RSS

Monthly Archives: March 2011

لماذا نكتب عن المجاهد عمر المختار؟

مصطفى محمد الطحان

بنيان أسس على التقوى

الحديث عن السيد عمر المختار.. قائد الجهاد وطليعة المجاهدين.. الذين كتبوا ملحمة الخلود وهم يتصدون للحروب الصليبية التي قادتها إيطاليا وفرنسا وبريطانيا وغيرهم من الدول الإستعمارية تحت شعار: (انتزاع الهلال وإعلاء الصليب مكانه)..

شيخ المجاهدين عمر المختار

هو حديث عن الحركة السنوسية التي أسسها السنوسي الكبير السيد محمد بن علي، حركة إسلامية صميمة، جمعت بين العبادة والعمل، وبين الدعوة لإصلاح المجتمع وإعداد الكوادر المؤهلة عقائدياً وجسمياً لتحقيق تلك الرسالة السامية. لم تشغلها التصنيفات والتسميات، فقد جمعت بين سلفية تقوم على منهج التوحيد ومنهج صوفي، مزجت بينهما في طرح جديد يأخذ بالتربية الإسلامية والتطبيق العملي لتعاليم الإسلام كأساس لبناء الشخصية المسلمة المنوط بها إصلاح المجتمع. بناء يؤسس على الفقه الذي يشحذ العقول ويعتمد على التصوف الذي يصلح الأرواح.

 السيد محمد بن علي مؤسس الحركة السنوسية

وهو حديث عن حركة إسلامية عالمية، لا انفصام فيها بين الدين والدولة، تنشر الإسلام في البلاد التي لم يبلغها.. وتدافع عن المسلمين ضد كل من يعتدي عليهم.. حدود وطنها كل أرض مسلمة يشهد سكانها شهادة الإسلام. لا أثر فيها لعصبية قوم.. أو لوطنية تقوم على جزء من بلاد المسلمين.

وهو حديث عن حركة جهاد مستمرة يقودها أبطال السنوسية حتى وصلت القيادة إلى السيد عمر المختار.. فأبدى من صنوف العزة  بالله ورسوله ما جعله ينظر إلى هؤلاء المستعمرين المعتدين نظرة استصغار واحتقار..

وأبدى من الإلتزام بالحركة التي ينتسب لها ما تصدى به لكل من حدثه من أبناء قبيلته أن يكون جهاده للأقربين من عشيرته..

جاهد في سبيل الله كل طغيان الفرنسيين والإنكليز والإيطاليين حتى أتاه اليقين.

القائد السنوسي عمر المختار

نحن نكتب عن القيادات الفكرية والسياسية والجهادية في القديم والحديث.. وهدفنا أن نضع أمام الشباب الذين يبحثون عن البطل الأقرب لهم.. والذي تمثل حياته وشخصيته النموذج الذي يبحثون عنه.. يتقمصون شخصيته ويتأسون به.. وهذه إحدى وسائل التربية التي اعتمدناها في إيجاد طليعة المستقبل.

كان رصيدنا عن عمر المختار عندما اخترناه.. مجرد أحاديث قليلة سمعناها من هنا أو هناك.. وأهمها قصيدة شوقي الذي رثاه عندما أعدمه الإيطاليون وهو في السبعين من عمره.

ولكننا عندما درسنا سيرة عمر المختار من أكثر من مصدر.. وجدناها سيرة رجل عظيم بكل معنى الكلمة.. تستحق أن ندرسها وأن نقدمها لأبنائنا الشباب. لم يكن عمر المختار مجرد بطل شجاع سقط في ميدان القتال وهو يدافع عن دينه وبلاده.. لقد كان نموذجاً فذاً متعدد جوانب العظمة..

فهو أولاً ابن الحركة السنوسية التي أسسها الشيخ محمد بن علي السنوسي.. والتي تأثرت بدعوة التوحيد التي أطلقها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في جزيرة العرب.. وتفاعلت بالإرث الصوفي الجهادي المنتشر في أفريقيا والمغرب. لقد كانت السنوسية دعوة صوفية سلفية، جمعت بين العبادة والعمل، والدعوة والتربية.

وهي من ثم حركة  متمشية مع منهج الإسلام السياسي الذي لا يعترف بالتجزئة الجغرافية أو الإقليمية.. وكان سبيلها إلى ذلك إعداد الكوادر المؤهلة عقائدياً وجسدياً.. ونشر الإسلام في البلاد التي لم تبلغها الدعوة.. ومقاومة النفوذ الأجنبي في عموم بلاد المسلمين.

لقد كان للبيئة التي عاش فيها عمر المختار.. وللزاوية التي تعلم فيها ودرج في ربوعها مع إخوانه وأساتذته السنوسيين..والحزم الذي ميز شخصيته في مواجهة مسؤولياته الجهادية وفي التصدى للغزو الأجنبي الفرنسي والبريطاني والإيطالي.. في السودان ومصر وليبيا.. ورفض كل محاولات الهيمنة والاحتواء والابتزاز والضغوط التي حاولها العدو معه.. والثقة بالنفس التي تبهر القارئ لسيرته وهو يقود سفينة الجهاد متوكلاً على الله مخلصاً لدينه.

لقد كان عمر المختار مخلصاً لعمله متفانياً في أداء واجباته، ولم يعرف عنه قط أنه أجل عمل يومه إلى غده.. لقد ظهرت صفاته القيادية والتأثير على الوسط الذي يعيش فيه منذ كان طالباً في الجغبوب.

لقد أعطته جشاشة صوته، ورصانة منطقه، وصراحة عباراته، واتزان كلامه جاذبية خاصة، ومقدرة على شد انتباه سامعيه، فكان كلامه قوياً كأنه أمير يلقي أوامر لتابعيه. كما أن بساطة عيشه وتواضعه وعدم اهتمامه بالدنيا. والمهمات الكثيرة التي كان يقوم بها قد وسع من دائرة اتصالاته مع الناس، فاكتسب حبهم وتقديرهم واحترامهم. ولقد لفتت هذه المزايا اهتمام السيد محمد المهدي قائد السنوسية فقربه منه وقال عنه: (لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم).

إن الإيمان الديني العميق هو الذي بعث في عمر المختار صفات الأمانة والشجاعة وحبه للصدق والحق ورفضه كل أنواع الظلم والقهر والاستبداد.. وهذا الإيمان هو الذي بوأه المنزلة التي بلغها عند الناس. لقد كان حريصاً على أداء الصلاة في وقتها.. وكان يختم القرآن كل سبعة أيام.

