RSS

نلاحقهم بالكراهية واللعنة

15 Sep

فهمي هويدي

 لا أستطيع أن أخفي شعورا بالارتياح والسرور لأن السفير الإسرائيلي ورجاله وعائلاتهم غادروا القاهرة وعادوا إلى بلادهم. وهو ذات الشعور الذي انتابني حين علمت بأن بعض رجال الأعمال الإسرائىليين المقيمين في مصر لحقوا بهم، وأنه بعدما أصبح وجود السفارة الإسرائيلية مشكلة في وضعها الحالي، فإنهم بدأوا في البحث عن مكان آخر لها يحميهم من غضب المصريين وكراهيتهم. وينبغي أن نعترف بأن الفضل في ذلك الإنجاز يرجع إلى جموع الشبان الشجعان الذين فعلوا ما فعلوه دفاعا عن كرامة هذا الوطن ووفاء لدماء الشهداء الذين قتلهم الإسرائيليون.

ليس عندي أي دفاع عن الفوضى التي أثارها البعض في المنطقة المحيطة بمقر السفارة، ولا أتردد في القول بأن الذين تظاهروا أمام السفارة ليسوا هم الذين أحرقوا بعض السيارات أو اقتحموا بعض البيوت لنهب محتوياتها. بل يساورنى شك في أن بعض الذين ارتكبوا هذه الأعمال دفعوا إليها لكي يشوهوا صورة الهدف النبيل الذي من أجله تجمع المتظاهرون لكي يعبروا عن احتجاجهم وغضبهم.

أدري أن فلسطين لم تتحرر بإنزال العلم أو هدم السور الذي أقيم لتأمين السفارة، كما أن سيناء لاتزال مرتهنة لدى الإسرائيليين. وللعلم فإن الذين تظاهروا لم يستهدفوا شيئا من تلك الأهداف الكبيرة ولكن ما يهمني فيما جرى أن الجموع التي تظاهرت نقلت إلى الإسرائيليين رسالة مسكونة بالبغض والكراهية غيرة على كرامة المصريين التي أهدرت دماء أبنائهم التي سالت، ورفضا لسياسات الاقتلاع والإبادة التي تمارسها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بحق الفلسطينيين.

حين بعث الشبان المصريون بتلك الرسالة المدوية، فإنهم أنجزوا ما عجز عنه أو صمت عليه آخرون. (الكاتب الإسرائيلى الوق بن قارون بين تركيا ومصر فقال إن الحكومة هناك هي التي طردت السفير الإسرائىلي أما في مصر فالمتظاهرون هم الذين طردوا السفير، في حين وقفت الحكومة جانبا ــ هاآرتس 11/9). وحين أشهروا رسالة البغض والكراهية فإنهم عبروا عن المشاعر الكامنة في أعماق المصريين، بل والعرب أجمعين، التي قمعتها لسنوات عدة الأنظمة المهزومة والمتواطئة، ضمن ما قمعته من أشواق وأحلام، تعلقت كلها بالعزة والكرامة ورفض الظلم والهوان. آية ذلك أنه بعد أيام قليلة مما فعله الشبان المصريون، فإن نظراءهم في الأردن خرجوا إلى شوارع عمان مطالبين بطرد السفير الإسرائيلى هناك.

لقد اشتكى السفراء الإسرائيليون الذين تعاقبوا على مصر طوال الثلاثين عاما الماضية (منذ توقيع اتفاقية السلام فى عام 1979) من شعورهم بالعزلة الناشئة عن كراهية المصريين لهم. ذلك أن المواطن المصري العادي يعرف جيدا أن التعامل مع الإسرائيليين بمثابة نجاسة سياسية ينبغي أن ينفر منها ويتأبى عليها. وإذا كانوا قد اضطروا لكتمان ذلك الشعور في ظل النظام السابق، فإن ذلك الكتمان لم يعد له الآن ما يبرره.

وعن نفسي فإنني منذ وقعت واقعة الصلح أصبحت أرفض مصافحة يد أي عربي أعرف أنه لوث يده بمصافحة الإسرائيليين ولم يكن مضطرا إلى ذلك. ولا أريد أن أروي تفاصيل المواقف التي تعرضت لها بسبب هذا القرار، ليس فقط لأنه مما اعتبرته أضعف الإيمان لدى أي مواطن مصري أو عربي لم يفقد بعد ذاكرته أو وعيه، ولكن لأن غيري فعل أكثر مما فعلت ودفع حياته وهو يدافع عن كرامة شعبه وعزة بلاده.

الظاهرة الجديرة بالملاحظة والدراسة أن أغلب الشبان الذين تظاهروا أمام السفارة كانوا دون الثلاثين من العمر، الأمر الذي يعني أنهم ولدوا في ظل اتفاقية السلام، وقد وجدت للظاهرة أكثر من دلالة. من ذلك مثلا أنها تعني أن السلام لا يتحقق بتوقيع الاتفاقيات وانهزام الحكومات أو انكسارها. ولكنه يظل بلا معنى طالما بقيت أسباب الصراع كما هي. منها أيضا أن كراهية الإسرائيليين باتت متأصلة في أعماق المصريين وجيناتهم، يتوارثونها جيلا بعد جيل. منها كذلك أن تمثيلية التصالح مع المصريين وإقامة السلام معهم لم تنطل على أحد، لأن جرائم الإسرائيليين لم تتوقف سواء بحق الجنود المصريين أو بحق عموم الفلسطينيين. من تلك الدلالات أيضا أن محاولة حصار الوجدان المصري وفصله عن العالم العربي، وتنشئة جيل منكفئ على ذاته ومنفصل عن محيطه، منيت بالفشل الذريع.

إنني أرحب بفكرة البحث عن مقر آخر للسفارة الإسرائيلية، وسأكون سعيدا لو أنهم اختاروا ذلك المقر خارج حدود بلادنا. أما إذا كان لابد أن يكون على الأرض المصرية. فإنني أرشح لهم ــ مؤقتا ــ مقر الرئيس المخلوع حسني مبارك في شرم الشيخ، حتى يصبح زيتهم في دقيقهم كما يقال ــ لأننا نرفض الظلم والذل الذي أصبحت إسرائيل رمزا له، فينبغي أن نلاحقها بالكراهية واللعنة حتى تقوم الساعة.

العربية 15/9/2011م

 
 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *