RSS

الشهيد أحمد أحواس

06 Oct

وهل سنلتقي.. وأين يا أحمد..؟

… وأحمدنا… هو أحمد أحواس… الضابط في الجيش الليبي.. إن رسالته التي كتبها في 18 يناير 1981 تلخص مواقفه، وجزءاً لا باس به من مسيرته..

يقول: عرفت معمر القذافي بو منيار طالبا بالكلية العسكرية سنة1965 ‏عندما كنت مدرسا بها، ثم عرفته ضابطا بالجيش الليبي حتى انقلاب عام 1969م. عرفته شاذا في تفكيره وتصرفاته. وما أشد دهشتي وقلقي عندما أصبح على رأس السلطة في ليبيا عبر انقلاب ستظهر الأيام من كان وراءه.
‏لقد رفضت اقتراحا في الأيام الأولى للانقلاب بإرسال برقية تأييد حتى لا يفهم منها اعترافي بهذا الوضع المريب، كما عدلت عن فكرة كتابة مذكرة إلى القذافي أنصحه فيها وأعرض له تصوري لمنهج التغيير المطلوب، وذلك لقناعتي انه لا يؤمن بالحوار ‏ولا يعدل عن رأيه حتى ولو تبين له الحق في سواه.
‏لقد كان من الصعب علي وآنا أعرف جيدا من هو القذافي أن أعلن رأيي فيه ابان ذلك التأييد العفوي من جماهير شعبنا الطيب، فاخترت أن أقوم بخدمة ديني وأمتي من أي موقع أكون فيه. ولقد علمت من مصدر موثوق ومقرب حرص القذافي على بقائي خارج البلاد فكانت حياتي كلها تنقلاً بين السفارات، كان آخرها في غويانا بأمريكا الجنوبية.
‏كنت أتابع أخبار البلاد وأرى بعيني عندما أعود بين الحين والآخر الخراب الاقتصادي، والتفسخ الخلقي، والانحراف العقيدي والفكري، والفوضى الإدارية، والتخبط السياسي، فضلا عن التذمر الشعبي على كل المستويات وفي جميع القطاعات، وأتابع أخبار الإرهاب والتسلط والقهر والظلم ومصادرة الحريات والأموال بشكل لم أسمع بمثله في التاريخ القديم والحديث لأمتنا.
‏لقد كانت تؤلمني من الأعماق حماقات القذافي وتهجماته على كل عزيز، واستهتاره بكل المقدسات والقيم، كما كنت استغرب ممن يتبنون أفكاره الباطلة ويروجون لها. وكنت أتساءل في نفسي عما يحدث وكيف يحدث وكيف يمكن مواجهته، كما كنت أدرك آن دورا ايجابيا يتحتم علي القيام به، وقد تنامى لدي هذا الشعور مع تمادي نظام القذافي المتعجرف في ممارسته الوقحة لكل أشكال الظلم والطغيان التي أدت إلى ارتفاع كثير من الأصوات المعارضة له في الداخل والخارج وأصبح السكوت في نظري تقصير لا تبرره كل الاعتبارات التي حالت دون إعلان موقفي منه إلى الآن.

‏وان في تجربة العالم مع القذافي وفي خذلانه للقضايا الإسلامية والتحررية وتدخلاته في شئون الدول الأخرى وبالأخص الدول الأفريقية والعربية الشقيقة ما يكفي للتدليل على الدور التخريبي الذي يقوم به والذي أدى إلى تدمير سمعة ليبيا ومكانتها بين أمم العالم.

‏لذلك فأنني وباسمي الشخصي أدين وبشدة كل الممارسات الخاطئة التي قام ويقوم بها التسلط القذافي العابث على الصعيدين الداخلي والخارجي. وأحس أنني أعبر بذلك عن موقف الغالبية العظمى من الشعب الليبي المنكوب الذي ما فتئ يسعى جاهدا للتخلص من هذا الكابوس المزعج بعد أن تكشفت حقيقته منذ الأشهر الأولى للانقلاب النكد.

‏بناء على ما تقدم.. أعلن استقالتي من منصبي كمستشار بأمانة الخارجية وكقائم بأعمال السفارة الليبية في غويانا.. كما أعلن عن عزمي للوقوف وبكل ما ‏أملك مع كل العاملين المخلصين للعمل الجاد من أجل الإطاحة بهذا الطاغية الذي نكبت به بلادنا العزيزة لنعيد للشعب الليبي حريته المغتصبة لكي يختار نظام حياته وحكمه ضمن إطار عقيدة الإسلام وشريعته الراسخة وليحقق آماله في العزة والكرامة والازدهار والتقدم.

ولله الأمر من قبل ومن بعد..

وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون(أحمد إبراهيم أحواس (18/1/1981م).)

إن الإنسان الذي يسعى وراء هدف نبيل… يتحول إلى رمز عظيم يسمق ويكبر كلما تواضع صاحبه وخفض جناحه لله وللمؤمنين.