لقد كان يُرسل في مهمات إلى السودان، وإلى مصر، وفي وفود إجراء المصالحات وفض النزاع بين القبائل.. كان معروفاً بصلاته الواسعة بالأحداث القبلية وبحروبها وعلى جانب عظيم من معرفة الأنساب القبلية والارتباطات التي تصل هذه القبائل بعضها ببعض وبتقاليدها وعاداتها.

كان يعرف أنواع النباتات الصحراوية وخواصها، والأمراض التي تصيب الماشية وطريقة علاجها.. وكانت له خبرة واسعة بمسالك الصحراء وطرقها.. من برقة إلى مصر والسودان في الخارج  وإلى الجغبوب والكفرة وواحات جالو وأوجله في الداخل.

لقد شهد عمر المختار بداية الغزوة الإستعمارية لبلاد المسلمين فقد احتلت فرنسا الجزائر عام 1830 وتونس عام 1881، واحتلت بريطانيا مصر عام 1882 وامتدت منها جنوباً إلى السودان عام 1896، ثم احتلت فرنسا السودان الأوسط عام 1902.. وكان واضحاً أن الاستعمار الأوروبي كان يسعى للسيطرة على المنطقة الإسلامية في أفريقيا.. كما هي مقررات مؤتمر برلين الذي عقد عام 1884 والذي أقر مبدأ الادعاءات الاستعمارية في هذه المنطقة.

لم يكن عمر المختار سوى مجاهد مسلم يهتم بتحرير الوطن الإسلامي من كل آثار الاستعمار.. اشترك في مقاومة الإستعمار الفرنسي في السودان الشرقي والأوسط.. ومقاومة الاحتلال الإيطالي لليبيا عام 1911.. ومقاومة الاحتلال الإنكليزي في مصر.. انتصر وانهزم.. وأخيراً أسره الإيطاليون وأعدموه.. وهو في كل خطوة من خطواته وكل عمل في ملحمته، عنوان رائع لمسيرة عظيمة لبطل وقائد عظيم.

عمر المختار قبل اعدامه

إنه بنيان أسس على التقوى، أصله ثابت وفرعه في السماء.. شجرة طيبة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.         

 
Leave a comment

Posted by on March 24, 2011 in خواطر

 

أسئلة حوار المركز العربي للدراسات والابحاث

مصطفى محمد الطحان

هل يمكن اعتبار ما حدث في تونس ومصر، وما يحدث من احتجاجات في انحاء كثيرة من الدول العربية، بمثابة صحوة إسلامية جماهيرية أم لديكم تفسير آخر له؟

إن ما يحدث في تونس وفي مصر بعدها، وفي ليبيا واليمن والبحرين، وما يتوقع أن يحدث في الجزائر وموريتانيا والأردن وسوريا.. هي صحوة شعوب خضعت للاضطهاد والإرهاب فترة طويلة من الزمن.. ولربما لجأت بعض الفئات إلى أساليب غير حكيمة للتخلص من كابوس الطغاة ففشلت.. وعندها أدركت الشعوب أن التحرك السلمي هو وحده الحل.. وصحوة الشعوب هذه هي صحوة إسلامية فالإسلام وحده هو المعبر عن هوية الشعوب.. وهو الدافع الحقيقي لمقاومة الطغيان، وهو السبيل الوحيد للتحرر ومقاومة الاستعمار الذي تحكّم طويلاً في بلادنا، وأذلّ شعوبنا وغرس مفاهيماً تخالف مفاهيمنا ومكن لإسرائيل على أرضنا.. وأقنع الحكام أن أقرب الوسائل إلى قلب الغرب.. هو طريق إسرائيل.

وفي أيام الملك فاروق كتب سيد قطب مقالاً بعنوان: كن مسلماً فحسب، فهو وحده يدفعك إلى حرب الاستعمار فإن لم تفعل فتحسس قلبك عسى أن تكون مخدوعاً بحقيقة إيمانك.. كن مسلماً فحسب.. فهو وحده الذي يدفعك إلى مكافحة طغيان الحكام.. فإن لم تفعل فتحسس قلبك عسى أن تكون مخدوعاً بحقيقة إيمانك.. فإذا لم تكن مخدوعاً بحقيقة إيمانك.. فإن الإسلام فقط هو الطريق إلى الحرية والتحرر (من كتاب دراسات إسلامية- سيد قطب).

الأستاذ سيد قطب

ما هو السبيل الصحيح حتى لا تذهب ثمار هذه الثورات أدراج الرياح؟ وبما تفسر مباركة الغرب لها بالرغم من أنه صانع هؤلاء الطغاة وفراعين هذا الزمان؟

ذكر مايلز كوبلاند في كتابه لعبة الأمم.. إن إرهاصات التغيير عندما تجلت في مصر أواخر أيام الملك فاروق.. أرسلت أمريكا إلى مصر كوميت روزفلت أحد رجال المخابرات المركزية لدراسة الموقف.. وكان المتوقع غربياً أن أي انقلاب عسكري يحدث ضد فاروق سيكون إخوانياً أو شيوعياً.. مكث روزفلت مدة في مصر، وكتب بعدها إلى الخارجية الأمريكية رسالة.. قال فيها: لقد تفاهمنا مع رجال الثورة وإن الانقلاب لن يكون كما تعتقدون.. (من كتاب لعبة الأمم).

فإذا ساءت الأحوال في بلد ما.. فإن الغرب يحني رأسه للعاصفة، ويتفاهم مع بعض الأطراف المؤثرة لحرف مثار الأحداث فيما بعد.

كان الطغاة في بلادنا يحكمون الناس بالحديد والنار.. وفتحوا كل أبواب جهنم لاضطهاد أو قتل المسلمين.. وأقنعوا الغرب أنه لابد من تأييدهم.. لأنهم وحدهم يستطيعون خدمة الغرب، وخدمة إسرائيل، ومواجهة الإسلام.

أما لماذا يبارك الغرب هذه الانتفاضات الشعبية.. فذلك لأنه لا يملك غير ذلك.. اعتمد على الحكام الدكتاتوريين.. الذين أسرفوا في اضطهاد الشعوب.. فلما انتفضت الشعوب.. أدركت أمريكا والغرب معها أنهم فشلوا.. فبدأت تنافق الشعوب.. ولكن هل سيستسلم الغرب.. لا نظن.. ولكن على الشعوب أن تتمسك بمواقفها وبأهدافها ودينها مهما تكن الظروف والمصاعب.. (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم). 

الثورة الشبابية المصرية، هل تدحض الفكرة القائلة بأن الحركات الاسلامية مثل (الإخوان المسلمين)، ليس لديها قدرة على احداث التغيير السلمي، وأنها ليس لها برنامج محدد المعالم للتعامل مع هذه المتغيرات؟

ثورة 25 من يناير المصرية

الحركات الإسلامية مثل حركة الإخوان المسلمين هي حركة تربوية تعاني منذ استشهاد مرشدها الأول حسن البنا الاضطهاد والاغتيال والسجون والإعدام والقتل.. ومثل أي حركة أخرى قد تكون لها بعض الأخطاء.. ولكنها اليوم حركة تملك قواعد ثابتة وعريضة، وتقاوم الطغيان مقاومة سلمية حثيثة. ومثال ساحة التحرير ودور الإخوان فيها دليل على ما نقول.

لقد رأينا جميعا كيف حاول مبارك والعادلي وعملاء النظام أن يفتكوا بشباب ساحة التحرير.. ولم يدافع عن هؤلاء الشباب سوى شباب الإخوان الذين ملأوا الساحات منذ اليوم الأول للحركة الشبابية.. دون أن يرفعوا شعاراتهم ودون أن ينسبوا الفضل لحركتهم، فالذي كان يعنيهم هو سقوط الطغيان.. ولقد سقط والحمد لله.

يوم تولى البروفيسور نجم الدين اربكان رئاسة الوزارة في تركيا عام 1996، وبعد أيام من ذلك، حضر إلى أنقرة بطريقة مفاجئة حسني مبارك والتقى من فوره بالأستاذ اربكان.. وحذره من (الإخوان المسلمون) الذين حاولوا قتل عبد الناصر وقتلوا السادات، وهم يقودون العمليات الإرهابية في مصر والعالم.. استمع إليه اربكان ثم قال له: نحن لا نعرف الإخوان المسلمين على الشاكلة التي تتحدث عنها.. نحن ندعوهم إلى لقاءاتنا ونتحدث معهم.. ولم نلمس منهم سوى المحبة لمصر.. وللإسلام.. وللعمل السياسي الرشيد.

إن حركة الإخوان المسلمين بأدبياتها وثقافتها وعقيدتها تتميز عن غيرها بجذور راسخة في نفوس شعب مصر وكل الشعوب العربية والإسلامية، وتمتد أفقا ليطال فكرها وتصورها الحضاري، ما يتسع للتفاعل والاندماج مع الآخر من الأفكار  والمدارس والتيارات والعقائد المتعددة في الأوطان، بل في العالم كله بكل أفكاره وتوجهاته ومدارسه، مادامت في إطار اختلاف تلك الأفكار وتنوع المعتقدات التي تقرها المرجعية الإسلامية التي يدعون إليها ويتخذونها منهجاً لفكرهم.

لقد كانت الجماعة في كل ظروفها حركة علنية شفافة.. ساهمت في تحرير قناة السويس من الإنكليز، وعملت على تحرير فلسطين من اليهود.. وساهمت قدر استطاعتها المحافظة على شباب ساحة التحرير.. وهي كذلك في كل الظروف في مصر وغير مصر.

هل ترى أن التغيير الحاصل في تونس ومصر، قد يجعل من القادة والحُكام الجدد يغيرون سلم الأولويات القومية، بمعنى أن تحتل القضايا الاسلامية وعلى رأسها فلسطين المحتلة قمة الأولويات الفعلية، أم أن الأمر سيتركز أكثر على الشئون الداخلية، لمنع حدوث تغييرات مستقبلية؟

الحكام الجدد الذين سيأتون إلى السلطة هم مثل الحكام القدامى.. والحكم مفسدة، والتمسك بالسلطان شهوة.. ولقد قال الحسن البصري: (رأيت الناس تزهد في كل شيء إلا بالسلطان).

وينبغي على الحركات الإسلامية الجادة الصادقة أن تفتح عيونها جيداً.. وأن لا تشغلها قضاياها عن قضايا الأمة.. ومما لا شك فيه أن الاهتمام بقضية فلسطين ينبغي أن يحتل الأولوية عند الشعوب والحركات الإسلامية وغير الإسلامية، وأن الأمر في مجمله يعتمد اعتماداً كلياً على شباب الإخوان والحركات الإسلامية الأخرى.. ومقدار تفاعلهم واهتمامهم وتضحياتهم في سبيل مبادئهم وفي نصرة قضايا أمتهم.

ما هي رؤيتكم لمستقبل حركة الاخوان المسلمين في مصر وحزب النهضة في تونس، وهل تتوقع تغيراً في نمط تعاطيهم مع القضايا القومية؟

حركة الإخوان في مصر.. لا تشابهها حركة إسلامية أخرى سواء حملت اسمها أو تبنت أسماء أخرى.. فهي حركة عقائدية تؤمن باصول الإسلام ولا تنحرف عنها، تفهم الإسلام من مصادره الأصلية من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.. تعمل على بناء الفرد المسلم والأسرة المسلمة.. ثم تعمل على تحكيم الإسلام في الدولة والمجتمع. أما الحركات الإسلامية الأخرى فهي بين العقائد والسياسة.. وبين الأصالة والمصالح.. وبين الثبات على المبدأ واختيار الأسهل والأقرب.. قال الأستاذ نجم الدين اربكان يوم أسس حزب النظام الوطني عام 1970 لزملائه في الحزب: (ما لقينا مثل الإخوان المسلمين صادقين عاملين وما نفعنا في ديننا ودعوتنا أحد مثل الإخوان المسلمين). أما المستقبل فهي للإخوان )وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا( (الجن-16).

نعود إلى واقع الأمة الاسلامية بصفة عامة، نجد إختلافاً بين رؤى متعددة واحياناً متباينة حول الطرق الواجب اتباعها لتحقيق نهضة الأمة الاسلامية، هل تعطينا روشتة للخروج من هذا النفق المظلم، وتحقيق التقدم المنشود؟

نعم هناك حركات إسلامية متعددة.. الإخوان المسلمون.. والسلفية.. وجماعة التبليغ.. وحزب التحرير.. وغيرهم كثير. ولكل هذه الحركات محاسن ونقاط ضعف.. ونحن نعتقد أن حركة الإخوان المسلمين في مصر وقياداتها الصابرة المحتسبة.. وفكرها المستمد من الإسلام موضوعا، ومن المنهج الإسلامي تطبيقاً. أن الطريقة التي على الحركات الإسلامية اتباعها للخروج من النفق المظلم، هي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم التي مارسها مع المسلمين الأولين في دار الأرقم بن أبي الأرقم.. والتي خرّجت أعداداً قليلة من الدعاة العظماء، هؤلاء هم الذين حققوا انتصار بدر وأقاموا دولة الإسلام في المدينة.. ومن ثم توسعت حتى حكمت قارات متعددة.

هذا هو الطريق الذي أقمنا به الدولة الرشيدة.. وهو الطريق الذي حاربنا به الصليبيين وحررنا بيت المقدس.. وهو الطريق الذي حررنا به العالم الإسلامي من التتار.. ولا أظن أن هناك طريقاً ناجحاً غيره.

كثير من المفكرين يرون أن الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الإسلام والمسلمون في شتى أنحاء العالم هي دليل ضعف ووهن، لكن اشرتم في بعض مؤلفاتكم إلى أنها دليل حياة وحركة وقوة، ما تعليقك؟

أؤكد ما قلته سابقاً.. فلو كانت الحركة الإسلامية حركة ضعيفة متهافتة.. لم يكن ليأبه لها هذا الإعلام العالمي وأبواقه المحلية.. وما كانت لتنشغل بها الدول الكبرى والدول الصغرى التي تتبعها.. وما كانت إسرائيل لتقول: (عدونا الأول  هم الإخوان المسلمون الذي يستوي عندهم الانتصار أو الشهادة فكلاهما في نظر الإخوان انتصار).

ومن أحب أن يتأكد من قولنا فليراجع الاستراتيجية الأمريكية التي وضعتها في أيام بوش الابن الحاكم الصليبي.. جاء في هذه الاستراتيجية أن الفعل الصحيح للغرب هو تغيير مفاهيم المسلمين.. والعدول عن الحركات الإسلامية التي تعتقد أن الإسلام دين ودولة.. وتختم قولها: أن الصوفية على الأغلب هو الفكر الذي ينبغي نشره.

لكم كتاب خاص عن حزب العدالة والتنمية في تركيا، برأيكم هل من الممكن تعميم التجربة الاسلامية التركية على منطقتنا العربية؟

لنا كتاب عن تركيا باسم الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا.. وكتاب آخر باسم تركيا التي عرفت من السلطان إلى نجم الدين اربكان.. وحركة اربكان مشت في طريق الإخوان وكنت مع الرجل من البداية إلى يوم وفاته رحمه الله.

كتاب تركيا التي عرفت من السلطان إلى أربكان

واربكان فرّق دائما بين الأحزاب السياسية التي أنشأها (النظام، والسلامة، والرفاه، والفضيلة، والسعادة). وبين الحركة الإسلامية التركية (مللي جوروش) والتي كان اربكان يقدمها على الأحزاب. فالحركة تدوم، والأحزاب السياسية تنتهي.

الحركات الإسلامية في الدول العربية بينها العديد من نقاط الاختلاف حول رؤيتها للأوضاع وصياغتها للمشروع ا الإسلامي القومي، لماذا لا تتحد تلك الحركات مع بعضها البعض لتحقيق النهضة الإسلامية الشاملة؟

لا تستطيع الحركات الإسلامية أن تتحد مع بعضها، ما لم تتوحد مناهجها وطرائق تربيتها، وتوحيد وسائلها.. فالوحدة في الأسماء لا قيمة لها.

ثم لماذا نشغل أنفسنا بتوحيد الحركات الإسلامية.. فالأصل أن تتعدد.. مثل المذاهب الإسلامية التي تتعدد، ولكنها تؤدي إلى هدف واحد، ولربما سهّل تعددها بعض المسائل التي تهم المسلمين.

قد يكون إنشاء مجلس للتنسيق بين الحركات الإسلامية في القطر الواحد.. وحتى بين الأقطار المختلفة مما يخفف من نبرة الخلافات.. ويقارب بين أفكار الجماعات.. تماماً كما فعل اربكان.. عندما دعا إلى تقارب الجماعات الإسلامية في العالم وأنشأ لها مؤسسة كنت في وقتها أمينها العام، وكان يشارك في هذه اللقاءات (200) تجمع إسلامي.. من مختلف المشارب والمواقف. مثل هذا العمل قد يكون مفيداً.. وبإمكان حركة الإخوان في مصر القيام بهذا العمل.

ذكرتم أن من معالم الأزمات الفصام بين القيم الاسلامية والسلوك، برأيكم كيف يتحقق التواءم بين القيم والسلوك كي ينصلح حال الأمة، وهل تقع المسئولية على المؤسسات التعليمية المترهلة أم على الأسرة؟

نعم لابد من إنهاء الأزمة بين القيم الإسلامية والسلوك.. ويحدث ذلك بواسطة المناهج التربوية. ولقد كتبت كتابا أسميته (التربية ودورها في تشكيل السلوك)، فلا قيمة للتربية التي لا تساهم في إعادة تشكيل السلوك.. وكان الفرد المسلم الذي يزور النبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم.. يخرج من عنده كل يوم بسلوك جديد. حتى صار واضحاً الفرق بين سلوك المسلم وسلوك القرشي المشرك.. وكذلك ينبغي أن نعمل.

الكويت 9/4/1432 هـ

الموافق 14/3/2011م

 
Leave a comment

Posted by on March 15, 2011 in حوارات

 

الصلح بين الزوجين

مصطفى محمد الطحان 

قبل الحديث عن الخلاف بين الزوجين.. وعن التحكيم بينهما.. أحب أن أعطي مقدمة لهذا الموضوع.

مقدمة

للأسرة ركنان: الرجل والمرأة.

فكيف يختار كلاهما الشطر الآخر؟

وما هي مقاييس هذا الاختيار؟

عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما استفاد المؤمن – بعد تقوى الله عز وجل- خيراً له من زوجةٍ صالحة: إن أمرها أَطاعته، وإن نظر إِليها سَرَّته، وإن أَقسمَ عليها أَبرَّته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله)( ابن ماجه).

والنفس تميل إلى الجمال.. وتشتهي المرأة الجميلة. وحتى لا يترك الرجل لضعفه فيسقط في متاهات الجمال أو المال، بيّن له الإسلام الطريق السليم في اختيار شريكة حياته.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا فقرا، ومن تزوج امرأة لحسبها لم يزده الله إلا دناءة، ومن تزوج امرأة ليغض بها بصره، ويحصّن فرجه أو يصل رحمه، بارك الله له فيها، وبارك لها فيه)( رواه ابن حبان).

وليست هذه دعوة ضد الجمال.. فحب الجمال فطرة.. والله جميل ويحب الجمال.. والتجمل من خصائص المرأة . إنما المقصود أن لا يفتش الإنسان عن الجمال أو الحسب أو المال وحده على حساب المواصفات الأخرى.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن، فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة خرماء ذات دين أفضل)( رواه عبيد بن حميد).

