RSS

Monthly Archives: September 2011

عن اختطاف الربيع العربى

فهمي هويدي

 

إذا لم ندرك أن الربيع العربى يتعرض للاختطاف فى المرحلة الراهنة، فمعنى ذلك أننا واهمون أو مغيبون، وأننا ما قرأنا نشرات أخبار الساعة، أو قرأناها ولم نستوعب مغزاها.

 الأستاذ فهمي هويدي

(1)

فى 22 فبراير الماضى، بعد نحو عشرة أيام من تنحى الرئيس السابق،  نشر لى مقال تحت عنوان: ماذا يدبرون للثوار فى الخفاء؟ ــ وكانت الفكرة الأساسية فيه تقوم على أن الأمريكيين والإسرائيليين ظلوا طوال الثلاثين سنة السابقة يمدون جسورهم ويثبتون أقدامهم فى مصر، ويخترقون كل ما استطاعوا اختراقه من مواقع أو شرائح اجتماعية، لضمان استمرار نفوذهم والابقاء على مصر فى موقف التابع والمنكفئ. ولم يكن سرا أن تلك الترتيبات تمت تحسبا ليوم يحدث فيه أى تغيير «دراماتيكى» فى مصر، كما قيل آنذاك صراحة. وإذ استشهدت فى ذلك بما توفر لدى من وثائق، فإن السؤال الذى طرحته كان كالتالى: هل ذهب كل ذلك الجهد هباء، ومتى وكيف سيتم استثماره؟

ما لم أذكره حينذاك أن صحيفة «نيويورك تايمز» كانت قد نشرت قبل ظهور مقالى بثلاثة أيام (فى 19/2) ان المسئولين الأمريكيين كانوا واثقين فى اليوم الثامن من الشهر ذاته من أن الجيش لن يطلق النار على المتظاهرين فى مصر، وإن أولئك المسئولين قدروا الدور المهم للجيش الذى له روابطه العميقة بالجيش الأمريكى. واستوقفنى فى الكلام المنشور عبارة نسبت إلى المسئولين الأمريكيين قالوا فيها إن ثلاثين سنة من الاستثمار فى مصر كانت لها فائدتها. فيما وجهه الجنرالات الأمريكيون وضباط الاستخبارات من رسائل إلى نظرائهم المصريين عبر البريد الإلكترونى، وخلال الاتصالات الهاتفية التى أجروها معهم. وهى الخلفية التى دفعتنى إلى التساؤل فى ذلك الوقت المبكر عن أهداف هؤلاء وما يدور فى عقولهم بشأننا فى المرحلة المقبلة.

لم يكن هناك شك فى أن الأمريكيين وغيرهم فوجئوا بما حدث، وانهم سارعوا منذ اللحظات الأولى إلى الإفادة من رصيد استثمارهم فى مصر طوال الثلاثين سنة السابقة لكى يكونوا فى «الصورة» قبل الإقدام على أى خطوة. ذلك أن المفاجأة باغتتهم وكانت أقرب إلى الصدمة، التى جاءتهم من حيث لا يحتسبون.

 

(2)

أحتفظ بتقرير نشرته مجلة نيوزويك فى 12/6 عن المأزق الذى واجهته واشنطن بوجه أخص، بعدما فوجئت بتجليات «الربيع العربى» إذ أثار انتباهى فيه التركز على أن رجال المخابرات المركزية الأمريكية أقاموا خلال سنوات «مكافحة الإرهاب» علاقات وثيقة مع شخصيات رئيسية فى الجيوش وأجهزة الأمن والسياسيين فى منطقة الشرق الأوسط. وبسبب تلك العلاقات الوثيقة فإن المخابرات المركزية أصبحت أكثر اعتمادا على أجهزة الاستخبارات المحلية، خصوصا فى مصر  التى كان الرئيس السابق حليفا رئيسيا اعتمد عليه، وكان اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة هو الشخصية المحورية فى تلك العلاقة. التى بلغت ذروتها فى تسعينيات القرن الماضى. وهى الفترة التى قامت فيها المخابرات المركزية تتبع عناصر تنظيم القاعدة فى أنحاء العالم، وإرسالهم إلى مصر لاستجوابهم وانتزاع الاعترافات منهم. الأمر الذى ارتفعت وتيرته واتسعت دائرته بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001.