وحتى لا يلتقي الآخرون حول الرمز، وفي مسلسل الترغيب والترهيب. خرج أحمد أحواس سفيرا يتنقل بين اليمن والصومال والدانمارك وماليزيا وغوايانا في أمريكا الجنوبية.

لقد بدأ تعارفنا في عدن يا أحمد…!

ومن يجرأ أن يستعمل السفارة والدبلوماسية لنقل الفكر الإسلامي والمجلة الإسلامية و(الأخبار العزيزة عليك)، غير من شغلهم هدفهم عن مركزهم، فتمسكوا بالهدف النبيل مهما تكن الظروف.. واستخدموا وسائلهم لخدمة أهدافهم.

وعندما كانت تغرق عدن في ظلمات الماركسية، عندما امتلأت سجونها بالأحرار… وصارت تحصي على إنسانها الحركة والسكنة.. يومها كان أحمد أحواس الضمير الذي ينبض بالحيوية… والشعلة التي تضيء الدرب للآخرين.

وضعوه في عدن والصومال… وقد رأوا أنهم نقلوه من زنزانته في سجن ليبيا الكبير إلى سجن أكبر اسمه عدن والصومال… ولم يعرفوا أبدا دوره فقد كان دور البطل!

لم تغب عني يا أحمد وأنت في الدنمارك… أو ماليزيا… فقد كانوا يريدون أن لا تستقر فخيبت ظنهم فقد كنت تزرع فسيلة الدعوة في كل البلاد… فأنت في عجلة من أمرك وفي سباق مع الزمن… ومثلك من يقدر على ذلك… (نظرات في واقع الدعوة والدعاة- المؤلف)

أتذكر تلك الرسالة التي بعثتها لي من غويانا… لقد كانت بتوقيعك… وعلى الرغم من استغرابي لبعض معانيها في البداية، غير أن النهاية التي قدرها الله لك، والشموخ الذي تطاولت نفسك إليه، وزيارتي لترنداد وغويانا ولقائي بإخوانك وتلاميذك في أمريكا الجنوبية ومنطقة الكاريبي من بعد، وانضمامك إلى إخوانك في العقيدة ضمن جبهة الإنقاذ الوطني لتحرير ليبيا من الطغاة والطغيان، كل ذلك فسر لي الكلمات التي غمضت علي… ذكرت لي ضرورة التحرك الإيجابي فلا معنى للعمل الإسلامي الذي يتحول إلى ردود فعل لا نحسن توجيهها أو الاستفادة منها..

وتحدثت لي عن النظرة الضيقة التي تريد كل شيء أو تفقد كل شيء… وذكرت لي ضرورة التخطيط في عالم تجريبي يؤمن بالعلم والتكنولوجيا ويسخرها لمصلحة الإنسان… شكوت لي خلافات العاملين للإسلام وكيف يخسرون جهودهم واخوّتهم ويتحولون إلى أعداء… من أجل تفاهات، على الرغم من أن عناصر اللقاء بينهم لا حدود لها… نسوا الحب في الله… فأنساهم أنفسهم فأصبحوا أعداء يتناكرون بعد أن كانوا أحبابا يتعارفون ويتآلفون…

هل غفرت لي… يا أحمد رسالتي الجواب..؟

إني والله لم أقصد الإساءة… ولكني لم أفهم يومها ما قصدت.. كنت أحلم..

كنت أظن أن الحماسة شجاعة، والبلاغة فكرة، والحديث المنمق دعوة، والمقالة وصاحبها مثالا… وما علمت إلا مؤخرا أن الماء قد يكون ماء… وقد يكون سرابا أو تيها ضاربا في حشايا الرمال… اغفر لي يا أحمد… ومثلك من يغفر!

تضاربت الأنباء حول نبأ استشهادك… ذكروا أنك دخلت مع اثنين من رفاقك من البحر… وذكرت وكالة الأنباء الرسمية الليبية أنك اشتبكت مع الحرس على الحدود التونسية الليبية وأن إصابتك كانت قاتلة… وذكر مراسل اللوموند الفرنسية أنك دخلت البلاد قبل أسبوعين ثم اكتشف أمرك في حادث ما زال غامضا.. وذكرت أخبار أخرى أنك كنت تقود الهجوم على ثكنات العزيزية حيث يقيم معمر القذافي… وأن قسما من الجنود انضموا إليكم… وإن المقاومة استمرت أكثر من سبع ساعات كاملة… استشهدت فيها مع جميع رفاقك الآخرين…

قالوا تدرب في السودان… وقالوا بل دفعته أمريكا وانكلترا… وهذا هو منطق العملاء..!

بل تدرب في ليبيا وكان من أذكى ضباط جيشها وألمعهم..

ودفعه دينه وإسلامه لانقاذ بلده من طغيان الارهاب… الذي استشرى في بلده الطيب..

