RSS

Category Archives: خواطر

بين أيام عظمتنا.. وانحطاط أمتنا

مصطفى محمد الطحان

البطانة التي يعتمد عليها الرئيس علي عبد الله صالح في حكم اليمن.

1-          علي عبدالله صالح (الأب) – رئيس الجمهورية اليمنية.

2-          أحمد علي عبدالله صالح (الابن) – قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة.

3-          يحيى محمد عبدالله صالح (ابن الاخ) – رئيس أركان الأمن المركزي.

4-          طارق محمد عبدالله صالح (ابن الاخ) – قائد الحرس الخاص.

5-          عمار محمد عبدالله صالح (ابن الاخ) – وكيل جهاز الأمن القومي.

6-          علي محسن صالح الأحمر (الاخ غير الشقيق) – قائد الفرقة الأولى.

7-          علي صالح الأحمر – قائد القوات الجوية وقائد اللواء السادس ــ طيران.

8-          توفيق صالح عبدالله صالح (ابن الاخ) – شركة التبغ والكبريت الوطنية.

9-          أحمد الكحلاني (أبو زوجة الرئيس الرابعة) – متنقل من أمين عاصمة إلى محافظة إلى وزير.. الخ.

10-     عبدالرحمن الأكوع (شقيق الزوجة الثالثة) – متنقل من وزير إلى محافظ إلى أمين عاصمة.. الخ.

11-     عمر الأرحبي (شقيق زوج الابنة) – مدير شركة النفط اليمنية.

12-     عبدالكريم إسماعيل الأرحبي (عم زوج الابنة) – نائب رئيس الوزراء وزير التخطيط، مدير الصندوق الاجتماعي للتنمية.

13-     خالد الارحبي (زوج الابنة) – مدير القصور الرئاسية.

14-     عبدالوهاب عبدالله الحجري (شقيق الزوجة الثانية) – سفير اليمن في واشنطن.

15-     خالد عبدالرحمن الاكوع (شقيق الزوجة الثالثة) – وكيل وزارة الخارجية.

16-     عبدالخالق القاضي (ابن خال الرئيس) – رئيس الخطوط الجوية اليمنية.

17-     عبدالله القاضي (نسب) – قائد لواء المجد في تعز.

18-     علي أحمد دويد (زوج الابنة) – شؤون القبائل.

19-     نعمان دويد (اخو زوج الابنة) – محافظ محافظة صنعاء وقبلها عمران – مدير مصنع اسمنت عمران لعشر سنوات.

20-  كهلان مجاهد أبو شوارب ( زوج بنت الرئيس) – محافظ عمران وزعيم جناح في حاشد ويعتمد عليه صالح لمواجهة آل الاحمر.

 ومثل اليمن ليبيا التي يقوم معمر القذافي منذ أكثر من أربعين سنة باستنزاف ثروات ليبيا.. وقد انكشف المستور أخيراً.. فعرف العالم أن أولاد القذافي (ذكوراً وإناثاً وأصهاراً ومرتزقة) هم الذين يحتكرون ثروات النفط وملياراته.. ينفقونها على أنفسهم وعلى غرائزهم.. ويضعون الكثير منها في بنوك العالم.. لوقت قد يأتي.. وقد جاء فيما يبدو.

وعلى نفس الخط سار حسني مبارك الذي نشر فضائحه الأخلاقية والمالية الصحفي (جوزيف ترنتو).. وكيف ظهر منذ عام 1979 وبعد توقيع معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل.. اسم حسني مبارك كأحد اللاعبين الرئيسيين في عمليات شحن السلاح الأمريكي لمصر، والحصول من وراء ذلك على عمولات بملايين الدولارات. وبدأت شبكة المصالح المكونة من مبارك وأبو غزالة وحسين سالم وكمال حسن علي تحقيق ملايين بل مليارات الدولارات. ورائحة هذه المليارات النفاذة تطل برأسها من بنوك سويسرا وإنكلترا وأمريكا وغيرها.. الكتاب يشير إلى أن مبارك ومجموعة الأمن المرتبطة به لعبت دوراً رئيساً في اغتيال السادات.

أما القائد الملهم حافظ الأسد وابنه بشار اللذين يحكمان سوريا منذ أكثر من أربعين سنة.. عبر سلسلة من الانقلابات العسكرية أو المدنية.. وتسلط الأقارب والمحاسيب على ثروات البلاد.. فهم مجرد نماذج مشابهة للنماذج السابقة.

هذه مجرد أمثلة.. لهؤلاء الذين يحكمون بلاد المسلمين.. فأذلوا الشعوب.. وأهدروا الثروات واغتصبوها.. ومع ذلك فهم يصرون أن تناديهم شعوبهم بالقادة التاريخيين..!!

قصة عمر بن الخطاب مع ابنه

بهذه المناسبة أحب أن أذكر حادثة حدثت مع الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

خرج عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، إلى السوق يوما في إحدى جولاته التفتيشية، فرأى إبلا سمانا تمتاز عن بقية الإبل، التي في السوق بنموها وامتلائها فسأل.. ابل من هذه؟ قالوا: هذه ابل عبدالله بن عمر فانتفض أمير المؤمنين غضبان، وقال عبدالله بن عمر؟ بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين، وأرسل في طلبه فورا، واقبل عبدالله حتى وقف بين يدي والده، وقال لابنه ما هذه الابل يا عبدالله؟ فأجاب عبدالله: إنها ابل انضاء أي هزيلة اشتريتها بمالي وبعثت بها الى الحمى أي المرعى أتاجر فيها وابتغي ما يبتغي المسلمون، فعقب عمر يعنف ابنه ويلومه، ويقول الناس حين يرونها اسقوا ابل أمير المؤمنين ارعوا ابل أمير المؤمنين وهكذا تسمن إبلك ويربو ربحك يا ابن أمير المؤمنين.. ثم صاح به: يا عبدالله بن عمر، خذ رأس مالك الذي دفعته في هذه الإبل واجعل الربح في بيت مال المسلمين.

بهذه الأخلاقيات أصبحنا أعظم أمة أخرجت للناس.. وبأخلاقيات زعماء المسلمين الحاليين أصبحنا أضحوكة للآخرين.

6/4/2011م

 

 
Leave a comment

Posted by on April 6, 2011 in خواطر

 

لماذا نكتب عن المجاهد عمر المختار؟

مصطفى محمد الطحان

بنيان أسس على التقوى

الحديث عن السيد عمر المختار.. قائد الجهاد وطليعة المجاهدين.. الذين كتبوا ملحمة الخلود وهم يتصدون للحروب الصليبية التي قادتها إيطاليا وفرنسا وبريطانيا وغيرهم من الدول الإستعمارية تحت شعار: (انتزاع الهلال وإعلاء الصليب مكانه)..

شيخ المجاهدين عمر المختار

هو حديث عن الحركة السنوسية التي أسسها السنوسي الكبير السيد محمد بن علي، حركة إسلامية صميمة، جمعت بين العبادة والعمل، وبين الدعوة لإصلاح المجتمع وإعداد الكوادر المؤهلة عقائدياً وجسمياً لتحقيق تلك الرسالة السامية. لم تشغلها التصنيفات والتسميات، فقد جمعت بين سلفية تقوم على منهج التوحيد ومنهج صوفي، مزجت بينهما في طرح جديد يأخذ بالتربية الإسلامية والتطبيق العملي لتعاليم الإسلام كأساس لبناء الشخصية المسلمة المنوط بها إصلاح المجتمع. بناء يؤسس على الفقه الذي يشحذ العقول ويعتمد على التصوف الذي يصلح الأرواح.

 السيد محمد بن علي مؤسس الحركة السنوسية

وهو حديث عن حركة إسلامية عالمية، لا انفصام فيها بين الدين والدولة، تنشر الإسلام في البلاد التي لم يبلغها.. وتدافع عن المسلمين ضد كل من يعتدي عليهم.. حدود وطنها كل أرض مسلمة يشهد سكانها شهادة الإسلام. لا أثر فيها لعصبية قوم.. أو لوطنية تقوم على جزء من بلاد المسلمين.

وهو حديث عن حركة جهاد مستمرة يقودها أبطال السنوسية حتى وصلت القيادة إلى السيد عمر المختار.. فأبدى من صنوف العزة  بالله ورسوله ما جعله ينظر إلى هؤلاء المستعمرين المعتدين نظرة استصغار واحتقار..

وأبدى من الإلتزام بالحركة التي ينتسب لها ما تصدى به لكل من حدثه من أبناء قبيلته أن يكون جهاده للأقربين من عشيرته..

جاهد في سبيل الله كل طغيان الفرنسيين والإنكليز والإيطاليين حتى أتاه اليقين.

القائد السنوسي عمر المختار

نحن نكتب عن القيادات الفكرية والسياسية والجهادية في القديم والحديث.. وهدفنا أن نضع أمام الشباب الذين يبحثون عن البطل الأقرب لهم.. والذي تمثل حياته وشخصيته النموذج الذي يبحثون عنه.. يتقمصون شخصيته ويتأسون به.. وهذه إحدى وسائل التربية التي اعتمدناها في إيجاد طليعة المستقبل.

كان رصيدنا عن عمر المختار عندما اخترناه.. مجرد أحاديث قليلة سمعناها من هنا أو هناك.. وأهمها قصيدة شوقي الذي رثاه عندما أعدمه الإيطاليون وهو في السبعين من عمره.

ولكننا عندما درسنا سيرة عمر المختار من أكثر من مصدر.. وجدناها سيرة رجل عظيم بكل معنى الكلمة.. تستحق أن ندرسها وأن نقدمها لأبنائنا الشباب. لم يكن عمر المختار مجرد بطل شجاع سقط في ميدان القتال وهو يدافع عن دينه وبلاده.. لقد كان نموذجاً فذاً متعدد جوانب العظمة..

فهو أولاً ابن الحركة السنوسية التي أسسها الشيخ محمد بن علي السنوسي.. والتي تأثرت بدعوة التوحيد التي أطلقها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في جزيرة العرب.. وتفاعلت بالإرث الصوفي الجهادي المنتشر في أفريقيا والمغرب. لقد كانت السنوسية دعوة صوفية سلفية، جمعت بين العبادة والعمل، والدعوة والتربية.

وهي من ثم حركة  متمشية مع منهج الإسلام السياسي الذي لا يعترف بالتجزئة الجغرافية أو الإقليمية.. وكان سبيلها إلى ذلك إعداد الكوادر المؤهلة عقائدياً وجسدياً.. ونشر الإسلام في البلاد التي لم تبلغها الدعوة.. ومقاومة النفوذ الأجنبي في عموم بلاد المسلمين.

لقد كان للبيئة التي عاش فيها عمر المختار.. وللزاوية التي تعلم فيها ودرج في ربوعها مع إخوانه وأساتذته السنوسيين..والحزم الذي ميز شخصيته في مواجهة مسؤولياته الجهادية وفي التصدى للغزو الأجنبي الفرنسي والبريطاني والإيطالي.. في السودان ومصر وليبيا.. ورفض كل محاولات الهيمنة والاحتواء والابتزاز والضغوط التي حاولها العدو معه.. والثقة بالنفس التي تبهر القارئ لسيرته وهو يقود سفينة الجهاد متوكلاً على الله مخلصاً لدينه.

لقد كان عمر المختار مخلصاً لعمله متفانياً في أداء واجباته، ولم يعرف عنه قط أنه أجل عمل يومه إلى غده.. لقد ظهرت صفاته القيادية والتأثير على الوسط الذي يعيش فيه منذ كان طالباً في الجغبوب.

لقد أعطته جشاشة صوته، ورصانة منطقه، وصراحة عباراته، واتزان كلامه جاذبية خاصة، ومقدرة على شد انتباه سامعيه، فكان كلامه قوياً كأنه أمير يلقي أوامر لتابعيه. كما أن بساطة عيشه وتواضعه وعدم اهتمامه بالدنيا. والمهمات الكثيرة التي كان يقوم بها قد وسع من دائرة اتصالاته مع الناس، فاكتسب حبهم وتقديرهم واحترامهم. ولقد لفتت هذه المزايا اهتمام السيد محمد المهدي قائد السنوسية فقربه منه وقال عنه: (لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم).

إن الإيمان الديني العميق هو الذي بعث في عمر المختار صفات الأمانة والشجاعة وحبه للصدق والحق ورفضه كل أنواع الظلم والقهر والاستبداد.. وهذا الإيمان هو الذي بوأه المنزلة التي بلغها عند الناس. لقد كان حريصاً على أداء الصلاة في وقتها.. وكان يختم القرآن كل سبعة أيام.

لقد كان يُرسل في مهمات إلى السودان، وإلى مصر، وفي وفود إجراء المصالحات وفض النزاع بين القبائل.. كان معروفاً بصلاته الواسعة بالأحداث القبلية وبحروبها وعلى جانب عظيم من معرفة الأنساب القبلية والارتباطات التي تصل هذه القبائل بعضها ببعض وبتقاليدها وعاداتها.

كان يعرف أنواع النباتات الصحراوية وخواصها، والأمراض التي تصيب الماشية وطريقة علاجها.. وكانت له خبرة واسعة بمسالك الصحراء وطرقها.. من برقة إلى مصر والسودان في الخارج  وإلى الجغبوب والكفرة وواحات جالو وأوجله في الداخل.

لقد شهد عمر المختار بداية الغزوة الإستعمارية لبلاد المسلمين فقد احتلت فرنسا الجزائر عام 1830 وتونس عام 1881، واحتلت بريطانيا مصر عام 1882 وامتدت منها جنوباً إلى السودان عام 1896، ثم احتلت فرنسا السودان الأوسط عام 1902.. وكان واضحاً أن الاستعمار الأوروبي كان يسعى للسيطرة على المنطقة الإسلامية في أفريقيا.. كما هي مقررات مؤتمر برلين الذي عقد عام 1884 والذي أقر مبدأ الادعاءات الاستعمارية في هذه المنطقة.

لم يكن عمر المختار سوى مجاهد مسلم يهتم بتحرير الوطن الإسلامي من كل آثار الاستعمار.. اشترك في مقاومة الإستعمار الفرنسي في السودان الشرقي والأوسط.. ومقاومة الاحتلال الإيطالي لليبيا عام 1911.. ومقاومة الاحتلال الإنكليزي في مصر.. انتصر وانهزم.. وأخيراً أسره الإيطاليون وأعدموه.. وهو في كل خطوة من خطواته وكل عمل في ملحمته، عنوان رائع لمسيرة عظيمة لبطل وقائد عظيم.

عمر المختار قبل اعدامه

إنه بنيان أسس على التقوى، أصله ثابت وفرعه في السماء.. شجرة طيبة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.         

 
Leave a comment

Posted by on March 24, 2011 in خواطر

 

الصلح بين الزوجين

مصطفى محمد الطحان 

قبل الحديث عن الخلاف بين الزوجين.. وعن التحكيم بينهما.. أحب أن أعطي مقدمة لهذا الموضوع.

مقدمة

للأسرة ركنان: الرجل والمرأة.

فكيف يختار كلاهما الشطر الآخر؟

وما هي مقاييس هذا الاختيار؟

عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما استفاد المؤمن – بعد تقوى الله عز وجل- خيراً له من زوجةٍ صالحة: إن أمرها أَطاعته، وإن نظر إِليها سَرَّته، وإن أَقسمَ عليها أَبرَّته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله)( ابن ماجه).

والنفس تميل إلى الجمال.. وتشتهي المرأة الجميلة. وحتى لا يترك الرجل لضعفه فيسقط في متاهات الجمال أو المال، بيّن له الإسلام الطريق السليم في اختيار شريكة حياته.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا فقرا، ومن تزوج امرأة لحسبها لم يزده الله إلا دناءة، ومن تزوج امرأة ليغض بها بصره، ويحصّن فرجه أو يصل رحمه، بارك الله له فيها، وبارك لها فيه)( رواه ابن حبان).

وليست هذه دعوة ضد الجمال.. فحب الجمال فطرة.. والله جميل ويحب الجمال.. والتجمل من خصائص المرأة . إنما المقصود أن لا يفتش الإنسان عن الجمال أو الحسب أو المال وحده على حساب المواصفات الأخرى.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن، فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة خرماء ذات دين أفضل)( رواه عبيد بن حميد).

فليس الزواج صفقة تجارية تُراجع فيها الأرصدة..! وليس الزواج مجرد متعة حسية، تستعرض فيها المرأة فتنتها وجمالها في ميدان العرض.. !

بل الزواج توازن بين كل هذه العوامل مع تركيز شديد على جانب الأخلاق والدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)( رواه البخاري ومسلم).

ومع ذلك يحض الإسلام كلاً من الرجل والمرأة على السواء أن يحسنا الاختيار.. وأن يدققا فيه.. فليست القضية أياماً تنقضي ويعود كل فريق إلى رحاله.. بل بقية العمر يقضياه معاً في سعادة غامرة تملأ قلوبهم وترفرف بأجنحتها على بيتهم، أو شقاء مستعر يدمر قلوبهم ويعصف بسلامهم وأمنهم. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من أصابهن فقد أُعطي خيرَ الدنيا والآخرة: قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وبدناً على البلاء صابراً، وزوجةً لا تبغيه حُوباً في نفسها وماله) (رواه الطبري بسند جيد).

ومعظم النكسات التي تصيب قلوب المتزوجين، وتنكد عليهم، وقد تعصف بهم مرجعها إلى سوء الاختيار والانبهار ببعض الجوانب على حساب الجوانب الأخرى.

فقد يتم الاختيار نتيجة إعجاب سريع بموقف معين. وقد لا يتاح للخاطب أن يرى خطيبته إلا رؤية قصيرة، لا تعطي لأي منهما الفرصة في الاختيار السليم. وقد تكون نتيجة لمواقف عاطفية عابرة أو نزوة قاصرة، تنتهي مع انقضاء النزوة أو برود العاطفة. والصحيح أن يدخل الشاب البيوت من أبوابها.. وأن ينظر إلى المرأة فيمعن النظر.. ويدقق في شكلها.. ويدرس أوضاعها..

فعندما خطب المغيرة بن شعبة امرأة، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له: (اذهب فانظر إليها، فانه أحرى أن يؤدم بينكما)( الترمذي).

ونصح الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً خطب امرأة من الأنصار، فقال له: (انظر إليها، فان في أعين الأنصار شيئا) (مسلم).

وكان جابر بن عبد الله يختبىء لمن يريد التزوج بها، ليتمكن من رؤيتها، والنظر إلى ما يدعوه إلى الاقتران بها(أبو داوود).

بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل بعض النسوة ليعرفن بعض ما يخفَى من العيوب، فيقول لها: (شميَّ فمهـا، شميَّ ابطيها، انظري إلى عرقوبيها).

وليست العناية بالمظهر فقط.. بل وبالمخبر أيضا. قال ابن الجوزي: ومن قدر على مناطقة المرأة أو مكالمتها فليفعل(صيد الخاطر – ابن الجوزي).

إلى هذه الدرجة راعى الإسلامُ هذا الأمر.. بل وهيّأ أسبابه.

هذا بالنسبة للشاب الخاطب.. وكذلك يصح مثله للشابة أن تنظر إلى ما يدعوهـا إلـى قبول خاطبهــا(المجموع شرح المهذب للشيرازي 15 : 295).

قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد) (الترمذي).

وما لم يتفهم أولياء أمور الشباب والبنات هذه السعة في دين الله، فيتيحوا لأولادهم وبناتهم، مجال الرؤية عن قرب، والحديث المتبادل.. والجلسات المحتشمة التي تسبق الاختيار، في إطار الفضيلة والأخلاق الإسلامية.. ما لم يفعلوا ذلك فلن تكون النتائج حسنة لأبنائهم الأولاد والبنات.

لقد انقضى ذلك الزمن الذي كان الأب يختار لابنه أو لابنته شريك حياته.. وينبغي أن ينقضي، للتقليل من المفاجآت والمآسي التي تدمر حياة الأسر الغضة الصغيرة.

وعلى الآباء الذين يفهمون الدين على أنه تزمتٌ ورجعية، ويؤمنون بأن الفتاة إنسان قاصر لا يخرج إلا مرة للحياة من رحم الأم ومرة للاستعباد في بيت الزوجية ومرة ثالثة للقبر.. عليهم أن يراجعوا أنفسهم، ويعيدوا تربيتها على أساس الهدي الرباني والنبوي الكريم.

إن معظم الزيجات الفاشلة.. كان سوء الاختيار من أهم أسباب فشلها. كما كان سوء تصرف الآباء من أهم أسباب سوء الاختيار.. فليتق الآباءُ اللهَ في أبنائهم وبناتهم.

ومن هنا، فقد شدّد الإسلام على ضرورة اختيار المرأة الصالحة ليكون البيت منسجما صالحا.. ويعيش الأبناء سعداء في كنفه، فلا تقع أعينهم على معصية.. أَوَ ليست المرأة الصالحة التي تبني بيتاً صالحاً.. ومجتمعا صالحا.. من أكبر النعم التي يحق للرجل أن يحمد الله عليها؟. قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة)( الترمذي).

مواصفات الزوجة الصالحة، وللزوجة الصالحة مواصفات، فهي:

تطيع زوجها

والبيت المسلم، مجتمع مصغر يقوم على: المودة والرحمة، والسكن النفسي والحسي، والمساواة من الناحية الإنسانية، قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة)( البقرة – 228).

(وهذه الدرجة مفسرة بقوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء)( النساء – 34)، فالحياة الزوجية هي حياة اجتماعية، ولا بد لكل مجتمع من رئيس، لأن المجتمعين لا بد أن تختلف آراؤهم ورغباتهم في بعض الأمور، ولا تقوم مصلحتهم إلا إذا كان لهم رئيس يرجع إلى رأيه في الخلاف، لئلا يعمل كلٌ ضد الآخر فتنفصم عروة الوحدة الجامعة ويختل النظام، والرجل أحق بالرياسة لأنه أعلم بالمصلحة وأقدر على التنفيذ بقوته وماله، ومن ثم كان هو المطالب شرعاً بحماية المرأة والنفقة عليها، وكانت هي مطالبة بطاعته في المعروف) (حقوق النساء – محمد رشيد رضا، ص- 38).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها، وحفظت فرجها، وأطاعت بعلها دخلت الجنة) (رواه أحمد).

وتسرّه إذا نظر إليها

تسرّه بجمالها، وحسن منظرها، وتأنق ملبسها، وطيب رائحتها.

وتسرّه بترتيب منزلها، وتحويل بيتها إلى سكن حقيقي يأوي إليه الرجل المكدود. فيجد فيه: الحب والحنان، والراحة والأمان.

وتسرّه بالعناية بأطفالها: مظهرهم ومخبرهم، مطعمهم ومشربهم، وبكل شيء من شأنهم.

وتسرّه بجمال أدبها، وكريم خلقها، وحسن تبعلها، وبرّها زوجها، ورعايتها له في قلبه وشعوره وماله وعرضه.

وتسرّه بالتزامها بأوامر دينها، في صلاتها وصيامها، في تصدقها وإحسانها (فالصالحـات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله)( النسـاء – 34).

من هذه النظرة المؤنسة، والسكن الودود، والرحمة والمودة، يتولد الحب الذي يشعر فيه الرجل والمرأة براحة الجسم والقلب، واستقرار الحياة  والمعاش، وأنس الأرواح والضمائر، واطمئنان الرجل للمرأة والمرأة للرجل على السواء.

قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)( الـروم – 21).

وإن أقسم عليها أبرته

وهو تأكيد لمعنى (إذا أمرها أطاعته).. أو هو درجة أعلى في الطاعة.. فطاعة الزوجة لزوجها مجلبة للهناءة والرضا، والمخالفة تولد الشحناء والبغضاء، وتوجب النفور، وتفسد عواطف المودة، وتنشىء القسوة في القلوب.

وما من امرأة نبذت طاعة زوجها إلا حل بها الشقاء ولحقها البلاء. وكلما زادت طاعة الزوجة لزوجها ازداد الحب والولاء بينهما، وتوارثه أبناؤهما، لأن الأخلاق المألوفة إذا تمكنت صارت ملكات موروثة: يأخذها البنون عن آبائهم، والبنات عن أمهاتهن(المرأة في التصور الإسلامي – عبـد المتعال محمد الجبري، ص- 93).

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا تمسهم النار: المرأة المطيعة لزوجها، والولد البار بوالديه، والعبد القاضي حق الله وحق مولاه).

وقال أيضاً: (جهاد المرأة حسن التبعّل) أي إطاعة الزوج. وعندما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النساء أفضل؟ قال عليه السلام: (التي تطيع زوجها إذا أمر، وتسره إذا نظر).

ولن يسر الرجل بمنظرها.. إذا كانت عنيدة مشاكسة عاصية متحدية!!

ومهما حسنت أخلاق الزوج أو الزوجة فلا بد من حدوث بعض الأمور التي تكدر العلاقات بين الحين والحين.. وهنا تتجلى الأخلاق.

قال أبو الأسود الدؤلي لامرأته: (إذا رأيتني غضبت فرضَّني، وإن رأيتك غضبت رضّيتك، وإلا لم نصطحب !).

وهنا يتجلى معنى: إذا أقسم الرجل على امرأته أمرا فعليها الوفاء والطاعة.. وخير النساء المبقيةُ على بعلها، المؤثرة راحته على راحة نفسها.

وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله

روى ابن جرير والبيهقي من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها، وقرأ قوله تعالى (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله)( النساء-34).

(فالغيب هنا هو ما يستحيا من إظهاره، أي: حافظات لكل ما هو خاص بأمر الزوجية الخاصة بالزوجين، فلا يُطلِعُ أحدٌ منهما على شيء مما هو خاص بالزوج.

ويدخل في قوله هذا وجوب كتمان كل ما يكون بينهن وبين أزواجهن في الخلوة ولا سيما حديث الرفث، فما بالك بحفظ العرض.

وعندي أن هذه العبارة أبلغ ما في القرآن من دقائق كنايات النزاهة، تقرؤها خرائد العذارى جهراً، ويفهمن ما تومىء إليه مما يكون سرا، وهن على بعدٍ من خطرات الخجل أن تمسّ وجدانهن الرقيق بأطراف أناملها، فلقلوبهن الأمان من تلك الخلجات، التي تدفع الدم إلى الوجنات، ناهيك بوصل حفظ الغيب (بما حفظ الله) فالانتقال السريع من ذكر ذلك الغيب الخفي، إلى ذكر الله الجلي، يصرف النفس عن التمادي في التفكير بما يكون وراء الأستار، من تلك الخفايا والأسرار، وتشغلها بمراقبته عز وجل. فالمرأة الصالحة لها من مراقبة الله تعالى وتقواه ما يجعلها محفوظةً من الخيانة، قوية على حفظ الأمانة) (حقوق النساء في الإسلام- محمد رشيد رضا، ص-49).

هذا معنى أن تنصحه في نفسها.. أما أن تنصحه بماله فمعناه أن تحفظ وتصون مال زوجها. فلا تعطي أحداً من أهلها أو من غيرهم شيئا من مال زوجها أو متاعه، إلا إذا أذن لها.. لقوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تعطي شيئا من بيته إلا بإذنه، فان فعلت ذلك كان له الأجر وعليها الوزر) (رواه البيهقي).

الصلح بين الزوجين

ولكن لماذا قدمت هذا الموضوع، بهذه المقدمة الطويلة؟ ذلك لأن حسن الاختيار، ومراعاة شروطه، وأن يتعرف الشاب على الشابة شكلاً وموضوعاً، وأن يناطقها ليتعرف على فكرها.. وحسن تقديرها للأمور.. هو الذي يقلل الخلافات أو ينهيها، فقد تعرف كل من الزوج والزوجة على الآخر، وفهم شخصيته، فيفعل ما يسره.. ويتجنب ما يسيئه.

بالرم من ذلك.. فقد تجدّ ظروف.. يجد فيها الزوج والزوجة نفسيهما مختلفين. فكيف يتم التوفيق بينهما؟

من تجاربي

أنا ‘عيش في بيئة صالحة.. ولي معارف كثيرون.. وكنت، في معظم الخلافات عند الآخرين أشارك في حلها قدر الإمكان.. وطالما انتدبت من قبل القضاء لأكون أحد الحكمين في إصلاح ذات بين الزوجين المختلفين.. وهذه التجارب أوصلتني لبعض الآراء حول الموضوع.. أذكرها هنا للفائدة.

1- في مرة التقيت مع المحكم الآخر بحضور والد الزوجة.. وعندما استمعنا لوالد الزوجة وجدناه خصماً لا يريد الصلح.. فطلبنا منه أن يتركنا لوحدنا.. واتفقت مع الحكم الآخر أن نعطي الرجل وزوجته فرصة ليتحدثا معاً.. وقد يتراضيان.

وافق الأب والأم بصعوبة ولكنهما وافقا أخيراً.. نصف ساعة فقط بدلت الأمور بين الزوجين.. وعلمت بعدها أن أسرة الزوجة تريد الطلاق وأن الزوج والزوجة لا قضية عندهما.. ويريدا استئناف رحلة العمر مع بعضهما.

ذهبت إلى القاضي في بيته – وكان صديقا صالحا- وسألته ما رأيه بالأمر فقال: لابد من الطلاق.. فإن محامية الزوجة مصرة على ذلك.

فقلت له: هل تتحمل المسؤولية أمام الله أن تطلق دون أن تسأل الزوجة، وتكتفي بقول المحامية؟ ورأى قولي معقولا.. وفي الجلسة التالية طلب حضور الزوجة أمامه.. سألها القاضي: هل تريدين الطلاق؟ قالت: بل أريد زوجي وأبنائي.. وسأل الزوج، فقال: الشيء ذاته.

وثار أخ الزوجة ووالدها.. وأدرك القاضي الأمر.من هذه القصة أقول للحكمين: لا تتركوا الخلافات بين أهل الزوجة وأهل الزوج فقد يكون الخلاف بينهما.

2- قوله تعالى: (إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما).. أي إذا كان الحكمان عادلان.. يريدان الإصلاح حقاً.. يوفق الله بينهما.. هذا قول ربنا، ولا قول غيره.

والخلاصة

1- إن حسن اختيار الزوجة، والالتزام بالمواصفات التي حددها الدين الحنيف في اخيتار الزوج والزوجة.. من الأمور التي تقلل نسبة الخلاف إلى الحد الأدنى.. وتكون عندها كما قال سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم عن خديجة: (ولقد رزقت حبها)، وعندما توفيت سمي ذلك العام، بعام الحزن.

2-  لابد من إبعاد الأسرة (أسرة الزوجة وأسرة الزوج) عن القضية.. فقد يكونوا هم الخلاف.

3-  في حالة الخلاف.. لابد من اختيار حكمين صالحين عاقلين لمعالجة الأمر، فإن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما.

 

والحمد لله رب العالمين

28/2/2011م

 
Leave a comment

Posted by on March 14, 2011 in خواطر

 

نجم الدين اربكان في ذمة الله

مصطفى محمد الطحان

 وصلنا النبأ الفاجع بوفاة القائد الإسلامي الكبير نجم الدين اربكان .. زعيم حزب السعادة في تركيا.. بعد صراع مع المرض في إحدى مستشفيات أنقرة.

مصطفى الطحان مع الراحل الأستاذ نجم الدين أربكان

حاولت زيارته في المستشفى.. فلم أتمكن فقد كان الأطباء المشرفون على علاجه يمنعون زيارته..

كنت على اتصال بمدير مكتبه.. رجاء أن يخبرني بخروجه من المستشفى حتى أسارع إلى زيارته.. ولكن ذلك لم يتم، فالأعمار بيد الله. وها هو اربكان القوي في جسمه الحاسم في مواقفه، يستسلم للموت رحمه الله.

كان لابد لي من كتابة كلمة عن نجم الدين اربكان.. ولا أعتقد أن كل الكلام يمكن أن يوفي هذا الرجل حقه.. قرأت ما كتبوا عنه.. فرأيت كلاماً قصير القامة.. ممزوجا بأحقاد العلمانية.. على الرجل الذي أفنى عمره وهو ينافح عن الإسلام..

بدأت علاقتي بالرجل في وقت مبكر من عام 1970م، فقد زرته في بيته في أنقرة أستطلع منه أخبار الحزب الجديد الذي أسسه تحت اسم حزب النظام الوطني.. حدثني الرجل عن حزبه.. وعن استقبال الأتراك للحزب الجديد، لمبادئه وقيادته.. وحدثته عن الحركة الإسلامية في المنطقة العربية.. فوجدنا تطابقا كاملاً بين النظام والإخوان.. دون سابق اتفاق.

منذ ذلك اليوم.. بدأ اللقاء ولم ينته إلا بوفاته رحمه الله رحمة واسعة.

لم تستطع العقلية التي تحكم تركيا في جيشها أو إدارتها أن تستوعب مبادئ حزب النظام.. فهي تتحدى في رأيهم علمانية أتاتورك.. التي يدافع عنها الجميع.. فحلّوا حزب النظام قبل أن يتم عاماً واحداً على تأسيسه بعد إنذار من قائد الجيش محسن باتور.

وفي عام 1972م أسس اربكان وزملاؤه حزب السلامة الوطني، الذي دخل الانتخابات البرلمانية عام 1973م، وحصل على 8% من الأصوات.. يومها بدأت النخبة العلمانية التي تتوارث الحكم في تركيا تعيد حساباتها.. وتحسب حساباً كبيراً لنجم الدين اربكان.. وتتساءل فيما بينها.. عن ماهية هذا الفارس الجديد الذي اقتحم الميدان.

شكل اربكان في مطلع عام 1974م حكومة ائتلافية مع بولنت أجاويد رئيس حزب الشعب الجمهوري.. وهو الحزب الذي أسسه أتاتورك..

لقد كان شيئاً غريباً أن يشكل حزب السلامة (الإسلامي) مع حزب الشعب (رائد العلمانية في تركيا).. حكومة تركيا الجديدة.

في هذا الوقت تجلت عبقرية اربكان السياسية.. فقد كتب مع أجاويد بروتوكولاً من نقاط مثيرة للجدل.. حصل عليها اربكان بصبره وحنكته السياسية.. ووافق عليها أجاويد من أجل أن يشكل الوزارة في مواجهة سليمان ديميرال.

من أهم القضايا التي ذكرت في هذا البروتوكول:

1- تدريس الطلاب في المدارس الابتدائية مادة الأخلاق (يعني الإسلام).

2- أن يدخل الطالب من خريجي معاهد الأئمة والخطباء جميع الكليات في الجامعات بما فيها كلية البوليس والكلية الحربية.

3- وإطلاق جميع المعتقلين السياسيين من السجون (وأغلبية هؤلاء كانوا من الإسلاميين).

4- وحصل حزب السلامة على عدد من الوزارات الهامة.. بما فيها منصب نائب رئيس الوزراء، ووزارة الداخلية، والتصنيع، والزراعة، وغيرها.

من أهم مكتسبات حزب السلامة من هذا الائتلاف.. أن اعترف حزب أتاتورك.. بحزب إسلامي في تركيا.. شريكاً له في حكم تركيا. وكانت هذه مفارقة تحدث لأول مرة في تاريخ تركيا الحديث.

وفي أثناء غياب رئيس الوزراء عن البلاد، وتصاعد إرهاب اليونانيين للأتراك في قبرص.. أمر اربكان قائد الجيش باحتلال المناطق التي يسكنها الأتراك لحمايتهم من بطش جيرانهم.

حاول اربكان فرض بعض قناعاته على القرار السياسي التركي، فقد أسهم في تطوير علاقات بلاده مع البلاد العربية، ونجح في حجب الثقة عن وزير الخارجية آنذاك خير الدين اركمان بسبب سياسته المؤيدة للكيان الصهيوني، واتبع ذلك مباشرة بتنظيم مظاهرة ضخمة في مدينة قونية ضد القرار الصهيوني بضم مدينة القدس، كانت المظاهرة من أضخم ما شهدته تركيا في تاريخها المعاصر؛ الأمر الذي اعتبر استفتاءً على شعبية الإسلام السياسي بزعامة اربكان، وبعد بضعة أيام تزعَّم قائد الجيش كنعان إيفرين انقلابًا عسكريًّا أطاح بالائتلاف الحاكم، وبدأ سلسلة إجراءات كان من بينها إعادة القوة للتيار العلماني، ومن ذلك تشكيل مجلس الأمن القومي وتعطيل الدستور وحل الأحزاب واعتقال الناشطين الإسلاميين إلى جانب اليساريين، وكان اربكان وزملاؤه من بين من دخلوا السجن آنذاك.

خطة العمل الجديدة

ذهبت أزوره وأبارك له خروجه من السجن.. وبدلاً من أن يحدثني عن سجنه أخرج ملفاً وعليه عنوان: خطة العمل الجديدة.. هكذا كان يفكر الرجل.. يفكر بعمله قبل أن يفكر بنفسه.

وفي عام 1983م أسس اربكان وزملاؤه حزب الرفاه الوطني.. الذي أصبح في انتخابات عام 1996 الحزب الأول في تركيا.

إصرار لا يعرف اليأس.. وقوة لا تُرهبها السجون أو المعتقلات.. ورهان دائم على النصر.. ومعناه في قاموسه.. عودة الإسلام من جديد إلى تركيا.. وانهيار الحملة الظالمة التي تحارب الإسلام والمسلمين.

شكل اربكان مع تانسو تشيللر زعيمة حزب الطريق القويم.. وزارة ائتلافية.. وأصبح اربكان بموجبها رئيساً للوزراء.. حقق اربكان مجموعة من الأمور التي لم يستطع في السابق أن يحققها.. فقد قام بزيارات إلى بلدان العالم الإسلامي مثل مصر، ونيجيريا، وماليزيا، وباكستان، وإيران، وينغلاديش، وإندونيسيا.. وشكل بهم مع تركيا (المجموعة الثمانية الاقتصادية).. ولقد عرضت أمريكا على اربكان مليارات الدولارات مقابل أن يتوقف عن تشكيل هذه السوق الاقتصادية الإسلامية فأبى.. وكانت هذه المجموعة من أسباب إسقاط اربكان من رئاسة الحكومة.

وفي عام 1998م تم حظر حزب الرفاه بتهم مختلفة منها انتهاك مواثيق علمانية الدولة، ومُنع اربكان من مزاولة النشاط السياسي لخمس سنوات، فأسس حزب الفضيلة بزعامة أحد معاونيه، وتعرض هذا الحزب للحظر هو الآخر في عام 2000م.

وفي عام 2003م أسس اربكان حزب السعادة، وهو الحزب الخامس ضمن مجموعة (مللي جوروش) أو الحركة الإسلامية في تركيا.. والذي مازال يعمل حتى الآن.

قال اربكان مرة: إذا سألني ربي يوم القيامة، ماذا فعلتم للإسلام؟ نقدم له أحزابنا الخمسة.

التجمعات الإسلامية

شكل اربكان مع قيادة التجمعات الإسلامية في أنحاء العالم الإسلامي.. منظمة تجمع كلمة المسلمين.. وتوحد مواقفهم، وتقارب مفاهيمهم السياسية والتربوية، وتهتم بشؤون الاقتصاد والمرأة.. وكنت أميناً عاماً لهذا التجمع.. الذي يلتقي قادته مرة في السنة.

وشكل مع قيادات العمل الإسلامي لجنة لتنسيق العمل فيما بينهم.. يلتقون فيها على مواقف موحدة.. وفكر موحد.

اربكان وقضايا المسلمين في العالم

كان اربكان بالإضافة إلى قضايا تركيا التي كانت يوماً مركزاً للخلافة الإسلامية التي تنافح عن المسلمين في العالم وتحميهم من الاستبداد الغربي والتآمر الصهيوني.. مشغولاً بكل قضايا المسلمين..

فهو الذي طالب قائد الجيش التركي بحماية الأتراك في قبرص.. والتي هي بالأساس جزيرة تركية.. مكنت بريطانيا أثناء احتلالها للجزيرة العناصر اليونانية على حساب الأتراك سكان البلاد.. تماماً كما فعلت بريطانيا بفلسطين عندما احتلتها ومكنت للمهاجرين اليهود على حساب الفلسطينيين الذين تشردوا في الآفاق.

وعندما حاولت يوغسلافيا التهام البوسنة والقضاء على المسلمين فيها.. عقد اربكان مؤتمراً إسلامياً لنصرة البوسنة في استانبول، حضره القائد المسلم علي عزت بيغوفتش.. ووضعوا خطة لنصرة البوسنة وإمدادها بما يلزمها من مال وغذاء وسلاح.

أما أفغانستان التي احتلها الروس وعاثوا في أرضها وسكانها الفساد.. فعندما خرج الروس.. رأى الأستاذ اربكان أن القتال ينبغي أن يتوقف وأن يتسلم المجاهدون السلطة.. يومها بعثني مع الأخ اوغوزخان أصيل تورك برسالة منه إلى رئيس الدولة.. ووافق الرئيس على طلب اربكان.. وهكذا دخل أحمد شاه مسعود القائد الميداني الأفغاني، كابول بأقل الخسائر..

لم يكن اهتمام اربكان بأفغانستان السياسية فقط.. بل ولقد كنت معه في زيارة إلى بيشاور وزيارة الجرحى في المستشفيات وسؤاله عن أحوالهم وأعطى لكل مجاهد من هؤلاء مبلغاً من المال يساعده على نفقات أهله..

وقل مثل ذلك في بلاد القوقاز وآسيا الوسطى، فقد استأجر الأستاذ اربكان طائرة.. بدأت بأذربيجان.. ومرت على كل دول آسيا الوسطى.. التقى في هذه الرحلة.. مع الرؤساء وحاورهم في مستقبل بلادهم وأن هذه البلاد ينبغي أن تعود لأصالتها الإسلامية.. ولا يعني تحررها من الاستعمار الروسي.. انقيادها للاستعمار الأمريكي.

وفي دافوس التي يقصدها السياسيون والاقتصاديون من أنحاء العالم لاتخاذ القرارات المناسبة لخدمة الرأسمالية العالمية التي يتحكم فيها اليهود.. في دافوس أعلن أمام الأوروبيين والحضور عامة.. ودعا إلى تعاون إسلامي أوروبي.. تعاون يحفظ الحقوق.. وينهي الاستعباد.. ويعطي لكل ذي حق حقه.. كانت صراحة في دافوس لم يسبقه أحد إلى مثلها.

أما فلسطين.. فهو يعرف أن السلطان عبد الحميد أسقطه اليهود.. ولم يستطيعوا أن يستولوا على فلسطين إلا بعد أن صار عبد الحميد في معتقله ينتظر الموت في منفاه.. وكذلك فعل اربكان.. فقد أفهم العالم.. والمسلمين من قبل أن الصهيونية هي رأس الداء.

يوم فتح استانبول

كان اربكان يجمع قاد المسلمين من أنحاء العالم للاحتفال بفتح استانبول.. عاصمة الإسلام يوم  فتحت، وعاصمة الإسلام يوم يحكم الإسلام مرة أخرى..

لم يكن اربكان سياسياً مسلما ليجلس على كرسي الوزارة.. ولم يكن مفكرا ليكتب كتباً.. بل كان عظيما في السياسة، رائعا في الأداء، عميقا في الفكر.. فهو ابن زمانه.. وقلما يجود الزمان بمثله..

جنازته تخرج من مسجد الفاتح

ولقد كانت جنازته في مسجد الفاتح في استانبول.. رمزاً لهذه العظمة فقد حضرتها الملايين.. وحضرتها وفود من أنحاء العالم الإسلامي.. تماماً كما قال الشاعر:

علو في الحياة وفي الممات             لعمري تلك إحدى المعجزات

شارك في جنازته الرئيس عبد الله جول، ورئيس الوزراء رجب طيب اردوغان الذي قطع زيارته لأوروبا لحضور جنازة المعلم والمؤسس للحركة الإسلامية الحديثة في تركيا.. ورفيق دربه رجائي كوتان وأوغوز خان اصيل تورك وشوكت كاظان وأحمد تكدال وفهيم أضاك ومحمود أفندي النقشبندي، إلى جانب زعماء وقادة إسلاميين من أنحاء العالم.. على رأسهم المرشد العام السابق للإخوان المسلمين الأستاذ محمد مهدي عاكف، والدكتور سعد الكتاتنة، والدكتور محمود عزت، والأستاذ يوسف ندا، والأستاذ غالب همت، والمهندس علاّن بلال، والأستاذ إبراهيم منير، ومحمد الحمداوي وسعد الدين العثماني (من المغرب) وإبراهيم المصري (من لبنان)، والقاضي حسين أحمد أمير الجماعة الإسلامية السابق (باكستان)، ومصطفى محمد الطحان الأمين العام لاتحاد المنظمات الطلابية، والدكتور أحمد عبد العاطي الأمين العام للإفسو، والأستاذ إبراهيم الزيات والدكتور أيمن علي والدكتور شكيب مخلوف من اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، والأخ محمد نزال (من حماس) وصديق حسن خان من الجماعة الإسلامية في الهند، والدكتور عمر زبير من السعودية والأستاذ علي صدر الدين البيانوني (المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سوريا، والدكتور محمود الأبياري.

وكان من جملة المشيعين عدد من كبار قادة الجيش التركي، ورئيس جمهورية قبرص التركية (درويش اراوغلو) وعدد آخر من الوزراء ومن قادة المعارضة، بالإضافة إلى أعداد أخرى من مسؤولي العمل الإسلامي في البوسنة، والسودان، والكويت، ومصر، وأفغانستان، وأذربيجان، والمغرب، والجزائر، وماليزيا، والهند، وباكستان، وإندونيسيا، وفلسطين، وغيرها.

قد أكون أكثر الناس حزناً على الرجل العظيم.. من بين الملايين التي شيعته، فقد جمع الحب بين قلبينا، وقارب الحب في الله بين الشاب الأصغر والقائد الكبير.. والثقة المشتركة التي كانت تقارب بين قائد عظيم وشاب يتعلم من قائده.

حياة اربكان باختصار

ولد اربكان عام 1926م في مدينة سينوب على ساحل البحر الأسود، وهو من نسل أمراء السلاجقة، الذين عرفوا في التاريخ، وكان جده آخر وزراء ماليتهم، وكانت أسرته تلقب بآل الوزير.

بدأ أربكان حياته بكل همة وجد وكان متفوقا في دراسته، فقد أنهى دراسته الثانوية في عام 1943 م، ليلتحق بكلية الهندسة الميكانيكية في استانبول والتي تخرج منها سنة 1948 م وكان الأول في دفعته، مما أهله لأن يكون معيدا فيها.وفي عام 1951 م أرسل في بعثة إلى ألمانيا لينال في عام 1956 م شهادة الدكتوراة في هندسة المحركات، وعمل أثناء وجوده بألمانيا رئيساً لمهندسي الأبحاث في مصنع محركات الدبابات التي تعمل بكل أنواع الوقود.

وفي عام 1965م عاد اربكان إلى تركيا ليعمل أستاذا في الجامعة. وكان عمره 29 عاما، وكان أصغر أستاذ جامعي في تركيا آنذاك، وهو أول صانع لمحرك ديزل (الموتور الفضي) ولا تزال الشركة المصنعة تعمل على إنتاجه حتى الآن.

وفي عام 1968م انتخب اربكان رئيساً لاتحاد الغرف التجارية والصناعية.. وبسبب ترأسه هذا الموقع الحساس ثارت ثائرة الدوائر العلمانية والصهيونية وهاجموه.

وأصبح رئيسا لاتحاد النقابات المهنية، ثم انتخب عضوا في مجلس النواب عن مدينة قونية.

الرمز الذي افتقده الجميع

أجمع رموز الدولة وقادة المجتمع التركي على أن نجم الدين أربكان لم يكن فقط عميد الحركة الإسلامية؛ ولكنه مثَّل قيمة وطنية وفكرية لدى جموع الأتراك، بما أداه من أدوار محورية وإستراتيجية في تقدم تركيا؛ ما جعل رحيله مصابًا كبيرًا لدى عموم الشعب التركي.

ولقد نعى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أربكان بقوله: لقد كرس أربكان حياته للتعليم والتعلم، وقدَّم كل حياته لأجل تركيا، وكانت له مكانة كبيرة جدًّا، وهو نموذج ومثال لكل الأجيال كإنسان وزعيم وأستاذ، وما تعلمناه منه مهم جدًّا، وسنظل نتذكر شخصيته المجاهدة.

وقال عبد الله جول، رئيس جمهورية تركيا: تلقيت خبر وفاة البروفيسور أربكان بتأثر شديد، أشعر بالحزن الشديد على فقد رجل العلم والسياسة والدولة، فالعزاء لكل أمتنا، فقد كان أربكان زعيمًا مثاليًّا، حاز تقدير شعبه وحبه بالخدمات التي لن تُنسى أبدًا، فهو أهم الشخصيات السياسية في تاريخنا.

لقد عملت فترات طويلة معه عن قرب في كثير من الأعمال بكل سعادة، وليس هناك شك أنه ترك بصمته في تاريخنا الحديث، فالبروفيسور أربكان جعل كل حياته لأجل خدمة الأمة في كل المناصب التي تولاها، وهو صاحب مساهمات قيمة في تنمية كل المجالات وتطويرها في تركيا، وإننا ننعى البروفسيور أربكان دائمًا بالحب والامتنان والاحترام، وأسأل الله عز وجل أن يرحمه، وأعزِّي أمتنا وعائلته وكل محبيه من حزب السعادة.

ومن جانبه، قال رجائي قوطان، رفيق درب المجاهد نجم الدين أربكان ورئيس حزب السعادة السابق: لقد كان همُّ أستاذنا أربكان هو فقط الأمة الإسلامية، وفي كل مراحل حياته ما كان يفكر إلا في خدمة العالم الإسلامي وتركيا، ولقد كان آخر حديث لي معه عن مستقبل الأمة الإسلامية وتركيا خلال الانتخابات القادمة.

وتحدث عنه ياسين خطيب أوغلو، مساعد رئيس حزب السعادة، فقال: لقد فقدنا زعيمًا عالميًّا، لقد فقدت الأمة الإسلامية رجلاً كبيرًا، رفض أثناء وجوده في المستشفى تحذيرات الأطباء.. فقد كان في جلسات عمل مستمرة.

وقال رئيس حزب الوحدة الكبرى، يالجين توبجو: نعزي بكل أسى تركيا في وفاة البروفيسور نجم الدين أربكان، الذي يعد أحد رموز الحياة السياسية والديمقراطية التركية، فلقد أمضى عمره لغاية واحدة؛ وهي الارتقاء بهذا البلد، مدافعًا عن دينه وقيمه.

 

صور من تشييع القائد المسلم نجم الدين اربكان

الأستاذ مصطفى الطحان مع بعض الشخصيات التي توافدت لحضور جنازة الراحل نجم الدين أربكان 

الأستاذ مصطفى الطحان ومقابلة تلفزيونية مع أحد القنوات الفضائية أثناء الجنازة

10/3/2011م

5/4/1431 هـ

 
Leave a comment

Posted by on March 10, 2011 in خواطر

 

الزيارة الرابعة للهند

خلال الفترة من 25 فبراير وحتى 5 مارس 2005م، ومع صحبة كريمة قمت مع الأخوين نادر النوري أمين عام جمعية عبد الله النوري الخيرية والأخ المهندس عبد الحميد البلالي رئيس جمعية بشائر الخير، بزيارة الهند للمرة الرابعة.

كانت الأولى في أوائل ثمانينيات القرن الماضي بدعوة من أمير الجماعة الإسلامية الأسبق الشيخ محمد يوسف (رحمه الله).. للمشاركة في مؤتمر الجماعة الإسلامية في مدينة حيدر آباد..

وأما الثانية.. فكانت إلى جنوب الهند في كيرالا حيث أقمنا في عام 1982 مؤتمراً للمنظمات الطلابية في آسيا، في إطار الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية.. وقد حضر هذا اللقاء ثلة من شباب الحركة الطلابية الهندية أمثال أمان الله خان، وزكي كرماني، وأحمد الله صديقي، وغيرهم.. ممن أصبحوا من أعلام العمل الأكاديمي في مختلف الجامعات.

وأما الثالثة.. فقد كانت في نيودلهـي، بمناسبـة انعقاد مخيم طلابي لطلبة الهند..

وأما الرابعة.. فهذه التي أتحدث عنها.. وقبل أن أتحدث عن برنامج الرحلة التي استمرت قرابة العشرة أيام.. أحب أن أضع القارئ في أجواء هذا البلد العريق.. مركز إحدى حضارات الإسلام الشاهقة.. والهند اليوم هي إحدى الدول التي تسير بسرعة كبيرة لتتبوأ موقعها في عالم التنمية والتكنولوجيا..

من مدنها الكبرى كلكوتا وهي في أقصى شرق الهند، وهي مدينة كبيرة في حجمها وعدد سكانها.. وإذا قطعت عرض الهند إلى الغرب تواجهك مدينة بومباي (أو ممباي) وهي مدينة جميلة لها ساحل متعرج يدخل فيه البر في البحر، والبحر في البر، فلا ترى إلا رأساً بارزاً أو خليجاً والجاً، أو برزخاً معترضاً، وعلى الساحل جبل قائم، يلبس حلة من غرائب الأشجار، وعلى ذروته حديقة معلقة، ومقبرة مغلقة لقوم من مجوس الفرس، لا يدفنون أمواتهم مثلنا ولا يحرقونهم كالهندوس، بل يعرضونهم للطير والحيوانات تأكل لحومهم حتى تذهب بها كلها.

أما دلهي.. فهي مدينة عظيمة، يحس من يدخلها أنه في عاصمة إسلامية، من كثرة مساجدها وقبابها، وفيها المسجد الجامع وهو من أعظم المساجد، وأمامه القلعة الحمراء، وهي درة من درر العمران على الأرض، بناها (شاه جان) باني تاج محل أجمل أبنية الدنيا بلا جدال.

أما لكناو.. فلها حديث خاص.. فهي بلد أبي الحسن النـدوي ومركز ندوة العلماء.

الهند بلد مزدحم بالسكان تجاوز عددهم المليار نسمة.. طرقاتها ضيقة، ومع ضيقها فهي مكتظة بأنواع المركبات: السيارات القديمة والحديثة والدراجات النارية والهوائية وأنواع الحيوانات تجر العربات والناس الذين يمشون.. فمن الصعوبة بمكان أن تسير في مثل هذا الزحام.

حيث تقلبت في أرجاء الهند، وجدت الخضرة الممتدة من الأفق إلى الأفق، والأشجار الضخمة الكبيرة المثمرة وغير المثمرة، وعندما تهطل الأمطار فكأنها أفواه القرب..

المسلمون في الهند(المسلمون في الهند – أبو الحسن علي الحسني الندوي، ص- 20)

دخل المسلمون الهند حيناً بدافع ديني مجرد من كل مصلحة أو منفعة، يحملوا إلى أهلها رسالة الإسلام العادلة الرحيمة، من أمثال السيد علي الهجويري، والشيخ معين الدين الأجميري، والسيد علي بن الشهاب الهمداني الكشميري.

ودخلوها حيناً آخر كغزاة فاتحين، كالسلطان محمود الغزنوي، وشهاب الدين محمد الغوري، وظهير الدين بابر التيموري، فكانوا مؤسسي دولة عظيمة ازدهرت مدة طويلة، وخدمت البلاد، وتقدمت بها الهند في نواحي الحياة المختلفة.

ولقد جاء هؤلاء وهؤلاء ليستقروا في هذه البلاد فكل الأرض وطن للمسلم، وأن كل ما يضيفونه إلى ثروتها إنما يضيفونه إلى ثروتهم، ويحسنون إلى أنفسهم وأجيالهم القادمة، لأنهم أهل البلاد، وأمة المستقبل.

كانت نظرتهم إلى البلاد تختلف عن نظرة الأوروبيين المستعمرين يوم جاءوا إلى الهند، جاءوا ليستعبدوا شعبها وينهبوا ثرواتها وخيراتها.

دخل المسلمون الهند وهي تعتز بحضارة أصيلة عريقة في القدم، وفلسفة عميقة، وعلوم رياضية دقيقة، وخيرات عظيمة، ولكنها كانت تعيش منذ قرون في عزلة عن العالم، حجزتها الجبال والبحار عن بقية بلدان العالم، وكان آخر من دخلها من العالم المتمدن هو الإسكندر الكبير..

دخل المسلمون الهند، وهم يومها أرقى أمة في الشرق، بل في العالم المتمدن المعمور في ذلك الوقت.. يحملون ديناً جديداً سهلاً، سمحاً، وعلوماً اختمرت واتسعت، وحضارة تهذبت وجمعت بين سلامة ذوق العرب، ولطافة حس الفرس، وبساطة الترك، وكانوا يحملون للهند وأهلها غرائب كثيرة وطرفاً غالية.

وكان أهم ما كانوا يحملون هذا الدين الذي جاء بالتوحيد الخالص، الذي لا يرى الوساطة بين العبد وربه في العبادة والدعاء، ولا يعترف بالآلهة والمظاهر وحلول الله – جل وعلا – في بعض البشر وظهوره فيهم، ويؤمن بالإله الواحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد، له الخلق والأمر، وله الكبرياء في السموات والأرض.

يقول الباحث الهندي المعروف K.M. Panikkar: (من الواضح أن تأثير الإسلام في الديانة الهندوكية كان عميقاً في هذا العهد (الإسلامي) إن فكرة عبادة الله في الهنادك، مدينة للإسلام، إن قادة الفكر والدين في هذا العصر وإن سمّوا آلهتهم بأسماء شتى قد دعوا إلى عبادة الله، وصرّحوا بأن الإله واحد، وهو الذي يستحق العبادة.

أما في الاجتماع فقد كان تأثير الإسلام كبيراً. يقول جواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند: (إن دخول الغزاة الذين جاءوا من شمال غرب الهند، ودخول الإسلام له أهمية كبيرة في تاريخ الهند، إنه قد فضح الفساد الذي كان قد انتشر في المجتمع الهندوكي، إنه قد أظهر انقسام الطبقات، واللجنس المنبوذ، وحب الاعتزال عن العالم الذي كانت تعيش فيه الهند، إن نظرية الأخوة الإسلامية والمساواة التي كان المسلمون يؤمنون بها ويعيشون فيها أثرت في أذهان الهندوس تأثيراً عميقاً وكان أكثر خضوعاً لهذا التأثير البؤساء الذين حرّم عليهم المجتمع الهندي المساواة والتمتع بالحقوق الإنسانية(اكتشاف الهند – نهرو، ص- 335). فلا نظام طبقات، ولا منبوذ، ولا نجس بالولادة، ولا جاهل يحرم عليه التعلم، ولا تقسيم أيدي للحرف والصناعات، يعيشون معاً، ويأكلون معاً ويتعلمون سواءاً، ويختارون ما يشاؤون من الحرف والصناعات.

وكانت الهدية الثالثة احترام المرأة والاعتراف بحقوقها وكرامتها كعضو محترم من أعضاء الأسرة الإنسانية، وشقيقة الرجل.

لقد كانت النساء يحرقن أنفسهن بالنار على وفاة أزواجهن ولا يرى المجتمع لهن حقاً في الحياة بعد الأزواج.

كما نقل المسلمون إلى الهند علوماً جديدة منها:

* علم التاريخ.. فقد كوّن المسلمون مكتبة هائلة من أوسع المكتبات التاريخية في العالم.. ومن ينظر في كتاب الثقافة الإسلامية في الهند للعلامة الشيخ عبد الحي الحسني.. يجد مصداقية ذلك.

قال غوستاف لوبون في حضارة الهند: (ليس للهند القديمة تاريخ، وليس في تاريخها وثائق عن ماضيها.

فالحق أن دور الهند التاريخي لم يبدأ إلا مع الفتح الإسلامي في القرن الحادي عشر بفضل مؤرخي المسلمين).

* وقد اكتسبت الهند من المسلمين توسعاً في الخيال، وجدة في التفكير، ومعاني جديدة في الأدب والشعر. وكان مما منح المسلمون الهند هذه اللغة الجميلة التي أصبحت لغة التفاهم ولغة العلم، أعني (الأوردو).

* وكان تأثير المسلمين في المدنية والصناعة وأساليب الحياة أبرز وأقوى منه في نواح أخرى.

ولقد ترك لنا مؤسس الدولة المغولية العظمى ظهير الدين محمد بابر (888 – 939) صورة واضحة عن مدنية الهند وثروتها الطبيعية والصناعية والمستوى الذي كانت عليه عند غزوه لها.

يقول نهرو: (ومن خلال التاريخ الذي ألّفه بابر ترى فقر الحضارة الذي كان مسيطراً على الهند الشمالية، ومرجع ذلك، التدهور الذي كان نتيجة هجوم تيمور، وبسبب أن كثيراً من العلماء والفنانين والصناع نزحوا من شمال الهند إلى جنوبها، ومن أسباب هذا الانحطاط أن منابع الإبداع والابتكار في أهل الهند قد نضبت. إن سقوك الحضارة الهندية في شمال البلاد واضح لا خفاء فيه إن العقائد المرسومة والمجتمع المتزمت قد منعا الإصلاح الاجتماعي والتقدم)( اكتشاف الهند- نهرو 1: 510).

كانت البلاد – رغم خصبها وغناها – قليلة الفواكه والثمار، حتى جاء المغول وهم أصحاب ذوق رفيع، فأدخلوا عليها ثماراً جديدة وفواكه كثيرة.

وقد أنشأ ملك كجرات السلطان محمود بن محمد الكجراتي المشهور باسم محمود بيكره (917م) مصانع كثير للنسج والوشي والتطريز والنحت، ومصنوعات العاج، والمنسوجات الحريرية، وصناعة الورق، كما أحدث السلطان محمود نشاطاً صناعياً وزراعياً وتجارياً منقطع النظير.

يقول مؤرخ الهند السيد عبد الحي الحسني في كتابه نزهة الخواطر: (ومن مكارمه قيامه بتعمير البلاد وتأسيس المساجد والمدارس والخوانق وتكثير الزراعة وغرس الأشجار المثمرة وإنشاء الحدائق والبساتين، وحفر الآبار وإجراء العيون، حتى صارت كجرات رياضاً نضرة، ومتجرة تجلب منها الثياب الرفيعة، وذلك كله لميل سلطانها محمود شاه إلى ما يصلح الملك والدولة ويترفه به رعاياه)( نزهة الخواطر- عبد الحي الحسني 4: 345).

وكذلك فعل أكبر، فأنشأ مصانع كبيرة للنسيج، وقد كانت له إصلاحات دقيقة عظيمة التأثير في تعيين الضرائب على الأراضي والعقارات، وتنظيم المالية وإصلاح نظام النقود، لم يكن للحكومات الهندية السابقة عهد بها، قد كان لشير شاه السوري الملك المقنّن والإداري العبقري فضل التقدم والابتكار وتبعه أكبر.

وكذلك كان للحكومات الإسلامية فضل تربية الحيوانات وترقية نسلها، وتأسيس المستشفيات ودور العجزة والحدائق العامة والمنتزهات والترع الكبيرة، والشوارع الطويلة التي تجمع بين شرق الهند وغربها وتمتد على طول الهند وعرضها.. اشتهر منها الشارع الذي أنشأه شيرشاه السوري من سنار كاؤن من أقصى بلاد البنغال إلى ماء نيلاب من أرض السند (4832 كم) وأسس في كل ثلاثة كيلومترات رباطاً ومسجداً، وفي كل رباط فرسين للبريد، وغرس الأشجار المثمرة على جانبي الطريق ليستظل بها المسافر ويأكل منها.

كما أحدث المسلمون انقلاباً عظيماً في المجتمع وفي الحياة المنزلية وفي نظام تأسيس البيوت.

وكذلك أدخلوا فناً معمارياً جديداً يمتاز بالمتانة والدقة والجمال، ولا يزال تاج محل آية في الهندسة والبناء، وذكرى عهد المسلمين الزاهر، ودليلاً ناطقاً على ما بلغوا إليه من رقة الذوق ولطافة الحس والإبداع في الفن.

يقول نهرو في كتابه ( اكتشاف الهند ): إن دخول الإسلام والشعوب المختلفة في الهند التي حملت معها أفكاراً مختلفة للحياة قد أثرت في عقيدتها وأثرت في حياتها الاجتماعية(اكتشاف الهند- نهرو 1: 511). وقد اعترف أحد قادة حركة التحرير في الهند ورئيس المؤتمر الوطني سابقاً بذلك وقال إن المسلمين أغنوا ثقافتنا، إنهم قووا إدارتنا، وقربوا أجزاء البلاد بعضها إلى بعض. ويقول الدكتور هنتر الذي يعتبر من كبار الحاقدين على المسلمين. (إن المسلمين قد أنشأوا مستعمرات في جنوب الهند في الأراضي التي أحيوها وعمروها، وقد ظل المسلمون ينشرون دينهم نادراً بالسيف وغالباً بتأثير عاطفتين قويتين، فقد قدموا جميع الحقوق الإنسانية لطبقة البراهمة والمنبوذين سواء بسواء).

إن هؤلاء الدعاة أعلنوا في كل مكان:

* أن كل واحد يجب أن يخضع لله الواحد.

* وأن البشر كلهم سواء(مسلمو الهند – هنتر).

وقد أضاف مؤرخ الهند (جادو ناتهه سركار) في مقاله (الإسلام في الهند) عشراً من هبات الإسلام للشعب الهندي.

* صلة الهند بالعالم الخارجي.

* وجود الوحدة السياسية والوحدة في اللباس والحضارة.

* وجود لغة رسمية إدارية.

* تقدم لغات إقليمية في ظل الحكومة المركزية.

* تجديد التجارة عن طريق البحار.

* إنشاء بحرية للهند.

 ندوة العلماء(الدعوة الإسلامية مناهجها في الهند- محمد واضح رشيد الحسني الندوي، ص- 93)

أسس ندوة العلماء عام 1894م (1312هـ) الشيخ محمد علي المونجيري، ونخبة من العلماء، ومن بينهم العلامة شبلي النعماني، وكان من كبار مساعديه الشيخ عبد الحي الحسني.

كانت الندوة التي أنشئت كحركة تعليمية وتربوية، تجربة فريدة في التعليم والدعوة، فقد انضم إلى هذه الحركة علماء باحثون كالعلامة شبلي النعماني (1332هـ) صاحب المؤلفات العلمية الكثيرة، ومؤسس المجمع العلمي المعروف بدار المصنفين في أعظم كراه. لقد كان الغرض من تأسيس هذه المدرسة، إيجاد قنطرة تصل بين الثقافتين: الإسلامية والغربية، والطبقتين: علماء الدين والمثقفين العصريين، وإحداث فكر جديد يجمع بين محاسن القديم والجديد.

لقد كان لهذه المدرسة الفضل في نشر الثقافة الإسلامية على يد علماء كبار أمثال شبلي النعماني وتلميذه النابغة سليمان الندوي، والأستاذ عبد الباري الندوي.

تولى رئاسة ندوة العلماء سماحة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي، فقام سماحته بدور قيادي في معظم الحركات الدينية والتربوية، بالإضافة إلى مجهوده العلمي الجبار.

وكان الشيخ الندوي يرأس بجانب رئاسة ندوة العلماء، مجلس الأحوال الشخصية الإسلامية لعموم الهند، وهيئة التعليم الديني، وعدة منظمات هندية وعالمية.

حركة تحرير البلاد من الاستعمار البريطاني

وإلى هذا الجيل ينتمي العلماء الذين قادوا حركة تحرير البلاد من الاستعمار البريطاني، كشيخ الهند محمود الحسن، وشيخ الإسلام حسين أحمد المدني، والشيخ عطاء الله البخاري، ومولانا أبو الكلام آزاد، والشيخ عبد الباري الفرنجي محلي، والشيخ داود الغزنوي.

وقد أدى هذا الجمع بين العلوم الظاهرة والباطنة، وبين الربانية والطريقة إلى خلود هذه السلسلة الذهبية، فوجد جيل بعد جيل من العلماء والمشايخ لإرشاد المسلمين وشرح التعاليم في مختلف العصور حسب مقتضيات الظروف وإحياء الدين الإسلامي كلما واجه التحديات.

جهود العلماء بعد الاستقلال

نالت الهند الاستقلال وانقسمت البلاد إلى بلدين في عام 1947م، فمرت البلاد بثورة عصيبة، وغليان للقومية والعداء الديني، فكان لمعاقل التربية الدينية المذكورة دور عظيم في بقاء المسلمين في الهند وتربيتهم تربية دينية، وكان في مقدمة هؤلاء الربانيين شيخ الإسلام حسين أحمد المدني شيخ الحديث في دار العلوم بديوبند، والشيخ عبد القادر الرائبوري، والشيخ محمد زكريا الكاندهلوي (1402هـ) الذي أثرى المكتبة الإسلامية بكتبه في الحديث الشريف والتربية الإسلامية ، وأنشأ جيلاً من العلماء والدعاة بتربيته.

وكان يلتقي في مجلسه الزعماء السياسيون، والحكام، والعلماء، والدعاة، والمربون، والباحثون، وكل منهم يستنير برعايته في مجاله.

وتحوّل عدد من العلماء إلى باكستان، وتولوا قيادة المسلمين في ذلك البلد، ولولا حركة هؤلاء العلماء الربانيين لضاع التراث الإسلامي، ولكانت الطاقة الإسلامية عرضة للتخريب والتشويه والضياع.

كان تأثير حركة الإمام أحمد بن عرفان الشهيد عاماً وشاملاً، ظهر في مكافحة الغزو الاستعماري، ومواجهة الفتن، ومعالجة التحديات الفكرية، وتربية الجيل الناشئ.

وبالإضافة إلى هذه الجهود توجهت عناية بعض العلماء إلى عرض الفكر الإسلامي، وحل القضايا المعاصرة بأسلوب عصري، وتأليف أحزاب وجماعات للعمل من أجل العودة إلى ذاتية الإسلام، وقد كان لمولانا أبي الكلام آزاد دور قيادي فيه، فقد أزكت صحفه التي كان يصدرها كالهلال والبلاغ، روح العمل والاجتهاد في المسلمين، ونفوراً من الاستعمار وثقافته.

وبذل الأستاذ أبو الأعلى المودودي في عرض الإسلام وحل مشكلات العصر، والتوعية الفكرية للمسلمين جهوداً مشكورة فقد كانت له مساهمة كبيرة في عرض الإسلام علمياً، وفي تأليف جماعة للعمل الإسلامي.

وقد أنشأت الجماعة الإسلامية مكتبة كاملة في الموضوعات الإسلامية، وكان لحركته تأثير عميق على الفكر الإسلامي المناهض للغزو الفكري الغربي، وانتقل مقر هذه الحركة إلى باكستان بعد الاستقلال، وواصل الشيخ المودودي حركته ونشاطه العلمي والفكري من باكستان، وانتشرت دعوته إلى العالم الخارجي عن طريق مؤلفاته، وتأثر بها المثقفون العصريون بصفة  خاصة.

المجمع الإسلامي العلمي

ويذكر في صدد جهود العلماء في عرض الفكر الإسلامي:

* مجمع (دار المصنفين) الذي أنشأه العلامة شبلي النعماني، ثم وسع دائرة نشاطه العلمي العلامة السيد سليمان الندوي.

* و (مجمع ندوة المصنفين) بدلهي للمفتي عتيق الرحمن العثماني.

* و (المجمع الإسلامي العلمي) الذي أنشأه الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي بندوة العلماء.

فإن هذه المجامع أصدرت كتباً قيمة في مختلف الموضوعات الإسلامية بلغات مختلفة، وكان للشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي منهج يختلف عن منهج العلماء الآخرين في عصره، فقد جمع في منهجه خصائص مدرسة الشيخ السرهندي، والشيخ ولي الله الدهلوي، والإمام أحمد بن عرفان الشهيد، وقد اتخذ طريقا جديداً للدعوة والإرشاد والتربية، وجذب قلوب غير المسلمين بحركته (حركة رسالة الإنسانية)، ورعايته لـ(حركة التعليم الديني)، ولقاءاته مع الحكام، وإرسال رسائل توجيهية إليهم، وكسب وُدّ أصحاب النفوذ والقوة، وإتاحتهم فرصة فهم الإسلام، بجانب إثراء المكتبة الإسلامية ببحوث وتحقيقات علمية، فامتاز بذلك بمنهج خاص للدعوة والتربية.

الندوة العلمية العالمية في الهند

وصلنا إلى نيودلهي العاصمة قبيل صلاة الفجر، وكان باستقبالنا عددٌ من الإخوة الأعزاء على رأسهم أمين عام الجماعة الإسلامية ممثلاً لسعادة أمير الجماعة.. انتقلنا إلى فندق قريب.. وبعد الصلاة وطعام الفطور انتقلنا إلى المطار مرة ثانية.. نتابع سفرنا إلى بناريس.. ومن بناريس ركبنا السيارات لنصل إلى أعظم كره.. ثم إلى موقع جامعة الفلاح.

كانت رحلة شاقة وطويلة.. ولم تحسّن من أجوائها إلا الأحاديث الجميلة والصحبة الصالحة.

تم عقد الندوة العلمية العالمية حول موضوع (الدعوة الإسلامية والمدارس الدينية) في الفترة من 25-27 فبراير 2005م بجامعة الفلاح بلريا كنج، أعظم كره – الهند، وكانت فرصة طيبة اجتمع فيها رجال الفكر والدعوة من داخل البلاد ومن خارجها. وحضرها المسؤولون في كبرى المدارس الدينية في أرجاء الهند.

افتتحت الندوة في 25 فبراير بعد صلاة الجمعة وكان رئيس الجلسة الافتتاحية فضيلة الشيخ السيد جلال الدين العمري شيخ الجامعة ونائب أمير الجماعة الإسلامية . وقدم كلمة الترحيب الشيخ أبو البقاء الندوي مدير الجامعة. ثم قام الشيخ محمد طاهر المدني مدير التعليم والتربية بتقديم كلمة تمهيدية بيّن فيها أن الغرض من هذه الندوة إبراز أهمية الدعوة الإسلامية وأساليبها، ودراسة التحديات الموجودة في حقلها، وإقامة الصلات الوثيقة بين المدارس الإسلامية والمنظمات الإسلامية، ثم ألقى فضيلة الشيخ كاكا سعيد أحمد العمري الأمين العام لجامعة دار السلام (عمر آباد) كلمة الافتتاح ودعا إلى ضرورة العناية البالغة بنشر الدعوة وإعداد الشباب لهذه المهمة الكبيرة وفي الكلمة الرئيسة أوضح رئيس الجلسة مفهوم الدعوة وفضلها والصفات اللازمة للدعاة إلى الله.

وبعد صلاة العصر وضع حجر الأساس لمركز الدعوة بالجامعة فضيلة الشيخ نادر عبد العزيز النوري أمين السر لجمعية الشيخ عبد الله النوري الخيرية بالكويت، كما قام فضيلة الشيخ عبد الحميد جاسم البلالي بافتتاح المبنى الجديد لقسم تحفيظ القرآن الكريم.

وبعد صلاة المغرب بدأت جلسة العمل الأولى للندوة تحت رئاسة فضيلة الشيخ نادر النوري، قدمت فيها البحوث التالية:

* الدعوة الإسلامية مفهومها وأهميتها   الدكتور تابش مهدي من دلهي.

* تحديات الدعوة الإسلامية في الهند   الشيخ السيد سلمان الحسيني الندوي من ندوة العلماء لكناو.

* فنون كسب الآخرين – الشيخ عبد الحميد البلالي رئيس لجنة بشائر الخير بالكويت.

* مستقبل الدعوة الإسلامية والتحديات التي تواجهها المهندس مصطفى محمد الطحان الأمين العام لاتحاد المنظمات الطلابية.

وفي يوم السبت (26 فبراير) بدأت جلسة العمل الثانية تحت رئاسة الشيخ السيد محمد الرابع الندوي مدير ندوة العلماء لكناو ورئيس هيئة الأحوال الشخصية لعموم الهند. وألقى فيها كلمة خصوصية الشيخ سعيد الرحمان الأعظمي الندوي مدير مجلة البعث الإسلامي.

كما قدم فضيلة الشيخ محمد الرابع الندوي كلمة الرئاسة وبيّن أهمية دور المدارس في الدعوة إلى الله. ودعا إلى ضرورة جمع الكلمة وتنسيق الجهود الدعوية والاستفادة من خبرات العاملين في هذا الميدان.

وفي يوم الأحد ثالث أيام الندوة (27 فبراير) بدأت الجلسة تحت رئاسة فضيلة الشيخ كاكا سعيد أحمد العمري وكان الموضوع: (دور المدارس الدينية في الدعوة إلى الله).

ودعا رئيس الجلسة إلى ضرورة الشعور بالمسؤولية تجاه الدعوة إلى الله والسير على طريق الأنبياء، ومطالعة السيرة النبوية لاتخاذ السبل المناسبة لنشرها.

وكانت الجلسة الختامية للندوة تحت رئاسة فضيلة الدكتور محمد عبد الحق الأنصاري – أمير الجماعة الإسلامية بالهند.

في مدينة لكناو

وعلى الرغم من اهمية البرنامج الذي أعد في جامعة الفلاح، واهمية الشخصيات التي تحدثت، وتمكنهم العلمي والدعوي.. إلا أننا كنا نهفوا إلى مدينة لكناو.. مدينة أبي الحسن الندوي.. ورفاق دربه العلماء الكبار.

ركبنا السيارة في طريقنا إلى لكناو.. وفي الطريق عرجنا على إحدى المدارس التابعة لندوة العلماء.. ووصلنا أخيراً مع مغيب الشمس.

استرحنا ليلتنا في فندق.. وابتداءً من صباح اليوم التالي.. ولمدة ثلاثة أيام كان عندنا برنامج حافل لا يهدأ.. زيارات لمدارس وجامعات.. جمعية الشباب الإسلامي.. جامعة أحمد عرفان الشهيد.. جامعة الندوة.. أحاديث .. ومحاضرات.. وزيارة مشاريع.. واستعراض رائع لكشافة الندوة..

أرض منبسطة خضراء، في وسطها بناء جميل، كأنه قصر من قصور الأندلس، ووراءه مبان متفرقة، في أرض واسعة، في بقعة هادئة، فيها الأشجار المزهرة والمثمرة، والسواقي الجارية، إنها مدرسة ندوة العلماء..

هذه غرفة أبي الحسن.. وهذا الفراش المتواضع فراشه.. وهؤلاء الأعلام هم إخوانه وزملاؤه.. كلهم يتحدث العربية ببيان رائع.. إنها قطعة حالمة، بمنظرها وبساتينها، وهدوئها وسكونها، ومكتبتها، ورجالها.. من يريد أن يعيش مع التاريخ فهذا هو المكان المناسب. لقد استفدت كثيراً في هذه الرحلة.. وماذا ينتظر الداعية الكاتب غير:

* متعة علمية ينهلها من علماء..

* وصرح ضارب في أعماق التاريخ..

وودعنا لكناو.. مثل يوم لقيناها.. وباركنا لأخينا السيد سلمان الحسيني الندوي بولادة سبطة الأول.. ويوم ارتحلنا بالقطار إلى عليكرة كان لسان حالنا يقول: ودعته وبودي لو يودعني.. صفو الحياة وإني لا أودعه..

البرنامج في عليكرة

وفي هذه المدينة العريقة.. التي نسبة المسلمين فيها في حدود 30%.. زرت مركز اتحاد الطلبة المسلمين (SIO) وتحدثت عن الحركة الطلابية في العالم.. وكيف تخطت الحواجز.. ووصلت الآفاق.. وفي وقت آخر تحدثت في جامعة عليكرة التي أسسها السيد أحمد خان على الطريقة العصرية.. وكانت هذه الجامعة العملاقة محل تجاذب بين المسلمين.. فهي ومدرسة ديوبند تمثل الأولى التعليم العصري على طريقة الإنكليز.. بينما ديوبند تمثل التعليم التقليدي.. وأخذت ندوة العلماء الطريق الوسط بينهما. كانت المحاضرة رائعة أحدثت صدى كبيراً بين الأساتذة والطلاب وكانت حوارات مفيدة بين المحاضر والحضور.

البرنامج في نيودلهي

أما نيودلهي.. فهي مدينة عملاقة.. سمتها إسلامي.. وعمقها وحضارتها كذلك.. وصلناها في القطار مع الساعات الأولى للنهار.. نزلنا في فندق مريح.. والتقينا بقيادات الجماعة الإسلامية.. ولقد استمتعت كثيراً باللقاء مع فضيلة الأمير د. الأنصاري.

أهم الأنشطة التي قمت بها:

* لقاء مع شباب (SIO) الحركة الطلابية في عموم الهند، ومع الأخ أمان الله خان، ممثل الندوة العالمية للشباب الإسلامي.

* لقاء مع أمير وقادة الجماعة الإسلامية في الهند، نافشنا فيه أهم القضايا المشتركة.

* محاضرة في مركز اتحاد الطلبة (SIO) عن الحركة الطلابية الإسلامية ودورها في إعادة بناء الأمة.

* محاضرة في مركز الجماعة الإسلامية عن الأوضاع الإسلامية والهجمة الشرسة للغرب ضد الإسلام. لاقت تجاوباً كبيراً.

* افتتاح عدد من المشاريع الإسلامية التي تساهم فيها جمعية عبد الله النوري الخيرية.

وأخيراً.. حان الوداع.. وكما جئنا على جناح الشوق.. عدنا على جناح الشوق.. وصدق رسولنا العظيم إذ يقول: (أحبب من شئت فإنك مفارقه).

الهند 5/3/2005م

 
Leave a comment

Posted by on February 4, 2011 in خواطر