RSS

Category Archives: خواطر حول العالم

من اغتال رفيق الحريري؟

(1) من اغتال رفيق الحريري؟ – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من لبنان

لم أكن بصدد أن أكتب شيئاً عن رفيق الحريري.. ولكن حادث مقتله.. وعرض جانب من سيرته على شاشات التلفزيون.. ومعرفتي بعدد من الطلبة الذين قيل أن عددهم 33 ألفاً، درّسهم الحريري على حسابه في الجامعات المختلفة في أوروبا وأمريكا.. وصور العائلات والنساء والرجال والأرامل الذين كان ينفق عليهم الحريري.. بدّل الصورة التي كنت كونتها عن الرجل.. وبذلك رأيت أن أكتب بضع كلمات عن هذا الرجل الكبير.

الرئيس الشهيد رفيق الحريري

الكلمة الأولى: إن رفيق الحريري وهو (حتى الآن) الأخير في مسلسل الاغتيالات.. الذي سقط فيه عددٌ من قيادات لبنان، ومنهم:

كمال جنبلاط السياسي الأخلاقي الوطني، رشيد كرامي الوطني الأخلاقي، أديب الصالح السياسي المؤمن الذي برز دوره عندما غاب غيره، بشير الجميل رئيس جمهورية لبنان، الرئيس رينيه معوض الذي اختير رئيسا للجمهورية بعد مؤتمر الطائف الذي عقد في السعودية، بشير الجميل، الشيخ حسن خالد مفتي لبنان، وسليم الحص الذي كان ينبغي أن يقتل مع حسن خالد والذي لعب القدر في إبعاده عن مسلسل القتل، معروف سعد الزعيم الشعبي البارز في صيدا، وريمون اده الذي هرب إلى فرنسا ومات فيها حتى لا يغتال.. والمرابطون الذين تمت تصفيتهم دون الميليشيات كلها.

قالوا: كان القتل في إطار الإسلام السني.. عبّر عن ذلك مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني عندما قال: المستهدف من اغتيال الحريري هم سنة لبنان.

وأقول: بل كان لكل القيادات الوطنية التي ترفض الاحتلال والتبعية وحكم المخابرات.

الكلمة الثانية: أن رفيق الحريري كان عرّاب اتفاق الطائف ومهندسه.. وقد أثار هذا الاتفاق حنق جميع الأطراف اللبنانية والخارجية التي تريد الهيمنة وحدها على لبنان.. عن طريق تمزيق الصفوف، وتطبيق سياسة فرّق تسد.. ولهذا فقد كان الحريري هو الهدف الذي ينتظرون تصفيته.. عندما يصبح اتفاق الطائف هو الذي يفرض المواقف!

الكلمة الثالثة:  أما من قتل الحريري.. كثيرون قالوا وسموا هذا الطرف أو ذاك، وبعضهم قال: فتش عن المستفيد، وبعضهم كالعادة ألقاها في وجه القوى الخارجية إسرائيل وفرنسا والأمريكان.. وأنا أقول:

    * الذي قتل الحريري هو الذي اغتال من سبقوه، والذين سجلت قضاياهم ضد مجهول. بينما أصابع الناس تشير إلى هذا المجهول!

    * بل هو ممن اعتاد تصفية الناس بغير حساب.. فالقتل هو في الأساس موقف نفسي تكتسبه الديكتاتوريات عندما تستهين بالإنسان من مواطنيها أو غيرهم.

الكلمة الرابعة: حول المبادرة التي أطلقتها الجماعة الإسلامية في لبنان والتي طالبت:

1-   أن تبادر الدولة إلى إقالة المسؤولين الأمنيين.. الذين يتحملون المسؤولية عن هذه الجريمة.

2- لا يمكن البحث في أية مبادرة لإزالة الاحتقان، قبل الكشف عن مرتكبي هذه الجريمة، ومعاقبتهم، وأن تصدي القضاء اللبناني وحده للتحقيق في هذه الجريمة لا يريح أهالي الشهداء والمصابين وجمهور الناس.

3-   استقالة رئيس الجمهورية.. وهي مبادرة قيمة.. حبذا أن تؤخذ بالجدية اللازمة من قبل كل الأطراف.

الكلمة الخامسة.. هي مجرد تساؤلات!

فما علاقة الوجود السوري في لبنان.. وتدخله في كل صغيرة وكبيرة من أمور شعبه.. مثل نقل حارس.. أو تعيين جندي.. أو اختيار رئيس بلدية.. أو إرسال بعض القبضايات لتأديب فلان.. أو منع مواطن لبناني من دخول بلده لأكثر من ثلث قرن.. أو خطف بعض اللبنانيين إلى عنجر أولاً ثم إلى دمشق.. ما علاقة كل ذلك بنظريات التحرير ومقاومة الأعداء..؟

ثم أليست الجولان منطقة نموذجية للتحرك ضد إسرائيل.. فلماذا صمتت هذه الجبهة منذ عام 1967م؟ وبقيت جبهة جنوب لبنان وحدها المشتعلة؟!

وإذا كانت السلطات جادة في معرفة من قتل الحريري.. فلماذا لا تكشف من قتل الذين سبقوه؟!

2005/3/9م

 
Leave a comment

Posted by on August 9, 2013 in خواطر حول العالم

 

الانتخابات في اليمن

(4) الانتخابات في اليمن – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من اليمن

 

جرت في الأيام الأخيرة انتخابات برلمانية في اليمن.. وما زالت بعض ذيولها مستمرة.

ولا يُعرف هل ستستمر هذه الذيول، أم أنها أجواء الانتخابات التي تصعّد المواقف.. وتعلي من نبرة التحدي.. ويضفي الحماس فيها على المواقف مزيداً  من التوتر؟

وعهد الناس بهذه البلاد.. أن الإيمان يمان.. والحكمة يمانية.. فما الذي غيّر الأمر؟

طبيعة الديمقراطية في بلادنا

لقد وفدت إلينا الديمقراطية.. التي أوجدها الفكر الإغريقي.. ثم التقطها الغرب الرأسمالي.. باعتباره امتداداً للفكر الروماني والإغريقي.. وبدأ بتطبيقها.. ثم بالمناداة بها باعتبارها الفكر المخلص من الديكتاتورية.. والفساد.. والاضطهاد.. وعرّفها الغرب عندما قدمها للآخرين بأنها تقوم على: رعاية حقوق الإنسان، والحريات، والتعددية السياسية، والانتخابات البرلمانية، والأحزاب وتعددها، والمعارضة بأطيافها، وإعطاء المرأة حقها السياسي، واحترام الأقليات الدينية والعرقية ووضعها على قدم المساواة مع الآخرين، وتداول السلطة، والتعايش السلمي بين الدول والجماعات والأحزاب.

وقد أصبحت الديمقراطية في العالم الإسلامي قضية كبيرة.. فالبعض لا يقبلها باعتبارها حكم الشعب للشعب والمسلمون لا يرون ذلك فالنصوص القرآنية والحديث النبوي الشريف هو المحكم في قضايا المسلمين.. باستثناء المصالح التي لم يرد فيها نص فالكلمة فيها للاجتهاد المنضبط بالنصوص.

وبعض المسلمين نظروا للقضية باعتبارها مدخلاً للخلاص من الظلم والاستبداد والتبعية، وأداة لتخطي العسكرتاريا الحاكمة!!

عندما سئل الأستاذ نجم الدين أربكان.. لماذا غيرتم نظرتكم في قضية انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي.. قال: وجدنا الاتحاد الأوروبي أرحم بنا من حكومات العسكر..!

وبدأت الأنظمة في بلادنا امتثالاً للغرب.. بتطبيق الديمقراطية.. وأوجد كل نظام تعريفه الخاص للديمقراطية.

فبعض الأنظمة سمحت للأحزاب التي لا تمثل أحداً.. ومنعت الاعتراف بالأحزاب التي تمثل الشعب.. وأقام الحاكم حزباً له، يحصل على معظم أصوات البرلمان.. يحكم به ويتمتع بخيرات الأمة ولا يجد من يحاسبه.

وبعض الأنظمة اعتبرت حزبها الحاكم.. هو الحزب القائد.. وكل من ينتسب لأحزاب أخرى.. يقدم إلى المحكمة.. حكمه السجن في بعض الأقطار.. والإعدام في أقطار أخرى مثل النظام المستبد الذي سقط أخيراً في العراق.

وبعض الأنظمة.. لا انتخاب ولا من يحزنون.

كنت أتحاور مع بعض المسؤولين في السودان وقلت لهم: لماذا ينجح كثيرٌ من النواب بالتزكية؟ لماذا لا تكون معركة حقيقية.. ينجح فيها من يريده الشعب؟!

وأريد أن أقول: أن الديمقراطية في اليمن.. هي من أفضل الديمقراطيات في المنطقة العربية المبتلاة بالديكتاتورية والفساد.. ففيها أحزاب حقيقية.. وفيها معارضة حقيقية..

لقد زرت اليمن قبل فترة.. وتجولت في العديد من المدن.. وتحدثت مع شرائح متعددة حديثاً واضحاً وصريحاً.. ولم يسألني أحد.

ولقد سرّني ما قرأته للأستاذ الأمين العام للتجمع اليمني للإصلاح محمد اليدومي.. عندما دعا إخوانه إلى قبول نتائج الاقتراع لاختيار البرلمان الجديد.. وأكد أن حزبه الذي خاض منافسة شرسة مع الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) سيتعاون معه على رغم رفضه أن يكون شماعة للحزب الحاكم وسياسته.

رصيد الخبرة

ثم هناك عامل آخر.. يدعو الإسلاميين في اليمن إلى استمرار علاقتهم بالحزب الحاكم.. قد تتوتر هذه العلاقات أحياناً فيدخل المصلحون لإصلاحها.. فرصيد الخبرة والتجربة                                                        –

يتطلبان ذلك..

فهما معاً (التجمع والرئيس) من تصدى للجبهة الوطنية الديمقراطية المدعومة بالسلاح من الحكم الشيوعي في عدن.. والتي كادت أن تحقق انتصاراً على الحكم في صنعاء عام 1980.. فنزلت الحركة الإسلامية بكل فصائلها إلى الميدان.. وبتفاهم كامل مع الرئيس علي عبد الله صالح.. وخاضت مع الماركسيين معارك عنيفة أكبرها معركة جبال هكمان الشهيرة في محافظة تعز.. وقلبت هذه المعارك موازين القوة.. فاضطر على ناصر محمد إلى زيارة صنعاء مطالباً بوقف إطلاق النار.

وفي مرحلة تالية (1981 – 1983) حقق الإسلاميون والرئيس معاً الإجراءات المتعلقة بإنجاح المؤتمر الشعبي العام وإقرار الميثاق الوطني.

وفي نوفمبر 1989 وقّع الجنوبيون بعد تصاعد المدّ الإسلامي، وسقوط الاتحاد السوفياتي، اتفاقية الوحدة مع الشمال.. وفي مايو 1990 قامت الوحدة في اليمن بين الشطر الشمالي والجنوبي.

وفي 4 مايو 1994 قامت الحرب التي افتعلها الاشتراكيون في الجنوب، وفي 21 مايو 1994 أعلن علي سالم البيض انفصال المحافظات الشرقية والجنوبية.

علي سالم البيض

كانت الظروف الإقليمية والدولية تدعم حكومة عدن.. وكانت معسكرات الاشتراكيين تملك ترسانة هائلة من الأسلحة الروسية المتطورة.

وفي وقت تعددت فيه الخيارات أمام السلطة في صنعاء! هل يجمعون ما خف وزنه وغلى ثمنه.. ويركبون الطائرات إلى أقرب دولة تحميهم..؟!

ومرة أخرى نزل الإسلاميون إلى الميدان.. ولا توجد أدنى مبالغة عندما نقول أن الإسلاميين هم الذين حسموا المعركة لصالح الوحدة.

وتساءلوا : ماذا يريد الرئيس؟

يريد أن يكون رئيساً للجمهورية بدلاً من المجلس الرئاسي الذي هو فيه عضو من ثلاثة.. أحدهم من التجمع اليمني للإصلاح..؟ ووافق التجمع.. وأصبح علي عبد الله صالح رئيساً للجمهورية.

يريد أن يترشح للرئاسة مرة ثانية وثالثة؟

ورشح التجمع الرئيس علي عبد الله صالح للانتخابات الرئاسية.

لقد حسبها التجمع اليمني للإصلاح بطريقة صحيحة.. فرصيد الخبرة، والتجربة، والطريق المشترك، والمواقف الصعبة، التي سلكاها معاً مع الرئيس.. تتطلب مثل هذه المواقف..

ولكن هل هذا الموقف لصالح التجمع اليمني للإصلاح؟

نعم بكل تأكيد.. والدليل على ذلك هو أنه بالرغم من كل إجراءات السلطة.. واعتداءات الحزب الحاكم.. فقد حصل التجمع اليمني للإصلاح على أصوات المدن الكبرى.. التي تضم المثقفين والطلاب والسياسيين.. وهؤلاء أثقل في الميزان من الأعداد المضاعفة التي حصل عليها الحزب الحاكم في القرى ومواقع القبائل.. ومن تعرفه خيرٌ من الذي تجهله!.

صنعاء – 2003م

 
Leave a comment

Posted by on August 4, 2013 in خواطر حول العالم

 

حقيقة الأزمة وقضية الوحدة اليمنية

(3) حقيقة الأزمة وقضية الوحدة اليمنية – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من اليمن

شعب يمني واحد

في أقسى الظروف التي عاشها اليمن.. كان اليمنيون يشعرون أنهم شعب واحد.. وإذا كانت الظروف قد أملت على بلادهم أن تقسم بين شمال يحكمه الأئمة، وجنوب يخضع للاستعمار البريطاني، إلا أن الشعب كان يعيش الوحدة في وجدانه وكل مشاعره.

عندما قامت حركة الأحرار اليمنية في الشمال في أربعينات هذا القرن ضد حكم الأئمة الذي أشاع الظلم والفقر والجهل والمرض.. لم يجد بعض قادة الحركة مثل الزبيري والنعمان – بعد فشل حركتهم – إلا مدينة عدن.. ليجدوا قلوب وبيوت إخوانهم في الجنوب مفتوحة لهم.. الأمر الذي مكنهم من قيادة حركتهم من الجنوب

الزبيري والنعمان

وعندما نجحت ثورة سبتمبر 1962‏م ضد الإمامة.. جعلت من أهدافها ‏الستة التي أعلنتها: تحرير جنوب البلاد من الاستعمار البريطاني.

فمن أين جاءت قصة يمنين وشعبين..؟

القصة بدأت مع تسلم الحزب الاشتراكي (الابن الشرعي للجبهة ‏القومية) السلطة في الجنوب.. وهذا الحزب شأنه شأن جميع ‏الأحزاب القومية في الوطن العربي كان يصم الآذان بشعارات الوحدة.. فلما تسلم السلطة جاء من يذكره.. بأنه آن الأوان لتطبيق شعارات الحزب وإعلان الوحدة.. ولكن الفريق الماركسي في الحزب.. ذكّر الرفاق وقال: وكيف ننضم إلى شمال متخلف رجعي..؟!

وبدأت الحكاية التي تكررت في كل بلاد العرب.. ثورة ثقافية تجعل الجميع يؤمن بالاشتراكية والماركسية، ومن ثم يصير اللقاء وتكون الوحدة تلقائية. كان التيار لصالح الماركسيين.. فعندما تسلم إبراهيم الحمدي الحكم في الشمال بانقلاب عسكري عام 1974‏م.. قرر زيارة عدن والإعلان من هناك عن ثورة ثقافية.. وعندما قتل عام 1977م وحكم من بعده المقدم أحمد الغشمي قتله الاشتراكيون.. ثم جاء من بعده على عبد الله صالح عام 1978‏م.

في هذه الفترة عام 1978‏م تكونت الجبهة الوطنية في الشمال.. تحمل أفكار الحزب الاشتراكي الحاكم في الجنوب.. والتي قامت بعمليات تخريب في بعض المحافظات الشمالية.. كانت أعنفها حرب عام 1979م التي استمرت لأكثر من عام.. والتي كادت أن تحقق انتصارا على الحكم في الشمال عام 1980م. واشترطت من أجل وقف القتال اشتراكها في الحكم بشرط إعطائها الوزارات السيادية مثل الخارجية والداخلية والإعلام والتربية والجيش.

ولقد استطاع الكفاح الشعبي الإسلامي الذي أدرك خطورة سيطرة الماركسيين على كامل اليمن، أن يخوض معارك عنيفة مع مرتزقة الجبهة الوطنية المدعومة من جيش الجنوب.. كان أعظمها المعركة التي خاضها المجاهدون في جبال هكمان الشهيرة في محافظة ‏تعز والتي كان من نتائجها أن قام علي ناصر محمد الأمين العام للحزب الاشتراكي بزيارة لصنعاء يطالب بوضع حد للقتال وفتح صفحة جديدة بين البلدين.. لقد أخافهم الزحف الإسلامي.. !!

ومع هذه الصفحة الجديدة التي أرساها علي عبد الله صالح مع علي ناصر محمد.. بدأت مرحلة المؤتمر الشعبي الذي تأسس عام 1982‏م برئاسة علي عبد الله صالح.

علي عبدالله صالح

نتائج متوقعة بين الحرب والسلام

لم تنته المعارك بعد.. وحتى كتابة هذا التحليل فإن القوات الشمالية مازالت تحاصر عدن.. مع وجود ضغوط سياسية تحول دون اقتحامها.. ومع ذلك فإننا نستطيع أن نسجل بعض النتائج المتوقعة بين الحرب والسلام:

1- مهما تكن النتائج وسواء بقيت الوحدة الصورية أم حل مكانها الانفصال أو التشرذم .. فإن الجنون الذي حدث كرس الانفصال الأبدي ودق اسفين الفرقة والأحقاد والرغبات الجامحة بالثأر والانتقام. خاصة وأن عدد القتلى تجاوز حسب التقديرات الـ 20 ألف قتيل.

2- ومهما تكن نتائج المعارك.. فإن هذه الحرب التي يدعو فيها خطباء المساجد في صنعاء إلى الجهاد ضد الماركسيين المارقين، وبالمقابل يحاول الجنوبيون جاهدين استمالة العشائر والقبائل والأحزاب التي سبق وحاربوها.. هذه الحرب لن تتوقف عندما تصمت المدافع والصواريخ .. بل ستتحول إلى حرب استنزاف قبلية لن تهدد وحدة اليمن فقط.. بل ستعمل على تمزيقه إلى شعوب وقبائل تحكّم شرائع الغزو والثأر بدلا من قانون الدولة..

هذه الحروب االقبلية هي الأكثر دواما، فلا أحد يتنازل عنها، لأن شرف القبيلة يعلو على حياة كل أفرادها.

‏ولقد سمعنا وقرأنا لسلطان حضرموت.. أن بلاده لم تكن في يوم ‏جزءا من اليمن .. شماله أو جنوبه !

3- مما لا شك فيه أن التخويف بالأصولية لعب دورا في تفجير الأوضاع في اليمن.. فقد قدّم قادة الحزب الاشتراكي أنفسهم كمن يحارب ليمنع إقامة دولة إسلامية أصولية ستكون مصدر تهديد للدول المجاورة لليمن حسبما قال الأمين العام المساعد للحزب السيد سالم صالح محمد. ومن الواضح أن الاشتراكيين يطمعون من وراء هذه التصريحات استثارة القوى الإقليمية والدولية للمبادرة إلى تقديم العون لهم.

أما الأحزاب الأصولية في اليمن فهي:

حزب الحق: وهو حزب إسلامي ذو ميول شيعية زيدية . شكل قبل فترة مع الحزب الاشتراكي نواة معارضة ضد علي عبد الله صالح. وعندما ‏أعلن الاشتراكي الانفصال عاد الحزب إلى قواعده الشمالية.

التجمع اليمني للإصلاح ذو الصلة الوثيقة بالإخوان المسلمين، فهو مرتبط بالحركة الإسلامية العالمية، وله علاقات وثيقة مع دول إسلامية عدة. يتولى الشيخ عبد المجيد الزنداني وهو أحد قادته ‏عضوية مجلس الرئاسة اليمني. كما ويشارك التجمع بعدد من الوزراء. كما أن الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر زعيم التجمع يترأس مجلس النواب.. كما أن عددا من الإسلاميين يشغلون مواقع جيدة في عدد من الأجهزة الأمنية.

رابطة أبناء اليمن وزعيمها عبد الرحمن الجفري الذي تحالف حديثا مع الحزب الاشتراكي، وله تاريخه الإسلامي العريق، يتضح ذلك من كتاباته وخطبه وفلسفة حزبه.. كما أن لعمه المرحوم السيد عبد الله علوي الجفري اتصالات قديمة مع الإسلاميين .. وكانت الجبهة القومية آنذاك والاشتراكيون لاحقا اضطهدوه وصادروا ممتلكاته بحجة أنه من الإسلاميين.. ويظهر أن تحالفه الجديد مع الاشتراكيين عبارة عن لقاء ‏مصلحة موجه أصلا ضد علي عبد الله صالح.

وفي الجنوب توجد الحركة الإسلامية الحديثة وجلها من الشباب.. موجودة في معظم محافظات الجنوب.. وهذه الحركة تنتمي إلى الإخوان المسلمين.. قسم منها ارتبط تنظيميا بالتجمع اليمني للإصلاح وقسم آخر مازال مستقلا.

أما حركة الإخوان المسلمين العالمية فقد أصدرت بيانا معتدلا دعت فيه الأطراف المتحاربة إلى وقف نزيف الدم.. ولكنها أكدت في الوقت نفسه ضرورة المحافظة على الوحدة.

4- ينظر الكثيرون إلى حرب اليمن باعتبارها ملحقا لحرب الخليج.. فدور صدام في الوحدة اليمنية عام 1990‏م.. ودور اليمن وموقفها من غزو الكويت.. والخلافات مع المملكة العربية السعودية على الحدود.. كل ذلك جعل الخليج يقف تلقائيا مع حكومة عدن.. التي أبدت كل الاستعداد (فيما يبدو لحسن الجوار مع منطقة الخليج).

5- الجميع يتساءل عن موقف الأمريكان.. هل لهم مصلحة في استمرار القتال.. أم في إيقافه.. تصريح وزير الخارجية الأمريكي كريستوفر الذي وجه رسائل إلى وزراء خارجية دول مجلس التعاون ‏الخليجي يحذرهم من مغبة استمرار هذه الحرب وضرورة إنهاء قتل اليمنيين على يد اليمنيين وإلى ضرورة التوصل إلى وقف فوري للنار يتبعه تطبيق وثيقة العهد والاتفاق التي وقعها اليمنيون في عمان. كما أعرب عن استياء حكومته من جراء شحنات الأسلحة الكبيرة التي تتدفق على اليمن.. فهل هذه التصريحات توضح موقف أمريكا.. أم أنه موقف قابل للتغيير..؟

6- إن دخول مجلس الأمن على الخط، هو أهم تطور سياسي في الموضوع، وهو يعطي فكرة عن مدى الاهتمام الدولي بما يجري في اليمن.. فللقوى الإقليمية القادرة على الضغط.. وللقوى العالمية مصالحها في ‏المنطقة.. ومن هنا يفهم تركيز الشمال على السيطرة على شبوه ‏التي تشكل حقولها النفطية امتدادا لحقول محافظة مأرب ‏الشمالية، وعلى تحقيق اختراق في حضرموت للسيطرة على حقولها ‏النفطية الغنية. ومثل هذا التحرك الدولي هو أقرب لمصلحة ‏الجنوبين الذين هيأتهم الظروف للعب هذا الدور.. والذين هم ‏بطبيعتهم مستعدون له. وتوجه مجلس الأمن هو العودة إلى طاولة ‏الحوار بعد ما أظهر كل طرف ما الذي يستطيع عمله. فلا الوحدة ‏ممكنة بالتصعيد العسكري ولا الانفصال ممكن بالتصعيد السياسي ‏الذي بلغ ذروته بإعلان جمهورية اليمن الديمقراطية.

7- إن استمرار القتال.. وتفوق اليمن الشمالي عسكريا.. سيضعها في صفوف الدولة التي تهدد المنطقة وسيؤثر ذلك على اليمن مستقبلا وربما ساعد في عزلتها.

الوحدة بين الحقيقة والوهم

تتعلق شعوبنا العربية في أغلب مواقعها بالوحدة .. بل وتعتبرها مقدسة ينبغي قيامها.. وإذا قامت فلا بد من الحفاظ عليها بكل الوسائل.. وهذه النظرة سببها التجزئة التي فرضها الاستعمار الأوروبي على أمتنا فأصبحت بموجبها الأمة الواحدة التي يجمعها الدين والتراث والتاريخ والأرض واللغة والآمال والمصير.. مزعا متفرقة لكل منها علم ونشيد.. وإذاعة وتلفزيون.. وسيادة وحدود.. وأخيرا عضوية في المحافل الدولية ‏وفي ظل هذه الكيانات بقيت الأمة تحن إلى وحدتها التي هي – في نظرها- عنوان عزتها وسؤددها.

ولقد قامت في عصرنا الحديث عدة محاولات للوحدة أولها الوحدة الفلسطينية- الأردنية والوحدة المصرية- السورية.. والاتحاد الهاشمي.. ووحدات صورية بين ليبيا وكل من مصر وتونس والسودان والمغرب.. وأخيرا الوحدة اليمنية بين شطري اليمن الشمالي والجنوبي.

هذه المحاولات فشلت جميعا.. ولم يقتصر فشلها على المعنى السياسي للوحدة.. بل كانت نتائجها وبالا على معنى الوحدة والأخوة .. وتقارب الشعوب.. والمصير الواحد.. إلى آخر هذه المعاني التي هي بالأساس المحرك الحقيقي لوحدة الأمة.. ولا بد لنا من أن نسلم بأن الكيانات العربية والإسلامية بحدودها الحالية.. وبالثقافات التي تغذي هذه الكيانات.. وبالسلطة المتحكمة التي فرضت نفسها على شعوبها، وليس بمقدورها الاستمرار بحكمهم إلا من خلال: إبراز التناقضات، وإحداث انقسام مجتمعي هائل، وإغلاق كل أبواب الحوار والتفاهم بين طبقات الشعب. فاستغلت الأقليات وأبرزت الطوائف، وأحيت اللغات الميتة.. وحوّلها الجميع إلى قبائل تتصارع.. كل ذلك قد أثرت عميقا في نفسية الشعوب وجعلها تتمسك بهذه الكيانات.. وإذا كانت الوحدة مازالت حلما ورديا عاطفيا يداعب أحلام الجماهير..فإن الكيانات الإقليمية وشيوع القبلية وتحكم الأهواء الشخصية والخلافات الذاتية هي أقرب للحقيقة (مع الأسف الشديد) من الأحلام.

ولكن لماذا؟ ما هو سبب هذا الانقلاب..؟ كيف أصبحت الكيانات المفتعلة هدفا يسعى إليه الكثيرون..؟

السبب في تقديرنا هو أن الحكام هم الذين يصنعون الوحدة.. يرتبونها حسب مصالحهم.. ويفصّلونها عل مقاسمهم.. يتقاسمون مناصبها ويستأثرون باقتسام خيراتها.. حتى إذا اختلت حساباتهم لأي سبب من الأسباب.. نقضوا ما اتفقوا عليه وانتهت الوحدة.

ومن الخطأ البالغ أن نعتبر مثل هذه المواقف.. وحدة تحميها الشعوب بصدورها وتدافع عنها.. فهي لم تكن فيها في البداية ولا يهمها كثيرا أن تكون فيها في النهاية.

كان الشعبان السوري والمصري من أقرب الشعوب العربية لبعضهما وما زال يذكر جيلنا كيف وقف الطلبة الصغار في سوريا يتطوعون في الجيش الشعبي للذهاب إلى مصر لحمايتها أثناء العدوان الثلاثي عام 1956‏م.

فلما قامت الوحدة بين الدولتين.. وحُكم الشعب السوري المعروف بعنفوانه بالأسلوب القمعي المخابراتي الذي كان سائدا في مصر.. يومها حدث الانفصال وقامت مهاترات لا حد لها بين البلدين.. ‏ومازالت الوحدة وذكراها غصة في قلوب السوريين.. هذه الوحدة ‏التي أريد لها أن تكون نواة للوحدة العربية الكبرى. وإذا بها مزيدا ‏من الأغلال في أعناق الشعوب.

وإذا كان حديثنا عن اليمن اليوم.. فالشعب في البلدين واحد.

ولكن الوحدة قامت بين نظامين ورئيسين وحزبين تقاسما بينهما المصالح .. فلما افترقت هذه المصالح لظروف داخلية أو خارجية.. عملا على الانفصال.

إن الوحدة الحقيقية.. هي الوحدة التي تفرضها الشعوب.. في أجواء الحريات.. واحترام حقوق الإنسان.. ولا معنى لوحدة على حساب الشعوب وحريتها وحقوقها..

وفي الوقت الذي يتجه فيه العالم – في إطار حركة منظمة- بتحويل الكيانات الصغيرة إلى دائرة الكيانات الأكبر، طمعا في التنسيق، بل الاتحاد.. نرى عالمنا المجنون يلهث بقوة غاشمة وبسرعة جاهلة منفلتة نحو الانفصال والتمزيق والتفتيت. وفي حمى الاندفاع المجنون لا نظن أحدا سيسلم.

وماذا عن المستقبل؟

هل سينفلت الأمر من عقاله في وسط شعب مسلح نسبة عالية من شبابه عاطل عن العمل، فينطلق يصفي حساباته في داخل بلده وخارجها..؟

وهل ستكون فرصة – في ظل هذا الانفلات – لتغيير خارطة المنطقة.. وهل ستبقى اليمن شمالا وجنوبا فقط.. فإن بعض المصادر تؤكد أن ثمة خططا لتقسيم اليمن إلى أربعة كيانات على الأقل..؟

وفي حالة الانفصال.. فهل ستقبل المعارضة (التي شاركت في الحكم مؤقتا) حكم الاشتراكيين.. أم أن بقاء الاشتراكيين مرحلي كذلك..؟

وهل سيدرك مجلس التعاون الخليجي خطورة الموقف.. وأن دائرة القتال والاستنزاف قد تتسع.. فيعالجوا الأمر بطرق مختلفة..؟

كلها أسئلة توضع أمام السياسيين لعلهم يدركون خطوات المستقبل.

1994/6/21م

 
Leave a comment

Posted by on August 3, 2013 in خواطر حول العالم

 

عدن والرمال المتحركة

(2) عدن والرمال المتحركة – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من اليمن


مقدمة

بعد مرور أكثر من شهر على أحداث (13) يناير 1986م التي وقعت في عدن.. وعلى الرغم من إعلان فريق العطاس أنه يسيطر على الموقف، ومن الصمت المطبق الذي يلف تحركات الرئيس علي ناصر محمد الذي مازال البعض يصفه بالقيادة الشرعية.. على الرغم من ذلك فإن الوقت مازال مبكرا لأن نحكم على هذه الأحداث.

علي ناصر محمد و حيدر أبو بكر العطاس

وإذا كان العطاس قد قفز إلى السلطة في ربع الساعة الأخير كما ذكر محمد علي الهيثم رئيس وزراء اليمن الجنوبي السابق.. فإن في الوقت مزيدا من الاتساع للآخرين كي يقرروا الجهة التي ينضمون إليها.. فعوامل الداخل ومواقف الخارج.. وصراعات الأساطيل في المياه الممتدة أمام الميناء العريق.. كلها ستتدخل في تكامل الصورة التي مازالت أبعادها غير واضحة.

محمد علي هيثم

هل لهذه القسوة ما يبررها؟

جميع القوى المناهضة والصديقة كانت تتوقع الأحداث الأخيرة في اليمن.. ولكنها جميعا لم تكن تتصور أن تتم الأحداث بهذا العنف وهذه القسوة.. وسنحاول أن نلقي نظرة على الأحداث أولا، ومن ثم ندرس أسباب تحويلها إلى مجزرة يذبح فيها الرفيق رفيقه.. ويهدم الجميع الهيكل الذي تعاونوا معا على بنائه قرابة الخمس عشرة سنة.

فإذا أردنا أن نفهم الأحداث فلابد من الوقوف على النقاط التالية:

1- تشكل الجمهورية اليمنية الديمقراطية القسم الجنوبي من بلاد اليمن.. وهو القسم الذي يتحكم في مداخل البحر الأحمر، ويمتد على شاطئ المحيط الهندي، ويقع إلى الجنوب من المملكة العربية السعودية. حكمه الإنكليز منذ عام 1828م باعتباره أحد ركائز سفنهم في طريقها إلى الهند درة التاج البريطاني يومذاك.. وكان الإنكليز يعلنون بأن من حقهم أن يمتلكوا هذا الطريق.. كيف لا وهم إحدى دعامات الاستقرار العالمي! ولهذا فقد سيطروا على مصر والسودان، وملكوا شاطئ جزيرة العرب واليمن اعتبارا من الكويت وحتى عدن مرورا بالبحرين وقطر والإمارات وعمان، وبقيت منطقة اليمن الجنوبي عبارة عن قاعدة عسكرية ومعمل لتكرير النفط وأحياء لسكن الموظفين والعسكريين البريطانيين.. وباختصار كانت قاعدة لخدمة المستعمر وقوافله وجيوشه في المنطقة، وفي نفس الوقت أفلح الإنكليز في تقسيم اليمن الجنوبي إلى عشرات الإمارات والسلطنات الصغيرة وفي تعميق الشقاق بين القبائل والأقاليم على قاعدة فرق تسد.

2- وفي 26 سبتمبر 1962م قام الانقلاب العسكري في اليمن الشمالي بقيادة عبدالله السلال، وحدث التدخل المصري المسلح، وفي 14 أكتوبر 1963م ثار الشعب اليمني في جبال ردفان في الجنوب، وكان للتوجه المصري الناصري دور حاسم في تصعيد الصراع المعادي لبريطانيا.. وأحبت بريطانيا أن ترد التحية فغلّبت كفة الجبهة القومية وسلمت الحكم في 30 نوفمبر 1968م لقحطان الشعبي على حساب جبهة التحرير بزعامة عبد القوي مكاوي الذي تؤيده القاهرة.. وهكذا بدأت الصفحة الأولى للصراع فاعتقلت عناصر جبهة التحرير.

قتلوا بعضهم وفر إلى الخارج بعضهم الآخر ومازال زعيمهم عبد القوي مكاوي يتحين الفرصة للانقضاض على إخوان الأمس أعداء اليوم.

3- وبعد الاستقلال مباشرة بدأت شخصيات معينة تطرح الشعارات الاشتراكية والماركسية في إطار الجبهة القومية ومن هذه الشخصيات: عبد الله الغامدي، وعبد الفتاح إسماعيل، وعلي صالح عياد، ومحمد صالح مطيع، وسلطان أحمد عمر، وعبد الله الأشطل، وكان أبرز هؤلاء عبد الفتاح إسماعيل.

وفي المؤتمر الرابع للجبهة القومية الحاكمة الذي عقد في مدينة زنجبار (المحافظة الثالثة) ونتيجة للطرح الاشتراكي انقسمت الجبهة إلى جناحين:

    * يساري متطرف بقيادة: عبد الفتاح إسماعيل وسالم ربيع علي.

    * ويميني بقيادة قحطان الشعبي الذي أصبح رئيسا للجمهورية.

4- وكانت الصفحة الثانية للصراع، بالانقلاب الذي قاده الفريق اليساري ضد اليمينيين يوم 22 يونيو 1969م والذي أسفر عن مجازر في صفوف الرفاق دفعت إلى المقصلة رأس الرئيس قحطان الشعبي وابن عمه فيصل الشعبي وأعداداً كبيرة من أنصارهم، وأسفرت عن تشكيل مجلس رئاسة من عبد الفتاح إسماعيل، وعلي ناصر محمد، وسالم ربيع علي، واحتفظ عبد الفتاح إسماعيل بأمانة الحزب ومن أهم منجزات هذه المرحلة:

    * تغيير اسم البلاد إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كدلالة على التوجه السياسي والعقائدي الماركسي.

    * تطهير القوات المسلحة من العناصر التي لا تدين للقيادة الجديدة بالولاء.

    * تشكيل ميليشيات حزبية تحت إشراف مباشر من عبد الفتاح إسماعيل.

5- وبدأت الصفحة الثالثة للصراع منذ مطلع السبعينات وتفاقمت في الفترة (1975- 1978م) عندما انضم كل من علي ناصر محمد، وعلي عنتر، ومحمد سعيد اليافعي، مسؤول الأمن إلى جناح عبد الفتاح إسماعيل.

وكالعادة فقد اتهم جناح عبد الفتاح إسماعيل الرئيس سالم ربيع علي بأنه يريد أن ينفرد بالسلطة فقاموا ضده بانقلاب عسكري اسفر عن إعدامه مع عدد كبير من أنصاره، وقد دارت إثر ذلك معارك عنيفة بين المعارضين والموالين للشرعية (كما كانوا يطلقون على أنفسهم) نتجت عنها تصفية هؤلاء وتطهيرهم بالكامل من صفوف الجيش والسلاح الجوي والأمن العام.

وتقاسمت العناصر المنتصرة السلطة فكان من نصيب عبد الفتاح إسماعيل قيادة الحزب وعلي ناصر محمد رئاسة الدولة وعلي عنتر وزارة الدفاع.

6- وسرعان ما بدأت الصفحة الرابعة للصراع بالظهور عندما استطاع علي ناصر محمد عام 1980م إبعاد عبد الفتاح إسماعيل إلى موسكو بعد أن جرده من كافة مناصبه.. وعندما عاد بوساطة سوفياتية عام 1985م بدأ يستقطب القوى ويكتلها ضد الرئيس علي ناصر محمد.. وبذلك كانت الصفحة الخامسة لهذا الصراع المرير الدائم.

7- فكيف كانت الأحداث الأخيرة؟

تضاربت الأنباء وتنوعت البيانات التي تشرح الأحداث الأخيرة التي وقعت يوم 13 يناير 1986م في عدن.. ففي حين يدّعي الرئيس علي ناصر محمد بأن الفريق الآخر حرك قطعات الجيش واحتل المواقع الهامة في العاصمة بحجة أن إسرائيل تعد لضرب القوات الفلسطينية المتواجدة في اليمن الجنوبي.. وأعدوا كل شيء لقتل الرئيس وأنصاره يوم اجتماع المكتب السياسي للحزب الحاكم يوم 13 يناير 1986م، فيما يدعي الفريق الآخر الذي انتصر في النهاية بأن علي ناصر محمد هو الذي أعطى الأوامر لحرسه الخاص بتصفية خصومه عند حضورهم اجتماع المكتب السياسي، الأمر الذي مكّنه من قتلهم جميعا في اليوم الأول للأحداث.

ومهما يكن الأمر.. ومهما تكن الرواية الصحيحة فليس هذا ما يهمنا في هذا التحليل.. الذي يهمنا جملة أمور تستحق التأمل والتوقف عندها:

أولا- طبيعة الأنظمة القائمة على الانقلابات

إن الذي جرى في عدن على الرغم من إبراز الإعلام الغربي وبالتالي العربي لأحداثه.. وتركيزهم على الطريقة التي قتل فيها الرفاق بعضهم البعض.. وكيف دمروا بأيديهم ما بنوه في سنوات حكمهم.. على الرغم من ذلك فإننا نقول إن الذي حدث في عدن الماركسية هو الذي يحدث في جميع البلدان العربية بل الإسلامية فالحرب المستمرة في لبنان والتي قتلت شعبا بأكمله.. والحرب التي سحقت الشعب السوري في حماة وحلب وبقية المناطق.. والإرهاب في ليبيا ومصر.. والحرب المستمرة بين الجزائر والمغرب.. أو بين تشاد وليبيا.. أو بين تونس وليبيا.. أو بين ليبيا ومصر.. أو بين العراق وسوريا.. أو بين العراق وإيران.. أو بين اليمن واليمن.. أو بين عدن وعمان.. وغيرها، ما هي إلا حروب القيادات العربية التي تريد أن تحقق عن طريق الحرب زعامة دائمة ونصراً مؤزراً على الخصوم السياسيين، لا يهمهم عدد القتلى أو تدمير المدن أو تنكيس السلاح.. كل الذي يهم هو انتصار الزعيم، يتساوى في ذلك الماركسيون مع الليبراليين والثوريون مع الرجعيين.. والرؤساء الجمهوريون مع الملوك.. فما من انقلاب حدث في أي بلد من البلدان إلا وانقسم المنتصرون إلى قسمين.. صفى القسم الأول الفريق الآخر.. ثم انقسموا مرة ثانية ومرة ثالثة شعارهم الدائم: الشعار الذي رفعه الشيطان يوم قيام الثورة الفرنسية أن الثورات تأكل نفسها كما تأكل القطة أبناءها.. لا يهم الفرقاء مع من يتعاونون مع اليمين أو اليسار مع الروس أو الأمريكان مع الجيران أو البعيدين المهم أن ينتصر الزعيم ويثبت الكرسي العتيد.

إن التغيير الذي يحدثه العنف.. ينتهي بتغيير آخر عن طريق العنف كذلك ويشرب الفرقاء من نفس الكأس الحاقد المشؤوم.. ومن هنا حرص الإسلام على الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.. حتى إذا حدث التغيير يكون تغيير قلوب لا تغيير قوالب وتغيير إيمان لا نفثات شيطان.

ثانيا- في سبيل الكرسي تسقط النظريات

القومية العربية التي تبنتها جبهة التحرير، والاشتراكية العربية التي تبنتها الجبهة القومية في أيامها الأولى، والاشتراكية العلمية أو الماركسية التي تبناها الحزب الاشتراكي اليمني الذي يقود البلاد خلال السنوات الأخيرة.. كل هذه الأسماء والأحزاب والعقائد.. لم تكن أكثر من قشرة سطحية تحيط برجالات السلطة.. وتحت هذه القشرة مازال السلطان للقبائل التي وزعت بريطانيا ولاءاتها وأوقعت العداوة والبغضاء بين رؤسائها، وجاءت القشرة الحاكمة لتستغل هذه الخلافات فتحول الماركسيون إلى قبائل تتصارع على السلطة وتأكل بعضها بعضا.

كانت عدن مستعمرة بريطانية، ميناؤها ومصفاتها وقواعدها العسكرية لخدمة بريطانيا العظمى!.

واليوم عدن قاعدة متقدمة للخدمات السوفياتية، فللاتحاد السوفياتي عدة قواعد برية وبحرية وجوية، أهمها في العاصمة عدن في منطقة (فقم) ومنطقة (بين الجبلين) وهي قاعدة جوية كبيرة كانت في الماضي قاعدة للإنكليز. وهناك قاعدة بحرية للسوفيات في ميناء عدن (التواهي)، وثمة قواعد فرعية في المحافظة الثانية (الجبلين) والمحافظة الرابعة (عتق) والمحافظة الخامسة (المكلا)، أما المحافظة السادسة التي تضم جزيرة سقطرة فتوجد فيها قاعدة بحرية وجوية كبيرة، وهذه الجزيرة تقع في المحيط الهندي وعلى حدود سلطنة عمان، وأنشئت منذ مدة قاعدة للقوات الكوبية  في منطقة يافع السفلى (الرميلة) الواقعة بين مدينة الحصن وجعار، فما الذي تغير غير استبدال سيد بسيد؟ وأين صارت حقيقة الشعارات؟!

كانت عدن قاعدة إمبريالية ينهب خيراتها علوج الاستعمار..

أما اليوم فشلة السلطة تسكن نفس البيوت والمساكن ويحتلون نفس مواقع الضباط الإنكليز (فعلي ناصر محمد يتمتع بخصوصية المطعم العسكري البريطاني السابق، وكان في مطبخه أفضل أقداح النبيذ، وكان يلعب كرة الطاولة في القاعة الزجاجية المطلة على الشاطئ في الأوقات الفاصلة بين جلسات القات، والمنزل مجهز بسلع غير بروليتارية مثل تقليد لأثاث لويس السادس عشر وأجهزة هاتف أمريكية الصنع وأشرطة كاسيت مسجل عليها سيمفونيات تشايكوفسكي، أما بيت عبد الفتاح إسماعيل فكان إحدى الفلل الفخمة المبنية لضباط البحرية الملكية البريطانية، وتقع في شبه جزيرة محاطة بالأشجار تطل على الميناء وسيارة ليموزين حديثة على مدخل الفيلا(التايمز البريطانية (11/2/1986م)).

أما شعب اليمن الجنوبي فهو من أفقر عباد الله يهاجرون ويضربون في الأرض ابتغاء الرزق ولم يتغير في بلادهم قبل الاستقلال وبعده غير استبدال فريق ليبرالي بفريق اشتراكي.

ثالثا- طبقة حكم أم فريق مافيا !

الأحداث في عدن كانت انقلابا وانقلابا مضادا..

كل فريق يتربص بالفريق الآخر ويخطط لذبحه مع أنصاره..

وتواعد الفريقان على اجتماع المكتب السياسي للحزب الحاكم يوم 13 يناير 1986م وأمر علي ناصر محمد حرسه بتصفية الخصوم.. وكان الخصوم في نفس الوقت على موعد مع السلاح..

انقسم الجيش.. وهاجمت الطائرات والدبابات قصر الرئاسة..

وبدأ كل فريق يطلق الرصاص وفي جميع الاتجاهات من شارع إلى شارع ومن مؤسسة إلى المطار إلى الميناء في أشد قتال يمكن تصوره.. كانت الشوارع ممتلئة بآلاف السيارات وناقلات الجنود والدبابات المحروقة.. وحتى الطائرات فقد تم إعطاب بعض المقاتلات والقاذفات وهي جاثمة على الأرض، كما تم في الوقت نفسه تدمير مدرجات المطار بواسطة قذائف مدافع الهاون وغيرها حتى تصبح هذه المدرجات غير صالحة للإقلاع والهبوط.

لقد جرت تصفية جميع المسؤولين تقريبا في الخدمة المدنية والإدارات التنفيذية للوزارات..

بعد توقف القتال انكشفت في عدن قبور جماعية تفضل الحكومة عدم الحديث عنها ولم تسمح للمراسلين الأجانب بزيارتها.

إن عدداً كبيراً يتجاوز العشرة آلاف سقط في عدن بين قتيل وجريح، معظمهم من رجال الميليشيا أو من مسؤولي الحزب.. وللحقيقة فإن النظام الذي انتصر أخيرا قد قام دون رحمة بتصفية خصومه الحزبيين بنفس الطريقة التي حاول بها علي ناصر محمد تصفية أعدائه في 13 يناير 1986م.

فهل يتصور إنسان أن هؤلاء الذين يتقاتلون هم رجال حكم يهمهم خير البلاد والعباد.. أم فريق مافيا يشهر أحدهم سلاحه قبل أن يتمكن رفيقه من إشهار المسدس والقتل!

رابعا – موقف الآخرين

وإذا كانت عدن ابتليت بمجموعة ربتها بريطانيا في حجرها وألبستها موضة هذا الزمان لباس الاشتراكية والتقدمية.. وأطلقتها تخرب البلاد وتقتل العلماء وتسحلهم في الشوارع.. وتؤمم كل شيء حتى الفقر.. فماذا كان رد فعل الأقربين والجيران والدول الاستعمارية الأخرى..؟

كانت جميع القوى متفرجة على مسرح الجريمة، شامته أو راغبة بالمزيد من سفك الدماء.. أو محرضة لهذا الفريق أو ذاك. ولم يتحرك أحد غير منظمة التحرير في محاولة لوقف سفك الدماء.. سرعان ما تراجعت خوفاً من الأبواق المأجورة..!

هذه هي قصة المأساة في عدن.. لا مأساة شرذمة من الأجراء الذين يتدافعون لمقاعد الحكم الأولى في كل فترة.. وإنما مأساة شعبنا المسلم الصابر في عدن في بلاد اليمن..!

يناير 1986م

 
 

جلسات القات

(1) جلسات القات – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من اليمن

عندما تزور اليمن.. تتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الإيمان يمان والحكمة يمانية).. وتتوقع أن تجد هذا الإيمان والحكمة في وجوه الشعب اليمني الطيب المضياف.. وفي حديثه المفعم بالوضوح والراحة والبساطة.. في مختلف طبقاته.. بين السياسيين ورجال الأعمال والعمال وكل الطبقات الكادحة في اليمن.

وكما تتذكر الحكمة، تتمنى أن تتعرف على شجرة القات التي كثر ذكرها.. وتناول الحديث عنها الشعراء والأدباء والفقهاء.. بين محارب لهذه الشجرة الخبيثة كما يصفها البعض.. ومدافع عنها باعتبارها وسيلة المجالس ولقاء الأصحاب والأحباب.

بعد الظهر تخلو معظم الشوارع من المارة.. فإذا سألت عن السبب.. أشاروا إلى (المقايل) وهي الأماكن التي يتجمع فيها الناس لتعاطي القات. هنا نجد القيادات السياسية مشغولين بالسياسة.. ورجال الفكر بالأفكار.. والشعراء بالأشعار.. وعامة الناس بالنكات والكلام الفارغ. إذا سألت بعض المهتمين بموضوع القات.. أفادوك بأنه شجرة تزرع في مناطق الحبشة وأوغندا وكينيا وملاوي وجنوب أفريقيا.. ومن هذه البلاد دخلت إلى اليمن في القرن الرابع عشر الميلادي.

فإذا ذهبت للسوق حيث يباع القات.. وجدته يشبه البرسيم (إلى حد ما).. وإذا كان البرسيم نوعا واحدا.. فإن القات أنواع فيه الجيد وفيه المتوسط.. وفيه غالي الثمن وفيه الرخيص.. وإذا أحببت أن تشبع فضولك وزرت المناطق التي يزرع فيها القات.. فوجدته يحتل أخصب المناطق.. شجرته مثل شجيرة البن.. صغيرة الحجم.. دائمة الخضرة.. يقطعون أوراقها.. ويعرضونها في الأسواق.. وإذا تجرأت وزرت المقايل.. وجدت منظرا عجيبا.. يجلس الرجال على شكل حلقات.. وقد اهتم كل منهم بوضع أوراق القات لفافة تحت أحد الشدقين ثم يمضغه بهدوء.. ويحدث الأثر من خلال امتصاص الشعيرات الدموية الموجودة في الفم لهذه المادة.. وقد تستمر جلسة القات هذه عدة ساعات متواصلة.

أهم مكونات هذه العصارة التي تمتصها الشعيرات من القات هي مادة الكاتين ومادة الكاتينون.. وهاتان المادتان اللتان تتسببان في ازدياد ضربات القلب والشعور بالأنس.. يعقبه الاكتئاب والقلق النفسي.

زراعة القات في اليمن

لمجالس القات طقوس معينة.. حيث تتفق المجموعة على مكان محدد لتناول القات وتحرص أن يكون هادئا مريحا.. يحرق فيه البخور.. ويتوفر في المنزل الماء البارد.. تبدأ الجلسة بعد العصر وقد تستمر عدة ساعات وكلما انتهت عصارة الأوراق قذفها من فمه في مكان مخصص لذلك.. المنظر كريه والحركة مقززة.. ومع ذلك فلا يبالي بها أحد من ماضغي القات.

ويؤكد الأطباء أن كثيرين من ماضغي القات وخاصة كبار السن يشكون من صعوبة التبول والإفرازات المنوية اللاإرادية بعد التبول.. وذلك للآثار السلبية على البروستات والحويصلات المنوية وما يسببه من احتقان وتقلص. وإن القات يسبب رفع نسبة السكر في الدم، كما يرفع عدد الصفائح الدموية بشكل ملحوظ، كما أنه يقلل نسبة البروتين في الدم المسؤول عن النمو، كما أنه يسبب التهابات اللثة والغشاء المخاطي للفم، ويحدث اضطرابات معوية مصحوبة بعسر الهضم وتؤدي إلى البواسير بسبب مركبات التانين وربما أدى إلى سرطان الفم والرئة.

مؤتمر مكافحة المخدرات

عقد في الرياض مؤتمر مكافحة المخدرات.. وكان من جملة مقرراته اعتبار القات مادة مخدرة ومحرمة شرعا.

ولقد استنكر علماء اليمن ذلك وتداعوا إلى لقاء في صنعاء يردون فيه على الفتوى.. جاء فيه: (إن القات ليس مادة مخدرة ودللوا على صحة فتواهم بأن الكثير من علماء اليمن وأعلامه كانوا يتناولونه ولم يشعروا بالتخدير الذي ذكر)(28/3/1982م).

وكم نحتاج إلى إخراج هذه القضايا من إطارها السياسي.. ونعود بها إلى رجال العلم فنسألهم: ماذا وجدوا في مختبراتهم.. أليس شفاء العيّ السؤال؟