RSS

Monthly Archives: March 2012

برنارد لويس

أو دليل الرجل الذكي إلى التشهير بالمسلمين(جلال أمين)

  كل الدلائل تشير إلى أن الإدارة الأميركية كان لديها، ولا يزال، مخطط لإحكام سيطرتها على أماكن متعددة من العالم، وعلى موارد اقتصادية أساسية خارج حدودها، من أهمها النفط، وأن أحداث 11 سبتمبر 2001م ساعدت الإدارة الأميركية في السير سيراً حثيثاً نحو تنفيذ هذا المخطط. لا يكاد يكون هناك خلاف على هذا، وإن كان هناك خلاف على ما إذا كانت هذه الأحداث صدفة ذهبية استغلتها الإدارة الأميركية أحسن استغلال، أو أنها خُلقت خلقاً لكي تُستغل هذا الاستغلال.

انني أميل إلى هذا الرأي الأخير، ولكن هذا ليس موضوعي الآن، وإنما الذي يهمني الآن أنه، في كلا الحالين، كان من المفيد جداً للإدارات الأميركية، وكذلك للمشروع الصهيوني وإسرائيل، أن تستغل أحداث 11 سبتمبر إلى أقصى درجة ممكنة لتشويه سمعة الإسلام والمسلمين. فسواء كان المخططون والمنفذون لهذا الحادث هم بالفعل، كما زعمت القصة الأميركية الرسمية، عرباً ومسلمين، وأن الهدف من تنفيذ هذه الانفجارات شيء له علاقة بالخلاف بين المسلمين أو العرب وبين السياسة الأميركية، أو لم تكن هذه هي الحقيقة، فقد كان ولا يزال من المفيد جداً للإدارة الأميركية وإسرائيل الزعم بأن هذه هي الحقيقة. ذلك أن من الصعب جداً أن نتصور أن تستطيع الإدارة الأميركية السير في تحقيق مخططها العسكري والاقتصادي من دون وجود عدو، بل عدو خطير، يبرر كل هذا الانفاق على الحرب، وكل هذه التضحيات التي لا بد أن يتحملها الشعب الأميركي، اقتصادية وبشرية. وقد وُجد أن الإسلام والمسلمين عدو مناسب جداً، أولاً لوجوده وانتشاره في معظم المناطق التي يراد تنفيذ المخطط العسكري والاقتصادي فيها. وثانياً لسهولة الربط بين العنف والخطر المراد تخويف الناس منهما، وبين الدين، اذ أن التطرف أو التعصب الديني يمكن قبوله بسهولة كتفسير للعنف والقتل والاعتداء، كما وُجد من المناسب تسميته بالإرهاب. وثالثاً لأن الفلسطينيين الذين يقاومون المشروع الصهيوني والدولة الإسرائيلية، والعرب الذين يعادون هذا المشروع وهذه الدولة، غالبيتهم العظمى من المسلمين. فلماذا لا تُضرب كل هذه العصافير بحجر واحد، وهو تشويه سمعة الإسلام والمسلمين؟

لا بد أن الفكرة بدت معقولة جداً ومفيدة للغاية، بل الأرجح ان هذا المنحى من التفكير نشأ وبدأ وضعه موضع التنفيذ قبل أحداث 11 سبتمبر بكثير، بل حتى قبل سقوط الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة، ذلك أن التفكير الاستراتيجي لا ينتظر حتى آخر لحظة لتفجير حملة دعائية مفيدة، بل لا بد من التمهيد لها شيئاً فشيئاً حتى يبدو التطور طبيعياً للغاية. وإسرائيل لا بد أفادت في أي حال من أي تشويه لسمعة الإسلام والمسلمين، منذ خمسين عاماً على الأقل، كما أن تضخيم حجم ما سمي بـالإرهاب الإسلامي (بل ربما خلقه خلقاً في بعض الأحوال)، كان مفيداً لتحقيق أهداف أميركية مهمة، حتى قبل 11 سبتمبر بكثير، كتخويف بعض الحكومات العربية واجبارها على الاعتماد على الدعم الأميركي لمواجهة هذا الإرهاب، وفي الوقت نفسه اعطاء هذه الحركات مبرراً للاستمرار في الحكم واستخدام أساليب القمع بحجة التصدي للإرهاب الإسلامي.

في ظروف كهذه، كيف يمكن الاستغناء عن خدمات رجل مثل المؤرخ البريطاني الشهير برنارد لويس؟ ليس المطلوب بالضبط مؤرخاً شهيراً، فليس التدقيق في التاريخ وتحليله هو الغرض الآن، بل المطلوب رجل يجمع بين الشهرة كمؤرخ، والولاء الذي لا شك فيه لهذا الهدف نفسه الذي تتوخاه الآن الإدارة الأميركية وأصحاب المشروع الصهيوني والإسرائيلي، وهو التشهير بالإسلام والمسلمين. فها هو ذا رجل نشر في الستين عاماً الماضية عدداً كبيراً من الكتب التاريخية عن العرب والمسلمين والشرق الأوسط، تفصح عن علم واسع وانكباب طويل على المصادر التاريخية الأصيلة، فاكتسب شهرته كمؤرخ خبير بأي شيء يتعلق بالإسلام، ولكن لا رغبة عنده البتة في ذكر الحقيقة الكاملة عن الإسلام، بل لديه دافع قوي للغاية، بسبب ولائه للصهيونية، لذكر ما يسيء إلى الإسلام والمسلمين، فكيف لا يستفاد منه؟

 برنارد لويس

ترددت الأخبار إذاً عن قرب برنارد لويس في السنين الأخيرة من آذان صانعي القرار في الولايات المتحدة، كلما تعلق الأمر بمصالح أميركا في الشرق الأوسط وعلاقتها بهذه الدولة العربية أو تلك، وذلك بعد انتقال الرجل من لندن، حيث كان يعمل استاذاً في كلية الدراسات الشرقية والافريقية، القريبة آنذاك بدورها من آذان وزارة الخارجية البريطانية، إلى جامعة برينستون في الولايات المتحدة.

ولم تمض شهور قليلة بعد أحداث 11 سبتمبر حتى صدر لبرنارد لويس كتاب عن الخلفية التاريخية لهذه الأحداث، في رأي لويس، وهو كتاب أين مكمن الخطأ؟ What Went Wrong? ويقصد بهذا العنوان السؤال الآتي: ما هو بالضبط الذي جعل المسلمين يرتكبون أحداث 11 سبتمبر، ويتجرأون على تفجير البرجين الشهيرين في نيويورك، ووزارة الدفاع في واشنطن، حتى وصل بهم الأمر إلى تهديد العالم كله على هذا النحو؟

 كتاب What Went Wrong? لبرنارد لويس

طبعاً اتبعت كل الأساليب لضمان نجاح الكتاب وتسويقه على أوسع نطاق ممكن، فالرسالة التي يحملها من المهم أن تصل في هذا الوقت إلى أكبر عدد ممكن من الناس. وهذه الرسالة هي أن هناك أشياء متأصلة وعميقة للغاية في نفسية المسلمين وعقليتهم تجعلهم يتصرفون على هذا النحو الذي شهدناه في 11 سبتمبر.

وفعلاً تصدر الكتاب قائمة الكتب الأكثر مبيعاًَ، وأعيد طبعه مرات عدة. فالجميع يريد أن يعرف المزيد عن هذا الإسلام الذي يسمع عنه للمرة الأولى، وأن يفهم لماذا يقبل بعض المسلمين على ارتكاب هذا العمل الجنوني، فجاءت الاجابة سهلة وواضحة: إنهم ارتكبوا هذا العمل الجنوني لأنهم مسلمون، لا أكثر ولا أقل.

الطريف أن المؤرخ الكبير لم يتوقف لحظة للتحقق من صحة القصة الرسمية التي أذاعتها الإدارة الأميركية بعد أقل من 3 ساعات من وقوع الحادث: المخططون والمنفذون كلهم إرهابيون مسلمون، جنسياتهم كلهم إما سعودية أو مصرية، وزعيمهم سعودي من أصل يمني اسمه أسامة بن لادن، وسبب ارتكابهم لهذه الأعمال كراهيتهم لأميركا، والهدف غير واضح تماماً إلا الانتقام من أميركا، والنفع العائد على هؤلاء الإرهابيين من هذا العمل غير واضح أيضاً إلا اشباع الرغبة في الانتقام، ولا يهم بعد ذلك ما إذا كان الإسلام أو المسلمون سيعود عليهم أي نفع من هذا العمل.

 أسامة بن لادن

وبينما شكك كتّاب فرنسيون وألمان في القصة كلها، وقال بعض القانونيين الانكليز ان ما يُقدم على أنه أدلة ضد هؤلاء السعوديين والمصريين التسعة عشر، هو من الضعف بحيث لا يكفي حتى لتقديمهم للمحاكمة، ناهيك عن إدانتهم، بدا الاستاذ برنارد لويس، لسبب أو آخر، واثقاً كل الثقة من صحة جميع الاتهامات، مما يوحي بأنه كان يحمل ضغينة مؤكدة ضد الإسلام والمسلمين حتى قبل وقوع أحداث 11 سبتمبر.

ثم عاد الاستاذ لويس فأصدر في ابريل الماضي كتاباً جديداً بعنوان أزمة الإسلام، وله عنوان فرعي هو حرب مقدسة وإرهاب غير مقدس (Bernard Lewis: The Crisis of Islam: Holy War and Unholy Terror, Weidenfeld & Nicolson, 2003, London) نفدت نسخه بمجرد صدوره، فأعيد طبعه، ولا أشك في أنه سيعاد طبعه مرات عدة على فترات قصيرة، إذ لا يزال الذين يريدون أن يفهموا أزمة الإسلام كثيرين، وحتى ان لم يكونوا كثيرين، فإن المؤلف وأصدقاءه على استعداد، بلا شك، لتوزيع الكتاب مجاناً لو لزم الأمر.

الكتاب الجديد يشترك مع القديم في أن كليهما يقبلان بلا أدنى تردد الرواية الرسمية التي اذاعتها الإدارة الأميركية: الزعيم المخطط هو بن لادن، والأشرطة التي يذيعها من حين لآخر من محطة تلفزيون قطر، حقيقية وغير مزيفة، والمنفذون إما سعوديون أو مصريون الخ. ولكن الكتاب الجديد يختلف عن الكتاب السابق في أمور عدة. فالكتاب السابق كان به بعض التاريخ القديم والحديث، أما هذا الكتاب فهو أقرب إلى المنشور الدعائي. الكتاب السابق كتبه مؤرخ بالغ التحيز ضد المسلمين لإقناع أكبر عدد ممكن من الناس بأن ارتكاب المسلمين لأعمال 11 سبتمبر ليس غريباً بالمرة. أما هذا الكتاب الأخير فكتبه ناشط سياسي (سواء كان هو فعلاً برنارد لويس الذي يظهر اسمه على الكتاب، أم ايلي آلشيك Eli Alshech الطالب بالدراسات العليا في جامعة برنستون الذي يشكره برنارد لويس في نهاية الكتاب على ما قدمه من مساعدات في صور مختلفة في القيام بالبحث اللازم وفي إعداد هذا الكتاب). وهو كتاب موجه أساساً للأميركيين، في محاولة لإقناعهم اقناعاً نهائياً بالميول الاجرامية للمسلمين، وبصحة ما وجه إليهم من اتهامات في الماضي، وما يمثلونه من خطر على الأميركيين والعالم في المستقبل، إلى جانب بعض الأهداف الأخرى.

إن من يقرأ هذا الكتاب لا يسعه عند الانتهاء منه إلا الشعور بأن الكتاب، قبل أن يشرع في كتابته، قد خطط له تخطيطاً جيداً، حتى تتوافر له كل فرص النجاح في تحقيق أهدافه، بل ان من الممكن للقارئ أن يستخلص من الكتاب بسهولة مجموعة من المبادئ العامة تصلح دليلاً ممتازاً لأي شخص يستهدف تشويه الإسلام والمسلمين. هذه المبادئ تصلح لأن تنشر في كتاب مستقل بعنوان مثل دليل الرجل الذكي إلى التشهير بالإسلام والمسلمين.

وسأقوم الآن بشرح ما استخلصته من الكتاب من مبادئ، ولخصتها في ستة، آملاً أن يكتشف القارئ منها حقيقة هذا الكتاب ويفهم طبيعته:

المبدأ الأول، وهو أبسط المبادئ وأوضحها، لا تدخر أي جهد في الحاق أي وصمة عار (وعلى الأخص ما يعتبره الأميركيون الآن وصمة عار) بالإسلام والمسلمين. الصورة الاجمالية التي يخرج بها القارئ عن المسلمين لا بد أن تكون قبيحة للغاية، ومن مختلف الجوانب والزوايا. لا بأس، بل قد يكون من اللازم، ذكر صفة أو صفتين ايجابيتين، أي لمصلحة الإسلام والمسلمين، حتى يمكن أن يقول القارئ لنفسه: إن الكاتب محايد على رغم كل شيء، إذا وجد شيئاً طيباً ذكره. لكن مشكلته فقط هي أنه لا يجد الكثير من الأشياء الطيبة التي يمكن ذكرها عن الإسلام والمسلمين.

على أي حال، هذه الصفة الايجابية، إذا ذُكرت، يجب أن تُذكر عرضاً وبسرعة وبشكل يجعل التأكيد على السلبيات قوياً وظاهراً، فلا يبقى إلا الانطباع السلبي في النهاية.

هذا المبدأ يتبعه برنارد لويس من أول صفحة في الكتاب إلى آخر صفحة، بل ابتداء من العنوان الفرعي للكتاب حرب مقدسة وإرهاب غير مقدس. ثم يدخل المؤلف في الموضوع مباشرة. مشكلة المسلمين تنبع، حسب كلام المؤلف، من موقفهم من التاريخ، إذ بينما يعيش سائر شعوب العالم عدا المسلمين، في الحاضر، وينظرون إلى المستقبل، يعيش المسلمون في الماضي. عندما يشير الأميركيون إلى واقعة ما بقولهم هذا تاريخ، فإنهم في العادة يقصدون بهذا أنها غير مهمة ويجب اهمالها. أما المسلمون، فعكس هذا بالضبط، ما حدث في الماضي أهم مما يحدث في الحاضر، ولا يجوز نسيانه، ويجب الاقتداء به، كذلك في ما يتعلق بـالشعور القومي. المسلمون لا ينظرون إلى الأمة الواحدة على أنها كيان يتكون من أديان عدة، بل يرون الدين على أنه ينقسم إلى أمم عدة. ترتب على ذلك أن نظرة المسلم إلى غير المسلمين هي أنهم كفار، وطريقة التعامل معهم هي الجهاد، أي محاربتهم حتى يتحولوا إلى مسلمين، ومن ثم فالبلاد التي يسكنها غير المسلمين هي في نظر المسلمين دار حرب، وعلى رأس البلاد التي يجب على المسلمين الجهاد ضدها هي الولايات المتحدة.

هكذا يلخص برنارد لويس أربعة عشر قرناً من التاريخ بمنتهى البساطة. فلا يميز بين المسلمين المعاصرين والمسلمين في عصر الفتوحات الإسلامية، عندما كانوا يحاربون لنشر الدين، ولا يبين المواقف الإسلامية المختلفة في الجهاد باختلاف الفقهاء والأزمنة، ولا يميّز بين مواقف الدول الإسلامية بعضها عن البعض الآخر أو بين مواقف الدولة الإسلامية نفسها اتجاه دولة صديقة أو عدوة، سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة. فالجميع في نظر المسلمين، بهذا يوحي كلام برنارد لويس، كفار، وبلادهم جميعاً دار حرب، في أي زمان ومكان، منذ ظهور الإسلام. ويشطب برنارد لويس، عندما يتكلم عن القومية عند المسلمين، على أكثر من مئة عام من تطور الشعور القومي في البلاد الإسلامية، وما نشأ عن الاستعمار من شعور بالانتماء إلى دولة تطمح إلى الاستقلال، بصرف النظر عما يحدث في البلاد الإسلامية الأخرى، خصوصاً عندما تكون الدول الإسلامية المختلفة تخضع لقوى استعمارية مختلفة. المسلمون لا يفكرون إلا في الدين ولا يريدون إلا استعادة التاريخ، هذا هو المعنى الذي يتركه كلام لويس في ذهن القارئ، وهما أمران لا بد أن يؤديا إلى ضيق الأفق، والتعصب، ومعاداة الجميع ما داموا غير مسلمين.

كنا نشكو في الماضي من أن فكرة كثير من الغربيين عنا، خصوصاً الأميركيين، لا تزيد كثيراً عن صورة للأهرام وسط الصحراء، وبجوارها بعض أشجار النخيل وجمل أو جملان. ونحاول أن نقنع من نراه منهم بأن في بلادنا أشياء أخرى كثيرة غير هذا، واننا قطعنا في مضمار التقدم شوطاً أكبر بكثير مما يُظن، وأن لدينا متعلمين ومثقفين كثيرين يجيدون اللغات الأجنبية، ويعرفون عن اعلام الفكر الغربي أكثر بكثير مما يعرف خريجو الجامعات الغربية. ولكن ها نحن الآن نواجه في بداية القرن الواحد العشرين من يقول للأميركيين عنا اننا قوم لا نعرف إلا الماضي، وأن الماضي عندنا يتلخص في كلمة واحدة هي الإسلام، واننا لا نميز بين صديق وعدو، فالجميع كفّار.

ما الذي يمكن أن يتوقعه القارئ الأميركي من قوم كهؤلاء، من حيث موقفهم من الديموقراطية مثلاً؟ انهم قد يطالبون بالديموقراطية ويشكون من غيابها، ولكنهم لا يريدونها إلا ريثما يقيمون حكومة إسلامية، وبعد هذا لا بد أن يتنكروا لها. ومن ثم يلخص برنارد لويس موقفنا من الديموقراطية بالعبارة الآتية: لكل شخص صوت واحد – بشرط أن يكون رجلاً لا امرأة – وبشرط أن يكون له صوت مرة واحدة فقط، أي ريثما يأتي الحكم الإسلامي (ص85).

وجد برنارد لويس بغيته بالطبع في ذلك التقرير الشهير عن التنمية الإنسانية العربية لسنة 2002 والذي أصدره برنامج الأمم المتحدة للانماء عن حال التنمية في البلاد العربية مع التركيز على حال التعليم ومركز المرأة ودرجة الديموقراطية، والذي صدر بعد أحداث سبتمبر بنحو تسعة شهور، ورحبت به كثير من الدوائر السياسية والإعلامية في الغرب، إذ وجدته يقدم تفسيراً معقولاً جداً لإقدام العرب والمسلمين على الإرهاب. ذلك أن هذا التقرير الغريب لم يجد بدوره من نقيصة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية إلا نسبها للعرب، وحرص أيضاً على تجاهل أي سبب خارجي لهذه النقائص، وحمّل العرب وحدهم المسؤولية عن كل فشل. وإذا كان العرب قد فشلوا كل هذا الفشل، فلا عجب أن يبحثوا عن ضحية يلقون عليها بالمسؤولية عن أخطائهم وتقصيرهم، فوجدوا في الغرب هذه الضحية السهلة وعلى الأخص أقوى دولة غربية، وهي الولايات المتحدة، فصبوا عليها جام غضبهم، وعلموا أنفسهم قيادة الطائرات ليفجروا مواقع مهمة في نيويورك وواشنطن(الحياة  27/7/2003).

المبدأ الثاني، يتعلق بالكراهية. اذ لا يكفي ان يكون هذا العدو (العربي والمسلم) حافلاً بمختلف النقائص والعيوب، بل يجب ان يحمل ايضاً قدراً كبيراً من الكراهية العمياء لأصدقائك، وعلى الأخص للأميركيين. لإثبات ذلك يبدأ الكتاب، في أولى صفحات المقدمة باقتطاف شريط فيديو نسب الى بن لادن في اعقاب احداث سبتمبر مباشرة (7 أكتوبر 2001) وتكلم فيه عما سببه الاميركيون للمسلمين من اذلال واساءة لسمعتهم لفترة تزيد على ثمانين عاماً مما يبرر بالطبع كراهيتهم الشديدة لنا.

المؤرخ الكبير برنارد لويس يقبل اذاً، ومن دون مناقشة، ما تقوله وسائل الاعلام من نسبة هذه الشرائط لبن لادن ولا يقول اي كلمة توحي بأن هذه المسألة ليست مؤكدة. فالمطلوب ليس التحقق من مصدر هذا الكلام، بل التمعن فقط في معانيه الفظيعة والملأى بالكراهية. ويستمر الكتاب في اقتطاف بيانات مماثلة، كبيان منشور في 23 فبراير 1998 في جريدة القدس العربي التي قالت انه ارسل اليها بالفاكس ويحمل توقيعات اسامة بن لادن ومن أسمتهم زعماء جماعات الجهاد في مصر وباكستان وبنغلادش. يقول هذا البيان: ان قتل الاميركيين وحلفائهم، المدنيون منهم والعسكريون، هو واجب شخصي على كل مسلم يوجد في اي بلد يستطيع فيه القيام بهذا العمل، وذلك حتى يتم تحرير المسجد الاقصى والمسجد الحرام من قبضتهم(ص-23) وغير ذلك من عبارات لا بد ان تبث في قلب القارئ الاميركي وحلفائه، الرعب من اي شيء له علاقة بالإسلام والمسلمين.

المبدأ الثالث، لا يكفي ان يكون عدوك مليئاً بالعيوب، ويحمل لك فائق الكراهية، بل لا بد ايضاً أن يكون قوياً وقادراً على الاضرار بك. فما الذي يخيف من عدو مهما كان متخلفاً وكارهاً لك، اذا كان ضعيفاً لا يستطيع ايذاءك؟ لا تكتمل الصورة اذاً إلا بأن يكون هذا العدو الجاهل والمتخلف والذي لا يترجم في السنة اكثر من 330 كتاباً، قوياً جداً وقادراً على صنع المستحيلات. فكما ان بن لادن، الذي يعيش عيشة بدائية في الكهوف والجبال، قادر على قيادة حملة منظمة ووضع خطة عبقرية، تعجز اقوى اجهزة الاستخبارات في العالم عن كشفها او منع تنفيذها، لغزو اقوى دولة في العالم، وضرب اكبر مدينة فيها، ووزارة الدفاع في عاصمتها، كذلك المسلمون بصفة عامة، على رغم جهلهم وتخلفهم، يشكلون خطراً فظيعاً يهدد العالم بأسره بالهلاك والدمار.

ان الحملة التي يقودها اسامة بن لادن ليست مجرد عملية انتقامية من الولايات المتحدة واسرائيل، بل هي بداية لاستئناف صراع الهدف منه السيطرة على العالم، وهو الصراع الذي بدأ في القرن السابع الميلادي(ص (125-126)). ويبدو ان اسامة بن لادن واتباعه، قادرون على ذلك ما لم يواجهوا بالقوة المناسبة، اذ يقول لويس انه لو ثبت ان الاصوليين على صواب في تقديراتهم وانتصروا في حربهم فإن مستقبلاً مظلماً ينتظر العالم خصوصاً ذلك الجزء من العالم الذي فيه الاسلام(ص-127). وهو يتبنى خطاب حكومات العالم الثالث الموالية للولايات المتحدة، بتضخيمه خطر الحركات الارهابية واعتبارها الخطر الاكبر الذي يهدد الاستقرار والازدهار، واتخاذ هذا الخطر ذريعة لتبرير حكمها الديكتاتوري. فيذهب لويس بدوره الى اعتبار الجماعات الاسلامية الثورية اقوى التحديات التي تواجه هذه الدول. ولكن الخطر ليس قاصراً بطبيعة الحال على هذه الدول، بل انه يهدد العالم بأسره.

المبدأ الرابع، وهو على قدر كبير من الاهمية، ان تحاول قدر الامكان ألا تظهر هذا العدو على انه مجرد حفنة قليلة من الاشخاص، او نسبة صغيرة من المسلمين. بعبارة اوضح، يجب ان تبذل كل جهدك للقضاء على اي تمييز قد يوجد في ذهن القارئ (والموجود في الحقيقة) بين المسلمين المستعدين للقيام بأعمال العنف، وغيرهم من المسلمين، او بين من يسمون بالمتطرفين والمعتدلين، او بين الاصوليين وغير الاصوليين الخ. مثل هذا التمييز يضرّ بقضيتك بالغ الضرر. فالمطلوب ان يخرج القارئ بانطباع سيئ عن المسلمين بوجه عام، حتى يمكن ضربهم بوجه عام. ولو حدث واستقر مثل هذا التمييز لدى الناس لاستدرّ منهم العطف على المدنيين او النساء والاطفال من المسلمين الذين قد يقعون ضحية القنابل او الدبابات الاميركية او الاسرائيلية، او ضحية الحصار الاقتصادي على العراق الخ. من المهم جداً اذاً تمييع الفوارق بين فئات المسلمين المختلفة، المقاتلة منها وغير المقاتلة.

كيف طبّق برنارد لويس هذا المبدأ؟ انه نادراً ما يستخدم وصف المتطرفين او الاصوليين، بل يفضل ان يتكلم عن الاسلام، او العالم الاسلامي او المسلمين او عن شعوب الاسلام او عن اعداد لا يستهان بها من المسلمين الخ حتى لا يبقى اي مجال للشك في ان الانطباع النهائي الذي سيترسب في ذهن القارئ لا يتضمن هذا التمييز بين متطرف وغير متطرف، عدواني او مسالم.

وهو يبدأ احد الفصول، وهو المعنون ظهور الارهاب بعبارة صحيحة تماماً هي: ليس كل المسلمين اصوليين، ومعظم الاصوليين ليسوا ارهابيين. ولكنه يأتي بعد ذلك مباشرة بجملة غير صحيحة بتاتاً هي ولكن معظم الارهابيين اليوم مسلمون، بل يفاخرون بأنهم مسلمون(ص-107). من السهل طبعاً على برنارد لويس ان يتبنى تعريفاً للإرهاب يجعل معظم الارهابيين اليوم مسلمين ولكن اي تعريف محايد للإرهاب يجعل نسبة الاعمال الارهابية التي ارتكبها مسلمون في العشرين او الخمسين سنة الاخيرة، نسبة ضئيلة جداً من المجموع (حتى لو استثنينا الاعمال الارهابية التي تقوم بها بعض الدول بجيوشها المنظمة أو بجهاز الشرطة فيها أو الاستخبارات). ويستمر برنارد لويس في الفقرة نفسها فيقول: ان شكوى المسلمين من لصق صفة الاسلام بالإرهاب بينما لا تلصق صفة المسيحية بالإرهابيين في ايرلندا او الباسك، شكوى مفهومة ولكن المسلمين عليهم ان يوجهوا هذه الشكوى لا نحو ناقلي الاخبار والاحداث بل الى صانعي الاحداث انفسهم (يقصد الارهابيين انفسهم). ويستمر في توضيح مقصده قائلاً: فأسامة بن لادن واتباعه في تنظيم القاعدة قد لا يمثلون الاسلام، وكثير من اقوالهم واعمالهم يتعارض تعارضاً مباشراً مع المبادئ الاساسية في الاسلام وتعالميه، ولكنهم نبعوا من داخل الحضارة الاسلامية، تماماً كما نبع هتلر والنازية من داخل البلاد المسيحية، وكل من هؤلاء واولئك لا بد ان ينظر اليهم في اطار بيئتهم الثقافية والدينية والتاريخية(ص-107).

والنتيجة؟ النتيجة انه لم يبين لماذا لا تطلق صفة المسيحية على النازية، بينما تلصق صفة الارهاب بالإسلام ولكنه رسّخ في ذهن القارئ، ان الارهابيين هم النتيجة الطبيعية للبيئة الاسلامية. هكذا في فقرة واحدة وبعبارات قليلة، جعل برنارد لويس ارتكاب بعض المسلمين لأعمال ارهابية نتيجة طبيعية للثقافة والتاريخ والديانة الاسلامية، وفي اثناء التظاهر بأنه ينبغي ان يكون جميع المسلمين ارهابيين، جعل المسلمين الارهابيين (بما فيهم بالطبع رجال ونساء المقاومة الفلسطينية) يشبهون هتلر والنازيين.

المبدأ الخامس: لا تنسَ ان للمسلمين حججاً مضادة لحججك وبعضها لا يخلو من قوة جعلت الكثيرين يشكون في سلامة موقفنا، وكسبت للمسلمين والعرب انصاراً في مختلف البلاد، بما فيها الولايات المتحدة نفسها، الى درجة ان بعض الرجال والنساء الاميركيين والاوروبيين ذهبوا الى فلسطين لشد أزر المقاومة والدفاع عنهم، بل ودفع بعضهم حياته ثمناً لهذه المؤازرة. فما هي طريقة التعامل المثلى مع هذه الحجج؟

لا تظن ان من الأفضل تجاهلها وكأنها غير موجودة، اذ سيظل البعض يعيدها ويكررها وسيضرّ هذا بموقفك. الافضل ان تذكر هذه الحجج وترد عليها، ولكن الاثر النهائي سيتوقف على طريقة عرضك لهذا الحجج وطريقتك في الرد عليها. ذلك ان من الممكن ان تعرض اقوى الحجج واقربها الى الحقيقة بطريقة شبه هزلية تثير ضحك القارئ منها، ومن ثم تنجو بنفسك من اثرها. نعم، اعرض حجج عدوك ولكن على نحو تبدو وكأنها كلام شخص أبله لا يكاد يستحق الالتفات اليه. او فلتعرض حجة عدوك، ولكن حوّلها مباشرة الى حجة ضدها، فما يقوله عن دوافعك وخططك قل مثله بالضبط عن دوافعه وخططه، فتبدو انت وهو، في اسوأ الاحوال، متساويين في سوء الخلق. ولكن من المهم في كل الاحوال الا تبدو اثناء ذلك وكأنك تناقش حججه وترد عليه، حجّة بحجّة، فهذا يسبغ عليه اهمية ليس من مصلحتك اسباغها عليه، بل اذكر حجّج عدوك على نحو عارض وضع ردودك عليها اثناء الحديث عن شيء آخر، فتمحو ما يمكن ان يكون لحججه من اثر من دون ان تبدو وكأنك تأبه له وتهتم بما يقول.

طبق برنارد لويس هذا المبدأ في كتابه الاخير، ولكنه لم ينجح دائـماً في عرضه. بل انه في بعض المواضع ذهب ابعد كثيراً مما ينبغي، ما يمكن ان يثير سخرية القارئ من المؤلف لا من المسلمين. فمثلاً اراد لويس ان يرد على النقد الشائع لسياسة الولايات المتحدة في كثير من البلاد العربية والاسلامية من انها تقدم الدعم وكل انواع الحماية والمساعدة لنظم عميلة لأميركا، تمارس البطش والقمع ضد شعوبها، وان هذا هو احد اسباب سخط الايرانيين على الولايات المتحدة واتخاذ الثورة الايرانية الاسلامية في 1979 موقعاً معادياً لأميركا. اذ كان الشاه المخلوع من هذا النوع من الحكّام. هذه الحجة من شأنها ان تؤدي ليس فقط الى ادانة الولايات المتحدة اخلاقياً وسياسياً، بل قد تؤدي الى تبرئة ذمة المسلمين من اتهامهم بأنهم غير ديموقراطيين بطبعهم، بل قد تؤدي ايضاً الى القاء المسؤولية في كثير من اوجه فشلهم، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا على الاسلام، بل على الولايات المتحدة الاميركية. فماذا كان رد برنارد لويس على هذا؟ قال انه: في السنوات التي تلت الثورة الايرانية اكتشف الايرانيون ان حكم الطغاة الاتقياء والمتدينين قد يكون على الدرجة نفسها من السوء كحكم الطغاة غير الاتقياء، بل اسوأ منه(ص-79) وهو رد مضحك اذ يذكّر المرء بحالة رجل يشكو من ان رجلاً آخر يقوم بتعذيبه افظع تعذيب، فيرد عليه الآخر الذي يقوم بتعذيبه بقوله وهل كنت سعيداً قبل ان ابدأ في تعذيبك؟.

ثم يتظاهر لويس بأنه يقبل احدى حجج المسلمين وهي ان الولايات المتحدة والدول العربية بصفة عامة تكيل بمكيالين، فتعامل المسلمين على نحو يختلف عن معاملتها لغيرهم. ولكنه يفسر ذلك بقوله ان المسلمين يتحملون من حكّامهم ويمارسون بأنفسهم من صور الاعتداء على حقوق الانسان ما لا يقبله اي شعب آخر، ومعنى هذا (على حد قوله) ان هؤلاء الناس ليست لديهم القدرة على اقامة مجتمع ديموقراطي وليس لديهم لا الاهتمام ولا القدرة على مراعاة قواعد السلوك الآدمي(ص-80).

يقول لويس ايضاً ان هناك من يذهب الى ان المسلمين ناس مهذبون ومحبون للسلام ويتحلون بالتقوى، وانما دفع بعضهم دفعاً الى ارتكاب ما ارتكبوه ما تعرضوا له من معاملة لا تطاق من جانب الغرب، وان سبب لجوئنا الى معاملتهم كأعداء هو ان لدينا حاجة نفسية الى وجود عدو يحتل المكان الذي كان يحتله الاتحاد السوفياتي (ص20 – 21).

ولكن هذا المذهب المتساهل لا يعجب لويس اذ يرى ان عدداً لا يستهان به من المسلمين ـ وليس فقط مما نسميهم اصوليين ـ معادون لنا وخطرون، ليس بسبب اننا نحتاج الى عدو، ولكن لأنهم هم يحتاجون الى عدو (ص21).

لا يرى لويس ايضاً بأساً من ان يذكر رأي بعض العرب والمسلمين من ان احداث 11 سبتمبر لم يرتكبها عرب او مسلمون، وان بعضهم يلمح الى أنها يمكن ان تكون قد رُتبت من جانب الاميركيين أنفسهم. ولكنه يعرض هذا الرأي بطريقة تثير السخرية منه على الفور، كما انه يتجنب تماماً اي ذكر للمنافع المهمة التي يمكن ان تعود على الاميركيين او الاسرائيليين (بل عادت عليهم بالفعل) من جراء هذه الاحداث. فلا يأتي بذكر النفط العراقي مثلاً او نفط وسط آسيا، أو مصالح الشركات الاميركية التي يمكن ان تستفيد من الحملات الاميركية التي تلت هذه الاحداث، او مصلحة المؤسسة العسكرية الاميركية في فرض او توسيع نفوذها، أو مصلحة الاسرائيليين في تشويه سمعة العرب والمسلمين الخ، بل يذكر فقط ان هذا الرأي يقول: أن هذا الهجوم (في 11 سبتمبر) نظمه الرئيس بوش، لتحويل الانظار عن ضآلة كمية الاصوات التي حصل عليها في انتخابات الرئاسة، وهي كمية لا تكفي لانتخاب موظف في قرية من قرى الصعيد في مصر، وان كولن باول مشترك مع الرئيس بوش في هذا الترتيب (ص121).

هكذا يبدو كل من يشكك في ان المسلمين والعرب هم الذين ارتكبوا اعمال 11 سبتمبر شخصاً اقرب الى الجنون، كما ان القارئ لا بد ان يفهم ان مثل هذا المجنون آت من مصر، والا فلماذا هذا التشبيه بقرية من قرى الصعيد؟ وهذا المجنون يعتقد ان الذي رتّب المسألة ليس هو الاستخبارات الاميركية او الاسرائيلية او هيئة مماثلة، بل هو الرئيس بوش وأبوه ووزير خارجيته!

المبدأ السادس والاخير: يتعلق بإسرائيل، ذلك انه يجب الا ننسى ان تشويه سمعة الاسلام والمسلمين، يستهدف، عدا خدمة بعض المصالح الاميركية المباشرة في البلاد الاسلامية، تحسين صورة اسرائيل لدى الرأي العام، والاميركي على وجه الخصوص، وابرازها في صورة افضل ممثل للحضارة الغربية في الشرق الاوسط، على أمل الحصول على المزيد من الدعم المادي والمعنوي لها، بما فيه الدعم العسكري، وغضّ الابصار عما ترتكبه اسرائيل من اعمال تستحق اكثر من غيرها وصف الارهابية. اذا تذكرت ذلك فمن المفيد (وهو أمر ممكن دائـماً) بث جملة اعتراضية هنا وهناك، حتى حين لا يتعلق الكلام بإسرائيل، تبرز اسرائيل في هذه الصورة الممتازة وترسخ كل الافكار التي يروج لها لمصلحة اسرائيل طوال الخمسين عاماً الماضية.

هكذا فعل برنارد لويس مرات عدة في كتابه الصغير. فالذي يشكك في ان احداث 11 سبتمبر ارتكبها عرب او مسلمون هو كالذي يشكك في الهولوكوست او محرقة اليهود على يد النازيين (ص120) واسرائيل هي واحدة من الاماكن الكثيرة في العالم التي يقف فيها العالم الاسلامي وجهاً لوجه امام العالم غير الاسلامي (ص70) اي ان كل ما يحتويه هذا الكتاب من فظائع عن المسلمين يتعرض له الاسرائيليون المساكين، وان مشكلة اسرائيل، طبقاً لهذا التصوير، ليست بالضبط مشكلة مع العرب او الفلسطينيين بسبب ما حدث من انتزاعها من الفلسطينيين دولتهم واراضيهم، ولكنها مشكلة مع المسلمين الذين ورد وصفهم بالتفصيل على هذا النحو البشع في هذا الكتاب.

ومن ثم فمشكلة اسرائيل مع هؤلاء المسلمين لا تختلف عن مشكلة الاميركيين وغير المسلمين عموماً. ولكن من حيث ان اسرائيل دولة ديموقراطية ومجتمع مفتوح فإن من السهل الحصول على اخبار ـ او تشويه الاخبار ـ عما يجري في داخلها (ص70).

والسبب الاساسي وراء هجرة اليهود الى فلسطين في الثلاثينات هو ما فعله النازيون الالمان، وعلى كل حال، فقد اتخذ الزعماء الفلسطينيون في ذلك الوقت، وكثير من الزعماء العرب، موقف الدعم والتأييد للألمان الذين ارسلوا اليهود الى فلسطين (ص72).

كما يذكر برنارد لويس ان العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة واسرائيل لم تكن الا نتيجة التغلغل السوفياتي في الشرق الاوسط، ومن ثم لا بد ان تبدو مفهومة ومعقولة في نظر الاميركيين، ولكنه لا يذكر ان هذه العلاقة الاستراتيجية ما زالت مستمرة وعلى مستوى اعلى بكثير منها في اي وقت في الماضي، بعد سنوات طويلة من سقوط الاتحاد السوفياتي، وتحول روسيا الى صديق للولايات المتحدة.

آخر جملة في الكتاب تحذّر من المستقبل المظلم الذي ينتظر العالم كله، اذا سُمح للاصوليين الاسلاميين بأن يصنعوا ما يشاؤون. وقد رأينا في الكتاب ان التفرقة بين الاصوليين وبين المسلمين بوجه عام ليست واضحة تماماً، اذاً فهذا المستقبل المظلم هو ما يجب ان يتوقعه العالم اذا تُرك المسلمون بصفة عامة من دون تأنيب. ولكن الفقرة السابقة مباشرة اكثر تفاؤلاً، اذ تتكلم عن القوى المحبة للحرية في منطقة الشرق الاوسط، والمتعاطفة مع الولايات المتحدة وتشارك الاميركيين قيمهم وتقدر نمط حياتهم. ليس من الملائم ذكر اسرائيل بالاسم هنا، ولكن الامر واضح ولا يحتاج الى بيان. ليس من السهل مساعدة هذه القوى ولكننا على الاقل يجب الا نقف عائقاً في وجهها. فاذا نجحت فانه سيكون لنا اصدقاء وحلفاء بالمعنى الحقيقي لهاتين الكلمتين وليس فقط بالمعنى الديبلوماسي (ص126).

وهكذا تجد في كتاب صغير ضد الاسلام والمسلمين اشارات متعددة تمتدح اسرائيل وتثني عليها وتدافع عنها، وتنفي اي نقد يمكن ان يوجه اليها، بل توصي بتقديم كل دعم لها، وازالة العوائق التي تقف في وجهها. وهذان هما الهدفان الرئيسيان من كتاب هذا المؤرخ الكبير برنارد لويس، وليس، كما يزعم الكتاب، فهم ازمة الاسلام. ذلك ان أزمة الاسلام الحقيقية لا علاقة لها بأي شيء جاء ذكره في هذا الكتاب، وان كان لها علاقة قوية بوجود مؤرخين وكتّاب وصحافيين من نوع برنارد لويس(الحياة  28/7/2003).

 

تقسيم مصر.. سياسة رسمية أمريكية

بقلم أحمد فوده

 في بداية ثمانينات القرن العشرين، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي بريجنسكي: إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة من الآن هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الخليجية الأولى التي حدثت بين العراق وإيران تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود سايكس- بيكو.

 بريجنسكي

بعدها قامت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون بتكليف المؤرخ الصهيوني برنارد لويس بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفتيت الدول العربية والإسلامية إلى مجموعة من الدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، والذي وافق عليه الكونجرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية عام 1983م. وبذلك أصبح هذا المشروع أحد ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية الواجبة التنفيذ في السنوات التالية.

 برنارد لويس

وقد استطاعت الولايات المتحدة نسج علاقات خاصة مع نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك جعلت منه إحدى الأدوات الأمريكية لتنفيذ هذا المخطط في كافة الدول العربية بما فيها مصر نفسها، حيث استطاع هذا النظام خلخلة أركان الدولة المصرية بطريقة لم تحدث منذ نشأتها في العصر الحديث عام 1805م. من خلال العمل على تفريغ كافة مؤسساتها من مضمونها الحقيقي ومنعها من لعب أي دور في رسم سياسات البلاد داخليا وخارجيا، فضلا عن القضاء على كافة عناصر التميز والإبداع لدى أبناء الشعب المصري ودفعهم للكفر ببلدهم والهروب الجماعي منها إلى الدول الأخرى.

كما سمح هذا النظام الفاسد بتغلغل منظمات المجتمع المدني الأمريكية والمصرية الممولة من مؤسسات أمريكية، في داخل المجتمع والدولة المصرية بشكل كبير، مكنها من البدء في تنفيذ مخطط التقسيم عبر إثارة كافة عوامل الانقسام داخل المجتمع.

وشاركت إسرائيل في تنفيذ المخطط، حيث أشار الجنرال عاموس يادلين رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي السابق الذي أكد أن أيادينا تغلغلت داخل مصر بشكل غير مسبوق خلال حكم مبارك، مشيرا إلى أن العمل تطور في مصر حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979 وأحدثنا اختراقات سياسية وأمنية واقتصادية في أكثر من موقع ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي لتوليد بيئة متصارعة دائما ومنقسمة إلي أكثر من شطر لتعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية.. ولكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسني مبارك في معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في هذا البلد.

 عاموس يادلين

ولعل الأحداث التي وقعت في مصر قبل الثورة وبعدها دليل كاف على هذا المخطط الأمريكي الصهيوني في مصر، الذي دخل مرحلة جديدة بعد الثورة مستغلا حالة الضعف غير المسبوقة التي تعيشها الدولة المصرية بفعل تأثير ثورة يناير التي أزاحت الغبار عن حقيقة انهيار كافة مؤسسات هذه الدولة فيما عدا المؤسسة العسكرية التي تحمي ما تبقى منها.

وقد لجأت الولايات المتحدة وإسرائيل إلى أدواتهما التقليدية في استغلال الظرف الراهن لدفع مخطط التقسيم إلى الأمام، خاصة وأن إمكانية نجاحه بدت كبيرة حتى أن الإدارة الأمريكية حددت العام 2015م كحد أقصى لتقسيم مصر إلى أربع دويلات، كما قالت دولت عيسى مديرة برامج الحملات الانتخابية بالمعهد الجمهوري أحد المؤسسات الأمريكية المتهمة، التي أوضحت خلال لقاء مع فضائية دريم يوم 20 ديسمبر 2011م أنها قدمت استقالتها من المعهد بعد علمها بأن التمويلات التي يتلقاها المعهد من خارج مصر كانت تأتي من الكونجرس الأمريكي نفسه لتنفيذ مُخطط إفساد الحياة السياسية في مصر والإعداد لتقسيم مصر عام 2015م، مشيرةً إلى أن هناك بعض الشخصيات التابعة للمخابرات الأمريكية كانت تأتي إلى المعهد لتتابع الأمر بشكل مباشر.

ويبدو أن الإدارة الأمريكية لجأت إلى إستراتيجية شد الأطراف في هذه المرحلة تمهيدا لتوجيه ضربة قاتلة إلى قلب الدولة المصرية، حيث لاحظنا كيف تمت إثارة مشاكل عرقية وطائفية ودينية بعد الثورة في أطراف الدولة في سيناء مع البدو وفي الصعيد مع أهالي النوبة ثم الفتن الدينية المتنقلة بين المسيحيين والمسلمين، التي وصلت إلى مستوى غير مسبوق في أحداث ماسبيرو العام الماضي، التي جاءت نتيجة مشكلة حدثت في محافظة أسوان على الأطراف، لكن الرد جاء في قلب القاهرة حينما قام بعض المسيحيين المتعصبين باستخدام السلاح ضد قوات الجيش المصري من أجل جرها إلى مشكلة أمنية مع الطائفة المسيحية لاستدعاء التدخل الأجنبي. وهو ما حدث بالفعل في تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية التي عرضت إرسال قوات أمريكية لحماية الأقليات الدينية في مصر.

حتى الآن، فشلت كل المحاولات الأمريكية الصهيونية لتنفيذ مخططاتها بتقسيم مصر بفضل يقظة المؤسسة العسكرية المصرية التي وجهت ضربة قاصمة لهذه المخططات من خلال محاكمة الأدوات الأمريكية التي تقوم بتنفيذ هذا المخطط وهي شخصيات وبعض مؤسسات المجتمع المدني.

لكن هذا لا يعني توقف هذه المخططات، خاصة بعد الثورة التي تستعد لبناء الدولة المصرية وفقا لقيم الديمقراطية والحداثة، التي سيترتب عليه عودة الدور المصري مرة أخرى إلى المنطقة والقضاء أو التقليل من النفوذ الأمريكي الإسرائيلي الذي تضخم في العقود الماضية بفعل غياب هذا الدور. وهذا يعني دخول الصراع بين الطرفين مراحل جديدة بأدوات جديدة.

حزب الحرية والعدالة 20/2/2012م

Ncs2020@hotmail.com

 

الإخوان وصلوا المالديف

د. محمد سعد أبو العزم

 أعترف بأنى لم أكن أتوقع مقابلة مواطنين من المالديف ينتمون إلى حركة “الإخوان المسلمين”، كما أعترف بأنى شعرت بالمفاجأة عندما وجدتهم جميعًا يحملون نفس الفكر والرؤية، وكأنهم جميعًا قد شربوا من نفس الكأس، التى سبقهم إليها الإخوان المسلمون فى مصر، وبالرغم من أن زيارتى للمالديف كانت زيارة عمل بحتة، ولا يوجد فيها أى ترتيبات للقاءات سياسية، ولكن شاءت الأقدار أن ألتقى برئيس حزب العدالة، ونائبه، والمكتب التنفيذى للحزب الذى تم تأسيسه فى العام 2005، وذلك بعد السماح بالتعددية السياسية، رئيس الحزب هو السيد (عمران عبد الله) وهو يتحدث اللغة العربية بطلاقة، نتيجة دراسته الجامعية فى الخليج، وكذلك الأمر بالنسبة لنائبه الدكتور (معروف حسين)، وهو واحد من أمهر الأطباء فى الدولة، يلفت انتباهك بشدة انخفاض معدل أعمار قيادات الحزب، فلا يوجد فيهم من تجاوز الأربعين عامًا.

وبالرغم من قصر عمر الحزب، إلا أنه خاض العديد من المعارك والتجارب السياسية، التى كان أبرزها المشاركة فى حكومة الرئيس السابق (محمد نشيد)، من خلال تولى وزارة الشئون الدينية عام 2009، حيث تمكن الحزب فى هذه الفترة من تغيير الكثير من المفاهيم المغلوطة، وتطوير أوضاع البلاد التى تفتقر بشدة إلى الكثير من الإمكانيات، فكان أول أنشطة الوزير (عبد المجيد عبد البارى) هو الاجتماع مع المسئولين فى وزارة التربية والتعليم، بهدف تطوير المناهج التعليمية، من خلال مناهج تواكب العصر الحديث، وتحافظ فى نفس الوقت على الهوية الإسلامية، وكذا تدريس مادة القرآن الكريم فى جميع مراحل التعليم حتى نهاية مرحلة الثانوية، ومن اللافت أيضًا أن الوزارة قامت بتطوير خطبة الجمعة إلى خطب حية تعالج القضايا المعاصرة، والمشاكل الموجودة فى المجتمع، فسمحت -لأول مرة فى تاريخ المالديف- بإلقاء خطب ارتجالية لمن لديه المقدرة على ذلك، وتسعى الوزارة لإنشاء قناة تليفزيونية هادفة، كما أنها تسعى لإنشاء بنك إسلامى، بالإضافة إلى قيامها بجمع الزكاة وتوزيعها للمستحقين، حيث زادت أموال الزكاة بنسبة 80%.

حزب العدالة كان له دور بارز فى الثورة، التى قامت فى المالديف منذ أسابيع وأسفرت عن تنحى الرئيس (محمد نشيد)، وتولى نائبه (محمد وحيد) زمام الأمور، فبعد عامين من وصول (نشيد) إلى السلطة بدأ فى إقصاء الجميع، واتخاذ قرارات منفردة بديكتاتورية شديدة، وزاد الطين بلة، قبوله بالتطبيع مع إسرائيل، والسماح بالدعم الطبى من الكيان الصهيونى، واكتملت المأساة حينما قام بإلقاء القبض على أحد أشهر القضاة المشهود لهم بالنزاهة، حيث تسببت كل هذه الأحداث فى تقديم الكثير من الوزراء استقالتهم، وكان أولهم وزير الشئون الدينية، لتبدأ الاحتجاجات فى التصاعد تدريجيًا، حيث كانت الثورة المصرية مصدر إلهام كبير لكل المالديفيين، فتم تحديد يوم 23 ديسمبر الماضى كموعد لجمعة الغضب، وفيها خرج كل الشعب للتعبير عن رغبته فى تغيير النظام، حتى تحقق لهم المراد فى النهاية، وبدأت مرحلة جديدة فى تاريخ البلاد، يواجه فيها حزب العدالة الكثير من التحديات، فهو سيشارك فى حكومة إنقاذ وطنى من خلال توليه وزارتى الإسكان والشئون الدينية، وهم يحملون العديد من الآمال والطموحات لتنمية وتطوير بلادهم، التى تحتاج الكثير.

صحيح أن لكل مجتمع خصوصيته التى ينفرد بها، وتظل علامة مميزة لشخصيته، ولكنى من دون شك سأظل أحمل الكثير من الذكريات والمشاعر الفياضة لهذا الشعب الطيب، الذى اقتربت منه فوجدته نموذجًا للبراءة، والبساطة، والحماس، فقط يحتاج لمن يأخذ بيديه وينهض به، وهى الرسالة التى أحملها على لسان كل مالديفى: “أرجوكم لا تنسونا.. فنحن نستحق أفضل من ذلك”.

المصريون 29/2/2012م

 

توابع سايكس بيكو- الألفية الثالثة لتقسيم مصر

الإعلام الغربي يروج لإحياء مشروع تقسيم مصر إلي ‏4‏ دويلات.

عمد العديد من وسائل الاعلام الغربية ـ وسايرتها في الأمر بعض وسائل الاعلام العربية والمصرية ــ إلى الترويج لإحياء الفكرة القديمة حول المخطط المشبوه لتقسيم مصر والذي يهدف من وراء المشروع الصهيو-أمريكي إلي تفتيت مصر إلي‏4‏ دويلات على النحو التالي :

الأولي: في سيناء وشرق الدلتا ويكون تحت النفود اليهودي

الثانية: مسيحية وتكون عاصمتها الإسكندرية وتمتد حتي جنوب أسيوط

الثالثة: في النوبة

الرابعة: يطلقون عليها دولة البربر وتكون عاصمتها القاهرة،

وفي وقت سابق كان يعتقد البعض ان التحذير من الانقياد وراء هذا المخطط المشبوه الذي يسعي إلي تقسيم الوطن مجرد استهلاك للمواقف لكن تحقيقات القضاء المصري كشفت عن وجود خرائط للتقسيم داخل مقر جمعية أمريكية في قضية التمويل غير المشروع لمنظمات المجتمع المدني. كما كشفت احدى الناشطات في مداخلة لها مع إحدى الفضائيات المصرية حيث قالت دولت عيسى مديرة برامج الحملات الانتخابية بالمعهد الجمهوري سابقا والحاملة للجنسية الأمريكية أنها قدمت استقالتها من المعهد بعد علمها أن التمويلات التي يتلقاها المعهد من الخارج هدفها تدريب بعض الأحزاب المولودة من رحم الحزب الوطني المنحل، على حد وصفها. وأن هذه التمويلات تُنفق لدعم الأحزاب الليبرالية وليست لدعم الأحزاب الإسلامية من إخوان وسلفيين, إذا تم تدريبهم – فانه يقابل بالرفض اذا ثبت انتمائهم فكان يتم ادخال المعلومات ليس على انتمائهم الى التيار الإسلامي بل على انهم مستقلين ، يكون تحت مُسمى “مجموعات أخري”، ولكن في الغالب لا يتم تدريب هذه الأحزاب ذات المرجعية الدينية دون ذكر أسباب. وقالت إن تمويلات المعهد كانت تأتي من “الكونجرس” الأمريكي نفسه لتنفيذ مُخطط إفساد الحياة السياسية في مصر والإعداد لتقسيم مصر عام 2015, وأن هناك بعض الشخصيات التابعة للمخابرات الأمريكية تأتي إلى المعهد وتتحدث إليها شخصياً على اعتبار أنها مواطنة أمريكية. وأضافت إن المنحة تأتي في ظاهرها إلى المنظمات الحقوقية من أجل ذوى الإعاقة أو المرأة أو الفقراء ولكنهم يريدون بها أن نقدم لهم أسماء من أجل أن نعطى “مايكل” على سبيل المثال ولا نعطى “محمد” أي يتم تقديم المساعدات للأقباط دون المسلمين. لأعمال الفتنة الطائفية واللعب على ذلك. وأشارت عيسى انه بعد تصريحاتها هذه والبلاغ الذي قدمته ضد هذا المعهد هناك خطر كبير واقع عليها وأن السبب في ذلك هو كمية المعلومات الرهيبة التي تملكها أثناء عملها بالمنظمة وباعتبارها مواطنة أمريكية، وهو ما جعلهم يثقون بها ونسوا أنها مصرية الأصل على حد تعبيرها.

وتعود فكرة هذا المخطط المشبوه في الأساس إلي المستشرق البريطاني الأصل يهودي الديانة برنارد لويس صاحب فكرة أخطر مشروع لتفتيت العالم العربي والإسلامي من باكستان إلي المغرب, والذي نشرته مجلة وزارة الدفاع الأمريكية والذي استعرضناه في حلقة سابقة .

وعن تفاصيل المشروع الصهيو-أمريكي لتفتيت العالم الإسلامي لـبرنارد لويس الذي يقضي إلى تقسيم مصر إلي4 دويلات اولاها: سيناء وشرق الدلتا تحت النفوذ اليهودي ليتحقق حلم اليهود من النيل إلي الفرات, والدولة النصرانية وعاصمتها الإسكندرية, وممتدة من جنوب بني سويف حتي جنوب أسيوط واتسعت غربا لتضم الفيوم وتمتد في خط صحراوي عبر وادي النطرون ليربط هذه المنطقة بالإسكندرية وقد اتسعت لتضم أيضا جزءا من المنطقة الساحلية الممتدة حتي مرسى مطروح, ودولة النوبة المتكاملة مع الأراضي الشمالية السودانية وتكون عاصمتها أسوان, وتربط الجزء الجنوبي الممتد من صعيد مصر حتي شمال السودان باسم بلاد النوبة بمنطقة الصحراء الكبرى لتلتحم مع دولة البربر التي سوف تمتد من جنوب المغرب حتي البحر الأحمر ومصر الإسلامية وعاصمتها القاهرة , وتضم الجزء المتبقي من مصر ويراد لها ان تكون أيضا تحت النفود الإسرائيلي حيث تدخل في نطاق إسرائيل الكبرى التي يطمع اليهود في شأنها.

وفي مقال نشرته صحيفة “جلاسكو هيرالد” الاسكتلندية حذر أحد الباحثين المهتمين بشؤون الشرق الأوسط مصر والعرب من مؤامرة بعيدة المدى نسجت خيوطها داخل وكالة الاستخبارات الأمريكية (cia) ووزارة الدفاع (البنتاجون) تهدف إلى حصار مصر ثم التهامها عسكريًا. وقال الباحث إن الولايات المتحدة بدأت تنفيذ المخططً منذ ثلاثة أعوام من خلال سعيها لاحتلال إقليم دارفور (غربي السودان) دوليًا وعسكريًا عبر نشر قوات أمريكية بريطانية مدعومة بقوات
من الأمم المتحدة حليفة لواشنطن مشيراً إلى أن هذا المخطط يستهدف تحويل إقليم دارفور إلى قاعدة عسكرية أمريكية تنتشر بها صواريخ بعيدة ومتوسطة المدى موجهة ناحية مصر ودول الشمال الأفريقي ومنطقة الخليج وإيران.

ويؤكد ما ذكره الباحث الاسكتلندي مقال آخر كتبه العميد رالف بيترز في مجلة القوة العسكرية الأمريكية عام 2006 بعنوان “حدود الدم” حدد فيه ملامح خريطة شرق أوسطية جديدة حيث يفترض التقرير أن الحدود بين دول المنطقة غير مكتملة وغير نهائية خصوصا في قارة إفريقيا التي تكبدت ملايين القتلى وبقيت حدودها الدولية بدون تغيير وكذلك الشرق الأوسط الملتهب حيث شكلت الحدود أثناء الاحتلال الفرنسي والبريطاني لهذه الدول في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وقد تم تبرير التقسيم المخطط له بسبب عدم إدراكهم لخطورة تقسيم القوميات على جانبي الحدود (وفق ما توصل اليه الكاتب من استنتاجات) وإن كان التقسيم كما يعلم الجميع تخطيطا متعمدا لضمان نشوب الصراعات بين الدول مستقبلا وهو ما حدث حيث فشلت الدول الأفريقية الحديثة في نزع فتيل الحرب بين بعضها البعض واستنزفت في ذلك مواردها القليلة وفى النهاية عادت إلى الدول الأوربية التي كانت تحتلها من قبل لفرض النظام والأمن وهو ما يعنى مجددا احتلالا بصورة مقنعة..

(ويرى كاتب المقال أن القومية الخالصة يمكن أن تجد مبررا لتغيير الحدود لتشكيل كيان سياسي مستقل لها بما يؤدي لتفتيت كل دولة حالية لعدة دويلات علي أسس عرقية أو طائفية أو إثنية. ولهذا أعدت الأجهزة الأمريكية الخرائط على أساس الواقع الديموغرافي للدين والقومية والمذهبية ويرى الكاتب إنه لكي يتم إعادة ما اسماه بتصحيح الحدود الدولية فإن ذلك يتطلب توافقا لإرادات الشعوب ولأن هذا من الصعب تحقيقه فلابد من سفك الدماء للوصول إلى هذه الغاية.)

وأن الولايات المتحدة تهدف من ضغوطها الحالية على المجتمع الدولي وخاصة الدول الحليفة لها مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا لتكثيف الضغوط على الحكومة السودانية لنشر قوات دولية بالإقليم، على أن يتم لاحقًا نشر قوات يتخذون من الإقليم قاعدة عسكرية. ويهدف المخطط الأمريكي أيضا عبر إثارة الفوضى في مناطق الحكم الذاتي في فلسطين والضغط على محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، حتى يعلن أنه بحاجة لنشر قوات دولية بقطاع غزة الموازي للحدود المصرية بهدف حماية السلطة الشرعية من حركة حماس، بقاعدة عسكرية جديدة لتطويق الدولة المصرية التي يعتبرها الأمريكيون الدولة العربية التي يجب الحذر منها تحسبًا لأي طارئ يحدث في العلاقات المصرية الأمريكية أو المصرية الإسرائيلية.

(وأكد الباحث أن الولايات المتحدة قدرت سبعة أعوام لتنفيذ مخططها ينتهى عام 2015 مشيراً إلى أن واشنطن تسعى منذ فترة إلى افتعال أزمات سياسية ودينية وعرقية داخل مصر بما يؤدي إلى انقسام الشعب المصري ويجعل النظام عرضة لانتقاد المجتمع الدولي وفرض عقوبات عليه ومن ثم التمهيد لاحتلالها عسكريا بعد التدخل في شؤونها الداخلية عبر بعض الطوائف أو منظمات المجتمع المدني أو الشخصيات المثيرة للجدل التي تعمل على تفكيك المجتمع المصري وفق خطة كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية (آنذاك) لفرض الديمقراطية على الطريقة الأمريكية عن طريق الفوضى الخلاقة!!..

(ولفت الباحث الانتباه إلي أن امريكا أعدت بالفعل مخطط التقسيم وتعمل على تنفيذه منذ فترة بإثارة الفتن بين المسلمين والمسيحيين وتشجيع المسيحيين على تصعيد حملتهم وهجومهم على النظام المصري في الداخل والخارج بل تشجيعهم على المطالبة بتكوين دولة مسيحية جنوبي وغربي مصر حتى وإن نفى المسيحيون ذلك فلقد نشرت المواقع الأمريكية خرائط تؤكد هذا التقسيم وتكشف دور بعض المسيحيين وأقباط المهجر ومنظمات المجتمع المدني في تنفيذ تلك المؤامرة الخطيرة.

وعودة إلي تقسيم خريطة مصر التي بدأت تتداول مرة أخري, وما أسفرت عنه أخيرا عمليات التفتيش لمقار جمعيات المجتمع المدني وضبط لتقسيم مصر داخل مقر جمعية أمريكية الأمر الذي يؤكد وجود هذا المخطط المشبوه,

ومن البديهي أن تقسيم دولة في حجم مصر لا يمكن تنفيذه بشكل فوري ومباشر ولكن يتم تنفيذه على خطوات على مدى سنوات وسنوات وقد يمتد إلى مئات السنين حسب حجم المقاومة والممانعة لهذا التقسيم , ومئات السنين إن كانت كثيرة جدا بالنسبة لعمر الأفراد فإنها تكاد لا تذكر بالنسبة لعمر الأمم والشعوب. إحداث فرز طائفي لأول مرة في تاريخ مصر من المعلوم أن أهم مانع ضد التقسيم هو عدم وجود فرز طائفي للسكان في البلد بمعنى عدم وجود قطاع مساحي معين للمسلمين السنة وأخر للشيعة وثالث للأكراد كما في العراق أو عدم وجود قطاع مساحي معين للمسلمين وأخر للمسيحيين كما في لبنان . والحمد لله فإن مصر لا تعاني من هذا الفرز الطائفي حتي الآن. ـ وقد سعى بالفعل منذ أيام بعض السذج من المصريين بأعمال عقوبة التهجير القسري على بعض عائلات مسيحية في الاسكندرية ـ وهم غافلون عن المخطط الذي يزرع هذه الفتنة بالتهجير الجماعي لعائلات من ابناء طائفة معينة ، أو دين معين ، ولكن وللأسف الشديد وتحت صمت المثقفين والكتاب وأحيانا بتأييد بعضهم تم وضع البذرة الأولي للفرز السكاني علي أساس ديني وعرقي. كيف هذا؟ إن تمدد بعض الأديرة في الصحراء إلي مئات الأفدنة يمثل اللبنة الأولي لهذا الفرز فما المانع أن تتحول تدريجيا ولو بعد مائة أو خمسمائة عام إلي مدن يهاجر إليها المسيحيون ويتكون بذلك لأول مرة في تاريخ مصر فرز طائفي للسكان علي أساس الدين . تخيلوا معي هجرة فرد واحد يوميا من الآن إلي هذه الأديرة . فما هو الموقف بعد 100 أو 500 عام. قد يقول قائل إنني أتتبع شكوكا لا دليل عليها.. وليكن فعندما يتعلق الأمر بوحدة شعب وأرض مصر فإن الاحتياط من الشكوك والظنون واجب وحتمي وقطع بذرة الشر أهون من مواجهتها عندما تصبح شجرة ذات جذور. كما يوجد أيضا فريق بين النوبيين يسعون إلي إحداث فرز طائفي آخر.

ولعل هذه المعلومات تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن التربص بمصر كان منذ سنوات مضت وهناك أياد خارجية بالفعل تستغل أحداث العنف التي اعقبت الثورة لإسقاط مصر وتحقيق هذا المخطط وإحياء فكرة تقسيم مصر من جديد والدليل علي ذلك ما كشفت عنه جهات التحقيق بوجود خرائط لتقسيم مصر في إحدى الجمعيات الأمريكية في مصر, وهي الفكرة التي سبق الحديث عنها في وسائل الإعلام الأجنبية وعقد بشأنها بعض الندوات بالخارج وكانت تتحدث عن إمكانية الوصول إلي نهاية التفاعلات السياسية في منطقة الشرق الأوسط ومصر بالتحديد لتصل في النهاية إلي تقسيم أكبر دولة في المنطقة إلي دويلات صغيرة لا يمكن لها أن تقف أمام التكتلات العالمية الحالية,

على أن خطة تقسيم مصر هذه والتي يتم تداولها الان قام بنشرها الدكتور حامد ربيع الاستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في صحيفة الوفد في الثمانينيات في سلسلة مقالات بعنوان (مصر والحرب القادمة) كما نشرها الدكتور محمد عمارة نقلا عن مجلة يصدرها البنتاجون تم الاشارة اليها انفا ، في كتابه (المسألة القبطية حقائق وأوهام) ومفاد هذا الكلام تقسيم مصر الى ثلاث دويلات : كما هو متداول الان على شبكات التواصل الاجتماعي وبعض الصحف ووسائل الإعلام الأخرى :

*  دويلة إسلامية: تشمل مصر الاسلامية والتي تضم المنطقة من ترعة الاسماعيلية والدلتا حتى حدودها على الدويلة القبطية غربا ودويلة النوبة جنوبا.

*  دويلة قبطية: ممتدة من جنوب بني سويف في جنوب اسيوط بامتداد غربي يضم الفيوم وبخط صحراوي طويل يربط هذه المنطقة بالإسكندرية التي يعتبرها هذا المخطط عاصمة للدويلة القبطية.

*  دويلة النوبة: الممتدة من صعيد مصر حتى دنقلة من شمال السودان وعاصمتها اسوان.

*  دويلة يهودية: وعند هذا الحد يصبح طبيعيا ان يمتد النفوذ الاسرائيلي عبر سيناء ليستوعب شرق الدلتا بحيث تتقلص حدود مصر تماما من الجهة الشرقية ليصير فرع دمياط وترعة الاسماعيلية حدها الشرقي وتحقق الغاية الاسرائيلية النهاية «من النيل الى الفرات».

ولعلي من هنا أدعو العقلاء من المصريين الى التصدي الى هذا الخطر الذي يدفعنا اليه البعض من ابناء مصر ..عمالة وعمدا ، او غفلة وغباء ..

واللهم لا تؤخذنا بما يفعل السفاء منا ..

المصريون 29/2/2012م

 

سيناء كامب ديفيد ـ أرقام وحقائق

محمد سيف الدولة

فضحت الجريمة التي ارتكبها العدو الصهيوني على حدودنا الشرقية، عمق أزمة سيادتنا الوطنية في سيناء الحبيبة، مما فجر حالة غضب شعبي غير مسبوقة، وخلق توافقاً وطنياً نادراً على ضرورة الغاء كامب ديفيد أو تعديلها على اضعف الايمان.

وهو ما يستدعي ان نتسلح جميعا بالمعرفة الدقيقة بحقيقة ما فعلته المعاهدة المشؤومة بسيناء، حتى لا نمل ولا نكل الى ان نحرر مصر منها ومن قيودها.

وهو ما سنتناوله بالتفصيل في هذه الدراسة، عبر محورين اساسيين: الاول هو التدابير الامنية الواردة في الاتفاقية والثاني هو القوات الاجنبية الموجودة  في سيناء.

اولا – التدابير الامنية:

وهي ما ورد في الملحق الاول من الاتفاقية (الملحق الأمني)، ولقد وردت به القيود الاتية على حجم وتوزيع القوات المصرية في سيناء:

*  تم لأول مرة تحديد خطين حدوديين دوليين بين مصر وفلسطين، وليس خطا واحدا، الاول يمثل الحدود السياسية الدولية المعروفة وهو الخط الواصل بين مدينتي رفح وطابا، اما خط الحدود الدولي الثاني فهو الخط العسكري او الأمني وهو الخط الواقع على بعد 58 كم شرق قناة السويس والمسمى بالخط (أ).

*  ولقد قسمت سيناء من الناحية الامنية الى ثلاثة شرائح طولية سميت من الغرب الى الشرق بالمناطق (ا) و (ب) و (ج).

*  اما  المنطقة (أ) فهي المنطقة المحصورة بين قناة السويس والخط (أ) المذكور عاليه بعرض 58 كم، وفيها سمح لمصر بفرقة مشاة ميكانيكية واحدة تتكون من 22 الف جندي مشاة مصري مع تسليح يقتصر على 230 دبابة و126 مدفع ميداني و126 مدفع مضاد للطائرات عيار 37مم و480 مركبة.

*  ثم المنطقة (ب) وعرضها 109 كم الواقعة شرق المنطقة (أ) وتقتصر على 4000 جندي من سلاح حرس الحدود مع اسلحة خفيفة.

*  ثم المنطقة (ج) وعرضها 33 كم وتنحصر بين الحدود الدولية من الشرق والمنطقة  (ب) من الغرب و لا يسمح فيها بأي تواجد للقوات المسلحة المصرية وتقتصر على قوات من الشرطة (البوليس).

*  ويحظر انشاء أي مطارات او موانئ عسكرية في كل سيناء.

*  في مقابل هذه التدابير في مصر قيدت الاتفاقية اسرائيل فقط في المنطقة (د) التي تقع غرب الحدود الدولية وعرضها 4 كم فقط، وحدد فيها عدد القوات بـ 4000 جندي.

*  وللتقييم والمقارنة، بلغ حجم القوات المصرية التي كانت  الموجودة شرق القناة على ارض سيناء  في يوم 28 اكتوبر1973 بعد التوقف الفعلي للإطلاق النار، حوالي 80 الف جندي مصري واكثر من الف دبابة.

*  ولكن الرئيس الراحل انور السادات وافق على سحبها جميعا واعادتها  الى غرب القناة ما عدا 7000 جندي وثلاثون دبابة، وذلك في اتفاق فض الاشتباك الاول الموقع في 18 يناير 1974.

*  ان مراجعة خطة العدوان الإسرائيلي على سيناء في حربي 1956 و1967، تثير القلق فيما اذا كانت الترتيبات الحالية قادرة على رد عدوان مماثل لا قدر الله.

*  وللتذكرة فلقد تم العدوان الإسرائيلي عام 1967  على اربعة محاور:

     1- محور رفح، العريش، القنطرة.

     2- محور العوجة، ابو عجيلة، الاسماعيلية.

     3- محور الكنتلا، نخل، السويس.

     4- محور ايلات، دهب، شرم الشيخ جنوبا ثم الطور، ابو زنيمة شمالا ليلتقي مع هجوم المحور الثالث القادم من راس سدر.

*  وتجدر الاشارة الى ان المنطقة المسلحة الوحيدة (أ) تنتهي قبل ممرات الجدى ومتلا والخاتمية التي تمثل خط الدفاع الرئيسي عن سيناء .

*  سبق للرئيس السادات ان رفض هذا الوضع، اذ انه صرح  في 19 مارس 1974 “آن الحديث الدائر في اسرائيل عن نزع سلاح سيناء يجب آن يتوقف،  فاذا كانوا يريدون نزع سلاح سيناء فسوف اطالب بنزع سلاح اسرائيل كلها، كيف انزع سلاح سيناء.. انهم يستطيعون بذلك العودة في وقت يريدون خلال ساعات”

ثانيا – القوات الاجنبية في سيناء:

وهي القوات متعددة الجنسية MFO  او ذو”القبعات البرتقالية” كما يطلق عليها للتمييز بينها وبين قوات الامم المتحدة ذو “القبعات الزرقاء”. ويهمنا هنا التأكيد على الاتي:

*  نجحت امريكا واسرائيل في استبدال الدور الرقابي للأمم المتحدة المنصوص عليه في المعاهدة، بقوات متعددة الجنسية، وقع بشأنها بروتوكول بين مصر واسرائيل في 3 اغسطس 1981.

*  تتشكل القوة من 11 دولة ولكن تحت قيادة مدنية امريكية.

*  ولا يجوز لمصر بنص المعاهدة ان تطالب بانسحاب هذه القوات من اراضيها الا بعد الموافقة الجماعية للأعضاء الدائمين بمجلس الامن.

*  وتقوم القوة بمراقبة مصر، اما اسرائيل فتتم مراقبتها بعناصر مدنية فقط لرفضها وجود قوات اجنبية على اراضيها،  ومن هنا جاء اسمها ((القوات متعددة الجنسية والمراقبون MFO)).

*  وليس من المستبعد  ان يكون جزءا من القوات الامريكية في سيناء عناصر اسرائيلية بهويات امريكية وهمية او مزورة.

*  وفيما يلى بعض التفاصيل:

     تتحدد وظائف MFO في خمسة مهمات = (4 + 1) هي:

     1- تشغيل نقاط التفتيش ودوريات الاستطلاع ومراكز المراقبة على امتداد الحدود الدولية وعلى الخط (ب) وداخل المنطقة (ج).

     2- التحقق الدوري من تنفيذ احكام الملحق الأمني مرتين في الشهر على الاقل ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك.

     3- اجراء تحقيق اضافي خلال 48 ساعة بناء على طلب احد الاطراف.

     4- ضمان حرية الملاحة في مضيق تيران.

     5- المهمة الخامسة التي اضيفت في سبتمبر2005 هي مراقبة مدى التزام قوات حرس الحدود المصرية بالاتفاق المصري الإسرائيلي الموقع في اول سبتمبر 2005 والمعدل في 11 يوليو 2007 (ملاحظة: لم يعلن عن هذا الاتفاق ولا نعلم ما جاء به، ولقد وقع بعد سيطرة حماس على غزة).

*  مقر قيادة القوة في روما ولها مقرين اقليميين في القاهرة وتل ابيب.

*  المدير الأمريكي الحالي ديفيد ساترفيلد David M. Satterfield  ومدة خدمته أربعة سنوات بدأها في اول يوليو 2009. وقبل ذلك شغل منصب كبير مستشاري وزيرة الخارجية كونداليزا ريس للعراق ونائب رئيس البعثة الامريكية هناك، كما كان سفيرا للولايات المتحدة في لبنان.

*  وكان المدير السابق جيمس لاروكو James A. Larocco  أمريكي الجنسية ايضا وكذلك سيكون التاليين بنص البروتكول.

*  تتمركز القوات في قاعدتين عسكرتين: الاولى في الجورة في شمال سيناء بالمنطقة (ج) والثانية بين مدينة شرم الشيخ وخليج نعمة.

*  بالإضافة الى ثلاثين مركز مراقبة.

*  ومركز اضافي في جزيرة تيران الخاضعة للسعودية لمراقبة حركة الملاحة !

*  ملاحظة: (السعودية لا تعترف بإسرائيل فكيف تكون طرفا في الترتيبات الامنية لكامب ديفيد)

تكوين القوات وتوزيعها:

*  تتكون من قيادة وثلاثة كتائب مشاة لا تزيد عن 2000 جندي ودورية سواحل ووحدة مراقبة ووحدة طيران حربية ووحدات دعم واشارة.

*  الكتائب الثلاثة هي كتيبة امريكية تتمركز في قاعدة شرم الشيخ والكتيبتين الأخرتين احداهما من كولومبيا والاخرى من فيجى وتتمركزان في الجورة في الشمال وباقي القوات من باقي الدول موزعة على باقي الوحدات وفيما يلى جدول يبين عدد وتوزيع وجنسية القوات:

الدولة  طبيعة القوات عدد الافراد
 الولايات المتحدة كتيبة مشاة في شرم الشيخ
وحدة طبية ووحدة مفرقعات ومكتب القيادة المدنية
القيادة العسكرية
425
235
27
 كولومبيا كتيبة مشاة في الجورة في الشمال 358
فيجي كتبة مشاة في الجورة في الشمال 329
 المملكة المتحدة القيادة العسكرية 25
كندا القيادة العسكرية والارتباط وشئون الافراد 28
فرنسا القيادة العسكرية والطيران 15
بلغاريا الشرطة العسكرية 41
ايطاليا دورية سواحل من ثلاثة سفن لمراقبة الملاحة في المضيق وخليج العقبة 75
نيوزيلاندا دعم وتدريب واشارة 27
 النرويج القيادة العسكرية ومنها قائد القوات الحالي 6
 اورجواى النقل والهندسة 87

يلاحظ من الجدول السابق ما يلى:

*  تضطلع الولايات المتحدة بمسؤولية القيادة المدنية الدائمة للقوات كما ان لها النصيب الاكبر في عدد القوات 687 من 1678 فرد بنسبة 40 %.

*  وذلك رغم انها لاتقف على الحياد بين مصر واسرائيل، (راجع مذكرة التفاهم الامريكية الاسرائيلية الموقعة في 25 مارس 1979 والتي تعتبر احد مستندات المعاهدة).

*  وقد اختارت امريكا التمركز في القاعدة الجنوبية في شرم الشيخ للأهمية الاستراتيجية لخليج العقبة والمضايق بالنسبة لإسرائيل.

*  رغم ان جملة عدد القوات لا يتعدى 2000 فردا، الا انها كافية للاحتفاظ بالمواقع الاستراتيجية لصالح اسرائيل في حالة وقوع أي عدوان مستقبلي منها، خاصة في مواجهة قوات من الشرطة المصرية فقط في المنطقة (ج).

*  ان الوضع الخاص للقوات الامريكية في بناء الـ MFO  قد يضع مصر في مواجهة مع امريكا في ظل أي ازمة محتملة، مما سيمثل  حينئذ ضغطا اضافيا على أي قرار سياسي مصري.

*  تم استبعاد كل الدول العربية والاسلامية من المشاركة في هذه القوات.

*  ومعظم الدول الاخرى عدد قواتها محدود وتمثيلها رمزي فيما عدا كولومبيا وفيجى.

*  ان القيادة العسكرية كلها من دول حلف الناتو.

الميزانية والتمويل:

*  تقدر الميزانية السنوية الحالية للقوات بـ 65 مليون دولار أمريكي.

*  تتقاسمها كل من مصر واسرائيل.

*  بالإضافة الى تمويل اضافي من اليابان والمانيا وسويسرا.

وفي اسرائيل:

اما على الجانب الاخر في المنطقة (د) فيوجد ما يقرب من 50 مراقبا  كلهم مدنيون.

كان ما سبق هو حجم ازمة السيادة في سيناء، وهي حقائق  يعلمها جيدا كل المسؤولين والمتابعين والخبراء، ولكن تم حجبها واخفاءها عن غالبية الشعب الكريم لأكثر من ثلاثين سنة.

ولذلك فان مهمتنا الأولى الآن هي نشر هذه الحقائق بين كل الناس، فهم اصحاب الشأن والارض و المصلحة.

أما مهمتنا الثانية فهي تدارس الوسائل الممكنة للتحرر من هذه القيود، وهذا هو موضوع المقال القادم بإذن الله.

وجهة نظر 28/8/2011م