله تاريخه الإسلامي العريق، يتضح ذلك من كتاباته وخطبه وفلسفة حزبه.. كما أن لعمه المرحوم السيد عبد الله علوي الجفري اتصالات قديمة مع الإسلاميين .. وكانت الجبهة القومية آنذاك والاشتراكيون لاحقا اضطهدوه وصادروا ممتلكاته بحجة أنه من الإسلاميين.. ويظهر أن تحالفه الجديد مع الاشتراكيين عبارة عن لقاء ‏مصلحة موجه أصلا ضد علي عبد الله صالح.

وفي الجنوب توجد الحركة الإسلامية الحديثة وجلها من الشباب.. موجودة في معظم محافظات الجنوب.. وهذه الحركة تنتمي إلى الإخوان المسلمين.. قسم منها ارتبط تنظيميا بالتجمع اليمني للإصلاح وقسم آخر مازال مستقلا.

أما حركة الإخوان المسلمين العالمية فقد أصدرت بيانا معتدلا دعت فيه الأطراف المتحاربة إلى وقف نزيف الدم.. ولكنها أكدت في الوقت نفسه ضرورة المحافظة على الوحدة.

4- ينظر الكثيرون إلى حرب اليمن باعتبارها ملحقا لحرب الخليج.. فدور صدام في الوحدة اليمنية عام 1990‏م.. ودور اليمن وموقفها من غزو الكويت.. والخلافات مع المملكة العربية السعودية على الحدود.. كل ذلك جعل الخليج يقف تلقائيا مع حكومة عدن.. التي أبدت كل الاستعداد (فيما يبدو لحسن الجوار مع منطقة الخليج).

5- الجميع يتساءل عن موقف الأمريكان.. هل لهم مصلحة في استمرار القتال.. أم في إيقافه.. تصريح وزير الخارجية الأمريكي كريستوفر الذي وجه رسائل إلى وزراء خارجية دول مجلس التعاون ‏الخليجي يحذرهم من مغبة استمرار هذه الحرب وضرورة إنهاء قتل اليمنيين على يد اليمنيين وإلى ضرورة التوصل إلى وقف فوري للنار يتبعه تطبيق وثيقة العهد والاتفاق التي وقعها اليمنيون في عمان. كما أعرب عن استياء حكومته من جراء شحنات الأسلحة الكبيرة التي تتدفق على اليمن.. فهل هذه التصريحات توضح موقف أمريكا.. أم أنه موقف قابل للتغيير..؟

6- إن دخول مجلس الأمن على الخط، هو أهم تطور سياسي في الموضوع، وهو يعطي فكرة عن مدى الاهتمام الدولي بما يجري في اليمن.. فللقوى الإقليمية القادرة على الضغط.. وللقوى العالمية مصالحها في ‏المنطقة.. ومن هنا يفهم تركيز الشمال على السيطرة على شبوه ‏التي تشكل حقولها النفطية امتدادا لحقول محافظة مأرب ‏الشمالية، وعلى تحقيق اختراق في حضرموت للسيطرة على حقولها ‏النفطية الغنية. ومثل هذا التحرك الدولي هو أقرب لمصلحة ‏الجنوبين الذين هيأتهم الظروف للعب هذا الدور.. والذين هم ‏بطبيعتهم مستعدون له. وتوجه مجلس الأمن هو العودة إلى طاولة ‏الحوار بعد ما أظهر كل طرف ما الذي يستطيع عمله. فلا الوحدة ‏ممكنة بالتصعيد العسكري ولا الانفصال ممكن بالتصعيد السياسي ‏الذي بلغ ذروته بإعلان جمهورية اليمن الديمقراطية.

7- إن استمرار القتال.. وتفوق اليمن الشمالي عسكريا.. سيضعها في صفوف الدولة التي تهدد المنطقة وسيؤثر ذلك على اليمن مستقبلا وربما ساعد في عزلتها.

الوحدة بين الحقيقة والوهم

تتعلق شعوبنا العربية في أغلب مواقعها بالوحدة .. بل وتعتبرها مقدسة ينبغي قيامها.. وإذا قامت فلا بد من الحفاظ عليها بكل الوسائل.. وهذه النظرة سببها التجزئة التي فرضها الاستعمار الأوروبي على أمتنا فأصبحت بموجبها الأمة الواحدة التي يجمعها الدين والتراث والتاريخ والأرض واللغة والآمال والمصير.. مزعا متفرقة لكل منها علم ونشيد.. وإذاعة وتلفزيون.. وسيادة وحدود.. وأخيرا عضوية في المحافل الدولية ‏وفي ظل هذه الكيانات بقيت الأمة تحن إلى وحدتها التي هي – في نظرها- عنوان عزتها وسؤددها.

ولقد قامت في عصرنا الحديث عدة محاولات للوحدة أولها الوحدة الفلسطينية- الأردنية والوحدة المصرية- السورية.. والاتحاد الهاشمي.. ووحدات صورية بين ليبيا وكل من مصر وتونس والسودان والمغرب.. وأخيرا الوحدة اليمنية بين شطري اليمن الشمالي والجنوبي.

