RSS

الإمام حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين

05 Jul

(4) الإمام حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من مصر

الأستاذ حسن الهضيبي

عندما يتحدث الشباب المسلم عن دعوة الإسلام في العصر الحديث، فإنهم يتحدثون تلقائياً عن الإمام المؤسس حسن البنا رحمه الله، يتناولون سيرته ويستشهدون بكتاباته ورسائله.. ويجدون دائما القائد الراشد، والمرشد الأمين.. والرائد المبدع.

وعندما يصل الأمر إلى الإمام حسن الهضيبي.. تراهم، مع حبهم الشديد لشخصه، وإعجابهم بصموده وصبره.. يصمتون في أكثر الأحيان، فمعلوماتهم عن الرجل قليلة، ماذا عساهم يعرفون عن الرجل وقد انتقل من محنة إلى محنة إلى محنة حتى توفاه الله يوم الحادي عشر من نوفمبر عام 1973م.

في 8 ديسمبر 1948م أصدر رئيس وزراء مصر النقراشي قرارا بحل جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها جماعة إرهابية تهدف إلى قلب نظام الحكم في البلاد.. وفند الإمام حسن البنا دعوى الحكومة فقال: (مستحيل أن يكون الدافع الحقيقي لهذه الخطوة الجريئة من الحكومة مجرد الاشتباه في مقاصد الإخوان، أو اعتبارهم مصدر تهديد للأمن والسلام، وهو ما لم يقم عليه دليل ولا برهان، ولكن الدافع الحقيقي فيما نعتقده هو اللقاء الذي عقده سفراء بريطانيا وامريكا وفرنسا في فايد وكتبوا لدولة النقراشي باشا في صراحة بأنه لابد من حل جماعة الإخوان المسلمين).

وكان في وسع دولته أن يزجرهم عن مثل هذا التدخل في شأن داخلي بحت.. ولكنه بدلا من ذلك استجاب لهذه الرغبة الآثمة وأصدر قرار الحل، فأشمت الأعداء، وأحزن المؤمنين الأتقياء.

وبدلا من أن تتراجع الحكومة عن خطئها.. فقد تمادت وتآمرت وقتلت الإمام حسن البنا في 12 فبراير 1949م، فصار الإخوان بين شريد وطريد، وبين معتقل أو سجين.

في هذه الظروف العصيبة بدأ تفكير الإخوان يتجه إلى ضرورة انتخاب مرشد جديد للجماعة. فلا يجوز بحال أن تبقى السفينة بغير ربان.. وبخاصة إذا كانت العواصف هوجاء والظلمات حولها تمتد من كل جانب.

تداول الإخوان في هذا الأمر ووقع اختيارهم على الأستاذ حسن الهضيبي.. وعندما فاتحوه اعتذر في البداية بشدة وقدم لذلك أسبابا عدة أهمها أنه كان بعيدا عن صفوف وتنظيمات الجماعة، وكذلك عدم معرفته بكثير من الأفراد، غير أنهم تمسكوا به مفندين لهذه الاعتذارات واعدين أنهم سيكونون سندا له وعونا في قيامه بهذه المسؤولية الخطيرة، وأخيرا قبل على أن يكون هذا الوعد أحد الشروط ،والشرط الآخر هو موافقة أعضاء الهيئة التأسيسية بالإجماع على اختياره.

وتم اختياره فعلا من الهيئة التأسيسية بالإجماع في أكتوبر سنة 1951م.

وقد دلت حادثة اختياره على أن الرجل حريص على الشرعية، فلابد من انتخابه من الهيئة التأسيسية.. وحريص على وحدة الجماعة.. فلابد لانتخابه أن يكون بالإجماع.. وكان واضحا عند الرجل أنه سيترك منصبه الكبير في القضاء، وسيصبح مرشدا عاما للإخوان المسلمين، مع ما يستتبع ذلك من مهمات وتبعات، خاصة والجماعة مازالت تحت وطأة قرار الحل وكثير من أعضائها ما يزالون في السجون.. ومع ذلك فلقد كان اعتذاره في البداية واشتراطاته في النهاية كلها لمصلحة الجماعة ووحدة صفها، ولم يشترط لنفسه أو لأسرته أو لموقعه أو لراتبه أو لأمنه أية شروط على الإطلاق.

وللمرشد في نفوس الإخوان مكانة المعلم للتلاميذ، والأب للأبناء، والسياسي في موطن السياسة، والكاتب في ميدان الكتابة، والخطيب الذي لا يشق له غبار في موطن الخطابة.

كان أحدهم إذا رزق بمولود قدم من الصعيد إلى القاهرة ليسأل الإمام المرشد عن اسم يختاره لابنه.. فالمرشد في نظره كل شيء.. هكذا كان حسن البنا.. وهكذا انتظر الإخوان من حسن الهضيبي أن يكون.

وبدأ الإخوان يفدون إلى حسن الهضيبي، كل يحدثه بما يراه من خطأ يلزم إصلاحه في نظام الجماعة أو في رجالها.. وكان هؤلاء في شأن.. والإمام الهضيبي في شأن آخر.. فهو ليس مرشدا مؤسسا يستمع لكل الناس ويتحدث في كل مناسبة، ويقول رأيه في كل الأحداث، يسافر ويناظر ويحاور.. بل هو مرشد آخر جاء والجماعة تملأ شعبها مصر وفي كثير من البلدان العربية الأخرى.. وتعاني من تآمر الغرب وأذنابه عليها، وتخوض محنة الحل والسجن.. وتنظر إليها جميع القوى العالمية بحذر، فهي التي تريد اقتلاع النفوذ الغربي، وتطالب بتحرير فلسطين.

كان الرجل قاضيا في المحكمة.. وكذلك أحب أن يبقى.. وما أحوج الجماعة في هذه المرحلة إلى مرشد في منصب قاض.

وإذا كان حسن البنا هو المناسب للمرحلة الأولى.. فمما لاشك فيه أن حسن الهضيبي هو رجل المرحلة التالية.. ولكل مقام مقال ورجال.

في زيارته لسوريا عام 1954م تحدث إلى شباب الإخوان في مدينة حماة عدة جمل.. بل عدة كلمات لو وزنتها بالذهب لرجحت عليه.. ولكن جماهير الشباب كانت تريد الخطيب.. وكان يدرك ما يريدون فقدم لهم سعيد رمضان ليطربهم بخطاب يناسب حماسهم وقوتهم.

وإذا كانت لكل مرحلة ظروفها ووسائلها.. فقد عمل الإمام الهضيبي على إعادة تشكيل الأمور.. وإعادة النظر في بعض الوسائل بما يناسب المرحلة الجديدة..

ولقد تحمل الأستاذ المرشد في هذه المرحلة من إخوانه الشيء الكثير.. تمردوا عليه، واحتلوا المركز العام، وطالبوه بالاستقالة، وكان له هنا موقف.. كما كان له هناك موقف آخر.

موقفه الاعتذار يوم عرضوا عليه، وموقفه هنا التماسك والثبات ومعالجة الأخطاء وفصل المتطاولين.. فهو راع ومسؤول.. وسيحاسبه الله عن مسؤوليته وعن رعيته.

وعندما حانت ساعة تنفيذ انقلاب 23 يوليو 1952م اتصل الضباط الأحرار بالإخوان المسلمين وسألوهم عن مدى استعدادهم للقيام بدورهم في الانقلاب.. وعندما عرض الإخوان ذلك على الإمام حسن الهضيبي، وجه إليهم عدة استفسارات أهمها مدى تمسك هؤلاء الضباط بالإسلام، ومدى التزامهم في قولهم بالعمل على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وهل تم الاتفاق في وضوح وصراحة على هذا الأمر؟

وهل اتفق على المشاركة الكاملة بين الإخوان والضباط الأحرار في الانقلاب والمسؤولية إزاءه.. والتعاون في تنفيذه وبعد نجاحه.. وفي النهاية أعطاهم المرشد موافقته المشروطة بالأمرين السابقين.

وأقسم الضباط على الشروط.. وجددوا بيعتهم التي أدوها منذ سنوات..

لم يكن حسن الهضيبي ممن يؤمنون بالعنف، أو بحرق المراحل والانقلابات، ولكنه كان يعلم أن الانقلاب العسكري أمر واقع.. وأن التفاهم مع ضابط الاستخبارات الأمريكي كوميت روزفلت قد تم.. وكانت موافقة الجماعة قضية شكلية لا أكثر(يراجع في ذلك كتاب لعبة الأمم لمايلزكوبلاند).

وفي يوم 30 يوليو – وبعد الانقلاب- تم اللقاء بين المرشد العام وعبد الناصر، ودار الحديث بينهما من منطلق ما اتفق عليه.. غير أن عبد الناصر بدأ يتنصل شيئا فشيئا من بعض الالتزامات التي تقتضيها المشاركة المتفق عليها.

أبدى المرشد العام عقب انصرافه من اللقاء عدم اطمئنانه إلى اتجاه هذه الحركة، وعدم ثقته بالقائمين عليها.. فلا مجال للثقة بمن ينقض العهود أو يكذب في المواثيق.

وكانت نظرة الهضيبي ثاقبة في هذا المجال.. ففي الوقت الذي اندفع فيه بعض الإخوان بلا حدود في تأييدهم لحركة الجيش.. كانت الصورة واضحة جدا أمام الرجل.. وفي يوم 13 يناير عام 1954م صدر بيان مجلس قيادة الثورة بحل جماعة الإخوان المسلمين.. وبزج قادتهم في السجون.. وكان على راسهم بالطبع الإمام حسن الهضيبي.. وكرر التاريخ نفسه، فليس هناك فرق بين طغيان يلبس الطربوش.. وبين طغيان يلبس قبعة العساكر.

كان سلوك عبد الناصر مع الإخوان يتلخص في كسب الوقت مع محاولة إيجاد ثغرات في صفوفهم لينفذ من خلالها لضربهم وتصفيتهم.

حاول ذلك عن طريق أخذ بعض شخصيات الإخوان في الوزارة بدون علم الجماعة.. فاجتمع مكتب الإرشاد وقرر عدم الاشتراك في الوزارة.. وعندما قبل الباقوري المنصب فصله الإخوان.

وحاول الاتصال بعبد الرحمن السندي وكان مسؤول الجهاز الخاص الذي فصله الهضيبي.. في محاولة لشق صف الجماعة وضرب فريق بفريق.

وحاول إيهام الناس بأن للإخوان علاقة بالأجانب وأنهم يتآمرون مع الإنكليز.. واحتقر الناس هذا الكلام.. فلا يمكن للشعب أن ينسى وبهذه السرعة كتائب الإخوان تجاهد في القنال.. أو كتائب الإخوان تقاتل في فلسطين.

حاول ضرب الإخوان بهيئة سياسية مصطنعة أسماها هيئة التحرير، وليس لها من قيمة الهيئة أو الحزب إلا بمقدار ما كان ينفق عليها من أموال الدولة لتجميع المحاسيب والقيام بمظاهرات تهتف بسقوط العلم والمتعلمين، وسقوط الحرية والأحرار.

كان الاتفاق المشبوه الذي وقعه قادة الانقلاب العسكري مع الإنكليز، وكانت معارضة الإخوان العلنية للاتفاق، الشعرة التي قصمت ظهر البعير بين الإخوان والثورة..

ولقد ذكر الإخوان في معارضتهم أنهم يطالبون بجلاء الإنكليز من مصر بدون قيد أو شرط.. وأن قبول المفاوض المصري بإبقاء عدد من القواعد العسكرية صالحة ومعدة للاستخدام تعود إليها القوات البريطانية إذا ما هوجمت دولة من دول معاهدة الدفاع المشترك أو تركيا! بل وإن الاتفاق الذي اباح للإنكليز العودة إلى مصر لم يحدد لخروجهم بعد ذلك أمدا طويلا أو قصيرا.. ثم ذكر الإخوان في بيان اصدروه رفضهم لهذا الاتفاق، ويصرون على أن أي اتفاق بين الحكومة المصرية وأية حكومة أجنبية لا يجوز أن يتم دون أن يعرض على برلمان منتخب.. فما كان لأحد أن يتحكم في مصائر الشعب دون الرجوع إليه.

لقد كانت نظرة الإخوان صائبة سديدة فلم تتخلص مصر من الإنكليز إلا بعد معركة عام 1956م.. وهو ما كان يؤكده الإخوان من أن هؤلاء لا يخرجون بغير قتال.

1983/12/12م

 
 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *