RSS

الشهيد أحمد أحواس

(1) الشهيد أحمد أحواس – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من ليبيا

الشهيد أحمد أحواس

يتحدث أحمد أحواس الضابط في الجيش الليبي عن معمر القذافي فيقول: عرفت معمر القذافي بو منيار طالبا بالكلية العسكرية سنة1965 م‏عندما كنت مدرسا بها، ثم عرفته ضابطا بالجيش الليبي حتى انقلاب عام 1969م.

عرفته شاذا في تفكيره وتصرفاته. وما أشد دهشتي وقلقي عندما أصبح على رأس السلطة في ليبيا عبر انقلاب ستظهر الأيام من كان وراءه.

لقد رفضت اقتراحا في الأيام الأولى للانقلاب، بإرسال برقية تأييد حتى لا يفهم منها اعترافي بهذا الوضع المريب، كما عدلت عن فكرة كتابة مذكرة إلى القذافي أنصحه فيها وأعرض له تصوري لمنهج التغيير المطلوب، وذلك لقناعتي انه لا يؤمن بالحوار ‏ولا يعدل عن رأيه حتى ولو تبين له الحق في سواه.

لقد كان من الصعب علي وآنا أعرف جيدا من هو القذافي أن أعلن رأيي فيه ابان ذلك التأييد العفوي من جماهير شعبنا الطيب، فاخترت أن أقوم بخدمة ديني وأمتي من أي موقع أكون فيه. ولقد علمت من مصدر موثوق ومقرب حرص القذافي على بقائي خارج البلاد فكانت حياتي كلها تنقلاً بين السفارات، كان آخرها في غويانا بأمريكا الجنوبية.

كنت أتابع أخبار البلاد وأرى بعيني عندما أعود بين الحين والآخر الخراب الاقتصادي، والتفسخ الأخلاقي، والانحراف العقيدي والفكري، والفوضى الإدارية، والتخبط السياسي، فضلا عن التذمر الشعبي على كل المستويات وفي جميع القطاعات، وأتابع أخبار الإرهاب والتسلط والقهر والظلم ومصادرة الحريات والأموال بشكل لم أسمع بمثله في التاريخ القديم والحديث لأمتنا.

لقد كانت تؤلمني من الأعماق حماقات القذافي وتهجماته على كل عزيز، واستهتاره بكل المقدسات والقيم، كما كنت استغرب ممن يتبنون أفكاره الباطلة ويروجون لها. وكنت أتساءل في نفسي عما يحدث وكيف يمكن مواجهته، كما كنت أدرك أن دورا ايجابيا يتحتم عليّ القيام به، وقد تنامى لدي هذا الشعور مع تمادي نظام القذافي المتعجرف في ممارساته الوقحة لكل أشكال الظلم والطغيان التي أدت إلى ارتفاع كثير من الأصوات المعارضة له في الداخل والخارج وأصبح السكوت في نظري تقصير لا تبرره كل الاعتبارات التي حالت دون إعلان موقفي منه إلى الآن.

وان في تجربة العالم مع القذافي، وفي خذلانه للقضايا الإسلامية والتحررية، وتدخلاته في شئون الدول الأخرى وبالأخص الدول الأفريقية والعربية الشقيقة، ما يكفي للتدليل على الدور التخريبي الذي يقوم به والذي أدى إلى تدمير سمعة ليبيا ومكانتها بين أمم العالم.

لذلك فأنني وباسمي الشخصي أدين وبشدة كل الممارسات الخاطئة التي قام ويقوم بها التسلط القذافي العابث على الصعيدين الداخلي والخارجي. وأحس أنني أعبر بذلك عن موقف الغالبية العظمى من الشعب الليبي المنكوب الذي ما فتئ يسعى جاهدا للتخلص من هذا الكابوس المزعج بعد أن تكشفت حقيقته منذ الأشهر الأولى للانقلاب النكد.

بناء على ما تقدم.. أعلن استقالتي من منصبي كمستشار بأمانة الخارجية وكقائم بأعمال السفارة الليبية في غويانا.. كما أعلن عن عزمي للوقوف وبكل ما ‏أملك مع كل العاملين المخلصين للعمل الجاد من أجل الإطاحة بهذا الطاغية الذي نكبت به بلادنا العزيزة لنعيد للشعب الليبي حريته المغتصبة لكي يختار نظام حياته وحكمه ضمن إطار عقيدة الإسلام وشريعته الراسخة وليحقق آماله في العزة والكرامة والازدهار والتقدم.

ولله الأمر من قبل ومن بعد..

وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون(أحمد إبراهيم أحواس (18/1/1981م))

التواصل مع الأخ أحمد أحواس

كان القذافي يرغب في إخراج أحمد أحواس من ليبيا.. فهو يعرفه ويعرف أفكاره.. ويعرف مدى صلته مع ضباط الجيش الليبي.. خاصة بعد أن أصبح القذافي قائد الثورة، وصاحب النظرية الثالثة، ومؤلف الكتاب الأخضر، ومفجر النهر العظيم، وملك ملوك أفريقيا.

وأرسل القذافي أحمد أحواس سفيراً يتنقل بين اليمن الجنوبي، والصومال، والدانمارك، وماليزيا، وغويانا في أمركا الجنوبية.

وكان عملنا في الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية أن نتصل بالشخصيات الإسلامية في جميع البلدان والمواقع.. نتواصل معهم.. ونرسل لهم بعض الكتب الإسلامية، ونزودهم بنشرة الأخبار الأسبوعية التي كنا نصدرها.

وبناء على ذلك فقد بدأت صلتنا وتعارفنا مع الأخ أحمد أحواس في عدن.. وعدن يومها أحد مراكز الماركسية، وقادتها من أخلص عملاء روسيا والصين.. في هذا الجو الخانق اتصلنا بالأخ أحمد أحواس.. كان يطلب منا الكتب باللغة العربية والإنكليزية، وكان يهتم كثيرا بالأخبار التي تنقل أخبار المسلمين في العالم. وهكذا أصبح أحمد أحواس الضمير الذي ينبض بالحيوية.. والشعلة التي تنير الدرب للآخرين.. ولم يخرج من عدن إلا وله فريق عمل يتابع عمله.

زيارتي لمنطقة الكاريبي

وعندما زرت ترينداد ومنطقة الكاريبي وغويانا في أمريكا الجنوبية وجدت عملاً إسلامية منظماً.. وخطة للعمل متكاملة.. وإذا سألت عن ذلك.. أجابوك: أن أحمد أحواس سفير ليبيا في المنطقة هو الذي فعل كل ذلك.

يا أخ أحمد: أتذكر تلك الرسالة التي بعثتها لي من غويانا؟ لقد كانت بتوقيعك.. وعلى الرغم من استغرابي لبعض معانيها في البداية، غير أن النهاية التي قدرها الله لك، والشموخ الذي تطاولت نفسك إليه، وزيارتي لترنداد ولقائي بإخوانك وتلاميذك في أمريكا الجنوبية ومنطقة الكاريبي من بعد، وانضمامك إلى إخوانك في العقيدة ضمن جبهة الإنقاذ الوطني لتحرير ليبيا من الطغاة والطغيان، كل ذلك فسر لي الكلمات التي غمضت علي.. ذكرت لي ضرورة التحرك الإيجابي فلا معنى للعمل الإسلامي الذي يتحول إلى ردود فعل لا نحسن توجيهها أو الاستفادة منها.

وذكرت لي عن النظرة الضيقة التي تريد كل شيء أو تفقد كل شيء.. وذكرت لي ضرورة التخطيط في عالم تجريبي يؤمن بالعلم والتكنولوجيا ويسخرها لمصلحة الإنسان.. شكوت لي خلافات العاملين للإسلام وكيف يخسرون جهودهم واخوّتهم ويتحولون إلى أعداء.. من أجل تفاهات، على الرغم من أن عناصر اللقاء بينهم لا حدود لها.. نسوا الحب في الله.. فأنساهم الله أنفسهم فأصبحوا أعداء يتناكرون بعد أن كانوا أحبابا يتعارفون ويتآلفون.

هل غفرت لي يا أحمد.. رسالتي الجواب؟

إني والله لم أقصد الإساءة.. ولكني لم أفهم يومها ما قصدت.. كنت أحلم.. وأظن كل شيء كما يقال أو يكتب..

آسف يا أخ أحمد.. فلم أكن أقصد الإساءة.. ولكني لم أفهم رسالتك.. وشتان بين المجاهدين أمثالك، وبين أمثالنا من القاعدين..

كنت أظن أن الحماس شجاعة، والبلاغة فكرة، والحديث المنمق دعوة، والمقالة وصاحبها مثالا.. وما علمت إلا مؤخرا أن الماء قد يكون ماء.. وقد يكون سرابا أو تيها ضاربا في حشايا الرمال.. اغفر لي يا أحمد.. ومثلك من يغفر!

تضاربت الأنباء حول نبأ استشهادك.. ذكروا أنك دخلت مع اثنين من رفاقك من البحر.. وذكرت وكالة الأنباء الرسمية الليبية أنك اشتبكت مع الحرس على الحدود التونسية الليبية وأن إصابتك كانت قاتلة.. وذكر مراسل اللوموند الفرنسية أنك دخلت البلاد قبل أسبوعين ثم اكتشف أمرك في حادث ما زال غامضا.. وذكرت أخبار أخرى أنك كنت تقود الهجوم على ثكنات باب العزيزية حيث يقيم معمر القذافي.. وأن قسما من الجنود انضموا إليكم.. وإن المقاومة استمرت أكثر من سبع ساعات كاملة.

استشهدت في هذه المعركة مع جميع رفاقك الآخرين.

قالوا تدرب في السودان.. وقالوا بل دفعته أمريكا وانكلترا.. وهذا هو منطق العملاء..!

بل تدرب في ليبيا وكان من أذكى ضباط جيشها وألمعهم..

ودفعه دينه وإسلامه لانقاذ بلده من طغيان الارهاب.. الذي استشرى في بلده الطيب.

يا أحمد..

مهما كانت طريقة استشهادك فستبقى حيا عند ربك..

وستبقى حيا في ذاكرة إخوانك.. لن ينسوا أبدا.. الداعية المثقف والقيادي الذكي والسياسي المجاهد.

وستبقى أحد رموز الكفاح الذين يلهمون شباب هذه الأمة.. كيف يدافعون عن حقوقهم.. بل وكيف يستشهدون.

سطور من حياته

ولد الشهيد أحمد إبراهيم أحواس في مدينة جردينة من ضواحي بنغازي في ليبيا عام 1938م. انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين في عام 1954م، وفي سنة 1960م التحق بالكلية العسكرية وتخرج في العام 1962م متفوقاً على كافة أفراد الدفعة.

من عام 1962 إلى 1969م عمل ضابطاً في سلاح الهندسة بالجيش الليبي.

تقلد الشهيد عدة مناصب خلال عمله بالجيش منها: آمراً لسرية هندسة الميدان، ومدرساً بالكلية العسكرية، ومدرساً بمدرسة الهندسة، كما التحق بعدة دورات دراسية عسكرية في كل من ليبيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

تدرج الشهيد في الرتب العسكرية حتى رتبة رائد التي رقي إليها بتاريخ 9 أغسطس 1969م.

كان الشهيد طيلة عمله في القوات المسلحة مشهوداً له بالكفاءة والإخلاص والأخلاق العالية، كما كان يحظي بتقدير واحترام رؤسائه وحب ومودة مرؤسيه.

بعد انقلاب القذافي عام 1969م كان الشهيد من ضمن الضباط الذين اعتقلهم القذافي، ثم جرى إبعاده للعمل في السفارات الليبية في كل من: الدانمرك، واليمن الشمالي، والصومال، واليمن الجنوبي، وماليزيا، وغويانا. ورغم سوء سمعة نظام القذافي إلا أن ما كان يتحلى به الشهيد من نبل في التعامل وأصالة في الأخلاق وتفان متواصل في خدمة قضايا الإسلام والمسلمين، جعله يحظى بالتقدير والاحترام من الأجهزة الرسمية، وبالتجاوب المتزايد من كثير من العاملين في الهيئات الأهلية والتعاون الخير مع الشباب في الجمعيات الإسلامية في تلك الدول لا تزال آثاره شاهدة على ذلك حتى اليوم.

في فبراير 1981م أعلن الشهيد أحمد إبراهيم أحواس استقالته من منصبه كقائم بأعمال السفارة الليبية في غويانا، وأعلن انضمامه إلى المعارضة الليبية في الخارج حيث شارك في تأسيس الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا. وتم اختياره عضواً في اللجنة التنفيذية للجبهة.

في 6 مايو عام 1984م كان الشهيد أحمد أحواس في مهمة تتعلق بقوات جبهة الإنقاذ داخل ليبيا، ولم يكن دخوله أو تسلله إلى ليبيا هو الأول من نوعه، بل كان يقوم بذلك بصورة دورية منذ استقالته. واستطاع في المرة الأخيرة، كما تقول إحدى الروايات، التسلل عن طريق البحر، ظل بعدها يتنقل داخل البلاد لمدة أسبوعين تقريباً، كان يقوم خلالها بالاتصال والتخطيط والتنسيق مع وحدات وإفراد من الجناح العسكري للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، اصطدم إثناء تنقلاته الأخيرة.. بدورية مسلحة قرب مدينة زوارة، فتم تبادل إطلاق النار الذي انتهى باستشهاده.

ولا نستطيع أن نعزل واقعة استشهاد الرائد احمد أحواس عن وقائع وإحداث الثامن من مايو 1984م، وما جرى في ذلك اليوم من تصادم بين مجموعة بدر التابعة لقوات الإنقاذ وبين قوات النظام الليبي، وما تلى ذلك من أحداث ووقائع انتهت باستشهاد أفراد المجموعة.

سلام عليك يا أخي أبا أسعد… ورحمة الله وبركاته.

ليبيا في 8/5/1984م

 
Leave a comment

Posted by on September 1, 2013 in خواطر حول العالم

 

الوصايا العشر

 (6) الوصايا العشر – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من لبنان

إلى أبناء يسوع المسيح: يا من صبرتم على الذل والهوان عبر القرون، دفاعا عن عقيدتكم. أيها الشرفاء الأطهار، لا تنسوا هذه الوصايا:

1- لقد رتبنا لكم أهم الأشياء التي تضمن لكم معيشة حسنة في هذه المنطقة، مثل: تمليك الأراضي والوكالات الأجنبية، والأنظمة السياسية، وشؤون النقد. ويبقى عليكم أن تحافظوا على هذه المكاسب وتزيدوها مع الأيام.

2- إن هذا الوطن لبنان لم يخلق إلا لكم فعليكم أن تجمعوا شملكم، وتباشروا حريتكم، بعد الحروب التاريخية الطويلة التي تركت هذا الوطن لكم وديعة بين ايديكم، تحافظون عليه لأن كل الجهود قد بذلت من أجل أن تكون خيراته لكم.. واعلموا جيدا أن كلمة لبنان معناها مسيحي، أما العرب فقد جاءوا من الصحراء وعليهم أن يعودوا إليها.

3- جاهدوا للسيطرة على المصايف ومصادر السياحة وامتلاك ساحل البحر، وأخرجوا الآخرين من قراكم كلما أصبحتم أغلبية.. ولا تنسوا تجهيز ميناء احتياطي في مدينة غير بيروت، لا يكون فيها مسلمون، وذلك عندما تسنح لكم الفرصة.

4-  عليكم بأسباب القوة من رياضة وتدريب على السلاح واقتنائه، وتنظيمات للشباب، واهتموا كثيرا بالجيش وعليكم بكتمان أموركم.

5- احرصوا على القيادة الأبدية، مثل: نشر الكتب والسيطرة على النقابات والاتحادات. واهتموا بتراثكم وتاريخكم، واضربوا بلا هوادة الأفكار والأشخاص الذين يقفون في وجه سياستكم وثقافتكم وأهدافكم.

6- إن الاختلافات المذهبية بينكم يجب ألا تخرج عن النظرة المسيحية والتضامن المسيحي، لأن حياتكم مرهونة باتحادكم أمام عدوكم الكافر، فأنتم جميعا أبناء يسوع، فلا يحق لكم أن تتفرقوا.

7- ادرسوا دائما وبعناية وسرية مخططات الآخرين، واختلطوا بهم لتحسنوا توجيههم والتأثير عليهم وكسب مودتهم، ومعرفة ما لديهم من أفكار واتجاهات، ولا ما نع للبعض بالتظاهر بتأييدهم عند الضرورة، ولكن على كل واحد منكم أن يبقى مرتبطا برؤسائه وإخوانه وبكنيسته.

8- ارفعوا شعائركم وكنائسكم وصلبانكم في كل مكان مرتفع واعلموا بأن كل القوى الجبارة في العالم الحر سوف تساعدكم وتمدكم بالمال والتأييد السياسي وسواه، وستقف إلى جانبكم في كل وقت، ولكن عليكم أن تتصرفوا كأنكم لا تعرفون ذلك.

9- اجتهدوا بالتقرب من ملوك العرب ورؤسائهم عن طريق الخدمات الشخصية وبمختلف الوسائل، حتى تكسبوا صداقتهم وتعرفوا اسرارهم وتجنوا خيرات بلادهم، وحتى يكونوا سندا لكم، وهذا شيء سهل جدا، ولا تنسوا أن ذلك يفتح لكم مجالات العمل ويكسبكم نفوذا هائلا، ويصبح تعاونهم مع وطنكم من خلالكم أنتم لا من خلال جماعتهم، بل تصبحون أنتم في نظرهم الوطن كله.

10-  إن الجنسية اللبنانية بالغة الأهمية، فدققوا كثيرا، ولا تتساهلوا بإعطائها للآخرين، واهتموا بإخوانكم المغتربين والذين ينزلون عليكم من البلدان الأخرى، ولتكون لكم الكثرة والأغلبية، وإلا ضاعت كل الجهود.

هذه ترجمة المنشور الذي وجد في أحد أديرة لبنان مكتوبا باللغة الفرنسية ومؤرخا عام 1943م وموجها من الفرنسيين إلى نصارى لبنان.. وقد عثر على هذا المنشور بعد اقتحام الدير.. فهل يدرك السادرون أهداف الآخرين.

 
Leave a comment

Posted by on August 22, 2013 in خواطر حول العالم

 

الدولة المارونية في مذكرات موشيه شاريت

(5) الدولة المارونية في مذكرات (موشيه شاريت) – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من لبنان

المشروع الإسرائيلي لتقسيم لبنان قديم، بل هو سابق على قيام الدولة الصهيونية. فغداة الحرب العالمية الأولى تقدم قادة الحركة الصهيونية بمشروع إلى مؤتمر السلام في باريس، عام 1919م يطالبون فيه بوطن قومي تصل حدوده إلى نهر الليطاني. غير أن هذه الحدود لم تحظ وقتذاك بموافقة أحد.

وبعد ست سنوات من قيام إسرائيل عاد الحلم القديم يراود ثلاثة من كبار قادتها: دافيد بن غوريون، وبنحاس لافون، ورئيس الأركان موشيه ديان.

فقد طلب هذا الثلاثي التوسعي إلى موشيه شاريت، رئيس الوزراء عام 1954م غزو لبنان، بل وأكثر من ذلك عرض عليه بن غوريون، كما يتضح من رسالته المنشورة أدناه السعي لإقامة كيان انفصالي في حدود لبنان الصغير.

موشيه شاريت

لنقرأ نص الرسالة الهامة، كما وردت في مذكرات موشيه شاريت التي نشرها ابنه يعقوب بالعبرية مؤخراً.

موشيه: حين تركت الحكومة، كنت قد اتخذت قراراً بعدم التدخل في الشؤون السياسية الخارجية. غير أن اتصالكم بي، أنت ونافون وديان جعلني أشعر بأن من واجبي الاستجابة لطلبكم، ولهذا فإنني سأعاود الحديث عن موضوع لا تشاركني الرأي فيه، وأعني موضوع لبنان..

(…) من الواضح أن لبنان يشكل الحلقة الأضعف في سلسلة الجامعة العربية، فباستثناء الأقباط فإن سائر الأقليات في الدول العربية تنتمي إلى الإسلام. إلا أن مصر هي أكثر البلدان تماسكاً وصلابة كدولة في العالم العربي، كما أن أكثريتها الساحقة تكوّن كتلة متجانسة تنحدر من عرق واحد، وتعتنق ديانة واحدة، وتتكلم لغة واحدة أيضاً، ولذلك فإن الأقلية المسيحية في مصر لا تستطيع عملياً أن تطالب بإعادة النظر في الكيان السياسي أو الوطني. ولكن هذا لا ينطبق على المسيحيين في لبنان، فهم يمثلون الأغلبية ضمن حدود لبنان التاريخي. ولهذه الأغلبية تراث وثقافة مغايران تماما لتراث وثقافة سكان الدول العربية الأخرى. حتى في حدود (لبنان) الحالية الموسعة (والتي ارتكبت فرنسا خطأً فادحاً جداً في توسيعها)، فإن المسلمين لا يتمتعون بحرية الحركة خوفا من المسيحيين على الرغم من أنهم ربما يشكلون الأغلبية العددية.

لذلك فإن إقامة دولة مسيحية يُعدّ ضمن هذه الملابسات أمرا طبيعياً. فلدولة كهذه جذور تاريخية وأمل بدعم واسع من قوى هامة في العالم المسيحي بجناحيه الكاثوليكي والبروتستانتي.

(…) وطبعا فإن مثل هذا المشروع يبدو متعذرا في الظروف الطبيعية، بسبب انعدام المبادرة والشجاعة لدى المسيحيين، ولكن في ظروف الاضطرابات والثورات والحروب الأهلية، تتبدل الأشياء ويتحول الضعيف إلى بطل. ومن الممكن أن تكون اللحظة مواتية اليوم لافتعال قيام دولة مسيحية إلى جانبنا. ولكن الأمر لن يتحقق إلا بمساعدتنا وبمبادرتنا. وأعتقد أن هذه هي مهمتنا الأساسية في الوقت الراهن أو هي على الأقل إحدى المهام الأساسية لسياستنا الخارجية. وعلينا بذلك بذل ما بوسعنا من طاقة وجهد والسعي بكافة الوسائل لاستحداث تغيير جوهري في لبنان.

(…) ويجب ألا نبخل بالدولارات، حتى لو ظهر أننا ننفق المال على غير طائل (…) إذ بدون تقليص حدود لبنان، فإن هذا المشروع مستحيل التحقيق. غير أننا إذا استطعنا أن نجد في لبنان العناصر والأفراد المستعدين للعمل على إقامة دولة مارونية، فإن هؤلاء لن يكونوا بحاجة إلى حدود جغرافية واسعة ولا إلى عدد كبير من السكان المسلمين.

لست أعرف ما إذا كانت لنا عناصر موالية في لبنان، ولكن ثمة دائما وسائل متنوعة لتحقيق ما أقترحه.

1984/3/19م

 
Leave a comment

Posted by on August 17, 2013 in خواطر حول العالم

 

مصرع الصحفي سليم اللوزي

(4) مصرع الصحفي سليم اللوزي – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من لبنان

الصحفي سليم اللوزي

اختُطِف سليم اللوزي، الصحفي اللبناني، صاحب مجلة الحوادث الأسبوعية، على طريق مطار بيروت قبل نصف ساعة من إقلاع طائرته إلى لندن حيث يصدر في الآونة الأخيرة مجلته من هناك، وبعد (9) أيام من اختطافه عثر على جثته في أحراش عرمون بالضاحية الجنوبية(مركز دولة حزب الله في لبنان) من بيروت. والأحداث وطريقة معالجتها والآثار التي قد تترتب عليها هي التي فرضت علينا الكتابة في موضوع هذا الصحفي اللبناني الطموح.. فحين تجرأت بعض الصحف ونشرت صورته المهشمة الممزعة الممثل بها بطريقة تتنافى مع الذوق الإنساني.. بل إن الخلق الحيواني ليترفع عن مثل هذا الحقد والإجرام.. نقول: حين تجرأت بعض الصحف على نشر هذه الصور.. ولم يتجرأ أحد حتى الآن على ذكر الجناة أصبحنا مضطرين لتسجيل هذه الملاحظات:

فقد ذكرت التقارير أن المختطفين عذبوه بانتزاع لحم يده اليمنى على دفعات عن عظمه وأن أصابع يديه قد أدخلت فيه وأن عمليات التعذيب استمرت قبل القيام بقتله مدة ثلاثة أيام.

لقد كان القتلة يسعون إلى توصيل رسالة ينبغي أن ينتبه إليها كل إنسان حر كريم.. أرادوا أن ينبهوا كل يد تمسك بالقلم وتكتب به شيئاً لا يعجب أصحاب الأمر والنهي.. أرادوا أن يُفهموا كل إنسان يتصدى لطغيانهم بالكلمة المسموعة أو المكتوبة بأنه لن ينجو من عقاب.. وأن العقاب رهيب.

إن شريعة الغاب هي التي تحكم وتتحكم في الجميع.. وقديماً قيل:

ومن لم يزد عن حوضه بسلاحه.. يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم!!!

 1980/4/1م

 
1 Comment

Posted by on August 15, 2013 in خواطر حول العالم

 

رحلة لبنان بين الخوف والرجاء

 (3) رحلة لبنان بين الخوف والرجاء – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من لبنان

 

بعد انقطاع طويل عن لبنان..

عن بلدنا الجميل..

وبيتنا الريفي المهجور الذي اشتاق لأهله.

والأهل والأقارب الذين هم كل سكان القرية يسألون عن الغائبين.. يسمعون بهم ولا يعرفونهم.

وإذا كان كل ممنوع مرغوباً.. فقد سافرت مع بعض الأسرة إلى لبنان.. وفي نيتنا أن نعوض ما فاتنا من حرمان السنين.

هذا ما كنت أتمناه.. وما كل ما يتمنى المرء يدركه.. تجري الرياح بما لا يشتهي السّفِنُ.

وفي اليوم الثالث.. هبت العاصفة.. وبدأت إسرائيل تقطّع أوصال لبنان.. تهدم الجسور.. تدمر البيوت.. تحفر بطائراتها الطرق.. السكان يموتون تحت الأنقاض ولا يستطيع أحد نجدتهم.. إسرائيل تنذر السكان بأن يتركوا بيوتهم بأسرع وقت ممكن.. ماذا يستطيع الإنسان أن يقول إذا أراد وصف العاصفة..؟

بين الخوف والرجاء

كذلك كنا معلقين بين خطي الخوف والرجاء..

وإذا كان باب الرجاء واحداً.. ترتفع فيه الأيدي إلى الله تسأله: الرحمة والسلامة.. وتدعوه أن يحفظ الصغار والكبار، يستر عوراتهم ويؤمّن روعاتهم.. ويلهمهم الصبر والرضا والاطمئنان إلى قدر الله (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)(الفجر- (27-30))..

فإن باب الخوف متعدد الأشكال والألوان والأصوات.. من البر والبحر والجو تزداد حدة القصف يوماً بعد يوم.. وتختلط الألوان.. الوجوه الشاحبة والدماء القانية النازفة.. وأصوات كالرعد القاصف لا تهدأ.

وأخبار تسمعها من الراديو أو التلفزيون تزيدك قلقاً على قلق..

كنا نطمئن الأبناء البعيدين عن أحوالنا بالهاتف النقال..

وحتى هذا فقد انقطع الإرسال.. وتوقف.

وبدأ الناس يبحثون عن مخرج..

كان الألم يعتصر قلبي ويؤرقني.. وأنا أرى باكورة أولادي في طريقها للخروج مع كل أولادها.. ليس أمامها أمان من أي نوع وحتى الدول المجاورة التي ستغادر منها ليست أماناً..

انفلتت الدموع، وعهدي بها عزيزة المنال، ولكن الموقف كان أقوى مني.. ولربما تخفف الدموع من حدة الموقف.

وبدون كلام.. فهمت أن ابني عبد الرحمن يريد أن يفعل ما فعلته هيفاء.. واتصل معي الأخ علان يؤكد لي أن دربنا سالك، وهو سيقوم ببعض الاتصالات لتأمين الطريق.. لم استرح لكل ذلك واتصلت بالأستاذ الكبير نجم الدين أربكان.. أن ينقذنا من هذا الموقف الخطر.

نحن غرباء الدنيا الذين لم يستسلموا للدنيا قط.. ولا للطغاة.. ولا للإغراء.. بل قاوموا ما وسعتهم المقاومة، حتى إذا ضعفت قدراتهم.. لجأوا إلى ركن ركين يأخذ بأيديهم ويعطيهم طوق النجاة. جربت هذا يوم غزا الطاغية صدام حسين الكويت.. الوطن الذي كان بالنسبة لي وطناً..

وعندما سافرنا إلى استانبول.. كانت ظروفنا صعبة جداً..

لم يسأل عنا أحد من قريب أو بعيد.. كثير من الأصدقاء الذين كانوا يظهرون المودة ابتعدوا أو تنكروا.. ومن أعظم المواقف.. أن يشعر بك إنسان دون أن تكلمه.. يكلؤك ويرعاك بصمت بلا منّ ولا أذى..

يستغرب البعض، لماذا أنا مع أربكان حتى الرمق الأخير.. يظنون أنه مجرد موقف سياسي.. لا يا سادة.. إنه موقف الوفاء لمن حفظنا يوم ضعفنا.. وأدركنا ونحن نصارع الأنواء قبل أن نغرق.. اتصلت بالرجل المؤمن الصالح وأطلقت صيحة استغاثة.. وبسرعة جاءني هاتف آخر أن جهزوا أنفسكم فإن سفينة حربية تركية ستنقلكم من بيروت إلى مرسين في تركيا..

وعلى الفور كنا في طريقنا إلى بيروت.. والانتقال إلى بيروت محفوف بالمخاطر.. ولكن المخاطر تصبح أكثر أماناً إذا كان معها بعض الأمل.

كانت السفينة تنقل الأتراك الذين يعملون في لبنان..

عاملونا معاملة أبنائهم.. وخصصوا لنا غرفة للنوم.. وأكرمونا غاية الإكرام.. وبعد قرابة الثلاثين ساعة وصلنا إلى مرسين.

كان بالإمكان أن أصف لك هذه الرحلة المثيرة.. وأنت خارج من ظلمات القصف الراعد المخيف.. أو داخل في ظلمات البحر اللجي.. ظلمات بعضها فوق بعض.. (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ)(النور-40)..

في ساعة الحقيقة هذه.. لا يجد المضطر له ملجأ إلا الله يدعوه ليكشف عنه الضر والسوء.. فقد ضاقت الحلقة، واشتدت الخنقة، وتخاذلت القوى، وتهاونت الأسناد، وينظر هذا الإنسان الضعيف حواليه فيجد نفسه مجرداً من وسائل النصر وأسباب الخلاص.

لا قوته ولا قوة في الأرض تنجده، وكل ما كان يعده لساعة الشدة قد زاغ عنه أو تخلى، وكل ما كان يرجوه للكربة قد تنكر له أو تولى.. في هذه اللحظة تستيقظ الفطرة ملتجئة إلى القوة الوحيدة التي تملك الغوث والنجدة، ويتجه الإنسان إلى الله.

يتذكر قوله تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)(النمل-62).

وبعد ثلاثين ساعة، مرت كل ساعة منها ببطء شديد.. وصلنا إلى مرسين الميناء التركي القريب من أضنه.. مقابل جزيرة قبرص.

نزلنا من السفينة فاستقبلونا بالورود.. ودعينا إلى مكتب كبار الضباط يهنئوننا بسلامة الوصول..

لحظة خروجنا من السفينة في ميناء مرسين

شكرناهم وخرجنا من عندهم لنجد إخواننا من حزب السعادة بانتظارنا.. اللهفة في وجوههم والمحبة في أعينهم.. قالوا: لقد اتصل بنا الأستاذ أربكان.. وقال: إذا لم يستطيعوا المجيء بالسفينة فاستأجروا سفينة واذهبوا إلى لبنان وأحضروهم بها.

يكفيني ذلك الحنان والحب.. فلا أطيق أكثر من ذلك..

يا أمة الإسلام بمثل هذا الحب والوفاء.. نعيش.. ويعيش معنا الأمل..

فلن تقوم دولة الإسلام على أرضنا حتى نقيمها في قلوبنا..

وبعد مرسين.. وفي طريقنا إلى أضنه.. اقترح إخواننا أن نعرج على مدينة طرسوس.. وهي بلدة صغيرة في رأس الجبل.. يقال أن فيها الغار الذي أوى إليه الفتية أصحاب الكهف.

كنا بحاجة إلى هذا المشهد.. نتذكر من خلاله قصة الإيمان في النفوس المؤمنة، كيف تطمئن به، وتؤثره على زينة الأرض ومتاعها، وتلجأ إلى الكهف حين يعز عليها أن تعيش مع الناس. وكيف يرعى الله هذه النفوس المؤمنة، ويقيها الفتنة، ويشملها بالرحمة.

قال تعالى: ( وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا. إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا)(الكهف- (19-20)).

ليس بالضرورة أن تكون طرسوس هي موطن هؤلاء الفتية.. ففي الأمر خلاف.. ولا يهمنا ذلك في قليل أو كثير.. فالأصل هي قصة هؤلاء الفتية كما وردت في كتاب ربنا عز وجل.

لقد كنا بأمس الحاجة أن نزور هذا الكهف للعبرة.. ثم ننتقل منه إلى المسجد القريب.. نؤدي فيه الركعتين.. ندعو الله فيهما أن يتقبل دعاءنا، وأن يستر عوراتنا، وأن يؤمّن روعاتنا. وهو وحده القادر على ذلك، وهو الذي يتقبل الدعاء، ويجيب المضطر إذا دعاه.

مرسين (تركيا) 24/7/2006م

 
Leave a comment

Posted by on August 12, 2013 in خواطر حول العالم