هذه المحاولات فشلت جميعا.. ولم يقتصر فشلها على المعنى السياسي للوحدة.. بل كانت نتائجها وبالا على معنى الوحدة والأخوة .. وتقارب الشعوب.. والمصير الواحد.. إلى آخر هذه المعاني التي هي بالأساس المحرك الحقيقي لوحدة الأمة.. ولا بد لنا من أن نسلم بأن الكيانات العربية والإسلامية بحدودها الحالية.. وبالثقافات التي تغذي هذه الكيانات.. وبالسلطة المتحكمة التي فرضت نفسها على شعوبها، وليس بمقدورها الاستمرار بحكمهم إلا من خلال: إبراز التناقضات، وإحداث انقسام مجتمعي هائل، وإغلاق كل أبواب الحوار والتفاهم بين طبقات الشعب. فاستغلت الأقليات وأبرزت الطوائف، وأحيت اللغات الميتة.. وحوّلها الجميع إلى قبائل تتصارع.. كل ذلك قد أثرت عميقا في نفسية الشعوب وجعلها تتمسك بهذه الكيانات.. وإذا كانت الوحدة مازالت حلما ورديا عاطفيا يداعب أحلام الجماهير..فإن الكيانات الإقليمية وشيوع القبلية وتحكم الأهواء الشخصية والخلافات الذاتية هي أقرب للحقيقة (مع الأسف الشديد) من الأحلام.

ولكن لماذا؟ ما هو سبب هذا الانقلاب..؟ كيف أصبحت الكيانات المفتعلة هدفا يسعى إليه الكثيرون..؟

السبب في تقديرنا هو أن الحكام هم الذين يصنعون الوحدة.. يرتبونها حسب مصالحهم.. ويفصّلونها عل مقاسمهم.. يتقاسمون مناصبها ويستأثرون باقتسام خيراتها.. حتى إذا اختلت حساباتهم لأي سبب من الأسباب.. نقضوا ما اتفقوا عليه وانتهت الوحدة.

ومن الخطأ البالغ أن نعتبر مثل هذه المواقف.. وحدة تحميها الشعوب بصدورها وتدافع عنها.. فهي لم تكن فيها في البداية ولا يهمها كثيرا أن تكون فيها في النهاية.

كان الشعبان السوري والمصري من أقرب الشعوب العربية لبعضهما وما زال يذكر جيلنا كيف وقف الطلبة الصغار في سوريا يتطوعون في الجيش الشعبي للذهاب إلى مصر لحمايتها أثناء العدوان الثلاثي عام 1956‏م.

فلما قامت الوحدة بين الدولتين.. وحُكم الشعب السوري المعروف بعنفوانه بالأسلوب القمعي المخابراتي الذي كان سائدا في مصر.. يومها حدث الانفصال وقامت مهاترات لا حد لها بين البلدين.. ‏ومازالت الوحدة وذكراها غصة في قلوب السوريين.. هذه الوحدة ‏التي أريد لها أن تكون نواة للوحدة العربية الكبرى. وإذا بها مزيدا ‏من الأغلال في أعناق الشعوب.

وإذا كان حديثنا عن اليمن اليوم.. فالشعب في البلدين واحد.

ولكن الوحدة قامت بين نظامين ورئيسين وحزبين تقاسما بينهما المصالح .. فلما افترقت هذه المصالح لظروف داخلية أو خارجية.. عملا على الانفصال.

إن الوحدة الحقيقية.. هي الوحدة التي تفرضها الشعوب.. في أجواء الحريات.. واحترام حقوق الإنسان.. ولا معنى لوحدة على حساب الشعوب وحريتها وحقوقها..

وفي الوقت الذي يتجه فيه العالم – في إطار حركة منظمة- بتحويل الكيانات الصغيرة إلى دائرة الكيانات الأكبر، طمعا في التنسيق، بل الاتحاد.. نرى عالمنا المجنون يلهث بقوة غاشمة وبسرعة جاهلة منفلتة نحو الانفصال والتمزيق والتفتيت. وفي حمى الاندفاع المجنون لا نظن أحدا سيسلم.

وماذا عن المستقبل؟

هل سينفلت الأمر من عقاله في وسط شعب مسلح نسبة عالية من شبابه عاطل عن العمل، فينطلق يصفي حساباته في داخل بلده وخارجها..؟

وهل ستكون فرصة – في ظل هذا الانفلات – لتغيير خارطة المنطقة.. وهل ستبقى اليمن شمالا وجنوبا فقط.. فإن بعض المصادر تؤكد أن ثمة خططا لتقسيم اليمن إلى أربعة كيانات على الأقل..؟

وفي حالة الانفصال.. فهل ستقبل المعارضة (التي شاركت في الحكم مؤقتا) حكم الاشتراكيين.. أم أن بقاء الاشتراكيين مرحلي كذلك..؟

وهل سيدرك مجلس التعاون الخليجي خطورة الموقف.. وأن دائرة القتال والاستنزاف قد تتسع.. فيعالجوا الأمر بطرق مختلفة..؟

كلها أسئلة توضع أمام السياسيين لعلهم يدركون خطوات المستقبل.

1994/6/21م

 
Leave a comment

Posted by on August 3, 2013 in خواطر حول العالم