فليس الزواج صفقة تجارية تُراجع فيها الأرصدة..! وليس الزواج مجرد متعة حسية، تستعرض فيها المرأة فتنتها وجمالها في ميدان العرض.. !

بل الزواج توازن بين كل هذه العوامل مع تركيز شديد على جانب الأخلاق والدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)( رواه البخاري ومسلم).

ومع ذلك يحض الإسلام كلاً من الرجل والمرأة على السواء أن يحسنا الاختيار.. وأن يدققا فيه.. فليست القضية أياماً تنقضي ويعود كل فريق إلى رحاله.. بل بقية العمر يقضياه معاً في سعادة غامرة تملأ قلوبهم وترفرف بأجنحتها على بيتهم، أو شقاء مستعر يدمر قلوبهم ويعصف بسلامهم وأمنهم. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من أصابهن فقد أُعطي خيرَ الدنيا والآخرة: قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وبدناً على البلاء صابراً، وزوجةً لا تبغيه حُوباً في نفسها وماله) (رواه الطبري بسند جيد).

ومعظم النكسات التي تصيب قلوب المتزوجين، وتنكد عليهم، وقد تعصف بهم مرجعها إلى سوء الاختيار والانبهار ببعض الجوانب على حساب الجوانب الأخرى.

فقد يتم الاختيار نتيجة إعجاب سريع بموقف معين. وقد لا يتاح للخاطب أن يرى خطيبته إلا رؤية قصيرة، لا تعطي لأي منهما الفرصة في الاختيار السليم. وقد تكون نتيجة لمواقف عاطفية عابرة أو نزوة قاصرة، تنتهي مع انقضاء النزوة أو برود العاطفة. والصحيح أن يدخل الشاب البيوت من أبوابها.. وأن ينظر إلى المرأة فيمعن النظر.. ويدقق في شكلها.. ويدرس أوضاعها..

فعندما خطب المغيرة بن شعبة امرأة، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له: (اذهب فانظر إليها، فانه أحرى أن يؤدم بينكما)( الترمذي).

ونصح الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً خطب امرأة من الأنصار، فقال له: (انظر إليها، فان في أعين الأنصار شيئا) (مسلم).

وكان جابر بن عبد الله يختبىء لمن يريد التزوج بها، ليتمكن من رؤيتها، والنظر إلى ما يدعوه إلى الاقتران بها(أبو داوود).

بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل بعض النسوة ليعرفن بعض ما يخفَى من العيوب، فيقول لها: (شميَّ فمهـا، شميَّ ابطيها، انظري إلى عرقوبيها).

وليست العناية بالمظهر فقط.. بل وبالمخبر أيضا. قال ابن الجوزي: ومن قدر على مناطقة المرأة أو مكالمتها فليفعل(صيد الخاطر – ابن الجوزي).

إلى هذه الدرجة راعى الإسلامُ هذا الأمر.. بل وهيّأ أسبابه.

هذا بالنسبة للشاب الخاطب.. وكذلك يصح مثله للشابة أن تنظر إلى ما يدعوهـا إلـى قبول خاطبهــا(المجموع شرح المهذب للشيرازي 15 : 295).

قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد) (الترمذي).

وما لم يتفهم أولياء أمور الشباب والبنات هذه السعة في دين الله، فيتيحوا لأولادهم وبناتهم، مجال الرؤية عن قرب، والحديث المتبادل.. والجلسات المحتشمة التي تسبق الاختيار، في إطار الفضيلة والأخلاق الإسلامية.. ما لم يفعلوا ذلك فلن تكون النتائج حسنة لأبنائهم الأولاد والبنات.

لقد انقضى ذلك الزمن الذي كان الأب يختار لابنه أو لابنته شريك حياته.. وينبغي أن ينقضي، للتقليل من المفاجآت والمآسي التي تدمر حياة الأسر الغضة الصغيرة.

وعلى الآباء الذين يفهمون الدين على أنه تزمتٌ ورجعية، ويؤمنون بأن الفتاة إنسان قاصر لا يخرج إلا مرة للحياة من رحم الأم ومرة للاستعباد في بيت الزوجية ومرة ثالثة للقبر.. عليهم أن يراجعوا أنفسهم، ويعيدوا تربيتها على أساس الهدي الرباني والنبوي الكريم.

إن معظم الزيجات الفاشلة.. كان سوء الاختيار من أهم أسباب فشلها. كما كان سوء تصرف الآباء من أهم أسباب سوء الاختيار.. فليتق الآباءُ اللهَ في أبنائهم وبناتهم.

ومن هنا، فقد شدّد الإسلام على ضرورة اختيار المرأة الصالحة ليكون البيت منسجما صالحا.. ويعيش الأبناء سعداء في كنفه، فلا تقع أعينهم على معصية.. أَوَ ليست المرأة الصالحة التي تبني بيتاً صالحاً.. ومجتمعا صالحا.. من أكبر النعم التي يحق للرجل أن يحمد الله عليها؟. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة)( الترمذي).

مواصفات الزوجة الصالحة، وللزوجة الصالحة مواصفات، فهي:

تطيع زوجها

والبيت المسلم، مجتمع مصغر يقوم على: المودة والرحمة، والسكن النفسي والحسي، والمساواة من الناحية الإنسانية، قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة)( البقرة – 228).

(وهذه الدرجة مفسرة بقوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء)( النساء – 34)، فالحياة الزوجية هي حياة اجتماعية، ولا بد لكل مجتمع من رئيس، لأن المجتمعين لا بد أن تختلف آراؤهم ورغباتهم في بعض الأمور، ولا تقوم مصلحتهم إلا إذا كان لهم رئيس يرجع إلى رأيه في الخلاف، لئلا يعمل كلٌ ضد الآخر فتنفصم عروة الوحدة الجامعة ويختل النظام، والرجل أحق بالرياسة لأنه أعلم بالمصلحة وأقدر على التنفيذ بقوته وماله، ومن ثم كان هو المطالب شرعاً بحماية المرأة والنفقة عليها، وكانت هي مطالبة بطاعته في المعروف) (حقوق النساء – محمد رشيد رضا، ص- 38).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها، وحفظت فرجها، وأطاعت بعلها دخلت الجنة) (رواه أحمد).

وتسرّه إذا نظر إليها

تسرّه بجمالها، وحسن منظرها، وتأنق ملبسها، وطيب رائحتها.

وتسرّه بترتيب منزلها، وتحويل بيتها إلى سكن حقيقي يأوي إليه الرجل المكدود. فيجد فيه: الحب والحنان، والراحة والأمان.

وتسرّه بالعناية بأطفالها: مظهرهم ومخبرهم، مطعمهم ومشربهم، وبكل شيء من شأنهم.

وتسرّه بجمال أدبها، وكريم خلقها، وحسن تبعلها، وبرّها زوجها، ورعايتها له في قلبه وشعوره وماله وعرضه.

وتسرّه بالتزامها بأوامر دينها، في صلاتها وصيامها، في تصدقها وإحسانها (فالصالحـات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله)( النسـاء – 34).

من هذه النظرة المؤنسة، والسكن الودود، والرحمة والمودة، يتولد الحب الذي يشعر فيه الرجل والمرأة براحة الجسم والقلب، واستقرار الحياة  والمعاش، وأنس الأرواح والضمائر، واطمئنان الرجل للمرأة والمرأة للرجل على السواء.

قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)( الـروم – 21).

وإن أقسم عليها أبرته

وهو تأكيد لمعنى (إذا أمرها أطاعته).. أو هو درجة أعلى في الطاعة.. فطاعة الزوجة لزوجها مجلبة للهناءة والرضا، والمخالفة تولد الشحناء والبغضاء، وتوجب النفور، وتفسد عواطف المودة، وتنشىء القسوة في القلوب.

وما من امرأة نبذت طاعة زوجها إلا حل بها الشقاء ولحقها البلاء. وكلما زادت طاعة الزوجة لزوجها ازداد الحب والولاء بينهما، وتوارثه أبناؤهما، لأن الأخلاق المألوفة إذا تمكنت صارت ملكات موروثة: يأخذها البنون عن آبائهم، والبنات عن أمهاتهن(المرأة في التصور الإسلامي – عبـد المتعال محمد الجبري، ص- 93).

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا تمسهم النار: المرأة المطيعة لزوجها، والولد البار بوالديه، والعبد القاضي حق الله وحق مولاه).

وقال أيضاً: (جهاد المرأة حسن التبعّل) أي إطاعة الزوج. وعندما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النساء أفضل؟ قال عليه السلام: (التي تطيع زوجها إذا أمر، وتسره إذا نظر).

ولن يسر الرجل بمنظرها.. إذا كانت عنيدة مشاكسة عاصية متحدية!!

ومهما حسنت أخلاق الزوج أو الزوجة فلا بد من حدوث بعض الأمور التي تكدر العلاقات بين الحين والحين.. وهنا تتجلى الأخلاق.

قال أبو الأسود الدؤلي لامرأته: (إذا رأيتني غضبت فرضَّني، وإن رأيتك غضبت رضّيتك، وإلا لم نصطحب !).

وهنا يتجلى معنى: إذا أقسم الرجل على امرأته أمرا فعليها الوفاء والطاعة.. وخير النساء المبقيةُ على بعلها، المؤثرة راحته على راحة نفسها.

وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله

روى ابن جرير والبيهقي من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها، وقرأ قوله تعالى (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله)( النساء-34).

(فالغيب هنا هو ما يستحيا من إظهاره، أي: حافظات لكل ما هو خاص بأمر الزوجية الخاصة بالزوجين، فلا يُطلِعُ أحدٌ منهما على شيء مما هو خاص بالزوج.

ويدخل في قوله هذا وجوب كتمان كل ما يكون بينهن وبين أزواجهن في الخلوة ولا سيما حديث الرفث، فما بالك بحفظ العرض.

وعندي أن هذه العبارة أبلغ ما في القرآن من دقائق كنايات النزاهة، تقرؤها خرائد العذارى جهراً، ويفهمن ما تومىء إليه مما يكون سرا، وهن على بعدٍ من خطرات الخجل أن تمسّ وجدانهن الرقيق بأطراف أناملها، فلقلوبهن الأمان من تلك الخلجات، التي تدفع الدم إلى الوجنات، ناهيك بوصل حفظ الغيب (بما حفظ الله) فالانتقال السريع من ذكر ذلك الغيب الخفي، إلى ذكر الله الجلي، يصرف النفس عن التمادي في التفكير بما يكون وراء الأستار، من تلك الخفايا والأسرار، وتشغلها بمراقبته عز وجل. فالمرأة الصالحة لها من مراقبة الله تعالى وتقواه ما يجعلها محفوظةً من الخيانة، قوية على حفظ الأمانة) (حقوق النساء في الإسلام- محمد رشيد رضا، ص-49).

هذا معنى أن تنصحه في نفسها.. أما أن تنصحه بماله فمعناه أن تحفظ وتصون مال زوجها. فلا تعطي أحداً من أهلها أو من غيرهم شيئا من مال زوجها أو متاعه، إلا إذا أذن لها.. لقوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تعطي شيئا من بيته إلا بإذنه، فان فعلت ذلك كان له الأجر وعليها الوزر) (رواه البيهقي).

الصلح بين الزوجين

ولكن لماذا قدمت هذا الموضوع، بهذه المقدمة الطويلة؟ ذلك لأن حسن الاختيار، ومراعاة شروطه، وأن يتعرف الشاب على الشابة شكلاً وموضوعاً، وأن يناطقها ليتعرف على فكرها.. وحسن تقديرها للأمور.. هو الذي يقلل الخلافات أو ينهيها، فقد تعرف كل من الزوج والزوجة على الآخر، وفهم شخصيته، فيفعل ما يسره.. ويتجنب ما يسيئه.

بالرم من ذلك.. فقد تجدّ ظروف.. يجد فيها الزوج والزوجة نفسيهما مختلفين. فكيف يتم التوفيق بينهما؟

من تجاربي

أنا ‘عيش في بيئة صالحة.. ولي معارف كثيرون.. وكنت، في معظم الخلافات عند الآخرين أشارك في حلها قدر الإمكان.. وطالما انتدبت من قبل القضاء لأكون أحد الحكمين في إصلاح ذات بين الزوجين المختلفين.. وهذه التجارب أوصلتني لبعض الآراء حول الموضوع.. أذكرها هنا للفائدة.

1- في مرة التقيت مع المحكم الآخر بحضور والد الزوجة.. وعندما استمعنا لوالد الزوجة وجدناه خصماً لا يريد الصلح.. فطلبنا منه أن يتركنا لوحدنا.. واتفقت مع الحكم الآخر أن نعطي الرجل وزوجته فرصة ليتحدثا معاً.. وقد يتراضيان.

وافق الأب والأم بصعوبة ولكنهما وافقا أخيراً.. نصف ساعة فقط بدلت الأمور بين الزوجين.. وعلمت بعدها أن أسرة الزوجة تريد الطلاق وأن الزوج والزوجة لا قضية عندهما.. ويريدا استئناف رحلة العمر مع بعضهما.

ذهبت إلى القاضي في بيته – وكان صديقا صالحا- وسألته ما رأيه بالأمر فقال: لابد من الطلاق.. فإن محامية الزوجة مصرة على ذلك.

فقلت له: هل تتحمل المسؤولية أمام الله أن تطلق دون أن تسأل الزوجة، وتكتفي بقول المحامية؟ ورأى قولي معقولا.. وفي الجلسة التالية طلب حضور الزوجة أمامه.. سألها القاضي: هل تريدين الطلاق؟ قالت: بل أريد زوجي وأبنائي.. وسأل الزوج، فقال: الشيء ذاته.

وثار أخ الزوجة ووالدها.. وأدرك القاضي الأمر.من هذه القصة أقول للحكمين: لا تتركوا الخلافات بين أهل الزوجة وأهل الزوج فقد يكون الخلاف بينهما.

2- قوله تعالى: (إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما).. أي إذا كان الحكمان عادلان.. يريدان الإصلاح حقاً.. يوفق الله بينهما.. هذا قول ربنا، ولا قول غيره.

والخلاصة

1- إن حسن اختيار الزوجة، والالتزام بالمواصفات التي حددها الدين الحنيف في اخيتار الزوج والزوجة.. من الأمور التي تقلل نسبة الخلاف إلى الحد الأدنى.. وتكون عندها كما قال سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم عن خديجة: (ولقد رزقت حبها)، وعندما توفيت سمي ذلك العام، بعام الحزن.

2-  لابد من إبعاد الأسرة (أسرة الزوجة وأسرة الزوج) عن القضية.. فقد يكونوا هم الخلاف.

3-  في حالة الخلاف.. لابد من اختيار حكمين صالحين عاقلين لمعالجة الأمر، فإن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما.

 

والحمد لله رب العالمين

28/2/2011م

 
Leave a comment

Posted by on March 14, 2011 in خواطر

 

عندما بكى الرئيس البرازيلي

قصة الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا الذي انتهت ولايته قبل أيام، مع البكاء هي قصة طويلة ورائعة وتبعث على البكاء أيضاً. فخلال آخر خطاب له كرئيس للبلاد، أجهش لويس أناسيو لولا دا سيلفا، وهو اسمه الكامل بالبكاء ثلاث مرات، لم يكن سبب أحدها بالتأكيد مغادرته لمنصب الرئاسة.

دا سيلفا الذي يلقب بـ “ابن البرازيل”  بكى أمام حشد بمسقط رأسه في ولاية بيرنامبوكو التي ولد فيها فقيراً قبل 65 عاماً. وذرف هذا الرئيس الفقير الدموع أولاً حينما استحضر ذكريات نشأته وهو طفل فقير في إحدى المدن الريفية القريبة من مدينة جارانهونس بشمال البرازيل إلى أن وصل لرئاسة ثامن أكبر قوة اقتصادية في العالم.

الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا

ثم بكى دا سيلفا ثانية عندما عبر شاعر من سكان المنطقة عن عرفانه بجميل “الرئيس الذي حظي بأكبر قدر من محبة شعبه”. وأخيراً بكى دا سيلفا حينما استحضر ذكرى فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2002 بعد 3 هزائم متتالية في 1989 و1994 و1998 قائلاً “خسرت لأن جزءاً من الفقراء لم يكن لديهم ثقة فيَّ حينذاك”.

وعلى أية حال فان بكاء دا سيلفا ليس جديداً، حيث أنه بكى مرتين قبل ذلك خلال مقابلة تلفزيونية عندما تذكر قرضاً منحته الحكومة لإحدى شركات إعادة تدوير المخلفات. وهذا الرئيس، الذي بلغت شعبيته 80 %، قام بتسليم قرض إئتماني خلال ولايته الأولى بقيمة112.1 مليون دولار منحها البنك الوطني للتنمية الاقتصادية لأكبر جمعية تعاونية تضم جامعي القمامة وتدويرها في ساو باولو. وجامعو القمامة هم بالطبع رفاق دا سيلفا السابقين قبل أن يصبح رئيساً للبرازيل.

دا سيلفا الرئيس، أتى من العمل كماسح للأحذية في ضواحي ساوباولو، وكصبي بمحطة بنزين، وخراطاً، وميكانيكي سيارات، وبائع خضار. ولولا وهي كلمة برتغالية تعني الكالمار أو سمك الحبار متحدر من أسرة فقيرة، وهو من أبرز الزعماء السياسيين الذين خرجوا من رحم الفقر والتهميش إلى قمة هرم السلطة فقد وُلد في 27 أكتوبر/تشرين الأول 1945، بمدينة جارانهونس الفقيرة حيث عاش الهنود الحمر آلاف السنين، قبل أن يأتي البرتغاليون، ليختلطوا ويتزاوجوا معهم، منتجين ما يسمى بـ “الميستيزو” أي “الخليط الأسمر”. وكان دا سيلفا الطفل السابع لعائلته المكونة من 8 أطفال تركهم والدهم العنيف لأمهم الأمية، فاضطرت العائلة أن تسكن في غرفة واحدة خلف ناد ليلي، تنبعث منه الموسيقى الصاخبة وشتائم السكارى. غير أن الأم أريستيديس التي بكى عليها دا سيلفا حين وفاتها،كانت تتمتع بعزم كبير وأسهمت في تربية وتكوين شخصية دا سلفيا، الذي قال عنها «لقد علمتني كيف أمشي مرفوع الرأس، وكيف أحترم نفسي حتى يحترمني الآخرون» صور. وقد اضطر دا سيلفا للتوقف عن تحصيله الدراسي في الصف الخامس الابتدائي بسبب المعاناة والفقر. وفي سن الـ 19، خسر لولا الأصبع الصغير في يده اليسرى أثناء العمل في مصنع لقطع غيار السيارات، وهو ما دفعه للمشاركة في اتحاد نقابات العمال ليدافع عن حقوقه وحقوق زملائه.

وهذا الرئيس الفقير وغير المتعلم، واليتيم بالمعنى المجازي، استطاع خلال 8 سنوات من الحكم، وضع بصمته على اقتصاد البرازيل التي ستصبح في عام 2016 أي قبل الألعاب الأولمبية التي ستقام فيها ولربما قبل، ذلك خامس اقتصاد في العالم. وهذا الرئيس الفقير هو الذي جعل البرازيل ودولاً أخرى في أمريكا اللاتينية، تعترف بدولة فلسطين متحدياً إسرائيل وأمريكا والصهيونية العالمية، وكل الجهات التي تقف خلفها.

نادراً جداً ما يبكي الرؤساء، وقلما يكون بكاؤهم صادقاً كبكاء البرازيلي الفقير دا سيلفا الذي لا يحمل أي شهادة  سوى شهادة الوفاء والحب لشعبه، مقرونة بشهادة الإصرار على خدمته ورقيه وتحسين أحواله، وأيضاً بشهادة الزهد في السلطة والمنصب، وشهادة حب الرفاق القدامى من الفقراء. ما أحوجنا إلى رؤساء يبكون بصدق، أليس كذلك؟

12/3/2011م

 

الحوار الأخير بين الأستاذ خيرت الشاطر والعادلى وزير الداخلية المصرية السباق

بعد قضائه أكثر من أربع سنوات من السنوات السبع التي حُكم بها عليه النظام البائد، وقبل مغادرة المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، سجن طره، استقبله مأمور السجن في مكتبه ليهنِّئه ويودِّعه، وقال له: أعرف أنكم ظُلمتم كثيرًا، وأنا على استعداد لتلبية أية خدمة تطلبونها في أي وقت.

الأستاذ خيرت الشاطر

لمعت في رأس الشاطر فكرة، فقال للمأمور: أريد منك خدمةً شخصيةً صغيرةً، وعلى الرغم من دهشته لأنه لم يتعوَّدْ منهم على الطلبات الشخصية، فإنه أجابه على الفور: تحت أمرك. قال الشاطر: أريد زيارة حبيب العادلي.

ردَّ المأمور: ألا تعتقد أن هذا الأمر خارج عن صلاحياتي؟! أجابه الشاطر: يمكنك أن ترسل للعادلي في زنزانته من يستأذنه.

قبل المأمور الفكرة، واستدعى أحد ضباطه، وطلب منه أن يذهب للعادلي، وكانت المفاجأة أن هذا الضابط عاد على الفور يحمل الموافقة التي أدهشت الجميع.

فُتحت الزنزانة، وسُمح للشاطر بالدخول على العادلي، ودار بينهما الحوار التالي:

الشاطر: السلام عليكم.

العادلي (يحدق في الشاطر): رغم كل هذه السنوات لم تتغير ملامحك كثيرًا، فقط ازداد الشيب في شعرك، كنت أنظر إليك من خلال كاميرات لاظوغلي أثناء تحقيقات أمن الدولة معك، (يضحك بأسى) وبعد هذه الزيارة لن أراك إلا من خلال التليفزيون المصري، أنت تذكِّرني بيوسف الصديق.

حبيب العادلي وزير الداخلية المصري السابق

الشاطر: أنا جئت..

العادلي: (مقاطعًا) أعرف أنك تريد أن تشمت بي، ولهذا السبب سمحت لك بزيارتي.

الشاطر: أولاً: الشماتة ليست من أخلاقنا، فهذه ليست أول مرة يدخل معنا السجن من قام بسجننا، ولعلك تذكر صلاح نصر ورفاقه الذين لم نشمت فيهم، ثانيًا: لماذا سمحت لي بالزيارة وأنت تظن أنني سأشمت بك؟!

العادلي: لأن ما حدث لي كان بسببكم.

الشاطر: نحن؟!

العادلي: لقد كنت أقوى وزير داخلية في العالم كله قديمًا وحديثًا، أكثر من مليون ونصف المليون رجل شرطة ينتظرون إشارة من أصبعي في أية لحظة، لم يكن يُعيَّن خفير أو مدير أو وزير، معيد أو عميد، إلا بإذن كتابي صريح من رجالي.. الرئيس لا يثق إلا في تقاريري حتى لو كانت ملفَّقةً، وما مَدْحُه لنا قبل الأحداث الأخيرة بيومين فقط إلا دليل على ذلك، ثم يحدث لي ما حدث، أنا على يقين أنها لم تكن قوة عادية أبدًا أبدًا.

الشاطر: ماذا تقصد؟!

العادلي: إنها السهام التي لا تخطئ.. إنها دعواتكم التي لم أستطع منعها أو التصدي لها، ولهذا سمحت لك برؤيتي على هذه الحال، لتشمت بي لعل هذا يرضيك ويجعلك تكف عن الدعاء عليّ.

الشاطر: ولماذا تظن أن دعائي هو الذي سبب لك هذا؟!

العادلي (يضحك بأسى): ألا تعرف التهمة التي أدخلتني هنا؟! إنها نفس التهمة التي لفقتها لك وأدخلتك بها هذا السجن: غسيل الأموال، على الرغم من أن هناك تهمًا أفظع يُحقق معي فيها كقتل المتظاهرين، لكنني لم أدخل في البداية إلى هنا إلا بتهمة غسيل الأموال، هل تريد دليلاً أكثر من هذا؟

الشاطر: هذه حكمة الله تعالى التي يجب أن نتعلم منها.

العادلي: لكنني لم أتعلم، لم أتعلم مما حدث للوزراء من قبلي: النبوي إسماعيل، زكي بدر، عبد الحليم موسى، وصولاً إلى هامان.

الشاطر: ما عليك الآن إلا التوبة.

العادلي: أظن أن توبتي غير مقبولة، فهي كالتوبة التي أعلنها فرعون حين أدركه الغرق.

الشاطر: أكثر من الاستغفار، فرحمة الله واسعة.

العادلي: أحس كأن الملائكة تضع طينًا في فمي، فأعجز عن النطق بكلمات الاستغفار.

الشاطر: من داوم قرع الباب فُتح له.

العادلي: أعطني مصحفك، لعلي أفهمه كما فهمتموه أنتم.

الشاطر (يخرجه من جيبه ويعطيه له): تفضل، لكنك لم تعرف حتى الآن لماذا جئتُ إليك.

العادلي: لماذا؟!

الشاطر: جئت لأخبرك أنني سامحتك، وليت الأمر بيدي، كنتُ طلبت من الشعب المصري كله أن يسامحك.

العادلي: بعد 12 سنة قضيتها في السجون، تأتي وتقول لي هذا الكلام.. الوداع يا أنبل الناس.. الوداع.. (يمد العادلي يده مصافحًا ثم يحتضن الشاطر، فيغلبهما البكاء، العادلي يبكي ندمًا، والشاطر يبكي تأثرًا). 

12/3/2011م