أضاف التقرير الذى كتبه كريستوفر ديكى إن سقوط مبارك أسقط معه اللواء عمر سليمان الذى كانت واشنطن قد رحبت به وراهنت عليه كخليفة له، ولكن خروج الأخير من ساحة المخابرات والسياسة أربك الإدارة الأمريكية لأنها لم تكن مطمئنة إلى الوضع المستجد، وغير واثقة من إمكانية نسج علاقة مخابراتية معه على النسق الذى كان سائدا فى عهد مبارك.

الصورة تكررت فى ليبيا. إذ ذكر التقرير أن المخابرات البريطانية والأمريكية صاغت فى تسعينيات القرن الماضى علاقات وثيقة مع رجل المخابرات الليبية المخضرم موسى كوسا (الذى عين لاحقا وزيرا للخارجية)، وأصبحت العلاقة أكثر قوة بعد الحادى عشر من سبتمبر. وفى ظلها تمت عملية «إعادة تأهيل» العقيد القذافى لكى يصبح أكثر قبولا وتعاونا مع الغرب. وحين قامت الثورة فى ليبيا، فإن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا قدمت الدعم الجوى للثوار. لكن «كوسا» انشق بسرعة وذهب إلى لندن. وهو ما أدى إلى حرمان الغرب من قناة الاستخبارات الليبية الأولى.

الوضع لا يقل خطورة فى اليمن ــ هكذا قال الكاتب ثم أضاف إن القيادة الأمريكية كانت قد عملت على ايفاد شبكة من المستشارين الذين قاموا ببناء وحدة خاصة لمكافحة «الإرهاب» تابعة لمنظومة الأمن المركزى فى البلاد، بقيادة ابن أخ الرئيس على عبدالله صالح. وبعد ثورة الشارع اليمنى فإن المستقبل لم يعد واضحا، لكن الثابت أن الوضع لن يستمر كما كان فى السابق.

الخلاصة التى خرج بها  الكاتب من تقريره أن الربيع العربى أفقد الإدارة الأمريكية أهم ركائزها فى المنطقة، ثم إن حالة عدم الاستقرار التى أسفر عنها باتت تشكل بيئة مناسبة لانتعاش «الجهاديين»، الذين يقصد بهم جماعات التطرف الإسلامى التى يعد تنظيم القاعدة من نماذجها، وهو ما اعتبره تهديدا قويا للمصالح والحسابات الغربية.

 

(3)

الثورة الليبية كانت فرصة القوى الغربية لاختراق الربيع العربى واختطافه، ذلك أن أجهزة الاستخبارات الغربية التى فوجئت بما حدث فى مصر وتونس قررت ألا تتكرر المفاجأة. وكان تلك خلاصة المشاورات التى تمت بين ممثلى تلك الأجهزة فى كل من الولايات المتحدة وفرنسا وإنجلترا. وحين لاحت نذر الثورة فى ليبيا فإنهم لم يضيعوا وقتا. إذ تحولت تلك المشاورات إلى اجتماعات يومية واتصالات تنسيقية على مدار الساعة. فقد كان الهدف جذابا والصيد ثمينا. إذ إن التدخل السريع فى هذه الحالة يسمح للدول الغربية أن تدخل على الخط وتصبح مباشرة فى قلب الصورة بما يسمح لها بأن تصبح شريكا فى الحدث ومن ثم طرفا مؤثرا فى مسار الربيع ومقاصده. ثم إن ثروة النفط الليبى تمثل عنصرا جاذبا ومشجعا يستحق الهرولة، بما يعيد إنتاج تجربة العراق الذى فازت الإدارة الأمريكية بالنصيب الأوفر فيه. ناهيك عن أن الموقف أفضل كثيرا فى الحالة الليبية، فقد كانت الولايات المتحدة دولة احتلال وطرفا غازيا فى العراق، لكنها مع «الحلفاء الغربيين» تحولت إلى فرقة إنقاذ استجابت لمطلب قيادة الثورة الليبية فى حماية المدنيين من بطش العقيد القذافى وقسوة نظامه. وبرحيله يتخلص الغربيون من حاكم مستبد ومتقلب لا يؤمن جانبه ولا تتوقف مغامراته وحماقاته. إضافة إلى هذا وذاك فإن عملية إعمار ليبيا وتنميتها بعد سنوات التخلف الذى فرضه العقيد على بلاده إبان حكمه، وبعد الخراب الذى تسبب فيه حينما ثار الشعب ضده، تعد هدية كبرى لشركات الإعمار الغربية لابد أن تسهم فى انتعاشها. (المؤسسات الدولية قدرت كلفة إعادة إعمار ليبيا خلال السنوات العشر المقبلة بما يتراوح بين 250 و500 بليون دولار).

هذا التحليل ليس من عندى ولكنه خلاصة لما كتبه أحد الخبراء الأمريكيين، هو فيليب زيليكاو فى مقالة نشرها له موقع صحيفة فاينانشيال تايمز (فى 22/8). وصاحبنا هذا باحث ومؤلف، كان شخصية مهمة فى مجلس الأمن القومى الأمريكى على عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الأب كما أنه كان أحد أبرز المسئولين عن أداء الحكومة الأمريكية فى أعقاب هجمات الحادى عشر من سبتمبر، وهى المقالة التى علق عليها وناقشها فى 24/8 باحث آخر هو بيل فان أوكين، وكانت فكرته الأساسية فى المقالة، التى جسدها عنوانها هى أن ليبيا فى الوقت الراهن أصبحت نموذجا لإعادة تقسيم العالم العربى التى تتطلع إليها القوى الكبرى فى الغرب.

إلى جانب التحليل سابق الذكر، فقد استوقفتنى فى المناقشة التى دارت بين الرجلين ثلاث ملاحظات هى:

● إن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة حين أدركت أن الثورتين المصرية والتونسية بلا قيادة، فإنها سارعت بكل السبل لمحاولة استثمار ذلك الفراغ لصالحها.

● إن تلك الدول فى سعيها إلى اختراق الربيع وتقسيم العالم العربى استعانت ببعض أصدقائها العرب، ممن يقودون دولا تقمع الحريات فى بلادهم، لكنهم يقدمون يد العون والمساعدة إلى الشعوب الأخرى المتطلعة إلى الحرية والديمقراطية.

● إن الجهد الغربى لن يتوقف عند ليبيا ولا حتى عند سوريا، ولكن الحبل على الجرار كما يقولون بمعنى أن الباب لا يزال مفتوحا لانطلاق انتفاضات فى ساحات أخرى مسكونة بعوامل التوتر واحتمالات الانفجار. وإذ تعلمت الأجهزة الأمنية الغربية الدرس من تجربتى مصر وتونس وعنصر المفاجأة فيهما، فإن تلك الأجهزة والقوى التى وراءها لن تكون بعيدة عن تلك الانتفاضات.

مختصر الأخبار 27/9/2011م

 
 

دراسة علمية حديثة‏:‏ هيكل سليمان أكذوبة صهيونية لهدم الأقصي

كشفت دراسة حديثة عن أن عمليات البحث عن الهيكل المزعوم ما هي إلا محاولات مدبرة رصدت لها الكثير من الأموال عن طريق منظمات صهيونية وجماعات يهودية متطرفة منذ‏1967؛ وذلك لهدم المسجد الأقصي‏ وبالتالي تفريغ القضية الفلسطينية من محتواها‏.

ومن خلال دراسة له نشرت بالدورية العلمية للاتحاد العام للآثاريين العرب تحت عنوان حقيقة الهيكل المزعوم، أكد الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بوجه بحري وسيناء ان ذلك تم عن طريق أعمال حفائر أثرية مرت بعشر مراحل باءت كلها بالفشل والمحاولات مستمرة وكل هذا جريا وراء أوهام أثرية عن وجود هيكل مزعوم أسفل المسجد الأقصي.

ولتأكيد وجود هذا الهيكل المزعوم، كما ذكرت صحيفة الاهرام المصرية، ادعوا كشف مباني يطلق عليها اسطبلات سليمان وجاءوا بعالمة الآثار البريطانية كاثلين كينيون لتؤكد صحة هذا الكشف وقامت بأعمال حفائر بالقدس وطردت من فلسطين بسبب فضحها للأساطير الإسرائيلية حول وجود آثار لهيكل سليمان أسفل المسجد الأقصي ولقد اكتشفت أن ما يسميه الإسرائيليون مبني إسطبلات سليمان ليس له علاقة بنبي الله سليمان ولا إسطبلات أصلا، بل هو نموذج معماري لقصر شائع البناء في عدة مناطق بفلسطين.

كما ادعوا عثورهم علي قطعة أثرية عبارة عن كرة من العاج لا يتجاوز حجمها أصبع الإبهام يزعمون أنها كانت توضع في أعلي صولجان استخدمه رهبان المعبد، وقد أثبت متحف إسرائيل نفسه أن هذه القطعة مزورة.

وأكد عالم الآثار الإسرائيلي مائير بن دوف أنه لا يوجد آثار لما يسمي بجبل الهيكل تحت المسجد الأقصي، وقد جاء المسلمون ولم يكن هناك أي أثر لهيكل بهذه المنطقة التي بني بها المسجد الأقصي.

كما ادعوا أن حائط البراق هو من الهيكل، وأطلقوا عليه حائط المبكي وبالاحتكام إلي عصبة الأمم عام 1929، أكدت أن حائط البراق هو جزء من المسجد الأقصي، حيث جاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق التي أوفدتها عصبة الأمم السابقة علي الأمم المتحدة “إن حق ملكية حائط المبكى ـ البراق وحق التصرف فيه وفيما جاوره من الأماكن موضع البحث في هذا التقرير هي للمسلمين لأن الحائط نفسه جزء لا يتجزأ من الحرم الشريف”، لكنها أعطت الصهاينة الحق في إقامة الصلاة في جميع الأوقات.

واضاف الدكتور عبد الرحيم ريحان-في الدراسة- أن كل التنقيبات منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين وحتي اليوم فشلت في تقديم أدلة علي وجود الهيكل المزعوم؛ وبالتالي فلا وجود للهيكل أثريا، وحتي من الناحية الدينية التي تتشدق بها الصهيونية فإن كل الدلائل تؤكد عدم وجود الهيكل، فقد ادعي اليهود أن نبي الله سليمان بني لهم هيكلا مقصودا به مكان لحفظ تابوت العهد (هو صندوق مصنوع من خشب السنط أودع به لوحي الشهادة اللذان نقشت عليهما الشريعة وتلقاها نبي الله موسي عليه السلام بسيناء، وكان بني إسرائيل يحملونه معهم أينما ذهبوا)، وأن هذا الهيكل يزخر بالرموز الوثنية، وهذا يعني أن الهيكل بني لحفظ تابوت العهد.

أخبار مصر 24/9/2011م

 
 

البلطجه فى بريطانيا

فهمى هويدي

اكتشف البريطانيون أن مجتمعهم متصدع من الداخل على نحو لم يألفوه أو يتوقعوه. وكانت أعمال الشغب التي اندلعت في شهر أغسطس الماضي عقب قتل الشرطة لأحد الشبان السود، هي اللحظة التي فتحت أعينهم على السوس الذي ينخر في عظام مجتمعهم، إذ وجدوا آلافا من الشبان البيض والملونين خرجوا إلى الشوارع معبرين عن السخط والغضب، الأمر الذي دفعهم إلى الاشتباك مع المواطنين ونهب المتاجر وسلبها، وتدمير المجتمعات المحلية. وقد بوغتت الشرطة ولم تستطع أن تتصدى لطوفان الغضب والشغب إلا بعد أن تم تعزيزها بقوات إضافية، حين زاد عددها من ستة آلاف إلى 16 ألف شرطي.

عدما أفاقوا من الصدمة التي انطلقت شرارتها الأولى من منطقة توتنهام شمال لندن التي شهدت حادث القتل، انفتح الملف وأصبحت أسئلة المشهد على كل لسان، من فعلها ولماذا وما العمل؟

ولأن الغاضبين والمشاغبين استخدموا وسائل الاتصال الاجتماعي، مثل موقعي «فيس بوك» «وتويتر» وخدمة بلاكبيري مسنجر، في ترتيب وتوسيع نطاق عملية السلب والنهب، فإن أسئلة أخرى أثيرت حول حدود وضوابط استخدام تلك الوسائل، والمصالح والمفاسد التي تنشأ جراء ذلك.

اليمينيون اعتبروا أن الفوضى التي حدثت تشكل دليلا على أن السياسات الليبرالية التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة دمرت القيم البريطانية وأنشأت مجتمعا منحطا وهشا، ومن ثم مسكونا بالنزوع إلى السخط والانفجار.

أما اليساريون فقد أرجعوا أسباب الشغب والفوضى إلى شيوع القهر والظلم والتدهور الاقتصادي، والمشاكل المرتبطة بالمخدرات وتقليص إنفاق الحكومة على مشروعات الخدمات العامة.

بكلام آخر فإن اليمينيين أرجعوا ما جرى إلى الأسباب السياسية

في حين أن اليساريين رأوا أن المشكلة تكمن في الأسباب الاقتصادية والاجتماعية.

ديفيد كاميرون رئيس الحكومة وصف أعمال الشغب بأنها «مجرد عمل إجرامي»، وتحدث عن الانهيار الأخلاقي البطيء الذي حدث في بريطانيا وعانت منه عدة أجيال خلال السنوات الأخيرة.

وقال إن منظومة القيم السائدة تعرضت للتآكل والانهيار في بريطانيا، وترتب على ذلك أن الأجيال الجديدة أصبحت تتصف بالأنانية وقلة المسؤولية.

كما أن الأطفال صاروا بلا أهل، والمدارس أصبحت تخلو من الانضباط والحزم، وأصبح هناك من يكافأ دون جهد، ومن يجرم في حق المجتمع بلا عقاب. ومن يطالب بالحقوق دون النظر إلى الواجبات، الأمر الذي أسهم في الانفلات وجعل المجتمع خارجا على السيطرة.

في حديثه عن علاج التصدع في المجتمع البريطاني عول ديفيد كاميرون كثيرا على فكرة ترميم العائلة والاحتفاظ بتماسكها باعتبارها الحاضنة الأولى للأجيال الجديدة.

وقال إن أية سياسات حكومية تضر بالعائلة ينبغي العدول عنها على الفور. ووعد بتحسين أحوال 120 ألف عائلة مضطربة، كما تعهد بشن حرب مفتوحة ضد ثقافة العصابات، وأيد الأحكام القاسية التي أصدرتها المحاكم بحق مناقشة الضالعين في حوادث الشغب.

أثناء مناقشة الموضوع، تحدث كثيرون عن البطالة، وتبين أن نسبتها ليست أفضل كثيراً من تلك الموجودة في العالم العربي، إذ تجاوزت 20% في أوساط الشباب بشكل عام، إلا أن هذه النسبة تصل إلى 50% بين السود.

كما تبين أن واحدا من بين كل خمسة شبان ممن تتراوح أعمارهم بين 19 و24 سنة لا يحظى بعمل أو تعليم أو تدريب، وأن السخط وانعدام الفرص أمام الشباب الفقراء من العوامل التي تدفعهم إلى الانضمام إلى العصابات والاشتراك في الأعمال الإجرامية ومن ثم زيادة معدلات البلطجة في الشوارع البريطانية.

الطريف أن وزير الخارجية البريطاني وليم هيج كان قد انتقد أثناء الثورة المصرية لجوء الحكومة إلى قطع الاتصالات ومنع استخدام شبكات الهاتف المحمول، لكن رئيس الحكومة ديفيد كاميرون صرح في أعقاب حوادث الشغب بأنهم سينظرون في إمكان ضبط وسائل الاتصال الاجتماعي في مثل الظروف التي وقعت، حتى لا يساء استخدامها من قبل جماعات الغاضبين. لكنه تعرض لحملة من الانتقادات جعلته يعدل عن ذلك الرأي.

الخلاصة أن المجتمعات الديمقراطية لها أسلوب آخر ومنطق مغاير تتعامل به مع حالات الانفلات أو الفوضى التي تثيرها بعض الفئات.

هم هناك يحاولون أن يفهموا أسباب الظاهرة من خلال حوار مجتمعي واسع النطاق، ويتعاملون معها من منظور اجتماعي واقتصادي بالدرجة الأولى.

لم يكتفوا بمحاسبة المتورطين حتى يأخذ القانون مجراه، وإنما حاسبوا أنفسهم أيضا ومارسوا بشجاعة نقداً ذاتياً لقيم مجتمعهم وسلبياته.

لقد أثارت اهتمامي التقارير التي نشرت عن الموضوع، ليس لأسباب معرفية فقط، ولكن لأننا نواجه ظروفا مشابهة.

وحين قارنت بيننا وجدت أنهم هناك يناقشون ويحللون، في حين أنهم عندنا يختصرون الطريق ولا يضيعون الوقت في التفكير، ويقررون الطوارئ هي الحل.

السبيل 20/9/2011م

 
 

ابن للديمقراطية لا العلمانية

فهمي هويدي

العلمانيون فى مصر احتفوا بأردوغان، وصفقوا للنموذج التركى، معتبرين أن بروز الرجل وإنجازاته وما بلغته بلاده من علو ونهضة كل ذلك من ثمرات العلمانية المطبقة هناك. وكانت الإيحاءات واضحة فى تلك الحفاوة، حيث لم يكن هدف المديح مجرد التعبير عن الإعجاب بالرجل أو بمجمل التجربة التركية، وإنما أريد به إقناع الجارة ــ المقصود أهل مصر ــ بأن العلمانية التى رفعوا شعارها هناك هى الحل. وأن بلدنا الذى يسعى الآن لتأسيس نظام جديد بعد الثورة، إذا أريد له حقا أن ينتقل من ظلمات التخلف والاستبداد إلى نور التقدم والحرية، فعليه أن يتنكب ذات الطريق، وأن يلتزم بالعلمانية، التى هى المفتاح السحرى للمستقبل المشرق.

هذه الوصفة ناقشتها من قبل، لكن أصحابها جددوا عرضها علينا أخيرا بمناسبة زيارة أردوغان لمصر، التى اصطحب فيها زوجته وابنتيه المحجبتين. وقد ابتلع العلمانيون حجابهن واحتملوه مؤقتا على الأقل، رغم أن العلمانيين الأتراك يعتبرونه انتكاسة وردَّة، وخطرا يهدد العلمانية والجمهورية.. ولأن أصحابنا عادوا إلى ترديد ذات الفكرة، فقد سمحت لنفسى أن أعود إلى تفنيدها وتبيان فسادها. فالزعم بالربط التلقائى والحتمى بين العلمانية وبين الحرية والتقدم يشكل مغالطة لا أصل لها فى علم السياسة أو تاريخ النظم السياسية. ذلك أن العلمانية التى هى بالأساس فكرة غربية برزت لكى تتحدى سلطان الكنيسة.

 ولأجل ذلك تبنت رؤية مادية للعالم المحسوس (فى اللغة الأردية يترجمون العلمانية بمصطلح الدنيوية)، بعضها ينكر الغيب ويخاصم الدين، وبعضها يضعف الغيب ويتصالح مع الدين لكنه يعزله عن المجال العام. وفى الحالتين ليست هناك علاقة حتمية أو ضرورية بينها وبين الديمقراطية. ولئن تعايشت مع الديمقراطية فى المجتمعات الغربية، إلا أنها تحولت إلى سوط للقمع والاستبداد فى بعض الأقطار العربية. والنتائج البائسة التى حققتها فى تونس وسوريا والعراق ليست بعيدة عنا. وهو ما يسوغ لنا أن نقول بأنه إذا كانت كل دولة ديمقراطية فى الغرب علمانية، إلا أنه ليس كل دولة علمانية ديمقراطية بالضرورة.

من الأمور الجديرة بالنظر فى هذا السياق أن العلمانية فى تركيا، منذ تطبيقها فى عشرينيات القرن الماضى على يد كمال أتاتورك وجماعته كانت لها مشكلة دائمة مع الديمقراطية. وان الانقلابات العسكرية الثلاثة والرابع السلمى تمت كلها باسم الدفاع عن العلمانية ضد إرهاصات التحول الديمقراطى. إلى جانب ذلك فإن محور المعركة التى يخوضها أردوغان الآن فى سعيه لإعداد دستور جديد هو كيفية تحويل تركيا إلى دولة ديمقراطية، يكون الشعب فيها هو صاحب القرار ومصدر السلطات، وليس المؤسسة العسكرية التى نصبت نفسها حارسة للعلمانية وصانعة للسياسة.

إن أى باحث نزيه لا يستطيع أن ينسب إلى العلمانية ما حققته تركيا من نهضة وعلو فى زماننا لأن إنجازاتها تنسب إلى الديمقراطية بالدرجة الأولى. وللعلم فإن العلمانية قادت أردوغان إلى السجن الذى قضى فيه أربعة أشهر بزعم المساس بها، لكن الديمقراطية هى التى أوصلته إلى رئاسة الحكومة التى فى ظلها حدثت النقلة الكبيرة لتركيا، وتحولت إلى قوة اقتصادية صاعدة وقوة سياسية لها حضورها المؤثر والفاعل فى أهم ملفات المنطقة.

لقد كنت ومازلت ضد العراك العبثى حول عنوان الدولة علمانية كانت أم إسلامية. واعتبره عبثيا لأنه يدور بين نخبة من المثقفين نصبوا أنفسهم متحدثين باسم المجتمع ويريدون أن يفرضوا عليه رؤيتهم للمستقبل. كأنما أريد لنا أن نخرج من وصاية أبوية حسنى مبارك وجماعته إلى وصاية النخبة ذات الصوت العالى. ولا أفهم لماذا لا نترك الناس لكى يختاروا بأنفسهم ما يريدون. أعنى لماذا لا نتوافق على ضرورة التركيز على البدء بالديمقراطية، من خلال إطلاق حرية التعبير وحرية تستكمل الأحزاب والنقابات المهنية والعمالية، وفتح الأبواب أمام المجتمع للمشاركة والمساءلة. وتداول السلطة.

واهمون أولئك الذين يعتبرون العلمانية ضامنة بحد ذاتها للحرية والديمقراطية فى المجتمع. وأزعم أن هذا الوهم ينسحب أيضا على الذين يهتفون طول الوقت مرددين شعار إسلامية إسلامية. ذلك أن الطرفين ينشغلان بهوية الدولة وعنوانها، ولا يلقيان بالا لقوة المجتمع أو ضعفه. ذلك أن ضعفه يمهد الطريق لتغول السلطة واستبدادها، علمانية كانت أو دينية. ولا حل لوقف ذلك التغول إلا بتعزيز حصانة المجتمع من خلال تقوية مؤسساته والتمكين لها. وأردوغان ليس ابن العلمانية، ولكنه ابن شرعى لمجتمع نضجت فيه التجربة الديمقراطية حتى أوصلته إلى ما وصل إليه.

الشروق 17/9/2011م

 
 

نلاحقهم بالكراهية واللعنة

فهمي هويدي

 لا أستطيع أن أخفي شعورا بالارتياح والسرور لأن السفير الإسرائيلي ورجاله وعائلاتهم غادروا القاهرة وعادوا إلى بلادهم. وهو ذات الشعور الذي انتابني حين علمت بأن بعض رجال الأعمال الإسرائىليين المقيمين في مصر لحقوا بهم، وأنه بعدما أصبح وجود السفارة الإسرائيلية مشكلة في وضعها الحالي، فإنهم بدأوا في البحث عن مكان آخر لها يحميهم من غضب المصريين وكراهيتهم. وينبغي أن نعترف بأن الفضل في ذلك الإنجاز يرجع إلى جموع الشبان الشجعان الذين فعلوا ما فعلوه دفاعا عن كرامة هذا الوطن ووفاء لدماء الشهداء الذين قتلهم الإسرائيليون.

ليس عندي أي دفاع عن الفوضى التي أثارها البعض في المنطقة المحيطة بمقر السفارة، ولا أتردد في القول بأن الذين تظاهروا أمام السفارة ليسوا هم الذين أحرقوا بعض السيارات أو اقتحموا بعض البيوت لنهب محتوياتها. بل يساورنى شك في أن بعض الذين ارتكبوا هذه الأعمال دفعوا إليها لكي يشوهوا صورة الهدف النبيل الذي من أجله تجمع المتظاهرون لكي يعبروا عن احتجاجهم وغضبهم.

أدري أن فلسطين لم تتحرر بإنزال العلم أو هدم السور الذي أقيم لتأمين السفارة، كما أن سيناء لاتزال مرتهنة لدى الإسرائيليين. وللعلم فإن الذين تظاهروا لم يستهدفوا شيئا من تلك الأهداف الكبيرة ولكن ما يهمني فيما جرى أن الجموع التي تظاهرت نقلت إلى الإسرائيليين رسالة مسكونة بالبغض والكراهية غيرة على كرامة المصريين التي أهدرت دماء أبنائهم التي سالت، ورفضا لسياسات الاقتلاع والإبادة التي تمارسها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بحق الفلسطينيين.

حين بعث الشبان المصريون بتلك الرسالة المدوية، فإنهم أنجزوا ما عجز عنه أو صمت عليه آخرون. (الكاتب الإسرائيلى الوق بن قارون بين تركيا ومصر فقال إن الحكومة هناك هي التي طردت السفير الإسرائىلي أما في مصر فالمتظاهرون هم الذين طردوا السفير، في حين وقفت الحكومة جانبا ــ هاآرتس 11/9). وحين أشهروا رسالة البغض والكراهية فإنهم عبروا عن المشاعر الكامنة في أعماق المصريين، بل والعرب أجمعين، التي قمعتها لسنوات عدة الأنظمة المهزومة والمتواطئة، ضمن ما قمعته من أشواق وأحلام، تعلقت كلها بالعزة والكرامة ورفض الظلم والهوان. آية ذلك أنه بعد أيام قليلة مما فعله الشبان المصريون، فإن نظراءهم في الأردن خرجوا إلى شوارع عمان مطالبين بطرد السفير الإسرائيلى هناك.

لقد اشتكى السفراء الإسرائيليون الذين تعاقبوا على مصر طوال الثلاثين عاما الماضية (منذ توقيع اتفاقية السلام فى عام 1979) من شعورهم بالعزلة الناشئة عن كراهية المصريين لهم. ذلك أن المواطن المصري العادي يعرف جيدا أن التعامل مع الإسرائيليين بمثابة نجاسة سياسية ينبغي أن ينفر منها ويتأبى عليها. وإذا كانوا قد اضطروا لكتمان ذلك الشعور في ظل النظام السابق، فإن ذلك الكتمان لم يعد له الآن ما يبرره.

وعن نفسي فإنني منذ وقعت واقعة الصلح أصبحت أرفض مصافحة يد أي عربي أعرف أنه لوث يده بمصافحة الإسرائيليين ولم يكن مضطرا إلى ذلك. ولا أريد أن أروي تفاصيل المواقف التي تعرضت لها بسبب هذا القرار، ليس فقط لأنه مما اعتبرته أضعف الإيمان لدى أي مواطن مصري أو عربي لم يفقد بعد ذاكرته أو وعيه، ولكن لأن غيري فعل أكثر مما فعلت ودفع حياته وهو يدافع عن كرامة شعبه وعزة بلاده.

الظاهرة الجديرة بالملاحظة والدراسة أن أغلب الشبان الذين تظاهروا أمام السفارة كانوا دون الثلاثين من العمر، الأمر الذي يعني أنهم ولدوا في ظل اتفاقية السلام، وقد وجدت للظاهرة أكثر من دلالة. من ذلك مثلا أنها تعني أن السلام لا يتحقق بتوقيع الاتفاقيات وانهزام الحكومات أو انكسارها. ولكنه يظل بلا معنى طالما بقيت أسباب الصراع كما هي. منها أيضا أن كراهية الإسرائيليين باتت متأصلة في أعماق المصريين وجيناتهم، يتوارثونها جيلا بعد جيل. منها كذلك أن تمثيلية التصالح مع المصريين وإقامة السلام معهم لم تنطل على أحد، لأن جرائم الإسرائيليين لم تتوقف سواء بحق الجنود المصريين أو بحق عموم الفلسطينيين. من تلك الدلالات أيضا أن محاولة حصار الوجدان المصري وفصله عن العالم العربي، وتنشئة جيل منكفئ على ذاته ومنفصل عن محيطه، منيت بالفشل الذريع.

إنني أرحب بفكرة البحث عن مقر آخر للسفارة الإسرائيلية، وسأكون سعيدا لو أنهم اختاروا ذلك المقر خارج حدود بلادنا. أما إذا كان لابد أن يكون على الأرض المصرية. فإنني أرشح لهم ــ مؤقتا ــ مقر الرئيس المخلوع حسني مبارك في شرم الشيخ، حتى يصبح زيتهم في دقيقهم كما يقال ــ لأننا نرفض الظلم والذل الذي أصبحت إسرائيل رمزا له، فينبغي أن نلاحقها بالكراهية واللعنة حتى تقوم الساعة.

العربية 15/9/2011م