RSS

العرب والسودان

د. محمد صالح المسفر

صرخة عربية صادقة أتوجه بها إلى الحكام العرب، أنقذوا السودان قبل أن يتمزق إلى كيانات سياسية فاشلة تقودها وتوجهها صهيونية عالمية وعليكم انتم العرب تمويل حياة تلك الكيانات الفاشلة. نبهتكم كغيري من أهل الرأي والقلم قبل عام 2003 بان العراق إذا تم إسقاط نظام صدام حسين رحمه الله بالقوة المسلحة من قبل دول أجنبية فستكون دول الخليج العربية الأكثر’تضررا، وان العالم العربي سيكون خاضعا لإرادة أمريكية إسرائيلية فلم تستبينوا النصح في ذلك الزمان.
هذا العراق تم احتلاله وتقسيمه دون إعلان وهذه الكويت تعاني امنيا وسياسيا واجتماعيا وكذلك البحرين وفي بقية دول الخليج العربي خلايا ناعسة تتحين الفرص، تترقب نتائج ما سيحدث في المنطقة وعلى وجه التحديد إيران. أمريكا وإيران ستتعاونان على تقاسم النفوذ في العراق على حساب العرب، وانتم يا معشر الحكام العرب كان لكم اليد الطولى لتمكين الاحتلالين للعراق يتم تجاهلكم من قبل امريكا. 

اليوم السودان في طريقه إلى التمزق والتفتيت وانتم على الأرائك متكئون، بياناتكم وتصريحاتكم في الأمم المتحدة والمؤتمرات غير مجدية ما لم تقرن بالأفعال الصادقة والرادعة لكل من يتآمر على وحدة السودان واستقلاله. اسمعوا ما يقوله وزير الأمن الإسرائيلي الاسبق (آفي دخيتر) قال في محاضرة أمام نخبة من القيادات الصهيونية في 10/10 من العام الماضي: ‘إن السودان بالنسبة لإسرائيل لا بد أن يمزق لكي يضعف ويصبح مثل العراق، لان السودان أصبحت به نهضة ومن الممكن أن يصير قوة لصالح دول عربية مثل مصر والسعودية مما يسبب مشاكل كبيرة لإسرائيل’ شركات إسرائيلية استثمارية في قطاع الفندقة اندفعت نحو جنوب السودان المرشح للانفصال، وبلغت استثماراتها حتى اليوم ما يقارب 500 مليون دولار، هذه الشركات مسجلة في كينيا وأوغندا للتمويه، وأسست مكاتب لحركات معارضة أخرى من دارفور في تل أبيب ترعاها وتمولها إسرائيل. إن كل ما يجري من اعمال تفتيت وتجزئة للسودان سيعود بالضرر الكبير على مصر والسعودية واليمن والبحر الأحمر الذي يجب أن يكون بحيرة عربية خالصة، وكذلك القرن الأفريقي على وجه العموم.

دولة قطر تقوم بدور كبير في تحقيق الأمن والسلم الاجتماعي والتنمية في ولاية دارفور ليست لها أهداف أو برامج سياسية في السودان، أولا للبعد الجغرافي بين الدولتين الأمر الثاني لا توجد مصالح خاصة للنظام السياسي القطري في السودان، إنما أهدافها واضحة ومحددة ومعلنة وهي تحقيق الانسجام الاجتماعي بين سكان ولاية دارفور، والمحافظة على استقلال السودان عامة ووحدة ترابه الوطني، فشدوا من أزر قطر وتعاونوا معها في هذا المجال ولا تذهب بكم الغيرة والأحقاد إلى مسارات تضر بالسودان ولا تنفعكم.

إن دولة قطر قدمت الحلول العملية لتسريع عملية إحلال السلام في دارفور انطلاقا من مفهومها أن الحاجة للتنمية هي أس المشكلة، وبما أن موارد الدولة السودانية في ظل الظروف الراهنة متعثرة أعلنت دولة قطر تأسيس بنك لتنمية دارفور برأسمال قدره مليار دولار والمساهمة فيه مفتوحة لكل من يهمه أمر السودان وذلك من اجل إعادة اعمار دارفور وتحقيق التنمية الشاملة في تلك الولاية وغيرها. لقد أشار أمير دولة قطر ـــ في خطابه أمام الاجتماع الدولي رفيع المستوى بشأن السودان الذي عقد في نيويورك على هامش اجتماعات الدورة 65 للجمعية العامة للأمم المتحدة بدعوة من الأمين العام للمنظمة الدولية ـــ إلى أن الدول التي أعطت وعودا لتقديم مساعدات للتنمية وإعادة الاعمار في الجنوب لم تنفذ، وانه يحض جميع الدول التي أعطت وعودا لتقديم مساعدات لإعادة اعمار المنطقة أن تفي بالتزاماتها.

لقد نبه أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى أهمية حل مشكلة دارفور قبل إجراء عملية الاستفتاء المقرر إجراؤها في جنوب السودان مطلع العام القادم لاعتقاده بان نتيجة الاستفتاء ستؤثر على الجهود المبذولة من اجل تحقيق السلام في دارفور. 

في الأيام القليلة الماضية رددت وسائل الإعلام العربية والدولية أن جماعات مسلحة في ولاية دارفور تطالب بإجراء استفتاء في الولاية، وكذلك عناصر مسلحة أخرى في جبال النوبة أثارت ذات المطالب أسوة بما يحدث في الجنوب. إننا نواجه مشاكل متعددة، إن ظاهرة الاستفتاء لمصير سياسي لولاية من ولايات اي دولة عربية أو محافظة أو امارة مرض سياسي معد بدأ في العراق على اثر الحصار والاحتلال وسوف يعم الوطن العربي فكل الدول العربية الكبيرة معرضة لهذا المرض السياسي الخطير وعلينا جميعا حكاما ومحكومين بمحاصرة هذا الوباء السياسي قبل أن يستفحل أمره انطلاقا من السودان.

آخر القول: الوطن العربي في خطر التجزئة والتفتيت، والسودان في وضع اخطر، وكل أماني المواطن العربي ألا يكون حال حكامنا كحال ملوك الطوائف يخسرون الوطن والجاه والسلطان.

القدس العربي 28/9/2010م

 

الشهيد أحمد أحواس

وهل سنلتقي.. وأين يا أحمد..؟

… وأحمدنا… هو أحمد أحواس… الضابط في الجيش الليبي.. إن رسالته التي كتبها في 18 يناير 1981 تلخص مواقفه، وجزءاً لا باس به من مسيرته..

يقول: عرفت معمر القذافي بو منيار طالبا بالكلية العسكرية سنة1965 ‏عندما كنت مدرسا بها، ثم عرفته ضابطا بالجيش الليبي حتى انقلاب عام 1969م. عرفته شاذا في تفكيره وتصرفاته. وما أشد دهشتي وقلقي عندما أصبح على رأس السلطة في ليبيا عبر انقلاب ستظهر الأيام من كان وراءه.
‏لقد رفضت اقتراحا في الأيام الأولى للانقلاب بإرسال برقية تأييد حتى لا يفهم منها اعترافي بهذا الوضع المريب، كما عدلت عن فكرة كتابة مذكرة إلى القذافي أنصحه فيها وأعرض له تصوري لمنهج التغيير المطلوب، وذلك لقناعتي انه لا يؤمن بالحوار ‏ولا يعدل عن رأيه حتى ولو تبين له الحق في سواه.
‏لقد كان من الصعب علي وآنا أعرف جيدا من هو القذافي أن أعلن رأيي فيه ابان ذلك التأييد العفوي من جماهير شعبنا الطيب، فاخترت أن أقوم بخدمة ديني وأمتي من أي موقع أكون فيه. ولقد علمت من مصدر موثوق ومقرب حرص القذافي على بقائي خارج البلاد فكانت حياتي كلها تنقلاً بين السفارات، كان آخرها في غويانا بأمريكا الجنوبية.
‏كنت أتابع أخبار البلاد وأرى بعيني عندما أعود بين الحين والآخر الخراب الاقتصادي، والتفسخ الخلقي، والانحراف العقيدي والفكري، والفوضى الإدارية، والتخبط السياسي، فضلا عن التذمر الشعبي على كل المستويات وفي جميع القطاعات، وأتابع أخبار الإرهاب والتسلط والقهر والظلم ومصادرة الحريات والأموال بشكل لم أسمع بمثله في التاريخ القديم والحديث لأمتنا.
‏لقد كانت تؤلمني من الأعماق حماقات القذافي وتهجماته على كل عزيز، واستهتاره بكل المقدسات والقيم، كما كنت استغرب ممن يتبنون أفكاره الباطلة ويروجون لها. وكنت أتساءل في نفسي عما يحدث وكيف يحدث وكيف يمكن مواجهته، كما كنت أدرك آن دورا ايجابيا يتحتم علي القيام به، وقد تنامى لدي هذا الشعور مع تمادي نظام القذافي المتعجرف في ممارسته الوقحة لكل أشكال الظلم والطغيان التي أدت إلى ارتفاع كثير من الأصوات المعارضة له في الداخل والخارج وأصبح السكوت في نظري تقصير لا تبرره كل الاعتبارات التي حالت دون إعلان موقفي منه إلى الآن.

‏وان في تجربة العالم مع القذافي وفي خذلانه للقضايا الإسلامية والتحررية وتدخلاته في شئون الدول الأخرى وبالأخص الدول الأفريقية والعربية الشقيقة ما يكفي للتدليل على الدور التخريبي الذي يقوم به والذي أدى إلى تدمير سمعة ليبيا ومكانتها بين أمم العالم.

‏لذلك فأنني وباسمي الشخصي أدين وبشدة كل الممارسات الخاطئة التي قام ويقوم بها التسلط القذافي العابث على الصعيدين الداخلي والخارجي. وأحس أنني أعبر بذلك عن موقف الغالبية العظمى من الشعب الليبي المنكوب الذي ما فتئ يسعى جاهدا للتخلص من هذا الكابوس المزعج بعد أن تكشفت حقيقته منذ الأشهر الأولى للانقلاب النكد.

‏بناء على ما تقدم.. أعلن استقالتي من منصبي كمستشار بأمانة الخارجية وكقائم بأعمال السفارة الليبية في غويانا.. كما أعلن عن عزمي للوقوف وبكل ما ‏أملك مع كل العاملين المخلصين للعمل الجاد من أجل الإطاحة بهذا الطاغية الذي نكبت به بلادنا العزيزة لنعيد للشعب الليبي حريته المغتصبة لكي يختار نظام حياته وحكمه ضمن إطار عقيدة الإسلام وشريعته الراسخة وليحقق آماله في العزة والكرامة والازدهار والتقدم.

ولله الأمر من قبل ومن بعد..

وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون(أحمد إبراهيم أحواس (18/1/1981م).)

إن الإنسان الذي يسعى وراء هدف نبيل… يتحول إلى رمز عظيم يسمق ويكبر كلما تواضع صاحبه وخفض جناحه لله وللمؤمنين.

وحتى لا يلتقي الآخرون حول الرمز، وفي مسلسل الترغيب والترهيب. خرج أحمد أحواس سفيرا يتنقل بين اليمن والصومال والدانمارك وماليزيا وغوايانا في أمريكا الجنوبية.

لقد بدأ تعارفنا في عدن يا أحمد…!

ومن يجرأ أن يستعمل السفارة والدبلوماسية لنقل الفكر الإسلامي والمجلة الإسلامية و(الأخبار العزيزة عليك)، غير من شغلهم هدفهم عن مركزهم، فتمسكوا بالهدف النبيل مهما تكن الظروف.. واستخدموا وسائلهم لخدمة أهدافهم.

وعندما كانت تغرق عدن في ظلمات الماركسية، عندما امتلأت سجونها بالأحرار… وصارت تحصي على إنسانها الحركة والسكنة.. يومها كان أحمد أحواس الضمير الذي ينبض بالحيوية… والشعلة التي تضيء الدرب للآخرين.

وضعوه في عدن والصومال… وقد رأوا أنهم نقلوه من زنزانته في سجن ليبيا الكبير إلى سجن أكبر اسمه عدن والصومال… ولم يعرفوا أبدا دوره فقد كان دور البطل!

لم تغب عني يا أحمد وأنت في الدنمارك… أو ماليزيا… فقد كانوا يريدون أن لا تستقر فخيبت ظنهم فقد كنت تزرع فسيلة الدعوة في كل البلاد… فأنت في عجلة من أمرك وفي سباق مع الزمن… ومثلك من يقدر على ذلك… (نظرات في واقع الدعوة والدعاة- المؤلف)

أتذكر تلك الرسالة التي بعثتها لي من غويانا… لقد كانت بتوقيعك… وعلى الرغم من استغرابي لبعض معانيها في البداية، غير أن النهاية التي قدرها الله لك، والشموخ الذي تطاولت نفسك إليه، وزيارتي لترنداد وغويانا ولقائي بإخوانك وتلاميذك في أمريكا الجنوبية ومنطقة الكاريبي من بعد، وانضمامك إلى إخوانك في العقيدة ضمن جبهة الإنقاذ الوطني لتحرير ليبيا من الطغاة والطغيان، كل ذلك فسر لي الكلمات التي غمضت علي… ذكرت لي ضرورة التحرك الإيجابي فلا معنى للعمل الإسلامي الذي يتحول إلى ردود فعل لا نحسن توجيهها أو الاستفادة منها..

وتحدثت لي عن النظرة الضيقة التي تريد كل شيء أو تفقد كل شيء… وذكرت لي ضرورة التخطيط في عالم تجريبي يؤمن بالعلم والتكنولوجيا ويسخرها لمصلحة الإنسان… شكوت لي خلافات العاملين للإسلام وكيف يخسرون جهودهم واخوّتهم ويتحولون إلى أعداء… من أجل تفاهات، على الرغم من أن عناصر اللقاء بينهم لا حدود لها… نسوا الحب في الله… فأنساهم أنفسهم فأصبحوا أعداء يتناكرون بعد أن كانوا أحبابا يتعارفون ويتآلفون…

هل غفرت لي… يا أحمد رسالتي الجواب..؟

إني والله لم أقصد الإساءة… ولكني لم أفهم يومها ما قصدت.. كنت أحلم..

كنت أظن أن الحماسة شجاعة، والبلاغة فكرة، والحديث المنمق دعوة، والمقالة وصاحبها مثالا… وما علمت إلا مؤخرا أن الماء قد يكون ماء… وقد يكون سرابا أو تيها ضاربا في حشايا الرمال… اغفر لي يا أحمد… ومثلك من يغفر!

تضاربت الأنباء حول نبأ استشهادك… ذكروا أنك دخلت مع اثنين من رفاقك من البحر… وذكرت وكالة الأنباء الرسمية الليبية أنك اشتبكت مع الحرس على الحدود التونسية الليبية وأن إصابتك كانت قاتلة… وذكر مراسل اللوموند الفرنسية أنك دخلت البلاد قبل أسبوعين ثم اكتشف أمرك في حادث ما زال غامضا.. وذكرت أخبار أخرى أنك كنت تقود الهجوم على ثكنات العزيزية حيث يقيم معمر القذافي… وأن قسما من الجنود انضموا إليكم… وإن المقاومة استمرت أكثر من سبع ساعات كاملة… استشهدت فيها مع جميع رفاقك الآخرين…

قالوا تدرب في السودان… وقالوا بل دفعته أمريكا وانكلترا… وهذا هو منطق العملاء..!

بل تدرب في ليبيا وكان من أذكى ضباط جيشها وألمعهم..

ودفعه دينه وإسلامه لانقاذ بلده من طغيان الارهاب… الذي استشرى في بلده الطيب..

يا أحمد…

مهما كانت طريقة استشهادك فستبقى حيا عند ربك..

وستبقى حيا في ذاكرة إخوانك.. لن ينسوا أبدا.. الداعية المثقف والقيادي الذكي والسياسي المجاهد..

وستبقى أحد رموز الكفاح الذين يلهمون شباب هذه الأمة.. كيف يدافعون عن حقوقهم.. بل وكيف يستشهدون..

عندما زرت تلاميذك في منطقة الكاريبي.. حدثوني عنك.. وعن الوجه الآخر الذي لم أكن أعرفه.. يومها أدركت معنى الصمت الذي كنت تلوذ به أحياناً.. فليس كل صمت جبن.. وليس كل صمت معناه عدم معرفة الجواب.

كل من سمعك تتحدث في المؤتمر الطلابي في الولايات المتحدة وتقول: لن نتخلى عن دورنا، ولن نقعد مع القاعدين.. ولن نقنط مع القانطين.. والخيار الوحيد الذي نرضاه لأنفسنا أن نعيش أحرارا أعزاء أوفياء أو نموت واقفين ونسقط سقطة الشهداء الصالحين.. كل من سمعك أدرك نهايتك..

سطور من حياته

ولد الشهيد أحمد إبراهيم أحواس في مدينة جردينة من ضواحي بنغازي في ليبيا عام 1938م. انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين في عام 1954م، وفي سنة 1960م التحق بالكية العسكرية وتخرج في العام 1962م متفوقاً على كافة أفراد الدفعة.

من عام 1962 إلى 1969م عمل ضابطاً في سلاح الهندسة بالجيش الليبي.

تقلد الشهيد عدة مناصب خلال عمله بالجيش منها: آمراً لسرية هندسة الميدان، ومدرساً بالكلية العسكرية، ومدرساً بمدرسة الهندسة، كما التحق بعدة دورات دراسية عسكرية في كل من ليبيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

تدرج الشهيد في الرتب العسكرية حتى رتبة رائد التي رقي إليها بتاريخ 9 أغسطس 1969م.

كان الشهيد طيلة عمله في القوات المسلحة مشهوداً له بالكفاءة والإخلاص والأخلاق العالية، كما كان يحظي بتقدير واحترام رؤسائه وحب ومودة مرؤسيه.

بعد انقلاب القذافي عام 1969م كان الشهيد من ضمن الضباط الذين اعتقلهم القذافي، ثم جرى إبعاده للعمل في السفارات الليبية في كل من: الدنمرك، واليمن الشمالي، والصومال، واليمن الجنوبي، وماليزيا، وغويانا. ورغم سوء سمعة نظام القذافي إلا أن ما كان يتحلى به الشهيد من نبل في التعامل وأصالة في الأخلاق وتفان متواصل في خدمة قضايا الإسلام والمسلمين، جعله يحظى بالتقدير والاحترام من الأجهزة الرسمية، وبالتجاوب المتزايد من كثير من العاملين في الهيئات الأهلية والتعاون الخير مع الشباب في الجمعيات الإسلامية في تلك الدول لا تزال آثاره شاهدة على ذلك حتى اليوم.

في فبراير 1981م أعلن الشهيد أحمد إبراهيم أحواس استقالته من منصبه كقائم بأعمال السفارة الليبية في غويانا، وأعلن انضمامه إلى المعارضة الليبية في الخارج حيث شارك في تأسيس الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا. وتم اختياره عضواً في اللجنة التنفيذية للجبهة.

  • ·    في 6 مايو عام 1984م كان الشهيد أحمد أحواس في مهمة تتعلق بقوات جبهة الإنقاذ داخل ليبيا، ولم يكن دخوله أو تسلله إلى ليبيا هو الأول من نوعه، بل كان يقوم بذلك بصورة دورية منذ استقالته. واستطاع في المرة الأخيرة، كما تقول إحدى الروايات، التسلل عن طريق البحر، ظل بعدها يتنقل داخل البلاد لمدة أسبوعين تقريباً، كان يقوم خلالهما بالاتصال والتخطيط والتنسيق مع وحدات وإفراد من الجناح العسكري للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، اصطدم إثناء تنقلاته الأخيرة.. بدورية مسلحة قرب مدينة زوارة، فتم تبادل إطلاق النار الذي انتهى باستشهاده.

ولا نستطيع أن نعزل واقعة استشهاد الرائد احمد أحواس عن وقائع وإحداث الثامن من مايو 1984م، وما جرى في ذلك اليوم من تصادم بين مجموعة بدر التابعة لقوات الإنقاذ وبين قوات النظام الليبي، وما تلى ذلك من أحداث ووقائع انتهت باستشهاد أفراد المجموعة.

سلام عليك يا أخي أبا أسعد… ورحمة الله وبركاته.

 

حرب أكتوبر عام 1973م مع إسرائيل

الجبهة المصرية

يقول الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المصرية في كتابه القيم (حرب أكتوبر):

(لم نكف عن التفكير في الهجوم على العدو الذي يحتل أراضينا حتى في أحلك ساعات الهزيمة في يونيو 1967م. لقد كان الموضوع ينحصر فقط في متى يتم الهجوم، وربط هذا التوقيت بإمكانات القوات المسلحة لتنفيذه)( حرب أكتوبر – سعد الدين الشاذلي، ص- 13).

 

كانت أمام القيادة المصرية خطتان:

الخطة الأولى: تقوم على أساس تدمير جمع قوات العدو في سيناء، والتقدم السريع لتحريرها، هي وقطاع غزة في عملية واحدة ومستمرة.

والخطة الثانية: وكان يتبناها رئيس أركان الجيش الشاذلي هدفها هو عبور قناة السويس، وتدمير خط بارليف واحتلاله، ثم اتخاذ أوضاع دفاعية على مسافة تتراوح بين (10 – 12 كم) شرق القناة، على أن تبقى القوات في هذه الأوضاع الجديدة إلى أن يتم تجهيزها وتدريبها للقيام بالمرحلة التالية من تحرير الأرض(المرجع السابق، ص- 18).

اعتمدت القيادة المصرية الخطة الثانية التي أطلقوا عليها اسم (بدر – 1). وهي بالطبع خطة متواضعة إذا ما قيست بالأولى.. ولكنها الممكنة. فقد كانت القوات المصرية ضعيفة إذا ما قيست بقوة إسرائيل. لقد تحطمت الطائرات المصرية على الأرض مرتين الأولى عام 1956م والثانية عام 1967م فلا يريدون لها أن تتحطم مرة أخرى، أما الدفاعات الجوية والتي كانت تعتمد أساسا على صواريخ سام الثابتة فهي دفاعية، تستطيع التصدي للطائرات المهاجمة على مسافة (10- 12) كم شرق القناة، ولكنها لا تستطيع التصدي للطائرات في مدى أبعد. وكذلك كنا نرغب في أن نحارب إسرائيل في ظروف ليست مواتية لها وأن نطيل أمد الحرب قدر الإمكان.

تتلخص خطة بدر بأن تقوم خمس فرق مشاة مجهزة باقتحام قناة السويس من خمس نقاط وتقوم هذه الفرق بتدمير خط بارليف.. ثم تتقدم القوات المصرية إلى مسافة تتراوح بين (10 – 15) كم شرق القناة.

في يوم 6 أكتوبر 1973م نفذت الخطة كما خطط لها العسكريون بمنتهى الدقة، واستطاع الجندي المصري الذي تعرض للذل والمهانة في حروب 1948م و1956م و1967م، أن يسجل صفحات خالدة في البطولة والشجاعة، وأن يسجل نصرا مؤزرا كان له الفضل في تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر. استطاع الجيش المصري وهو يردد هتاف المجد (الله أكبر) أن يجتاز قناة السويس، وهي مانع مائي صناعي عرضه مابين 180 – 200 م، أنشأ اليهود على ضفته الشرقية سدا ترابيا بارتفاع يصل إلى 20 مترا، مما يجعل من المستحيل عبور أية مركبة برمائية إلى الشاطئ الآخر إلا بعد إزالة هذا السد. وعلى طول السد الترابي بنى الإسرائيليون خطا دفاعيا قويا أطلقوا عليه خط بارليف ، وكان يتكون من 35 حصنا. كانت هذه الحصون مدفونة في الأرض وذات أسقف قوية تجعلها قادرة على أن تتحمل قصف المدفعية الثقيلة دون أن تتأثر بذلك. وكان يحيط بها حقول ألغام وأسلاك كثيفة. وما بين هذه الحصون كان هناك مرابض نيران للدبابات بمعدل مربض كل 100 متر.

وزيادة على كل هذه الموانع، أدخل الإسرائيليون سلاحا جديدا رهيبا هو النيران المشتعلة فوق الماء لكي تحرق كل من يحاول عبور القناة(المصدر السابق (ص-41)).

هذا هو خط بارليف الذي كانت تفاخر إسرائيل بقوته.. وتتحدى به القوات المصرية وتعلن أن اختراقه يحتاج إلى تعاون سلاح المهندسين الروسي والأمريكي إلى جانب سلاح الهندسة المصري !

ومع ذلك فقد حطمه الجندي المصري الشجاع، فبحلول الساعة الثامنة من صباح يوم الأحد 18 أكتوبر 1973م كانت القوات المصرية قد حققت نجاحا حاسما في معركة القنال. عبرت فيه أصعب مانع مائي في العالم وحطمت خط بارليف في 18 ساعة. وهو رقم قياسي لم تحققه أية عملية عبور في تاريخ البشرية. وقد تم بأقل خسائر ممكنة. فقد بلغت الخسائر: 5 طائرات و20 دبابة و 80 شهيدا، مقابل 30 طائرة و 300 دبابة وعدة آلاف من القتلى للعدو الذي خسر كذلك خط بارليف بكامله. وأصبحت أسطورة خط بارليف الذي كان يتغنى بها الإسرائيليون في خبر كان(المصدر السابق (ص- 235)).

ثغرة الدفرسوار

بعد أن حطمت القوات المصرية الهجمات المضادة للعدو.. أصرت القيادة السياسية المصرية على تقدم الجيش نحو المضائق. وعلى الرغم من اعتراض رئيس أركان الجيش الفريق الشاذلي الذي قاد المعركة منذ بدايتها.. إلا أن الأمر نفذ وكانت نكسة خطيرة لعب فيها الطيران المعادي دورا خطيرا حطم في ساعات أكثر من 250 دبابة… فقد خلا له الجو.. وبدأ يدمر المدرعات التي لا يحميها شيء.

هذا الخطأ أدى إلى خطأ آخر.. وهو الاضطرار إلى دفع قوة الاحتياطي الاستراتيجي إلى شرق القناة لتعويض الخسائر.. فأدى ذلك إلى خلخلة القوة وأصبح الموقف مثاليا لكي يقوم العدو بمحاولة لاختراق مواقعنا.

وبالفعل فقد تسللت قوات العدو إلى غرب القناة من منطقة الدفرسوار واستطاعت أن تقصف الصواريخ المضادة في غرب القناة مما جعل الطيران المعادي حرا في اختراق أجوائنا، وأن تطوق الجيش الثالث مما جعله أسيرا في يد العدو.. يفرض العدو علينا أقسى الشروط مقابل تموينه، لم يكن أقلها إلغاء الحظر البترولي الذي فرضته الدول البترولية على أمريكا وحلفائها.

وتقدمت قوات العدو في الاتجاهين نحو السويس فحاصرتها وميناء الادبية فحطمتها ونحو الإسماعيلية. وهكذا تضيع الانتصارات العظيمة أمام رغبة القيادات الغبية التي تطلب الشهرة أكثر مما تطلب النصر.

اتفاقية فض الاشتباك

في 18 يناير 1974م تم التوقيع على الاتفاقية الأولى لفض الاشتباك بين مصر وإسرائيل وكانت بنودها كما يلي:

1- تقوم إسرائيل بسحب قواتها إلى مسافة 30 كم شرق القناة.

2- تسحب مصر قواتها شرق القناة باستثناء قوة رمزية (7000جندي).

3- تفصل قوات الأمم المتحدة بين الفريقين.

وهذه النهاية نستطيع أن نصفها بحرب مشرفة تنتهي بمأساة.. (المصدر السابق (ص- 235))

الجبهة السورية

أما على الجبهة السورية فقد حققت القوات السورية نصرا مؤزرا في الأيام الأولى للحرب استطاعت فيها السيطرة على كامل منطقة الجولان وجبل الشيخ التي كانت إسرائيل احتلتها عام 1967م.. وصلت هذه القوات إلى بحيرة طبريا، وشعرت إسرائيل بالخطر يقترب منها مع تحطم كل دبابة تزج بها في المعركة.. ولهذا قررت القيادة الإسرائيلية تركيز الحرب على الجبهة السورية.. وركز الطيران وأفضل قوات الاحتياط في هذه الجبهة واستطاعت من خلال بعض القيادات السورية المتهاونة التي قدمت فيما بعد للمحاكمة وتم إعدامها.. أن تستعيد المواقع التي خسرتها.. وأن تتقدم ليصبح الطريق إلى دمشق سالكا أمامها.

حرب أكتوبر 1973م في الميزان

ركز الكتاب الإسرائيليون كثيرا على هذه الحرب.. واعتبروها من أخطر الحروب التي خاضتها إسرائيل.. وبالرغم من أن النتائج النهائية للحرب كانت متواضعة.. أو بعبارة أخرى أن العرب لم يحققوا فيها النصر المطلوب.. إلا أن الصحيح أن إسرائيل لم تنتصر أيضا بل كانت أقرب إلى الهزيمة.. وبالطبع فهناك فرق كبير بين هزيمة العرب وبين هزيمة إسرائيل في نهاية المطاف.

أهم الأمور التي مكنت العرب من تسجيل النصر النسبي على اسرائيل.. هي

1- انتشت إسرائيل بنصرها عام 1967م.. إلى درجة أنها لم تعد تصدق أن العرب بإمكانهم محاربتها.. فلما وصلت استخباراتهم العسكرية بعض المعلومات عن الاستعدادات المصرية أو السورية استبعدوها ولسان حالهم يقول: هل يجرأ العرب على فعلها ؟

2- هذه الحرب هي الوحيدة التي اعترفت إسرائيل بأن العرب خططوا لها وأنهم لم يتركوا أمرا للصدفة.. وأن الدهاء العربي تغلب على الذكاء اليهودي(زلزال في اكتوبر – زئيف شيف). وأنهم كسروا في هذه الحرب حاجز الخوف الذي كان يتنامى في النفس العربية منذ حروبهم الفاشلة في 1948م و1956م و1967م.

3- في هذه الحرب عبر المصريون وحطموا خط بارليف وهم يهتفون الله أكبر وفي جيب كل واحد منهم كراس عقيدتنا الدينية طريقنا للنصر من تأليف رئيس الأركان سعد الدين الشاذلي. عبروا القناة وهي أصعب مانع مائي في العالم وحطموا خط بارليف في 18 ساعة..

4- وفي هذه الحرب انهارت القيادات الإسرائيلية العسكرية منها والسياسية.. ومع انهيارهم أدركوا أن مؤسسة جيشهم التي ظنوا أنها لا تقهر.. قد تعرضت للفساد والانهيار الخلقي الذي أصاب مجمل الشعب اليهودي.

5- وفي هذه الحرب ثبت لإسرائيل.. وكذلك أدرك الجندي المصري والسوري مدى صلابته وقدرته وتفوقه في القتال على عدوه.. وأن تساوي الظروف والتسليح يجعله الأعلى.

6- في هذه الحرب ظهر معدن المقاتل المصري من أبناء الشعب.. فحين حاول الإسرائيليون احتلال مدينة السويس دفعوا ثمنا باهظا لهذه المحاولة وانسحبوا بعد ذلك مذمومين مدحورين.

7- وأخيرا فإن هذه الحرب التي بدأت بداية مشرفة وانتهت بكثير من الأخطاء.. كان يمكن أن تشكل علامة فارقة تضع حدا لعهدين.. عهد وجود إسرائيل وعهد غيابها.

قرار مجلس الأمن الدولي رقم 338

بعد التفاهم الأمريكي السوفياتي، دعي مجلس الأمن الدولي للاجتماع في 22 اكتوبر 1973م وبعد مداولات اتخذ قراره رقم 338 التالي نصه:

أولا: يدعو جميع الأطراف إلى وقف إطلاق النار وأي نشاط عسكري فورا،  على أن يتم هذا القرار في المواقع التي تحتلها هذه الأطراف الآن.

ثانيا: يدعوا الأطراف المعنية إلى البدء مباشرة، بعد وقف إطلاق النار، بتنفيذ   قرار مجلس الأمن رقم 242 بجميع فقراته.

ثالثا: يقرر وجوب بدء مفاوضات فورية، وفي الوقت ذاته يتم فيه وقف إطلاق النار وتحت رعاية مناسبة، بغية تحقيق سلام دائم وعادل في الشرق الأوسط.

مؤتمر جنيف

في 21/12/1973م في قصر الأمم بجنيف، المقر الأوروبي للأمم المتحدة، تم افتتاح المؤتمر الذي ضم وفود: الأمم المتحدة وأمريكا وروسيا وإسرائيل ومصر والأردن.. بينما امتنعت سوريا عن الحضور.

لعب كيسنجر وزير خارجية أمريكا اليهودي المتعصب دورا رئيسا في هذا المؤتمر.. من أهم نتائج مؤتمر جنيف كان: اتفاق فصل القوات بين مصر وإسرائيل على أن تنسحب القوات الإسرائيلية 30 كم إلى داخل سيناء وأن يبقى المصريون على الضفة الشرقية للقناة على مسافة (8-9) كم. وأن تفصل قوات الأمم المتحدة بين الفريقين.

 
Leave a comment

Posted by on October 1, 2010 in خواطر سياسية

 

!! مغزى الحياة

د. راغب السرجاني

تدبرت كثيرًا في مسألة قيام الأمم ..

فلاحظت أمرًا عجيبًا، وهو أن فترة الإعداد تكون طويلة جدًّا قد تبلغ عشرات السنين، بينما تقصر فترة التمكين حتى لا تكاد أحيانًا تتجاوز عدة سنوات !!

فعلى سبيل المثال بذل المسلمون جهدًا خارقًا لمدة تجاوزت ثمانين سنة؛ وذلك لإعداد جيش يواجه الصليبيين في فلسطين، وكان في الإعداد علماء ربانيون، وقادة بارزون، لعل من أشهرهم عماد الدين زنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي رحمهم الله جميعًا، وانتصر المسلمون في حطين، بل حرروا القدس وعددًا كبيرًا من المدن المحتلة، وبلغ المسلمون درجة التمكين في دولة كبيرة موحدة، ولكن -ويا للعجب- لم يستمر هذا التمكين إلا ست سنوات، ثم انفرط العقد بوفاة صلاح الدين، وتفتتت الدولة الكبيرة بين أبنائه وإخوانه، بل كان منهم من سلم القدس بلا ثمن تقريبًا إلى الصليبيين!!

كنت أتعجب لذلك حتى أدركت السُّنَّة، وفهمت المغزى..

إن المغزى الحقيقي لوجودنا في الحياة ليس التمكين في الأرض وقيادة العالم، وإن كان هذا أحد المطالب التي يجب على المسلم أن يسعى لتحقيقها، ولكن المغزى الحقيقي لوجودنا هو عبادة الله عز وجل..

قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]..

وحيث إننا نكون أقرب إلى العبادة الصحيحة لله في زمن المشاكل والصعوبات، وفي زمن الفتن والشدائد، أكثر بكثير من زمن النصر والتمكين، فإن الله -من رحمته بنا- يطيل علينا زمن الابتلاء والأزمات؛ حتى نظل قريبين منه فننجو، ولكن عندما نُمكَّن في الأرض ننسى العبادة، ونظن في أنفسنا القدرة على فعل الأشياء، ونفتن بالدنيا، ونحو ذلك من أمراض التمكين..

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [يونس: 22، 23].

ولا يخفى على العقلاء أن المقصود بالعبادة هنا ليس الصلاة والصوم فقط، إنما هو في الحقيقة منهج حياة.. إن العبادة المقصودة هنا هي صدق التوجه إلى الله، وإخلاص النية له، وحسن التوكل عليه، وشدة الفقر إليه، وحب العمل له، وخوف البعد عنه، وقوة الرجاء فيه، ودوام الخوف منه.. إن العبادة المقصودة هي أن تكون حيث أمرك الله أن تكون، وأن تعيش كيفما أراد الله لك أن تعيش، وأن تحب في الله، وأن تبغض في الله، وأن تصل لله، وأن تقطع لله.. إنها حالة إيمانية راقية تتهاوى فيها قيمة الدنيا حتى تصير أقل من قطرة في يمٍّ، وأحقر من جناح بعوضة، وأهون من جدي أَسَكَّ ميت..

كم من البشر يصل إلى هذه الحالة الباهرة في زمان التمكين!!

إنهم قليلون قليلون!

ألم يخوفنا حبيبي صلى الله عليه وسلم من بسطة المال، ومن كثرة العرض، ومن انفتاح الدنيا؟!

ألم يقل لنا وهو يحذرنا: “فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ”؟!

ألا نجلس معًا، ونأكل معًا، ونفكر معًا، ونلعب معًا، فإذا وصل أحدنا إلى كرسي سلطان، أو سدة حكم، نسي الضعفاء الذين كان يعرفهم، واحتجب عن “العامة” الذين كانوا أحبابه وإخوانه؟!

ألم يحذرنا حبيبي صلى الله عليه وسلم من هذا الأمر الشائع فقال: “مَنْ وَلاَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ، احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَقْرِهِ”؟!

هل يحتجب الفقير أو الضعيف أو المشرد في الأرض؟

لا.. إنما يحتجب الممكَّن في الأرض، ويحتجب الغني، ويحتجب السلطان.

إن وصول هؤلاء إلى ما يريدون حجب أغلبهم عن الناس، ومَن كانت هذه حاله فإن الله يحتجب عنه، ويوم القيامة سيدرك أنه لو مات قبل التمكين لكان أسلم له وأسعد، ولكن ليس هناك عودة إلى الدنيا، فقد مضى زمن العمل، وحان أوان الحساب.

إن المريض قريب من الله غالب وقته، والصحيح متبطر يبارز الله المعاصي بصحته..

والذي فقد ولده أو حبيبه يناجي الله كثيرًا، ويلجأ إليه طويلاً، أما الذي تمتع بوجودهما ما شعر بنعمة الله فيهما..

والذي وقع في أزمة، والذي غُيِّب في سجن، والذي طُرد من بيته، والذي ظُلم من جبار، والذي عاش في زمان الاستضعاف، كل هؤلاء قريبون من الله.. فإذا وصلوا إلى مرادهم، ورُفع الظلم من على كواهلهم نسوا الله، إلا من رحم الله، وقليل ما هم..

هل معنى هذا أن نسعى إلى الضعف والفقر والمرض والموت؟

أبدًا، إن هذا ليس هو المراد.. إنما أُمرنا بإعداد القوة، وطلب الغنى، والتداوي من المرض، والحفاظ على الحياة.. ولكن المراد هو أن نفهم مغزى الحياة.. إنه العبادة ثم العبادة ثم العبادة.

ومن هنا فإنه لا معنى للقنوط أو اليأس في زمان الاستضعاف، ولا معنى لفقد الأمل عند غياب التمكين، ولا معنى للحزن أو الكآبة عند الفقر أو المرض أو الألم.. إننا في هذه الظروف -مع أن الله طلب منا أن نسعى إلى رفعها- نكون أقدر على العبادة، وأطوع لله، وأرجى له، وإننا في عكسها نكون أضعف في العبادة، وأبعد من الله.. إننا لا نسعى إليها، ولكننا “نرضى” بها.. إننا لا نطلبها، لكننا “نصبر” عليها.

إن الوقت الذي يمضي علينا حتى نحقق التمكين ليس وقتًا ضائعًا، بل على العكس، إنه الوقت الذي نفهم فيه مغزى الحياة، والزمن الذي “نعبد” الله فيه حقًّا،

فإذا ما وصلنا إلى ما نريد ضاع منا هذا المغزى، وصرنا نعبد الله بالطريقة التي “نريد”، لا بالطريقة التي “يريد”!.. أو إن شئت فقُلْ نعبد الله بأهوائنا، أو إن أردت الدقة أكثر فقل نعبد أهواءنا!!

قال تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً} [الفرقان: 43].

ولذلك كله فإن الله الحكيم الذي يريد منا تحقيق غاية الخَلْق، الرحيم الذي يريد لنا الفلاح والنجاح قد اختار لنا أن تطول فترة الإعداد والبلاء والشدة، وأن تقصر فترة التمكين والقوة، وليس لنا إلا أن نرضى، بل نسعد باختياره، فما فعل ذلك إلا لحبه لنا، وما أقرَّ هذه السُّنَّة إلا لرحمته بنا.

وتدبروا معي إخواني وأخواتي في حركة التاريخ..

كم سنة عاش نوح -عليه السلام- يدعو إلى الله ويتعب ويصبر، وكم سنة عاش بعد الطوفان والتمكين؟!

أين قصة هود أو صالح أو شعيب أو لوط -عليهم السلام- بعد التمكين؟! إننا لا نعرف من قصتهم إلا تكذيب الأقوام، ومعاناة المؤمنين، ثم نصر سريع خاطف، ونهاية تبدو مفاجئة لنا.

لماذا عاش رسولنا صلى الله عليه وسلم إحدى وعشرين سنة يُعِدُّ للفتح والتمكين، ثم لم يعش في تمكينه إلا عامين أو أكثر قليلاً؟!

وأين التمكين في حياة موسى أو عيسى عليهما السلام؟! وأين هو في حياة إبراهيم أبي الأنبياء عليه السلام؟!

إن هذه النماذج النبوية هي النماذج التي ستتكرر في تاريخ الأرض، وهؤلاء هم أفضل من “عَبَدَ” الله عز وجل، {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90].

والآن بعد أن فقهت المغزى لعلك عرفت لماذا لم يعش عمر بن عبد العزيز إلا سنتين ونصف فقط في تمكينه، وأدركت لماذا قُتل عماد الدين زنكي بعد أقل من عامين من فتح الرُّها، وكذلك لماذا قُتل قطز بعد أقل من سنة من نصره الخالد على التتار في عين جالوت، وكذلك لماذا قُتل ألب أرسلان بعد أقل من عامين من انتصار ملاذ كرد التاريخي، ولماذا لم “يستمتع” صلاح الدين بثمرة انتصاره في حطين إلا أقل من سنة ثم سقطت عكا مرة أخرى في يد الصليبيين، ولماذا لم يرَ عبد الله بن ياسين مؤسس دولة المرابطين التمكين أصلاً، ولماذا مات خير رجال دولة الموحدين أبو يعقوب يوسف المنصور بعد أقل من أربع سنوات من نصره الباهر في موقعة الأرك.

إن هذه مشاهدات لا حصر لها، كلها تشير إلى أن الله أراد لهؤلاء “العابدين” أن يختموا حياتهم وهم في أعلى صور العبادة، قبل أن تتلوث عبادتهم بالدنيا، وقبل أن يصابوا بأمراض التمكين.

إنهم كانوا “يعبدون” الله حقًّا في زمن الإعداد والشدة، “فكافأهم” ربُّنا بالرحيل عن الدنيا قبل الفتنة بزينتها..

ولا بد أن سائلاً سيسأل: أليس في التاريخ ملك صالح عاش طويلاً ولم يُفتن؟! أقول لك: نعم، هناك من عاش هذه التجربة، ولكنهم قليلون أكاد أحصيهم لندرتهم! فلا نجد في معشر الأنبياء إلا داود وسليمان عليهما السلام، وأما يوسف -عليه السلام- فقصته دامية مؤلمة من أوَّلها إلى قبيل آخرها، ولا نعلم عن تمكينه إلا قليل القليل.

وأما الزعماء والملوك والقادة فلعلك لا تجد منهم إلا حفنة لا تتجاوز أصابع اليدين، كهارون الرشيد وعبد الرحمن الناصر وملك شاه وقلة معهم..

لذلك يبقى هذا استثناءً لا يكسر القاعدة، وقد ذكر ذلك الله عز وجل في كتابه فقال: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24]..

فالذي يصبر على هذه الفتن قليل بنص القرآن، بل إن الله عز وجل إذا أراد أن يُهلك أمة من الأمم زاد في تمكينها!! قال تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44].

إنني بعد أن فهمت هذا المغزى أدركت التفسير الحقيقي لكثيرٍ من المواقف المذهلة في التاريخ..

أدركت لماذا كان عتبة بن غزوان رضي الله عنه يُقْسِم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يعفيه من ولاية البصرة!

وأدركت لماذا أنفق الصديق رضي الله عنه ماله كله في سبيل الله،

وأدركت لماذا حمل عثمان بن عفان رضي الله عنه وحده همَّ تجهيز جيش العسرة دون أن يطلب من الآخرين حمل مسئولياتهم،

وأدركت لماذا تنازل خالد بن الوليد رضي الله عنه عن إمارة جيش منتصر،

وأدركت لماذا لم يسعد أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه بولايته على إقليم ضخم كالشام،

وأدركت لماذا حزن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه عندما جاءه سبعمائة ألف درهم في ليلة،

وأدركت لماذا تحول حزنه إلى فرح عندما “تخلَّص” من هذه الدنيا بتوزيعها على الفقراء في نفس الليلة!!

أدركت ذلك كله.. بل إنني أدركت لماذا صار جيل الصحابة خير الناس!

إن هذا لم يكن فقط لأنهم عاصروا الرسول صلى الله عليه وسلم، بل لأنهم هم أفضل من فقه مغزى الحياة، أو قل: هم أفضل من “عَبَدَ” الله عز وجل ؛ ولذلك حرصوا بصدق على البعد عن الدنيا والمال والإمارة والسلطان، ولذلك لا ترى في حياتهم تعاسة عندما يمرضون، ولا كآبة عندما يُعذَّبون، ولا يأسًا عندما يُضطهدون، ولا ندمًا عندما يفتقرون.. إن هذه كلها “فُرَص عبادة” يُسِّرت لهم فاغتنموها، فصاروا بذلك خير الناس.

إن الذي فقِه فقههم سعِد سعادتهم ولو عاش في زمن الاستضعاف!

والذي غاب عنه المغزى الذي أدركوه خاب وتعس ولو ملك الدنيا بكاملها.

إنني أتوجه بهذا المقال إلى أولئك الذين يعتقدون أنهم من “البائسين” الذين حُرموا مالاً أو حُكمًا أو أمنًا أو صحة أو حبيبًا..

إنني أقول لهم: أبشروا، فقد هيأ الله لكم “فرصة عبادة”!

فاغتنموها قبل أن يُرفع البلاء، وتأتي العافية، فتنسى الله، وليس لك أن تنساه..

قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [يونس: 12].

وأسأل الله عز وجل أن يفقهنا في سننه..

وأسأله أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.

 
1 Comment

Posted by on September 25, 2010 in مقالات تستحق القراءة

 

الإمام الشهيد حسن البنا فى عيون معاصريه

..إهداء لوحيد حامد

رحمة حسين

 مقتطفات من شهادات بعض الرموز التاريخية التى عايشت الإمام الشهيد حسن البنا على ” إختلاف توجهاتها ” من كبار المشايخ والعلماء والسياسيين والقادة والكتاب والمفكرين ، نهديها للكاتب والسيناريست وحيد حامد – مؤلف مسلسل الجماعة – الذى زعم أنه أمتلك الحقيقة ورأى مالم يراه الجميع فى شخص الإمام الشهيد حسن البنا .

 *  كتب علي ماهر رئيس مجلس الوزراء يقول: “عادت بي الذاكرة إلى عام 1935، حين زارني الفقيد الكريم مع بعض أصدقائه بمناسبة انتقاله بجماعته من الإسماعيلية إلى القاهرة، متحدثًا في بعض الشئون العامة، وكان حديثه يشرح صدري وأسلوبه يشهد بموفورالثقافة الإسلامية والبصر بشئون الأمم العربية، وبراعة المنطق وقوة الحجة، وكان إلى ذلك شديد الإيمان بأنه يؤدي رسالة إنسانية سامية، دعائمها الإخاء والمحبة والسلامبين سكان البلاد جميعًا. وفي مارس سنة 1939 بارحت لندن بالطائرة، إثر مؤتمر فلسطين، ووصلت القاهرة في مستهل الهزيع الأخير من ليلة لا أنساها، رأيت فيها جموع الإخوانتملأ فضاء محطة العاصمة، وتموج بهم أرصفتها، وسمعت نداءهم: “الله أكبر ولله الحمد” يدوي عاليًا، فيأخذ طريقه إلى القلوب، ويملأ النفوس إيمانًا بالله، وتجردًا، للمثل العليا”.

*   وفي مقال تحت عنوان “الداعية الموفق” للسيد اللواء محمد صالح حرب باشا – الرئيس العام لجمعيات الشبان المسلمين- قال: ” واستطاع -عليه الرحمة- أن يوقد جذوة الفكرةالإسلامية في صدور الآلاف من الشباب، فأقبلوا على الدين وعكفوا على القرآن وتعلقوابأسباب الثقافة الإسلامية، وكان لهم في ميدانها جهود وجولات استطاع أن يرد غربةالإسلام بين هؤلاء الجاهلين به إلى معرفة وأنس، وبذل في سبيل ذلك من علمه وجهادهووقته ونفسه وأعصابه وراحته ما لا تستطيعه إلا العصبة المجتمعة من أقوياء الرجال..”.

*  وفي كلمة الزعيم محمد نجيب عن حسن البنا عقب نجاح الثورة،قال: “من الناس من يعيش لنفسه، لا يفكر إلا فيها، ولا يعمل إلا لها، فإذا مات لميأبه به أحد، ولم يحس بحرارة فقده مواطن، ومن الناس من يعيش لأمته واهبًا لها حياته حاضرًا فيها آماله، مضحيًا في سبيلها بكل عزيزٍ غالٍ، وهؤلاء إذا ماتوا خلت منهم العيون وامتلأت بذكرهم القلوب، والإمام الشهيد حسن البنا، أحد أولئك الذين لا يدرك البلى ذكراهم، ولا يرقى النسيان إلى منازلهم لأنه- رحمه الله- لم يعش في نفسه بل عاش في الناس ولم يعمل لصوالحه الخاصة، بل عمل للصالح العام.

*   وقال جمال عبد الناصر في احتفال مجلس الثورة بذكرى استشهاد الإمام: “إنني أذكر هذه السنين والآمال التي كنا نعمل من أجل تحقيقها، أذكرها وأرى بينكم من يستطيع أن يذكر معي هذا التاريخ وهذه الأيام، ويذكر في نفس الوقت الآمال العظام التي كنا نتوخاها أحلامًا بعيدة، نعم أذكر في هذا الوقت، وفي هذا المكان، كيف كان حسن البنا يلتقي مع الجميع ليعمل الجميع في سبيل المبادئ العالية، والأهداف السامية، لا في سبيل الأشخاص ولا الأفراد ولا الدنيا “.. ثم قال في نهاية كلمته : ” وأشهد الله أني أعمل – إن كنت أعمل – لتنفيذ هذه المبادئ وأفنى فيها وأجاهد فيسبيلها “.

*   وقال صلاح سالم: “إن هذه الأخلاق العالية والصفات الحميدة قد اجتمعت وتمثلت في شخص أستاذ كبير، ورجل احترمَه وأجلَّه واعترف بفضله العالم الإسلامي كله، وقد أحبه الجميع من أجل المثل العليا التي عمل لها، والتي سنسير عليها إلى أن يتحقق لنا مانريده من مجد وكرامة في أخوة حقيقية وإيمان أكيد، رعاكم الله ووحد بين قلوبكم وجمع بينكم على الخير”.

*  وفي ذكرى استشهاده كتب المرحوم الشيخ محمد مصطفى المراغي – شيخ الجامع الأزهر-  يقول: “إن الأستاذ البنا رجل مسلم غيور على دينه، يفهم الوسط الذي يعيش فيه، ويعرف مواضع الداء في جسم الأمة الإسلامية، ويفقه أسرار الإسلام وقد اتصل بالناس اتصالاً وثيقًا على اختلاف طبقاتهم، وشغل نفسه بالإصلاح الديني والاجتماعي، على الطريقة التي كان يرضاها سلف هذه الأمة”.

*  وتحدث الشيخ حسنين مخلوف- مفتي الديار المصرية في الأربعينيات- عن حسن البنا، وأشاد به وبمكانته بين الدعاة، فقال: “الشيخ حسن البنا أنزله الله منازل الأبرار، من أعظم الشخصيات الإسلامية في هذا العصر، بل هو الزعيم الإسلامي الذي جاهد في الله حق الجهاد، واتخذ لدعوة الحق منهاجًا صالحًا وسبيلاً واضحًا استمده من القرآن والسنة النبوية ومن روح التشريع الإسلامي، وقام بتنفيذه بحكمةٍ وسدادٍ وصبرٍ وعزمٍ، حتى انتشرت الدعوة الإسلامية في آفاق مصر وغيرها من بلاد الإسلام، واستظل برايتها خلق كثير”.

*  وتحت عنوان “الإمام الشهيد يغزو الجامعات” كتب الأستاذ الدكتور محمد طه بدوي- أستاذ القانون العام، يقول: ” لقد كان الإمام الشهيد شمسًا وغيثًا وأملاً للجامعة بل للجامعات المصرية، فأنشأ مدرسته المثالية، وعلّم ألوفًا من إخوانه الفلسفة والمبادئ الإسلامية، فغزوا بعلومهم وأفكارهم وثورتهم كليات الجامعة، وإذا بنا نشهد جيلاً آخرهو جيل المجاهدين في سبيل الفكرة الإسلامية والوطن الإسلامي، ولم يعد يجرؤ أستاذ أن يتهجم بفلسفته على تراث الإسلام الغالي، ولم يستطع جامعي أن يُلوح للبشرية بنظام خير من النظام الإسلامي الذي وجد من تلامذة الإمام الشهيد”.

 *  ويقول الأستاذ كامل الشناوي بك: “لقد كان حسن البنا هو الزعيم الوحيد الذي آمن بالفكرة التي جاهد من أجلها، ولقد كان حسن البنا هو القائد الوحيد الذي تلمحه في صفوف الجنود”.

*  وتحدث محمد التابعي عن حسن البنا وما دار بينهما من حوارات، استطاع من خلالها أن يتعرف على شخصية البنا عن قرب، فيصف البنا بقوله: “دائم الابتسام، فاره القامة، رحب الهيكل، يبدو قويًا كشجرة السنديان، في صوته عمق وعرض وطول، وللسانه سحر إذا تكلم يتكلم فيه بالألباب والأحاديث وأمجاد الجهاد الإسلامي”.

*  وأرجع على الغاياتي كل ما بذل الإخوان من جهود إلى حسن البنا، فقال: “إذا صح ما قاله المغفور له الملك عبد الله الهاشمي من أن الإخوان المسلمين هم معجزة القرآن في هذا الزمان، فمما لا شك فيه أن مؤسس جماعتهم وراعي نهضتهم ومرشدهم العام المرحوم الأستاذ حسن البنا هو رب هذه المعجزة، فمن علمه وهديه، ونشاطه وروحه، وإيمانه وإسلامه، استمدت هذه الجماعة ما سمت به من عظيم الصفات، وما قامت به من جليل الأعمال”.

*  ويشير إحسان عبد القدوس إلى بعض جوانب شخصية البنا وإخوانه، ويوضح كيف أن البنا فتح باب الاجتهاد وأعاد إليه رونقه وصفاءه بعد أن ران عليه غبار الجمود، وأشار إلى تضحية الإخوان في سبيل الدعوة، وأن شخصية حسن البنا قد مُلئت قلوب جميع المصريين بحبه على اختلاف دينهم، فكان- رحمه الله – ودودًا باشًا يحب كل من يلقاه ولم يفرق بين مسلم ومسيحي، لذلك فقد كان المسيحيون يحبونه.

*  في كلمة للزعيم الوطني المسيحي مكرم عبيد باشا، قال: وما من شك أن فضيلة الشيخ حسن البنا هو حي لدينا جميعًا في ذكراه، بل كيف لا يحيا ويخلد في حياته رجل استوحى في الدين هدي ربه، ففي ذكره حياة له ولكم.

*  ويشير مصطفى أمين إلى أشد ما أعجبه في الإمام البنا فيقول: “إيمانه بفكرته، كان يؤمن بها بطريقة عجيبة، ويرى أن المستقبل لها، وقد انعكس ذلك على سلوكه، فكان له قدرة فائقة على إقناع الغير بذلك. أعجبني كذلك في حسن البنا أن إيمانه بفكرته لم يكن عاطفيًا فقط بل كان محسوب الخطوات مدروسًا ولم يكن متعجلاً رغم حماسه الشديد لما يؤمن به”.

 نافذة مصر 12/9/2010م