يا أحمد…

مهما كانت طريقة استشهادك فستبقى حيا عند ربك..

وستبقى حيا في ذاكرة إخوانك.. لن ينسوا أبدا.. الداعية المثقف والقيادي الذكي والسياسي المجاهد..

وستبقى أحد رموز الكفاح الذين يلهمون شباب هذه الأمة.. كيف يدافعون عن حقوقهم.. بل وكيف يستشهدون..

عندما زرت تلاميذك في منطقة الكاريبي.. حدثوني عنك.. وعن الوجه الآخر الذي لم أكن أعرفه.. يومها أدركت معنى الصمت الذي كنت تلوذ به أحياناً.. فليس كل صمت جبن.. وليس كل صمت معناه عدم معرفة الجواب.

كل من سمعك تتحدث في المؤتمر الطلابي في الولايات المتحدة وتقول: لن نتخلى عن دورنا، ولن نقعد مع القاعدين.. ولن نقنط مع القانطين.. والخيار الوحيد الذي نرضاه لأنفسنا أن نعيش أحرارا أعزاء أوفياء أو نموت واقفين ونسقط سقطة الشهداء الصالحين.. كل من سمعك أدرك نهايتك..

سطور من حياته

ولد الشهيد أحمد إبراهيم أحواس في مدينة جردينة من ضواحي بنغازي في ليبيا عام 1938م. انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين في عام 1954م، وفي سنة 1960م التحق بالكية العسكرية وتخرج في العام 1962م متفوقاً على كافة أفراد الدفعة.

من عام 1962 إلى 1969م عمل ضابطاً في سلاح الهندسة بالجيش الليبي.

تقلد الشهيد عدة مناصب خلال عمله بالجيش منها: آمراً لسرية هندسة الميدان، ومدرساً بالكلية العسكرية، ومدرساً بمدرسة الهندسة، كما التحق بعدة دورات دراسية عسكرية في كل من ليبيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

تدرج الشهيد في الرتب العسكرية حتى رتبة رائد التي رقي إليها بتاريخ 9 أغسطس 1969م.

كان الشهيد طيلة عمله في القوات المسلحة مشهوداً له بالكفاءة والإخلاص والأخلاق العالية، كما كان يحظي بتقدير واحترام رؤسائه وحب ومودة مرؤسيه.

بعد انقلاب القذافي عام 1969م كان الشهيد من ضمن الضباط الذين اعتقلهم القذافي، ثم جرى إبعاده للعمل في السفارات الليبية في كل من: الدنمرك، واليمن الشمالي، والصومال، واليمن الجنوبي، وماليزيا، وغويانا. ورغم سوء سمعة نظام القذافي إلا أن ما كان يتحلى به الشهيد من نبل في التعامل وأصالة في الأخلاق وتفان متواصل في خدمة قضايا الإسلام والمسلمين، جعله يحظى بالتقدير والاحترام من الأجهزة الرسمية، وبالتجاوب المتزايد من كثير من العاملين في الهيئات الأهلية والتعاون الخير مع الشباب في الجمعيات الإسلامية في تلك الدول لا تزال آثاره شاهدة على ذلك حتى اليوم.

في فبراير 1981م أعلن الشهيد أحمد إبراهيم أحواس استقالته من منصبه كقائم بأعمال السفارة الليبية في غويانا، وأعلن انضمامه إلى المعارضة الليبية في الخارج حيث شارك في تأسيس الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا. وتم اختياره عضواً في اللجنة التنفيذية للجبهة.

  • ·    في 6 مايو عام 1984م كان الشهيد أحمد أحواس في مهمة تتعلق بقوات جبهة الإنقاذ داخل ليبيا، ولم يكن دخوله أو تسلله إلى ليبيا هو الأول من نوعه، بل كان يقوم بذلك بصورة دورية منذ استقالته. واستطاع في المرة الأخيرة، كما تقول إحدى الروايات، التسلل عن طريق البحر، ظل بعدها يتنقل داخل البلاد لمدة أسبوعين تقريباً، كان يقوم خلالهما بالاتصال والتخطيط والتنسيق مع وحدات وإفراد من الجناح العسكري للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، اصطدم إثناء تنقلاته الأخيرة.. بدورية مسلحة قرب مدينة زوارة، فتم تبادل إطلاق النار الذي انتهى باستشهاده.

ولا نستطيع أن نعزل واقعة استشهاد الرائد احمد أحواس عن وقائع وإحداث الثامن من مايو 1984م، وما جرى في ذلك اليوم من تصادم بين مجموعة بدر التابعة لقوات الإنقاذ وبين قوات النظام الليبي، وما تلى ذلك من أحداث ووقائع انتهت باستشهاد أفراد المجموعة.

سلام عليك يا أخي أبا أسعد… ورحمة الله وبركاته.

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *