RSS

Category Archives: خواطر حول العالم

التيجاني أبو جديري في ذمة الله

التيجاني أبو جديري في ذمة الله – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من السودان

كل شيء في الخرطوم كبير وضخم حتى اسمها..

ومن غرفتي في الطابق التاسع في الفندق كنت أنظر إلى النيل يتدفق باعتزاز وشموخ.. وفي مصر نيل.. وفي السودان نيلان.. النيل الأبيـض والنيل الأزرق.

وعند العاصمة المثلثة يلتقيان في منظر بديع أخاذ يوحي للإنسان بكل ذكريات البطولة، بكل التاريخ المجيد الذي سطره زعماء المسلمين في هذا البلد الإسلامي العريق.

هنا هزم المهدي القائد البريطاني كتشنر.. وهنا قامت الدولة الإسلامية المهدية.. وهنا وقف السودان يجمع بين الشمال والجنوب، ينقل الحضارة ويرفع أعلام الإسلام.. ويعيد للحاضر ذكريات الماضي.

منذ زمن طويل وأنا احلم أن أزور الخرطوم.. فلي فيها إخوة وأصدقاء.. ويدافع الزمنُ الزمنَ.. وتمر الأيام مثقلة بالأعمال المتراكمة فلا تكاد تترك مجالاً للاختيار.. حتى جاءني الخبر.. أن التيجاني أبو جديري قد توفاه الله .. ونزل الخبر كالصاعقة.. وسافرت إلى الخرطوم.. لأقدم العزاء وأن أتلقاه.. والأمر لا يتم إلا هناك بين أبناء الفقيد وأهله وإخوانه..  صفوف من المعزين كلهم يستشعر فداحة الخطب وعظم المصيبة.

التيجاني أبو جديري

قال أحدهم: لم نكن نعرف قيمة الرجل حتى فقدناه.. وأصعب شيء هو هذا السهل الممتنع.. إذا رأيته قائماً على عمله ظننت أن كل أحد يستطيع أن يصنع مثله، فإذا غاب واستجبت للتحدي فشلت لقد كان من السهل الممتنع (رحمه الله).

وقال أحدهم: بل هو صلتنا مع العالم الخارجي.. مع الحركات الإسلامية في العالم. مع الاتحادات الطلابية.. في ميدان الدعوة.. في ميدان السياسة.. أو ميدان الاقتصاد.. فلقد كان يدنا التي تناول الآخرين، وخطونا الذي نتقدم به منهم.. عيوننا التي نراهم من خلالها.. لقد كان مجموعة في واحد.. أو أمة في رجل (رحمه الله).

هل يقال هذا الكلام عن التيجاني ابو جديري على طريقة (اذكروا محاسن موتاكم).. أم إنها الحقيقة.. ورجعت بنفسي إلى الوراء خمس عشرة سنة.. يوم أسسنا الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية.. وكان من بين الحاضرين: المعارضون والمؤيدون، والمتفائلون والمتشائمون.. بل واليائسون من العمل الإسلامي أن تقوم فيه مؤسسات تقويه وتدعمه.. وكان صوت أخينا التيجاني ويده التي تشارك فمه في الحديث.. عالية مؤثرة في اتخاذ القرار.. وتكرر هذا الموقف بالنسبة للأخ التيجاني في كل منظمة إسلامية قامت.. فلقد كان له فيها فضل السبق.. أو فضيلة العمل والإصرار.. كان إيجابياً سباقاً إلى كل مكرمة (رحمه الله).

حدثني مرافقه الأخ مبارك.. قال كنا قبل يومين في الرياض.. وكان على عجلة من أمره يريد أن يعود فوراً إلى السودان.. وحاول إخوانه إقناعه انه لا ضرورة لهذه العجلة ومن الأفضل أن نمضي يوماً آخر في جدة نلتقي فيه بالأحباب.. ثم نتوكل على الله.. ولكنه أصر.. ووصلنا الخرطوم.. وأصر كذلك أن يسافر إلى مكان آخر لأداء مهمة كان عليه أن يؤديها.. وأصرّ إخوانه أن يأخذوا قسطاً من الراحة والنوم.. وأصرّ هو بالمقابل.. وانتزع مفتاح السيارة قائلاً لمرافقه: سأقود السيارة بنفسي!

كانت السماء مغبرة حزينة.. والظلمة دامسة لا ضوء فيها ولا حياة.. وفي غفلة من كل شيء في الدنيا الكئيبة.. أغمض الأخ التيجاني عيناه المرهقتان المتعبتان.. وكانت المرة الأخيرة.. فقد أسلم الروح.. ونُقل أخواه إلى المستشفى.

رحم الله الفقيد.. وأحسن الله عزاء إخوانه.. الذين يلتقون كل يوم، وفي عيونهم دمعة، وفي قلوبهم غصة، ولسان حال كل منهم قول الشاعر:

طوى الجزيرة حتى جاءني خبر          فزعت فيه بآمالي إلى الكذب

رحم الله الأخ الحبيب التيجاني أبو جديري رحمة واسعة.

 
1 Comment

Posted by on July 22, 2013 in خواطر حول العالم

 

عبد المنعم أبو الفتوح والإخوان

(8) عبد المنعم أبو الفتوح والإخوان – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من مصر

تناولت الصحف في الآونة الأخيرة بعض تصريحات الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح القيادي في جماعة الإخوان المسلمين.. تناول فيها الجماعة التي نشأ وتسنم فيها مواقع قيادية.. ولقد عرفته في بعض المؤتمرات التي التقيته فيها.. فاستغربت هذه المواقف الأخيرة التي اتخذها.

ففي الندوة التي انعقدت بمكتبة الاسكندرية في 23 مارس 2011م قال الدكتور أبو الفتوح: على مستويات الإدارة في الإخوان أن تستقيل، وأن تعاد الانتخابات بشكل شفاف وتحت سمع وبصر المجتمع من الناحية المالية والإدارية.. وتوقع أن الإسلاميين قد يحصلون على 70% من المقاعد البرلمانية، بفصائلهم المختلفة.. أما الإخوان فلن يحصلوا على أكثر من 20% من المقاعد إذا كانت الانتخابات نزيهة.

الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح

وأعلن أنه لن ينضم إلى حزب الحرية والعدالة الذي تعتزم الجماعة تأسيسه.. وأنه عرضت عليه رئاسة ستة أحزاب حتى الآن.. رغم أنه يعتز بحزب النهضة الذي أسسه الدكتور إبراهيم الزعفراني القيادي في حركة الإخوان.

ولم يقبل الأخ ابو الفتوح رأي المرشد العام للإخوان الذي قال: إن أي أخ ينضم إلى حزب لا يتبع الإخوان سيتم فصله من الجماعة.

وقال الدكتور عبد المنعم: إن آراءه تتعارض مع آراء بعض مسؤولي الإخوان.. إلا أنه يمثل فيها جمهور الإخوان وإن لم يمثل الإدارة العليا للجماعة.

وأدلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية بدلوها في هذا الموضوع.. فقالت تحت عنوان حالة تمزق خطيرة تضرب جماعة الإخوان المسلمين، بدأت بعد وقت قصير من توقف المظاهرات الضخمة بميدان التحرير.. يقف على رأس تلك المجموعة د. عبد المنعم أبو الفتوح ود. إبراهيم الزعفراني. ولفتت الصحيفة إلى أن تلك ليست المرة الأولى التي يحدث فيها صدام وانقسام في الرأي في صفوف الإخوان، فمنذ تأسيسها عام 1928م على يد حسن البنا عرفت تلك الجماعة انقسامات شتى، مثل جماعة التكفير والهجرة، وحزب الوسط، وغيره.

واختتمت الصحيفة أنه في غضون ذلك يحاول الحزب الوطني التابع للنظام المصري السابق إظهار عضلاته وقوته من خلال إنشاء صفحات إلكترونية على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك معلنين فتح صفحة جديدة مع المواطنين، ووفق لما هو منشور على الفيسبوك، فإن الحزب الوطني يأمل في تجميع أغلبية تسانده في الانتخابات المقبلة خاصة في مناطق مثل سوهاج والمنيا وأسيوط بصعيد مصر، موضحاً في تقريره أن رجال الوطني يعتمدون في مسلكهم هذا على صعوبة انضمام أحزاب المعارضة في الوقت القصير المتبقى على الانتخابات علاوة على أخذهم بحقيقة هامة وهي أن جزءا كبيرا من الأجهزة الحكومية وغالبية الإدارات التي تتعامل مع المواطنين ما زالت تدعمهم، أي تدعم رجال الوطني.

ولا بأس أن ننشر هنا بعض الحوادث التاريخية التي واجهها الإخوان المسلمون في الماضي، فقد يكون في استذكارها عبرة.

وسائل محاربة الجماعة

نبه الإنكليز ومعهم الأحزاب الفاسدة الحكومات في مصر إلى خطورة دعوة الإخوان في وقت مبكر.. فقد كان موقفهم من القضية الوطنية واضحاً لا غموض فيه ولا مساومة.. وموقفهم من اليهود وقضية فلسطين في رأس اهتماماتهم.. ولهذا أعلنوا الحرب على الجماعة.. أحياناً بشكل علني وأحياناً بطرق غير منظورة.. وكان على رأس وسائلهم:

1- البوليس السياسي الذي لم يكن يعمل لحساب الحكومة المصرية وحدها.. بل إن صلته بالضباط الإنكليز كانت أقوى وأظهر. ولقد نال الإخوان من مضايقات البوليس السياسي الشيء الكثير.

2-   إنشاء جمعيات تحمل أسماء لامعة مهمتها حرب الإخوان، مثل جمعية الإصلاح الاجتماعي وجمعية إخوان الحرية وغيرها.

3-   محاربة الإعلام الإخواني بتهديد كل من يكتب، وتهديد المطابع، وتهديد شركات التوزيع.

4-   محاولة تصديع البناء الداخلي للإخوان وهو أخطر هذه الوسائل.

وأهم حلقة في هذا التآمر الداخلي ما يتعلق بالأستاذ أحمد السكري وكيل الجماعة.. والأستاذ السكري كفاءة لا شك فيها، وهو رجل نشأ في أحضان التصوف وتربى في البيئة التي تربى فيها الأستاذ المرشد حسن البنا في المحمودية.. وكان ذا مواهب يغبط عليها فهو خطيب مطبوع، وذو قوام فارع وسمت جميل وهندام جذاب، ومع أن دراسته لم تتجاوز الثانوية إلا انه كان ذا ثقافة واسعة.. ولننقل بعض ما جاء في مذكرات الإمام حسن البنا حول السكري، يقول: (إنه قائد موهوب ولكنه منصرف بهذه القيادة وهذه المواهب إلى السفاسف، مسرف في وقته لا يقدر له قيمة، قلبه مملوء بأوهام لا حقيقة لها، ومنصرف إلى ناحية لا تثمر إلا العناء، فالاعتماد عليه ضرب من المخاطرة العقيمة. والأخ الشيخ.. له أساليبه الخاصة به، وهو ينظر إليّ كأخ زميل، فلا يصغي لآرائي إلا قليلاً ومن هذه الناحية يكون توحيد الفكر ضرباً من التعسر، فالاعتماد عليه مخاطرة كذلك)(مذكرات الدعوة والداعية- حسن البنا).

ولقد سألت(المؤلف) أحد معاصري هذه الفتنة (ممن يوثق بحديثهم) فأضاف المزيد إلى ما ذكره الإمام المرشد.. قال: كان السكري يتملق الكبار والإخوان يكرهون التملق، وكان يحاول أن يظهر بمظهر الآمر الناهي وليس ذلك من خلق الإخوان. وعندما بدأ الإمام البنا يفوض بعض القضايا للأستاذ عبد الحكيم عابدين، اعتبر السكري ذلك تعدياً على اختصاصاته.. وبدت بوادر التمرد تلوح في الأفق.. واجتمعت الهيئة التأسيسية مرة في 13 مارس 1947م ومرة ثانية في 9 يوليو 1947م للفصل في هذا الأمر.. وكان الأمر واضحاً بعد عرض الأدلة.. فاعتذر السكري للجماعة وجدد بيعته للإمام المرشد.

ولم يكد الاجتماع ينفض وأعضاء الهيئة التأسيسية يصلون إلى مناطقهم حتى أعلن السكري استقالته من الإخوان، وبدأ يكتب في صحيفة الوفد سلسلة من المقالات يهاجم فيها الإخوان والإمام البنا.. تحت عنوان: كيف انحرف حسن البنا بالجماعة.

ولقد شغلت الأحداث، التي تمثلت بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947م بتقسيم فلسطين، والتعبئة التي أعلنتها الجماعة لدخول المعركة، شغلت الإخوان عن متابعة قضية السكري والآخرين الذين حاولوا في أحلك الظروف قصم ظهر الدعوة من الداخل.

5- بين الإخوان والوفد، في أعقاب سقوط حكومة صدقي باشا، برزت جماعة الإخوان كقوة حقيقية توجه الأحداث في مصر.. ولقد جرّ عليها ذلك ويلات من كل جانب. أحسّ الإنكليز بزعزعة وجودهم في مصر.. وأحسّ الملك فاروق أنه بمواجهة هيئة وطنية لا تساوم على مبادئها.. وأحسّ الوفد أكثر من غيره بأن مركزه الشعبي أصبح في خطر.. واقتنعت قيادات الوفد بأن خطورة الإخوان المسلمين عليه تفوق خطورة كل أعدائه، لأنها تنازعه الزعامة الشعبية التي هي رأس ماله. وأصدر الوفد جريدتين هما الوفد المصري وصوت الأمة وليس لهما من مهمة سوى التشنيع على الإخوان.. (واستغلت جريدة صوت الأمة قضية أحمد السكري وانفصـاله عـن الجماعة.. فنشرت له سلسلة من المقالات التي تهاجم الجماعة وتزعم أن الجماعة تتهاوى!).

لم تكن خسائر الإخوان من جراء هذه الحملة الشرسة ذات بال، فقد خرج من الجماعة عدد محدود من الأفراد.. كان وجودهم ضاراً بالجماعة..

وبدأ التوتر يتصاعد بين الإخوان وحزب الوفد منذ 21 فبراير 1946م، عندما أصرّ الإخوان أن تكون لهم تحركاتهم ومواقفهم المستقلة في التحرك الذي سمي يوم الجلاء ووحدة وادي النيل.. وأعلن مكتب الإرشاد في 21 مارس 1946م أنه لن يشترك مع أية هيئة أو حزب أو جماعة في تشكيلات أو لجان لا تحمل طابع الوحدة الكاملة الحقيقية لجميع الهيئات التي تمثل الشعب (خاصة وقد كانت اللجنة الوطنية التي أعلن الوفد عن تشكيلها كانت بقيادة الحزب الشيوعي (حدتو) والوفديين اليساريين).

في 17 أبريل انهارت العلاقات بشكل تام.. ووصل التوتر ذروته، وفي 6 يوليو 1946م اصطدم الإخوان مع الوفديين في بورسعيد. ورد الوفديون بمهاجمة المركز العام والنادي الرياضي وحرقوهما، وحوصر المرشد العام في أحد المساجد.. وطالب الوفد حكومة صدقي بحلّ فرق جوالة الإخوان ووضع حدّ لأعمال العنف الفاشية التي يرتكبونها(الحركات السياسية في مصر- طارق البشرى، ص- 108).

وعلى إثر توقيع اتفاقية صدقي – بيفن، ومواجهتها برفض وطني شامل.. حاول الوفد تشكيل لجنة اتصال تضم كافة الهيئات السياسية المعارضة للاتفاقية بغية إسقاطها.. ومثّل الإخوان في هذه اللجنة الدكتور حسن إبراهيم وأحمد السكري.

وعندما عاد الإمام حسن البنا من رحلة الحج حيث عقد هناك نوعاً من مؤتمر إسلامي مصغر مع ممثلي الفروع الإخوانية والمتآخية(الإخوان المسلمون كبرى الحركات الإسلامية- إسحاق موسى الحسيني، ص- 137).. عرضت عليه أعمال هذه اللجنة.. فـدعا الإمام حسن البنا الهيئة التأسيسية إلى اجتماع طارئ، وعرض عليهم الاتفاق فأقروه واشترطوا عدة شروط ملزمة للجنة وهي:

    * أن يتعهد الوفد بعدم التفاوض مع الإنكليز إذا استلم الحكم إلا بعد أن يسلموا بالجلاء الناجز عن وادي النيل وبوحدته الحقيقية (أي وحدة مصر والسودان).

    * أن يستلهم روح الإسلام في كل الأوضاع الاجتماعية إذا ما عاد الوفد إلى الحكم.

    * أن يساهم في صندوق للجهاد يشارك فيه الجميع.

لقد أبطلت هذه الشروط الملزمة.. مكر الوفد الذي كان من الناحية العملية يكتل القوى إلى جانبه ليتسلم الحكم بعد إسقاط حكومة صدقي.

6-   الفتنة الطائفية، في هذه المرحلة الحرجة لجأ الإنكليز إلى أساليبهم الخسيسة، فهاجموا بعض الكنائس والمعابد، وتولت الصحافة الأجنبية إلصاق هذه الاعتداءات بالإخوان المسلمين(جريدة فيلادلفيا تريبيون (25/5/1947))، وقد ثبت أن هذه الأحداث كانت من تدبير الإنكليز. الأمر الذي أوقع الحكومة المدعومة من الإنكليز بشر أعمالها.

7-   إعلان الأحكام العرفية، كانت الأوضاع في داخل مصر في غاية الخطورة..

    * فالأحزاب لا يهمها إلا كرسي الحكم والتقرب من كل ما يقربها إليه.

    * والإنكليز يعيثون في الأرض فساداً.. يتحكمون بالأرض والشعب والقصر والسياسة في مصر.. ويمكنون لليهود في فلسطين.

    * واليهود وهم أقلية صغيرة، ولكنهم اليد اليمنى للمستعمر يملكون معظم الشركات والمرافق الهامة التي وضعوها في خدمة قيام دولة إسرائيل

كان رأي الإخوان أن تقليم أظافر المستعمر الغاصب، إنما يتم بتأديب أذنابه وبث الذعر في نفوسهم سواء في مصر أو فلسطين.

أما في فلسطين فقد كانت كتائب الإخوان تقوم بدورها الجهادي، إلى جانب الحركات الجهادية المخلصة في داخل فلسطين.

ومما يستحق التسجيل بالخزي والعار هو موقف الحكومة المصرية، حكومة الأحزاب الفاسدة من خدام القصر وسدنة نزواته.. فقد اتخذت من هذه الأحداث البطولية الرائعة وسيلة للتشهير والبطش بالإخوان(الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ (المرجع السابق) 1: 487).

الصحافة الأجنبية تؤزم الموقف

في هذا الجو السياسي المتوتر لعبت الصحافة الأجنبية دوراً مشبوهاً في التحريض على الإخوان..

ففي 2 مارس عام 1946م كتبت مجلة (ذي تابليت) البريطانية مقالاً قالت فيه: (إن مصر تتولى الزعامة بين الدول الإسلامية التي فقدتها تركيا بعد الحرب الماضية وصحف القاهرة تهدد الآن جامعة الأمم البريطانية بجهاد ديني، وقد أكد صدقي باشا من جديد صداقته مع بريطانيا، ولكنه مصر على أن تنسحب القوات البريطانية فوراً).

ونشرت الصحف المصرية في نفس العام ترجمة لما جاء بإحدى كبريات الصحف الأمريكية عن حسن البنا، ووصفته شكلاً وثقافة وذكاء ومقدرة على حسن التصرف وعلى تملكه قلوب سامعيه وعلى سيطرته على المجتمع الإسلامي ثم عقبت على ذلك بقولها: (إن هذا الرجل هو أقوى رجل بالعالم الإسلامي اليوم، ولا يمكن أن يغلب إلا أن تصير الأحداث أكبر منه).

وقد حملت هذه العبارة القصيرة كل ما يبيتون من تخطيط وتآمر للقضاء على حسن البنا وجماعته، وهذا ما كشفت عنه الأيام القليلة التي أعقبت هذا النذير(الإخوان المسلمون في مصر- مصطفى محمد الطحان، ص- (101-105)).

مع الأخ الدكتور أبو الفتوح مرة ثانية

ولقد نفى الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، ما تردد عن إستقالته من الجماعة قائلا :  أن ذلك لا أساس له من الصحة وليس واردا أو مطروحا لديه، فجماعة الإخوان هي بيتي الذي بنيته وكنت خادما وحارسا له وكل ما هنالك أنني أعلنت سابقا في حال ترشحي للرئاسة فسأقدم استقالتي بشكل إداري فقط من الجماعة احتراما لموقفها من الرئاسة وحتى أكون مرشحا مستقلا لكن طالما لازلت أدرس الأمر فإن ذلك لم يحدث ، وما حدث مجرد عبث إعلامي وأمنى حيث أن أطراف وأجهزة الأمن لازالت تعبث بأجهزة الإعلام وأحذر من استمرار تلك الأطراف الأمنية.

ويذكر إن صحيفة المصري اليوم هي التي نشرت خبر استقالة أبو الفتوح على لسان القيادي الإخواني إبراهيم الزعفراني والذي أعلن أنه اتفق مع أبو الفتوح على الاستقالة.

وذكر أبو الفتوح في، برنامج 90 دقيقة، أنه بالرغم من أن هناك تقصير وأخطاء داخل جماعة الإخوان إلا أنه يشرفه الانتماء للجماعة واصفًا نفسه بأنه أمين على هذه الجماعة التي لابد من الحفاظ عليها لأنها تمثل الإسلام الوسطى المتسامح .

وعن انتقاده للمرشد مؤخرًا أكد أن المرشد ليس كهنوت بل أنه شخص عادى يخدم الإخوان، والدكتور بديع هو رجل لطيف جميل طيب الخلق فليس هناك أحد يعمل في عزبة أحد وبالتالي فالنقد متاح ومباح فكل أعضاء الإخوان شركاء في الجماعة التي لا يوجد فيها أجير .

وكلمة أخرى أقولها للإخوة الأعزاء.. وهم بكل تأكيد يعرفونها ويعايشونها.. أن لا نضم صوتنا بالنقد الجارح إلى أصوات الثورة المضادة التي لا همّ لها إلا تجريح الإخوان والنيل منهم.. لنصحح ولكن برفق.. ولنقل ولكن بدون تجريح حتى لا نكرر المآسي التي دفعنا ثمنها باهظا أيام حكومة الوفد.. وأيام حكومة عبد الناصر يوم استقطب فريقا من قيادات الإخوان.. فكانوا شجى في حلوق الإخوان.. وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند..

فإلى إخواننا الذي نحب.. أهدافنا أكبر من قدراتنا.. وأساليبنا مازالت تئن تحت ضغط الواقع الكريه الذي عشناه مائة سنة أو يزيد ونحتاج إلى بعض الوقت لتلافيه وتصحيحه.

والحمد لله رب العالمين.

الكويت في 18/4/2011م

 
 

محمد سليم العوا يدعو الإخوان إلى البعد عن السياسة والاكتفاء بالأمور التربوية والدعوية

 (7) محمد سليم العوا يدعو الإخوان إلى البعد عن السياسة .. – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من مصر

قرأت المقال الذي كتبه الدكتور محمد سليم العوا الذي يدعو فيه الإخوان إلى البعد عن السياسة والاكتفاء بالأمور التربوية والدعوية.. وقرأت المقالات التي ردت على مقال العوا بين مؤيد ومعارض.

ولم أكن راغباً في الرد على الدكتور العوا.. فعندي ما يشغلني هذه الأيام حيث أكتب مذكراتي (أوراق مسافر) والتي تتضمن جولاتي في أركان الأرض الأربعة. والتي تناولت فيها شؤون المسلمين وأشواقهم.. وتعرفت على أوضاع المسلمين وحاجاتهم.. وأرى ذلك أولى بالاهتمام..

ولكن مقال العوا استثارني.. فقد بدا لي أنه متكلف.. وأنه في مجموعه يمثل هجوماً على الإخوان أكثر مما يمثل توضيحاً لفكرة.

أنا لا أريد أن أناقش فكرة الفصل بين السياسي والدعوي فهي دعوة متهافتة لم يقل بها إلا أعداء الإسلام.. فيوم ألغى أتاتورك الخلافة الإسلامية.. ألغى قبلها السلطنة عام 1923 أي الجانب السياسي من الإسلام.. واكتفى بالجانب الكهنوتي العبادي.. وبعد سنة أي عام 1924 ألحق الخلافة بالسلطنة.

جميع الأحزاب الغربية والعلمانية تطالب بفصل السياسي عن الدعوي تحت مسمى فصل الدين عن الدولة. وعندما تم هذا الفصل في معظم بلاد المسلمين، قامت عندنا مؤسسات دينية تتمثل في الحركات الصوفية وفيها الجيد والسيء.. وبالمقابل مؤسسات تعني بشؤون الحكم والسياسة لا دين لها ولا طعم ولا رائحة.

الدكتور محمد سليم العوا

هل هذا ما يريده الأستاذ العوا.. ولكنه جمّله بعبارات ألطف؟

الأمر الثاني: أريد أن أسأل الدكتور العوا.. ما هو الموقف الذي مارسه النبي صلى الله عليه وسلم في مكة أو في المدينة.. أيام الاضطهاد والتعذيب والتنكيل بالمؤمنين في مكة.. أو أيام الدولة التي أنشأها الرسول صلى الله عليه وسلم  في المدينة وأصبح المسلمون فيها آمنين في سربهم يعيشون حياتهم كما يعيشها الناس الآخرون بدون إزعاج..

ما هو الموقف الذي يمكننا أن نصنفه أنه دعوي تربوي.. أو نصنفه على أنه سياسي.. لا أعتقد أن أحداً يستطيع أن يخبرني إلا إذا كان متكلفاً.

عندما دعا النبي صلى الله عليه وسلم قومه في مكة للإيمان بالشهادتين.. لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.. قال المشركون أن محمداً يدعو ليتمكن من إقامة سلطانه في مكة.. فإذا كانت كلمة التوحيد هي دعوة وتربية.. والسلطان سياسة.. فكيف فهم مشركو مكة أن الأمرين واحد ولم يكن رأسمالهم في المعرفة سوى فهمهم لمعاني اللغة العربية..؟

كيف فهم أبو جهل كلمة التوحيد التي أطلقها النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو قومه إلى نبذ عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، وأن يؤمنوا بالدين الحق وأن الله خالق كل شيء، وهو المحيي والمميت وإليه يرجع الأمر كله..

فقال: كنا وبني عبد مناف كفرسي رهان أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، حتى قالوا: منا نبي والله لا نؤمن إلا لنبي من بني مخزوم.. كيف فهم أبو جهل أن كلمة التوحيد تعني سلطان الإسلام.

في أواخر العهد المكي استراح المسلمون للتعذيب الذي يقع فوق رؤوسهم.. فهم يتعبدون ويصلون ويتحملون الأذى في سبيل الله.. وهذه هي الغاية التي يبغيها المسلم.. فبدأت آيات الذكر الحكيم تتنزل على المؤمنين.. تفهمهم أن القرآن الكريم تنزل على أمة حية تبني الحياة وتقيم العمران.. فانتفض المسلمون من أنسهم بالتعذيب في سبيل الله.

كيف نفهم صلح الحديبية وأين نصنفه.. في ظاهر الأمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار بالمسلمين لأداء سنة العمرة وهي عبادة محضة.. وإذا بالحدث قضية سياسية من الطراز الأول كما يقول العقاد في كتابه عبقرية محمد.

إن فصل السياسي عن الدعوي في الإسلام أمر محال.. قد يكون مثل هذا الفهم موجوداً عند من يقول: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله.. وإن كنت أشك بهذا القول وبهذا الفهم.

الأستاذ عبد العزيز السيسي أحد الإخوان المصريين.. عاش آخر أيامه في الكويت.. فقد كان ممنوعاً من زيارة بلده، كان يقول لنا: أنا لن أبقى مع الإخوان.. ولكن الرجولة تقتضي أن لا أفعل ذلك اليوم.. ولكن عندما تنتهي المحنة فلن أبقى يوماً واحداً مع الإخوان.

نعم نحتاج إلى خلق الرجولة.. فكيف أسمح لنفسي أن أنتقد الإخوان وأطالبهم بتعديل منهجهم في الدعوة.. ثم أقول إن هذا الاقتراح قديم قبله فريق من الإخوان ورفضه أصحاب القرار؟ هل هو تحريض على أصحاب القرار؟

ثم إذا كان للدكتور العوا رؤية حول هذه الفكرة فلماذا لا يقبل أن يكون لدى قيادة الإخوان رأي مخالف؟

أليس الدكتور ممن يؤمنون بالحوار وبالرأي والرأي الآخر..؟!

كنت أتوقع: انطلاقاً من خلق الرجولة – أن يصدر العوا بياناً يرفض فيه مهزلة محاكمة قادة الإخوان أمام محاكم عسكرية خاصة وهو المحامي الأريب الذي يعرف هذه القضايا أكثر من غيره.

كنت أتوقع: أن يجمع العوا زملاءه الدكاترة وينطلق نحو مؤسسة الحكم.. يطالب بإطلاق سراح هؤلاء الشرفاء الأبرياء.

أنا لا أنكر ضرورة إقامة علاقات طبيعية وتواؤم مع المسيحيين داخل المجتمع المصري.. وأن يشغل ذلك الاهتمام في مؤتمر الإفتاء في عالم مفتوح.. ولكن هل المسيحيون مظلومون..؟ والكل يستجدي الاهتمام بهم والتقرب إليهم..؟

رمزي كلارك القانوني الأمريكي جاء متطوعاً يدافع عن الإخوان المظلومين.. ولما منعوه من دخول قاعة المحكمة.. قال أنه سيعقد مؤتمراً صحافياً في نيويورك يشرح فيه قضية الإخوان المسلمين وسيشرح هذه القضية في كل مكان يصل إليه.

لماذا فعلها كلارك ولم يفعلها المفتون في اتحاد علماء المسلمين خاصة وهم مهتمون بالعمل الإسلامي من رشيد رضا إلى (أبو العلا ماضي)( عنوان مقال كتبه الدكتور العوا يشيد فيه بحزب الوسط وبأبي العلا ماضي).

أم أن الأمر لا يستحق.. باعتبارهم بضع مئات.. أو أقل من ذلك لكن صوتهم عال.. (كما جاء في مقالكم).

والحمد لله رب العالمين

الكويت 18/7/2007م

 
 

هل يؤسس جمال مبارك حزب المستقبل؟

 (6) هل يؤسس جمال مبارك حزب المستقبل؟ – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من مصر

مع الصعود الذي حققه الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية والذي اعتبره البعض مفاجئاً لدوائر القرار السياسي، وإخفاقاً للحزب الرسمي للدولة (الحزب الوطني) في الحصول على أغلبية الثلثين اللازمة للتحكم بأي تعديلات دستورية محتملة، ولتمديد حالة الطوارئ.. واضطرار الحزب الحاكم إلى خطب ود المستقلين وضمهم إليه، بعد أن اقسم الطرفان: الحزب والمستقلون بأن طلاقهم بائناً.. وكانت صفقة مربحة لكليهما.. يؤمن الحزب الحاكم بها أغلبية الثلثين، ولا يظهر أمام الشعب بأنه حزب هزيل حصل على 33% فقط من الأصوات رغم كل ما استعمله من وسائل يندى لها الجبين في محاربة الآخرين.. ويؤمّن المستقلون (بهذه الصفقة) مصالحهم التي ترشحوا من أجلها.

جمال مبارك

وبهذه المناسبة بدأ الحديث عن رغبة نجل الرئيس جمال مبارك بإنشاء حزب جديد باسم حزب المستقبل.. وأنى لجمال مبارك الذي لا يعرف الحقائق إلا من خلال مؤسسة الرئاسة التي تحتكرها أسرته.. أنى له أن يعرف الأمور على حقيقتها.. ونحن بهذه المناسبة نحب أن نذكره ونذكر غيره ببعض الحقائق.

1- بداية القصة كانت أيام جمال عبد الناصر في أعقاب انقلاب 23 يوليو 1952.. كان حيث يذهب يقابل بهتافات الله أكبر ولله الحمد.. وكان يخطط أن تكون علاقته بالشعب المصري.. أن يقف هذا الشعب إذا قال له جمال عبد الناصر: قف، وان يجلس  إذا أمره بالجلوس.. فأنشأ حزباً باسم حركة التحرير.. ووضع على رأسه أكبر الشخصيات وألمع الأسماء، وحاول إقناع الإخوان بالانضمام إليه.. وعبثا حاول الإخوان أن يشرحوا له أن الحزب لا يبنى بقرار.. وأن الحزب الذي تبنيه الدولة لا ينضم إليه إلا تجار المبادئ الذين يريدون أن يصعدوا على ظهر الحزب.

وتعرض الإخوان للأهوال: للقتل والقمع والسجن وكل ما يتصوره الإنسان من إذلال.

وانتهى حزب حركة التحرير الذي خرج أبطاله إلى الشوارع ينادون بسقوط الحرية وسقوط الديمقراطية.. وبقي الإخوان فكراً يعلو ولا يعلى عليه.. ورموزاً شامخة هي القدوات التي يعيش على التأسي بها جيلنا والأجيال التي ستأتي بعدنا.

2- وفي سوريا كان هناك برلمان وانتخابات ودستور فنكبت البلاد بالإنقلابات.. كان الأمريكان الذين خططوا ونفذوا.. يريدون قرارات سريعة مثل تسليم بعض القرى والبلدات في المنطقة المنزوعة السلاح إلى إسرائيل.. وإتمام صفقة التابلاين.. ولما استعصى على الأمريكان الحصول على قرارات سريعة تناسبهم من الحكومة السورية، قام انقلاب حسني الزعيم في مارس 1949م.. فحصلوا في جرة قلم واحدة على كل ما يريدون. وجاء أديب الشيشكلي وقام بانقلابه، وأراد أن يتعلم من خبرة جمال عبد الناصر فأنشأ حزب حركة التحرير.. ودعا الأحزاب للانضمام لها.. انضم لها المرتزقة.. والوصوليون.. وتجار السياسة.. ودخل الأحرار السجون.. وفي حوار بين الشيشكلي ومصطفى السباعي (رحمه الله) قال الشيشكلي: لماذا لا تتعاون معنا يا دكتور..؟ فأنا أحب الإسلام مثلك تماماً.. وانتهى أديب الشيشكلي.. ولا يذكر أحد حزبه.. وبقي مصطفى السباعي شامخاً.. وبقيت دعوته رمزاً لكل الحركات التي لا تبيع نفسها لحاكم.. أو لأجنبي!

3- ويوم أسقطوا السلطان عبد الحميد (رحمه الله).. وتسلم حزب الاتحاد والترقي الحكم.. ومزقوا الدولة.. وألغوا الخلافة.. وأقاموا جمهورية علمانية تحارب الإسلام.. شكلوا حزب الشعب.. كجزء متمم في ديكور الديمقراطية المزيفة.

وقبل الشعب أن يدفع الثمن.. نصف مليون شهيد يدافع عن دينه.. وعندما أثخنته الجراح.. وأرهقه الإذلال.. لجأ إلى الله يدعوه أن يخلصه من هذه المحنة.

وفي عام 1950 شكل عدنان مندريس حزبه الديمقراطي.. وأعلن نهاية المحنة.. بمثل هذه الإشارة سقط حزب الطغيان وحصل مندريس على كل الأصوات..؟

من يعتبر من التاريخ القريب والبعيد..؟ ويعلم أن البقاء للأصلح..

(وأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).

4- موقف أخير.. في هذا المقال الصغير.. عندما جاء اربكان من المجهول وطالب بتشكيل حزب اسمه حزب النظام عام 1970.. اشتم الطاغوت من اربكان رائحة الإسلام.. فاستشاروا عصمت انينو رئيس الجمهورية السابق، ورفيق أتاتورك.. فنصحهم بقبول تشكيل الحزب الجديد.. وعندما سألوه: وكيف ذلك؟

قال: ليحاولوا.. وسيجدوا أنا حرثنا الأرض جيداً.. فلم يبق فيها إسلام.. لقد طلبنا من (الله) أن يرحل من بلادنا.. ولقد رحل..

سنة واحدة وعدة أشهر.. استطاع اربكان القادم من المجهول والذي لا يستطيع أن يتلفظ بكلمة واحدة عن الإسلام بصراحة.. أن يكتسح الساحة.. فكان انقلاب عام 1971 وإلغاء الحزب..

وأخيراً.. أريد أن أخبر جمال مبارك.. أن حزب المستقبل هو الحزب الذي ينبثق من أشواق الجماهير.. من عقيدتها ودينها وتراثها.. ومن معاناتها ولقمة عيشها ومدرسة أبنائها..تبذل دماءها دفاعاً عنه.. وعندما يقتلهم الطغاة يعدهم ربهم بأنهم أحياء عنده يرزقون.

وأريد كذلك أن أقول للمتعجلين: اقرأوا التاريخ أولاً.. ثم امضوا على بركة الله.

2006/1/4م

 
 

الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

(5) الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من مصر

الأستاذ محمد مهدي عاكف

أحداث متلاحقة.. كلها تؤثر في مسيرة الدعوة والحركة.. فقد تم الإعلان عن وفاة المرشد العام محمد مأمون الهضيبي.. الرجل الذي وصفه زملاؤه بأنه كان مثالاً  في الانضباط والحكمة، متفانياً في عمله، محباً لإخوانه، مهتماً لأحوال أمته، يتألم لآلامها ويفرح لفرحها، وكان حريصاً على متابعة أخبار العالم كله، وخاصة تلك التي تهم المسلمين.. والمسلمون اليوم يواجهون تحديات كبرى فقد وضعتهم قوى الاستكبار العالمي في قفص الاتهام.

ولم يكن أمام أحد من المسلمين، وخاصة إخوان الفقيد وأحباؤه، إلا التسليم بقضاء الله، والدعاء للفقيد بالرحمة والغفران.

وسرعان ما أُعلن أن الأستاذ محمد هلال المحامي هو من سيقوم بأعمال المرشد العام للإخوان المسلمين إلى أن يختار الإخوان مرشدهم الجديد.. ولقد أعلن الأستاذ محمد هلال يوم 14 يناير 2004م أن إجراءات انتخاب المرشد العام الجديد قد تمت وفقاً لأحكام النظام الأساسي للجماعة وتم اختيار الأستاذ محمد مهدي عاكف مرشداً عاماً للإخوان.

وكما حزن الإخوان في أنحاء الدنيا لفراق مرشدهم الهضيبي.. الذي كان متميزاً بعطائه وحكمته.. فقد تفاءلوا بالمرشد الجديد.. الذي عرفوه في ساحات العمل المختلفة.

ذكرياتي مع المرشد الجديد

كنت أسمع عن الأستاذ عاكف من خلال مواقفه وهو مسؤول عن قسم الطلبة، وعن قوته في إدارة ملحمة الجهاد ضد قوات الاحتلال في القنال.. وعن جرأته أيام السجون والمعتقلات في كل العهود.. كنت اسمع عن ذلك.. ومع كل ملحمة يزداد جيلنا إعجاباً بهذه الدعوة المعطاء.. وبهذا الجيل الفريد الذي ربّاه الإسلام فأحسن تربيته وأوقد شعلة الحماس فيه الإمام الشهيد حسن البنا.. على هدي الدعوة الأولى.

أول لقاء لي مع الأستاذ عاكف فقد كان في الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض، فقد كان مسؤولاً عن مخيمات الندوة التي أقامتها في مختلف أنحاء العالم.. وكنت عضواً في الأمانة العامة للندوة، وكان طبيعياً أن نلتقي ونتحاور ويزداد إعجابي بالرجل.. سمعت منه العبارة التي أثّرت في شخصيته وأثّرت فيّ كذلك وهي (من أراد الجنة فلا يرى لنفسه حقاً على أحد.. ولا ينقص من أقدارنا أن يهاجمنا بعض الناس، ويتهموننا بالباطل، ولكن الذي ينقص من أقدارنا هو أن نخطئ نحن..).

أكثر هذه المخيمات أثراً في نفسي كان مخيم جنة قلعة في تركيا الذي عقد في سبتمبر 1980 قبيل الانقلاب العسكري الذي قاده رئيس أركان الجيش التركي كنعان أفرين ضد مجموعة حزب السلامة الإسلامي الذي كان يتزعمه الدكتور نجم الدين أربكان.. أصرّت الحكومة التركية أن لا يحضر أربكان المخيم.. وأصرّت إدارة المخيم أن يحضر ويحاضر.. وعندما جاء وتحدث حصل زلزال في أرض المخيم من كثرة الهتافات والتحيات.. قلنا يومها هكذا تكون القيادة!

والتقيت مع الأستاذ عاكف في ميونيخ عندما أصبح مديراً للمركز الإسلامي هناك.. وعاكف بابتسامته المشرقة وهمته العالية ودأبه الذي لا نظير له.. حوّل هذا المركز الجميل الخامل إلى خلية نحل تضجّ بالحركة والعطاء.

وأهم هذه المواقف يوم جاءني لأعمل معه في قسم الطلاب.. وكنت متردداً لأسباب تخصني.. فأنا من الصنف الذي أعرف وأنكر.. وأقبل وأرفض.. وإذا كنت جندياً ألبي النداء.. وألتزم الصف في كل الظروف.. إلا أن طبيعتي هذه ألبّت عليّ الكثيرين.. احتضنني وطمأنني ولم أستطع أن أرفض،، وكل ما فعلته أن بكيت بشدة وهو يحتضنني.. لقد كان معي الأب والأخ معاً.

لقد صدق وعده.. وشعرت بالأمان معه.. ولم أشعر بمثل هذا الحنان منذ زمن طويل.. ومع الأمان كان العطاء الكبير الذي امتد على ساحات العالم وما زال يمتد.. والفضل في ذلك لله.. وللأخ الكبير محمد مهدي عاكف الذي يحسن التعامل مع أطياف الناس، يطمئنهم، ويستخرج منهم أقصى عطائهم.

وأصبح أربكان رئيساً للوزراء.. وأصبحنا معاً عاكف وأنا.. مسؤولين عن التجمعات الإسلامية في العالم.. نلتقي مع كل حركة أو حزب أو تجمع إسلامي في العالم.. ندرس أوضاعه، ونتعرف على مشاكله، ونعمل على حلها ما وسعنا الأمر..

ما أجمل تلكم الأيام التي قضيناها في استانبول.. يأتيني عاكف ماشياً فما زال يعتز بفتوته وشبابه وذكرياته.. نلتقي على ساحل بحر مرمرة الجميل نتذاكر في شؤون وشجون المسلمين..

كنت معه في المدينة المنورة قبيل اعتقاله الأخير بسبب حزب الوسط.. حدثني عن الحزب.. وأخبرني بأنه سيعتقل فور عودته.. هؤلاء هم صنّاع الأحداث لا يهربون من المعارك.. بل يواجهونها مع إخوانهم بمنتهى القوة والوضوح.

ويخرج الأستاذ عاكف من السجن.. ونتواعد على اللقاء في مكة المكرمة.. ألا ما أجمل السويعات التي قضيناها في رحاب الحرم.. فما زالت لذائذها تملأ جوانحي.. وما زال الحب الذي ربط قلبينا في أعلى درجات تألقه..

وأخيراً.. أعلنت القاهرة اختيار الأستاذ محمد عاكف مرشداً عاماً للإخوان المسلمين..

فهل أقول أنه اختيار موفق؟ هذا الأمر يعرفه جميع الإخوان على اختلاف مواقعهم ومستوياتهم وأعمارهم..

وهل أقول أنه شديد الاعتزاز بهذه الدعوة المعطاء المباركة؟ إنه تحصيل حاصل يعرفه ضباط السجون.. وقضاة المحاكم العسكرية.. ويعرفه الإخوان في العالم الذي التقى بهم الأستاذ عاكف في تطوافه عليهم.

وهل أقول أنه متفائل.. لا يعرف اليأس ولا القنوط؟ وهذه صفة يحتاجها كل قائد يتصدى للأمر الجلل..

وأخيراً هل أقول أنه يمثل بالنسبة لي الأخ والأب.. ويمثل اليوم المرشد العام الذي نؤدي إليه التحية ونقول له بلغته: حاضر أفندم؟