RSS

الأستاذ مصطفى مشهور

20 Feb

المرشد العام الخامس

 

بعض خواطري مع شيخنا

من الصعوبة البالغة أن يكتب مثلي عن مثل مصطفى مشهور، أحد قيادات الإخوان المسلمين في مصر.. وعندما رجعت إلى الأرشيف أطالع ما كتب عن شيخ الدعوة، وجدته كثيراً ومفيداً.. لم يترك المحبون والمريدون زاوية في حياة الرجل العظيم إلا وتناولوها.. ومع ذلك.. فقد التزمت أن أكتب عن الشخصيات الإسلامية التي عايشتها.. وكتبت عن كثيرين.. فلم يكن من الإنصاف أن أتجاوز شيخنا ومعلمنا مصطفى مشهور.. ولو فعلت لاستغرب من يقرأ كتابي عن سبب هذه الثغرة.. لمَ تركتها؟

لهذا السبب فإني سأدلي بدلوي.. وأتحدث عن بعض المواقف مع الرجل العظيم مصطفى مشهور.

الأستاذ مصطفى مشهور مع الأستاذ الطحان

أبدأ من أنكونا في شمال إيطاليا على ساحل الأدرياتيك. كان لقاء لطلاب إيطاليا.. وبعض الطلبة القادمين من الدول المجاورة.. وكان من الضيوف الأستاذ مصطفى مشهور والأخ أبو هشام وبعض قيادات الإخوان الآخرين.. مرّ الملتقى.. وفي أوقات الفجر كان يجلس الأستاذ مصطفى مشهور بعد الصلاة مع مسؤولي العمل الطلابي وكنت معهم، يتحدث عن الدعوة: الفكرة والتاريخ والمحن.. وعن ضرورة العمل الدؤوب حتى لا تتوقف الحركة عن أداء واجبها في تصحيح مسيرة الأمة.. ويختم اللقاء بتجديد البيعة.. يتكلم ونحن نثنّي على كلامه.. نعاهد الله على المضي في هذا الطريق مهما بلغت التحديات.

يومها كان شيخنا يجمّع الإخوان في أنحاء العالم.. ليؤكدوا وجودهم.. ويجددوا بيعتهم.. ويلتزموا صفهم.

وكنت أزور فرنسا مع أخي الأستاذ صلاح شادي.. أحضر ملتقى للعمل الطلابي في مدينة ستراسبورغ الحدودية مع ألمانيا وفيها خط ماجينو الذي اشتهر في الحرب العالمية الثانية.

وبعد فرنسا زرت ألمانيا.. وفي ميونيخ التقينا بالشيخ مصطفى مشهور فقد اضطرته الظروف للخروج من مصر.. وفي ألمانيا كان شيخنا يعكف على تشكيل التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.. وتعانق صلاح شادي مع مصطفى مشهور عناقاً طويلاً.. تحدثت فيه العيون بالدموع.. وطال العناق. يومها قلت رحم الله الإمام البنا.. كيف ربى هذه النماذج التي إذا التقت لا تستطيع أن تفترق.. رحم الله الشيخين فقد تعلمت من دموعهما درساً في الحب لا أنساه.

وفي الأردن كنت أشارك في العديد من اللجان.. بعضها يتعلق بالقضية السورية.. وبعضها بالقضية الإعلامية.. وكان يحضر في بعضها الشيخ مصطفى مشهور محاوراً وموجهاً.. يومها قال لي في لقاء خاص بيني وبينه: هل صحيح أنك تسعى لتشكيل جماعة جديدة؟

يومها كنت أميناً عاماً للاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية.. وكنت لا أكاد أستقر في بلدي.. فأنا مسافر.. من مكان إلى مكان.. وفي كل مكان أزوره ألتقي مع الإخوة الطلبة وأتابع أنشطتهم.. والعمل الطلابي هو نواة كل عمل دعوي حركي..

فكان البعض ممن يسيئون الظن يقولون أنني أعمل على تشكيل تنظيم جديد.

أشكر لأستاذي مصطفى مشهور أنه كان صريحاً معي.. وهذه مزية لا يتمتع بها إلا الكبار ولقد جاء في التوجيه الرباني قوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) والتبين هنا بالسؤال المباشر الصريح..

قلت له يومها: نحن نلتقي في أمرين.. في الاسم.. وفي التمسك بهذه الدعوة المباركة مهما كانت الظروف.. حتى نلقى الله.

ولقد سرّ من قولي وظهر ذلك في وجهه رحمه الله.

في استانبول.. كانت لنا لقاءات كثيرة..

من هذه اللقاءات.. لقاء شيخنا مع الأستاذ نجم الدين أربكان.. في المؤتمرات العامة للتجمعات الإسلامية حيث يلقي الأستاذ مصطفى كلمة الإخوان المسلمين أمام آلاف المشاركين في هذه المؤتمرات.

وفي لقاءات التنسيق بين الحركات الإسلامية.. وكان لقاء ثلاثياً بين الأستاذ أربكان والأستاذ مصطفى مشهور والأستاذ القاضي حسين أمير الجماعة الإسلامية في باكستان.. وكنت أمين عام هذه اللقاءات أرتب البرنامج وأدعو للقاء.. ولقد كان لقاءاً مفيداً تبحث فيه كل قضايا الحركات الإسلامية المشتركة.

وفي لقاء مكتب الإرشاد الذي كان يعقد في استانبول في أكثر الأحيان.. وقد جاء ممثل تنظيم الإخوان في الكويت.. يحمل رسالة من إخوانه عن توقف الجماعة في الكويت عن لقاءات التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.. احتجاجاً منهم على موقف الجماعة من غزو الكويت.. وكان موقفاً متسرعاً.. قابله الأستاذ مصطفى مشهور في اللقاء بالحكمة والأناة.

وفي أكرانيا التقيت مع الأستاذ مصطفى مشهور في لقاء ضم مسؤولي العمل الإسلامي في منطقة آسيا الوسطى..

كان لقاء مهيباً.. تأثرت فيه أشد التأثر.. تحدث في الفجر شيخنا مصطفى مشهور مع جميع الإخوة القادمين.. ذكرهم بالله.. وحثهم على التمسك بالدعوة.. وجدد معهم البيعة.. يومها قلت: سبحان الله ما أعظم هذا الدين.. وذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يوم قال لابنته فاطمة.. وقد بكت.. سألها لماذا تبكين يا فاطمة، قالت: عليك يا رسول الله.. قال لها: لا تبك يا بنية، إن الله ناصر أباك.. وسيبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار.

أليس المنظر الذي أمامنا شديد العجب.. الاتحاد السوفياتي يسقط والدول الإسلامية تعلن استقلالها ويأتي مرشد الإخوان ليأخذ البيعة منهم.. صدق النبي العظيم.. سيبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار.

في المجر كنا نحضر لقاء للإخوة العاملين في المجال الطلابي في أوروبا. ونزلنا في فندق جميل في وسط الغابة.. وقد حضر اللقاء أبو العلا ماضي.. وقد حرص دائما على محادثتي.. وحاول أن يقنعني أن حزب الوسط هو حزب الإخوان.. وأن الأستاذ محمد مهدي عاكف هو من أسسه.. وأن الذي يقف في وجهه هو الأستاذ مصطفى مشهور..

وقال لي: لا أعرف لماذا يعاديك مصطفى مشهور.. كان يطلب منا ألا نتصل بك.. ولا نجيب على رسائلك.. قلت في نفسي.. لماذا هذا التحريض.. وهل يصح مثل هذا القول في إفساد ذات البين بين الإخوة.. ويومها أطلعني على مقال محمد سليم العوا.. الحركة الإسلامية من رشيد رضا إلى أبو العلا ماضي.. مبالغات وأكاذيب أجبت على بعضها في مقال كتبته بعنوان.. مع سليم العوا..

لقد أحببت الرجل.. وعرفت نشاطه ودأبه وتمسكه بدعوته.. قرأت كتبه واستفدت منها في بعض كتبي.. وطلبت منه أن يقدم كتابي: فلسطين والمؤامرة الكبرى ففعل.

كما وطلبت منه أن يقدم كتابي الفكر الإسلامي الوسط (دراسة في فكر الإخوان المسلمين) ففعل..

وهذه شهادة مني لفقيدنا الجليل.. فرسولنا يقول: إذا شهد للمسلم أربع من إخوانه قبل الله شهادتهم. هذه شهادتي وسيجد الفقيد مئات الشهادات غيرها.

أختم خواطري عن القائد الكبير مصطفى مشهور.. وهي لا تكاد تنتهي.. أختمها بمشهد..

عندما كان مكتب الإرشاد يعقد لقاءه في استانبول.. كان الأستاذ محمد مهدي عاكف وهو بالمناسبة حبيبي وأخي وشيخي.. كان يحاول الأستاذ مصطفى أن يذهب معه إلى فندق قريب.. وكان يجيبه الرجل الزاهد العابد.. تكفيني نومة هنا (ويقصد بهنا) كنبة قديمة في بيت أخينا سيف حسن البنا في استانبول.. رحم الله الفقيد العابد الزاهد رحمة واسعة.

حياته

ولد مصطفى مشهور في 15 سبتمبر 1921م في قرية السعديين التابعة لمحافظة الشرقية.. حصل على الثانوية العامة في القاهرة، وتخرج من كلية العلوم في جامعة القاهرة عام 1942م، وعمل بعد تخرجه في الأرصاد الجوية.

وفي سنة 1945م، تزوج من ابنة عمه زبيدة عبد الحليم مشهور، التي فاجأها بقوله: إن زوجتي الأولى هي (الدعوة) وأنت الزوجة الثانية، فلا تغاري منها إذا تأخرت أو شغلتُ بسببها عنك. فكان جواب زوجته: وأنا خادمتها.

وقد كان زواجاً مباركاً موفقاً، وعهداً موثقاً، ووفاء متصلاً حتى الممات.

ظلت الزوجة الصالحة وفية لزوجها ودعوتها حتى توفاها الله في 2 أكتوبر 1997م.

في جماعة الإخوان المسلمين

نشأ  مصطفى مشهور في بيئة تعلي من قدر الدين والمتدينين، وصاحبه تدينه إلى حيث ذهب، كان يرتاد المساجد يصلي فيها ويستمع إلى ما يلقى من دروس ومواعظ وبيده مصحفه لا يفارقه، وذات يوم رأى أحد المصلين يوزع مجلة التعارف، وفي المسجد تعرف إلى شاب من شباب الإخوان المسلمين، ولم يتعب الشاب في إقناع الفتى مصطفى ابن الخمسة عشر خريفاً بدعوة الإخوان، فقد صحبه إلى شعبة الحي، ثم إلى المركز العام في منطقة الحلمية ليستمع إلى محاضرة لمرشد الإخوان الإمام حسن البنا، فاستمع الفتى في انبهار إلى المحاضر وحرص على المداومة على حضور دروسه كل أسبوع، وهكذا صار الفتى مصطفى عضواً في جماعة الإخوان المسلمين عام 1936م، ومنذئذ التحم كيانه كله في جسم الجماعة، فما فارقها لحظة واحدة في عسر ولا في يسر، وعاش فيها بجسمه وروحه، عاش سراءها وضراءها، وكانت روحه تحلق في أجوائها وهو يمشي على قدميه في أحياء القاهرة وأريافها، وفي الصعيد، وفي المدارس والجامعات، يدعو إلى الله، فقد كان كتلة من حيوية ونشاط، لفت إليه أنظار القائمين على (الجهاز الخاص) فوضعوا عيونهم عليه، وراقبوه واختبروه ثم لم يلبثوا إلا قليلاً حتى ضموه إليهم، وليكون من أنشط أعضاء الجهاز انضباطاً، وتنفيذاً لما يطلب منه.

الجهاز الخاص

وهو الذي كانوا يسمونه الجهاز السري، أنشأه الأستاذ المرشد عام 1940م من خيرة شباب الإخوان ديناً، وأخلاقاً وإخلاصاً لفكرة الجهاد، وكان الهدف من إنشائه، تدريب الشباب من أجل تحرير مصر من الاستعمار الإنجليزي، الذي يحتل البلد ويستنزف خيراتها. وتحرير فلسطين من الإنجليز الذين يستعمرونها ويتآمرون مع اليهود لإنشاء وطن لهم فيها، وإقامة دولتهم على أرضها.

وقد خاض رجال الإخوان معارك هائلة في مصر ضد الإنجليز في القنال خاصة وحيث وجد للإنجليز منشآت في بعض مدنها، كما خاضوا معارك باسلة في فلسطين، وأبلوا أحسن البلاء، ولولا تآمر المتآمرين على فلسطين وعلى المجاهدين، لكان لأبناء هذا الجهاز الحيوي دور هائل في إحباط ما يفكر به الإنجليز واليهود وعملائهم، ولكن المؤامرة كانت أكبر من أولئك الرجال الذين قدموا أرواحهم ودماءهم فداء لفلسطين والقدس والأقصى وكانوا ينفقون على تنظيمهم هذا من جيوبهم الخاصة، وكان مفتي فلسطين الحاج محمد أمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا في فلسطين، يقدم لهم بعض المال ليشتروا به السلاح. وكان الشاب مصطفى مشهور واحداً من هؤلاء المجاهدين.

وقد أشاد به القادة العسكريون وغيرهم لما رأوا من جهاد أعضائه وبطولاتهم في فلسطين ضد اليهود، وفي مصر ضد الإنجليز، وتلك كانت مهمة النظام الخاص البطولية التي حاول تشويهها الاستعمار وأعوانه في الداخل والخارج، إن السياق التاريخي والسياسي في مصر آنذاك كان يسمح بوجود مثل تلك التنظيمات شبه العسكرية.. مثل منظمة الحرس الحديدي التي تأتمر بأوامر القصر الملكي، ومنظمة القمصان الزرق لمحاربة أعداء حزب الوفد، ومنظمة القمصان الخضر التابعة لحزب مصر الفتاة.. وغيرها.

قضية سيارة الجيب (1948)

كانت أول تجربة قاسية يمر بها الشاب مصطفى، عندما سقطت سيارة جيب تابعة للنظام في يد البوليس، وبها كل الأوراق التي تخص النظام، وكان مصطفى مشهور في هذا الوقت من قادته، وكان ذلك في 5 نوفمبر 1947م. فاعتقل مع إخوانه وقدموا للمحكمة التي ظلت منعقدة ما يقرب من العامين والنصف، حتى برأت المحكمة المتهمين من الإخوان في 17 مارس 1951م، وذلك لنبل مقاصدهم وجهودهم في فلسطين، وذلك بعد شهادة مفتي فلسطين، واللواء المواوي قائد القوات المصرية في فلسطين واللواء فؤاد صادق.

والطريف في الأمر، أن رئيس المحكمة المستشار أحمد كامل بك وكيل محكمة استئناف القاهرة ذكر في حيثيات الحكم الذي نطقت به المحكمة ما يلي: وحيث أنه سبق للمحكمة أن استظهرت كيفية نشأة جماعة الإخوان المسلمين، ومسارعة فريق كبير من الشباب إلى الالتحاق بها، والسير على المبادئ التي رسمها منشؤها والتي ترمي إلى تطهير النفوس مما علق بها من شوائب، وإنشاء جيل جديد من أفراد مثقفين ثقافة عالية، مشربة قلوبهم بحب وطنهم، و التضحية في سبيله بالنفس والمال، وقد كان لا بد لمؤسسي هذه الجماعة لكي يصلوا إلى أغراضهم أن يعرضوا أمام الشباب مثلاً أعلى يحتذونه وقد وجدوا هذا المثل في الدين الإسلامي وقواعده التي رسمها القرآن الكريم والتي تصلح لكل زمان ومكان فأثاروا بهذه المثل العواطف التي كانت قد خبت في النفوس وقضوا على الضعف والاستكانة والتردد وهي الأمور التي تلازم – عادة – أفراد شعب محتل مغلوب على أمره، وقام هذا النفر من الشباب، يدعو إلى التمسك بقواعد الدين، والسير على تعاليمه، و إحياء أصوله سواء أكان ذلك متصلاً بالعبادات و الروحانيات، أم بأحكام الدنيا.

ولما وجدوا أن العقبة الوحيدة في سبيل إحياء الوعي القومي في هذه الأمة، هو جيش الاحتلال الإنجليزي الذي ظل في هذا البلد قرابة سبعين عاماً، ولقد كان بين المحتل وبين فريق من الوطنيين الذين ولوا أمر هذا البلد مباحثات و مفاوضات، ليخلص الوادي (مصر) لأهله، ولم تنته المفاوضات إلى نتيجة طيبة، ثم جاءت مشكلة فلسطين وما صاحبها من ظروف و ملابسات إلى آخر هذه الحيثيات التي قدمها رئيس المحكمة قبل النطق بالحكم على الشاب مصطفى مشهور مع 27 عضواً من إخوانه البررة.

ومن الطريف أن نذكر أن رئيس المحكمة المستشار أحمد كامل كان مقدراً لهؤلاء الشباب الذين يحاكمهم، وأعجب بجراءتهم وإخلاصهم، وتفانيهم في سبيل دعوتهم، الأمر الذي جعله يستقيل من القضاء وينضم إلى جماعة الإخوان المسلمين ويؤلف كتاباً ويقول: (كنت أحاكمهم.. و أصبحت منهم) دعا فيه الشيوخ و الشباب إلى الالتحاق بتنظيم الإخوان الذي أفرز هؤلاء الرجال الذين أقنعوا قاضيهم بحقهم، وبأصالة ما يدعون إليه.

الاعتقال الثاني (1954)

قامت الثورة في يوليو 1952م، وحاول عبد الناصر أن ينفرد بها، فبدأ بالتخلص من محمد نجيب رئيس قيادة الثورة، وبالتخلص من الإخوان وهم الذين أمدوا الثورة بكوادرهم في تنظيم الضباط الأحرار، فحدثت اعتقالات لهم فثار سلاح الفرسان، وأفرج عن الإخوان، وذهبوا إلى المرشد العام حسن الهضيبي واعتذروا له عن الذي حدث. وفي عام 1954م وقعت حادثة المنشية، واتهم الإخوان بتدبير اغتيال جمال عبد الناصر. وكانت أحكام قاسية شملت أعداداً كبيرة من الإخوان.. وحكم على ستة من الإخوان بالإعدام.. وهم: عبد القادر عودة، والشيخ محمد فرغلي، ويوسف طلعت، وإبراهيم الطيب، وهنداوي دوير، ومحمود عبد اللطيف.

يقول الأستاذ مصطفى مشهور: في يونيو 1954م أُبعدت عن العمل المهني إلى (مرسى مطروح) ثم وقع حادث المنشية المفتعل، فاعتقلت بعد أسبوعين، وأُحضرت من (مرسى مطروح) إلى السجن الحربي. عُذبتُ كثيراً في السجن الحربي، وشكَّلوا محكمة لمحاكمتي لم تستغرق أكثر من ثلاث دقائق، وحكموا عليَّ بعشر سنوات أشغال شاقة. بعد الحكم نقلوني إلى ليمان طرة ثم إلى سجن الواحات الخارجية، وكان السجن عبارة عن خيام محاطة بالحرس، وبسلك شائك، ومفتوحة طول الليل والنهار، وكان الجو صعباً، فتأقلمنا معه، وكان ذلك سنة 1955م.

وقبل انتهاء مدتي بستة أشهر، أخلوا السجن فرحلوني إلى أسيوط فقضيت بها المدة المتبقية وخرجت في نوفمبر سنة 1964م.

مذبحة طره (1957م)

يقول مصطفى مشهور: في سنة 1957م كان عبد الناصر يخطط لخلع الملك حسين ملك الأردن.. وقد كشف ضباط الإخوان هذا المخطط وأفشلوه، فاغتاظ عبد الناصر، وأراد أن ينتقم من الإخوان المسجونين في سجن طرة، ففي طرة كان السجناء يخرجون إلى الجبل، لتكسير الحجارة، ثم يعودون، والمريض منهم يأخذ تصريحاً طبياً، كيلا يخرج إلى الجبل.

ذات يوم صدر الأمر بخروج جميع السجناء إلى الجبل، السليم منهم والمريض، فاستغرب الإخوان هذا الأمر، وشكوا في أسبابه، فلم يخرجوا. كان رد إدارة السجن أن مجموعة من الجنود يحملون الرشاشات، دخلوا على الإخوان في الزنازين والعنابر، وصوبوا الرشاشات نحوهم بعشوائية همجية، فسقط منهم واحد وعشرون قتيلا، وسميت مذبحة طرة.

الاعتقال الثالث (1965)

وفي أغسطس 1965 فوجئ الناس بقرار جديد من جمال عبد الناصر يقضي بإعادة اعتقال كل من كان معتقلاً سابقاً وأفرج عنه، وجاءت عناصر المخابرات لتعتقل مصطفى مشهور ولم يمض على الإفراج عنه سوى بضعة أشهر.

وكان نصيب الرجل من التعذيب شديداً وهو صابر محتسب، ويدعو إخوانه إلى الصبر والثبات على هذه المحنة التي جاءتهم من موسكو، حيث كان عبد الناصر يزور قبر لينين، ويعلن عن كشف مؤامرة لقلب نظام حكمه بقيادة سيد قطب.. وبقي في السجن حتى هلك عبد الناصر، وجاء السادات وأمر بالإفراج عن الإخوان المعتقلين من أوائل السبعينات (1971) وهكذا أمضى الشيخ مصطفى مشهور ست عشرة سنة في معتقلات الطواغيت.

استئناف العمل

وما إن خرج الإخوان من السجون في بداية السبعينات، حتى انطلقوا في مهمة بناء ولمّ شمل الإخوان من جديد، والظاهر أن المرشد العام الأستاذ حسن الهضيبي كلف بهذه المهمة لجنة من الأوفياء الثابتين وكان من أبرزهم: الحاج حسني عبد الباقي المليجي، الدكتور أحمد الملط، والأستاذ كمال السنانيري، والحاج مصطفى مشهور، رحمهم الله جميعاً ومعهم الحاج أحمد حسنين ويعاونهم كثيرون في المحافظات ويسترشدون بأعضاء مكتب الإرشاد الذين ثبتوا في المحن المتتالية ولم يهنوا أو يضعفوا وعلى رأسهم الأستاذ عمر التلمساني، والسيد محمد حامد أبو النصر.

وما كاد الشيخ مصطفى يخرج من السجن، حتى بادر إلى الاتصال بالإخوان، ليعيد التنظيم إلى سابق عهده بالحياة والحيوية والنشاط، غير عابئ بما قد يصيبه في سبيل الدعوة التي سكنت قلبه وعقله.

كان يطوف أرجاء المدن والقرى، يلتقي بشباب الجامعات(كان الأستاذ مصطفى مشهور مسؤولاً عن قطاع الطلبة عام 1974م)، يحثهم على الفضيلة، ويعينهم على الهداية، ويأخذ بأيديهم إلى طريق الدعوة، يصحح المفاهيم المعوجة، ويرشدهم إلى الحنيفية السمحاء، ويعرفهم طريق الوسطية، ويشرح لهم أن فهم الإسلام الصحيح الوسطي هو أول طريق العمل الصحيح، لم يدع يومًا إلى تطرف أو عنف، ورسم الطريق إلى هداية المجتمع من أول يوم عرفناه فيه(محيي الدين عيسى- إخوان أون لاين).

أحداث سبتمبر 1981م

وعندما بويع الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله تعالى مرشداً ثالثاً للجماعة، كان الشيخ مصطفى من أقوى أعوانه، وكان يعمل مع لفيف من الإخوان الكرام لتأسيس التنظيم وتثبيت أركانه عبر مؤسسات تصمد في وجه الأعاصير.

وقبيل أحداث سبتمبر 1981م التي اعتقل فيها السادات عدداً من قيادات القوى السياسية في مصر، سافر الشيخ مصطفى مشهور  إلى الكويت، وبعد مقتل السادات، أدلى بتصريح قال فيه: (ليس لنا أي دور في مقتل السادات، فنحن كما قال المرشد الثاني رحمه الله: دعاة لا قضاه، ونحن لم نستعمل القوة والعنف في حياتنا، وسبيلنا إلى الناس دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ومع ذلك، اعتقلوا منا بضعة آلاف).

ثم سافر الأستاذ إلى ألمانيا، واستقر فيها خمس سنوات كانت عملاً دائباً في التخطيط للجماعة بروح متفائلة، وعقل متفتح.

وفي ألمانيا استطاع و إخوانه أن يرسوا دعائم التنظيم الدولي (التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين).

كما اهتم بقضية وحدة العمل الإسلامي في القطر الواحد على قاعدة يعاون بعضنا بعضاً فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه.

العودة إلى الوطن

وبعد وفاة المرشد الأستاذ التلمساني، عاد الشيخ مصطفى إلى القاهرة عام (1986م)، وتسلم منصب نائب المرشد العام (كان المرشد العام الأستاذ محمد حامد أبو النصر) وكان الأستاذ مصطفى مشهور الساعد الأيمن له، ومعه ثلة طيبة من إخوانه أعضاء مكتب الإرشاد .

وبعد وفاة المرشد الأستاذ حامد أبو النصر في 20 يناير 1996م، تم اختيار الأستاذ مصطفى مشهور مرشداً عاماً جديداً لمدة ست سنوات، ثم جدد انتخابه مرة ثانية في فبراير 2002م لمدة ست سنوات أخرى، حسب أنظمة الجماعة.

رجل الإخوان القوي

عاصر الأستاذ مصطفى مشهور عن قرب جميع قيادات الإخوان. عاش بالقرب من مؤسس الجماعة حسن البنا، وكان شاهداً على مولدها وأحد الرموز التي نشرت أفكارها. وكان بالقرب من مرشدها الثاني الإمام حسن الهضيبي الذي خلف البنا بعد اغتياله.. وهذه الفترة في حدّ ذاتها كانت مليئة بالأحداث الجسام.

الشائع عن مصطفى مشهور أنه رجل الإخوان القوي، ويبدو أن قوته تنبع من التزامه الشديد بمبادئ الجماعة ومواقفها.. فهو لا يعرف فيها مجاملة ولا مهادنة. وهو من القلائل الذين تزعموا – داخل السجون – القطيعة الكاملة مع الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، ورفض أن يرسل له برقية تأييد.

وعندما تسلم الأستاذ مصطفى مشهور منصب المرشد العام، تابع المخطط الذي رسمته الجماعة، وعمل بجد واجتهاد لتنفيذه، وقد لجأ إلى التحالفات السياسية مع بعض الأحزاب وخاضت الجماعة الانتخابات البرلمانية والنقابية، وحققت نجاحات كبيرة.

ولقد غدت الجماعة في عهده المعارضة الأولى في البرلمان المصري، وحققت صموداً عجيباً، بل وحققت معجزة الانتصار على محاولات الإفناء والتغييب، ولم تكتف الحركة بالمحافظة على بقائها في ظروف صعبة تمثلت في عداء نشط من قبل الأجهزة الأمنية والدولة، ومن المناخ العالمي، بل تفوقت كذلك على كل منافسيها، بحيث أصبحت الحركة السياسية الأولى في البلاد.

والذي يطالع الرسالة التي بعث بها الأستاذ مصطفى مشهور إلى الرئيس الأمريكي بوش الابن، بعيد انتخابه، يعرف أي رجل كان هذا الشيخ.

لقد اتسم عهده بالعقلانية المفرطة في ابتعاده عن أي صدام مع الدولة، مهما بلغت تجاوزات الحكومة والأجهزة الأمنية، كان دائماً يرفض الاستدراج إلى المواجهة الشاملة، وعده بعض المفكرين السياسيين، أفضل عهود الحركة، فلم يعد الإخوان حركة هامشية على الساحة السياسية.

إنه سياسي محنك، و داعية حكيم يضبط نفسه و نفوس إخوانه، مع أنه كان في خط المواجهةالأول، منافحاً عن مبادئه و جماعته باليد والقلم واللسان.

ويتساءل الأستاذ المرشد، هل سيظل الإخوان يتلقون الضربات ويتجرعون المحن دون رد أو مقاومة؟

يقول: ولعله من المفيد قبل الرد على هذا التساؤل أن نرجع إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لنجد فيها الإجابة الواضحة، فقد تعرَّض عليه الصلاة والسلام هو والمسلمون معه إلى الإيذاء والتعذيب الشديدَيْن من المشركين في مكةَ، وكان يمرُّ على آل ياسر، وهم يعذبون ويقول لهم: صبرًا آل ياسر فإنَّ موعدكم الجنة، وقد صبروا حتى استشهد ياسر وزوجته سمية رضي الله عنهما تحت التعذيب.

ولم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أحدًا من المسلمين برد العدوان والإيذاء بالقوة في ذلك الوقت؛ لأن أي محاولة من ذلك القبيل لم تكن لتوقف العدوان، بل من شأنها أن تصعده وتصل به إلى البطش الشديد الذي يقضي على المسلمين، وهم لا زالوا قلة.

وتروي لنا السيرة أنه لما اشتدَّ الإيذاء على بعض المسلمين قال أحدهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تستنصر لنا؟.. فظهر الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه، فيخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه، ويُمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه.. ثم بشَّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمام هذا الأمر فقال: (والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون).

كان في إمكانه صلى الله عليه وسلم أن يأمر بعض المسلمين بقتل أئمة الكفر كأبي جهل أو أبي لهب أو بتحطيم الأصنام أو بعضها، ولكنه لم يفعل لما سبق أن ذكرنا، ولم يعتبر ذلك موقفًا سلبيًّا منه؛ لكنه الحكمة ومصلحة الدعوة اقتضت ذلك، فليس الهم والقصد إيقاف الإيذاء الذي يقع على المسلمين، ولكن القصد هو تبليغ دعوة الله وتكوين القواعد التي سيقوم عليها صرح الدعوة والدولة الإسلامية.

كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن الإيذاء والابتلاء ليس أمرًا طارئًا غريبًا على طريق الدعوة يلزم التخلص منه وإيقافه في الحال، ولكنه سنة الله في الدعوات لحكمةٍ ساميةٍ هي التمحيص والصقل وزيادة الإيمان؛ لأن أمانات النصر ثقيلة ولا يقوى على تحملها وحسن أدائها إلا هذه النوعيات الممحصة بحيث لا تفتنها دنيا ولا تثنيها شدة.

ثم إننا نجد بمتابعتنا للسيرة بعد الهجرة، وعند بدء تكوُّن قاعدة انطلاق المسلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُفكِّر في مواجهة المشركين بالقوة، فعند خروجه إلى بدر خرج لقافلةِ التجارة وليس للحرب، ولكنَّ الله تعالى أراد أن تكون ذات الشوكة بعلمه وتقديره، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يقف تحت العريش يدعو ربه ملحًّا في الدعاء حتى سقط البرد من على كتفيه ويقول: اللهم إن تهلك هذه العصبة فلن تُعبد في الأرض.

ومعنى ذلك أنه ما زال بتقديره البشري مشفقًا على مجموعة المؤمنين أن يُقضى عليهم في تلك الحرب وهم قلة فتتوقف مسيرة الدعوة، لكن كان في تقدير الله النصر للمؤمنين والهزيمة النكراء لأعداء الله، وكانت بدر فاصلة بين فترة الإيذاء والاستضعاف وفترة النصر والتمكين.

وهكذا نرى أن البدء في رد عدوان أعداء الله لا بد له من توفر ظروف وملابسات تجعله مناسبًا، وأن أي محاولة قبل ذلك لا تؤمن عواقبها، وتكون في غير صالح الدعوة التي هي القصد وليس أشخاص المعتدى عليهم.

قال تعالى: (وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ( يوسف-21).

هل هو خطأ القيادة؟

وفي جو المحن ومع طول أمدها يتهيؤ الجو لتساؤلٍ آخر، وربما يُثيره البعض كتشكيكٍ وهو: هل هذه المحن والضربات نتيجة أخطاء وقعت فيها القيادة؟ وهل من الممكن تفاديها؟

ونعود أيضًا إلى السيرة لنجد فيها الإجابة فنجد أن ما تعرَّض له رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته من إيذاء وتعذيب لم يكن نتيجة أخطاء وقعوا فيها، ولكنه الموقف الطبيعي لأعداء الله من دعوة الله والدعاة إلى الله، إنهم يحسون فيها الخطر على باطلهم وعلى سلطانهم القائم على البغي والظلم، ويعلمون أن في قيام دعوة الحق وانتصارها قضاء على باطلهم وهزيمة لهم، فهم لذلك يحاربونها ويحاولون القضاء عليها قبل أن تقضي عليهم؛ لكنهم يفشلون في ذلك لأنها دعوة الله ونور الله، ولن يطفئ نور الله بشر (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف-8).

القيادة اجتهدت وسعيها للخير

ولكن أعداء الله حينما يحاربون دعوة الله لا بد، وأن يقدموا لجمهور الناس أو للرأي العام مبررًا زائفًا يستندون إليه في حربهم واعتدائهم، فيلصقون التهم الباطلة بالدعاة إلى الله، كما قالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كاذب وساحر وكاهن وشاعر ومجنون، وأنه بدعوته وبدينه يفرق بين المرء وأهله إلى غير ذلك.

وكما سبقهم فرعون والملأ حوله باتهام موسى وقومه بالإفساد في الأرض، وكما حدث في عصرنا هذا بأن اتهم أعداء الله الإخوان والدعاة إلى الله بالتطرف والإرهاب والتستر وراء الدين للتسلق إلى الحكم.

وكما افتعلوا الأحداث كمبررٍ لضربهم كتمثيلية محاولة قتل عبد الناصر في الإسكندرية، إلى غير ذلك من أساليب التضليل والتشكيك والتشويه، ولكن نور الحق أقوى وأسطع من أن تحجبه هذه التهم الباطلة، كما يحلو لبعض من تقصر همتهم عن مواصلة المسيرة نتيجة لهذه الضربات والمحن أن يعودوا باللائمة على القيادة، وأنها التي تسببت في هذه المحن نتيجة أخطاء وقعت فيها، وهذا غير الواقع، وكما أنه لم يكن في استطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتفادى وقوع الإيذاء والتعذيب عليه وعلى المسلمين معه إلا إذا تنازل عن كثيرٍ مما يدعو إليه مما يُثير الأعداء ويقلقهم، وخاصةً الدعوة إلى إلهٍ واحدٍ وترك هذه الأصنام، وما كان له صلى الله عليه وسلم أن يتنازل عن شيء من ذلك والله يدعوه: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) (الزخرف (43-44)).

وبالتالي لم يتوقف اعتداء أعداء الله وإيذاؤهم له وللمسلمين حتى تحقق النصر، ولا نعني بذلك أن الإخوان وقيادتهم معصومون من الخطأ، ولكن يجب أن نُفرِّق بين أخطاء جزئية أو فردية لا تخلو منها جماعة أو حركة حتى الجماعة الأولى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أن نرجع المحن في أصلها إلى أخطاء من القيادة، أو أنه كان من الممكن تفادي المحن بتفادي الأخطاء، فهذا التصور هو عين الخطأ .

الأستاذ مصطفى مشهور مع بعص الأخوة

بين الدعوة والسياسة

لم تشغله السياسية عن الدعوة و التربية، فقد كان يكتب في هذه المجالات كلها، ويصول ويجول في ميادينها بحنكة تدل على تجاربه العميقة في هذه المجالات التي كان يوازن بينها، بحيث لا تطغى إحداها على الأخرى، وإن كان العمل التربوي هو المقدم عنده، لأنه أمضى سنوات مديدة مع طلبة الجامعات، يربيهم ويغرس الإيمان والتضحية والبذل في نفوسهم، ليكونوا مؤهلين لتسلم العمل المناسب لكل منهم، وليكونوا قادة المستقبل وحملة الراية من بعد.

كان يعتبر تغليب العمل السياسي على العمل الدعوي و التربوي انحرافاً عن مسار الجماعة نحو أهدافها وغاياتها، مع أن العمل الدؤوب لإقامة الدولة التي تحكم بما أنزل الله، لم يغب عن باله قط.

كان يؤمن بفكرة الجماعة إطاراً تنظيمياً شاملاً يتم من خلاله ممارسة دعوة الإخوان المسلمين بجوانبها وأبعادها المختلفة، وإن وجود الجماعة على هذا النحو يوجبه الشرع الإسلامي.

أما الحزب فهو مجرد أداة متخصصة بالعمل السياسي.. نحرص عليها، ولا نرى الحزب في أي وقت بديلاً عن الجماعة.

الشارح الأول لمبادئ الدعوة

لقد كان الشيخ مصطفى مشهور صاحب مدرسة فكرية وسياسية ودعوية تحتاج إلى دراسة دقيقة لاستخلاص عناصرها ومقوماتها وما فيها من دروس وعبر.

إن من يقرأ كتب ومقالات الأستاذ مصطفى مشهور، يتوقف أمام فكرة أساسية هي: المضي في طريق الدعوة مهما كانت العقبات، وامتزاج شخصية الداعية بها، وتغلغلها في أعماقه، حتى لقبه البعض بالشارح الأول لمبادئ دعوة الإخوان المسلمين، ولقد احتلت فكرة ضبط الدعوة بأصولها، ووزنها بميزان مبادئها، حيزاً كبيراً في فكره وكتاباته، وكان أبرز ما شغله في حياته، التوازن بين الدعوة في حركتها العامة، وخاصة على صعيد العمل السياسي، وبين ميدانها الأصيل وهو ميدان العمل التربوي. كما احتلت فكرة الدولة الإسلامية مكاناً بارزاً في تفكيره وكتبه، بمعناها الحضاري الواسع، ورأى أن الدولة بناء ضخم يحتاج إلى أساس عريض وعميق ومتين، وبالتالي يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين، على اعتبار أن الأساس أشق مراحل البناء، وكان دائماً يردد: لا نريد لبنائنا أن يقوم ثم ينهار. ومن هنا يمكن فهم اهتمامه بالعمل البرلماني وقضية الانتخابات، وكذلك العمل النقابي الخدمي والخيري، باعتبارها وسائل تعين على قيام الدولة الإسلامية.

بناء الذات الإنسانية

إن بناء الذات الإنسانية المسلمة لرجل الدعوة، هي أهم وأصعب ميادين البناء، لأن بناء الرجال أشق من بناء المؤسسات.

لهذا اتجه في كثير من كتبه إلى تقوية هذه الذات، وتدعيمها، وإكسابها الصلابة، فكان كتاب عقبات في الطريق الذي تناول فيه المحن وما تتركه من إرباك للعاملين في الصف الإسلامي، ربما دفعهم للتشكك في صحة الطريق، أو رشد القيادة، ويرى أن الإيمان أهم سلاح نتسلح به، يصبِّرنا ويثبتنا ويطمئننا أن المستقبل للإسلام، فعلينا أن نصبر ونثابر حتى يتحقق وعد الله بالنصر إن شاء الله فأين فرعون وهامان؟ وأين الاتحاد السوفييتي وغيره؟ وإسرائيل إلى زوال إن شاء الله، إذا واصلنا مسيرتنا على هذا الطريق.

فالتربية، واستغلال الوقت، والمحن التي نتعرض لها، ليست ضربات معجزة أو معوقة، ولكنها سنة الله في الدعوات، في الصقل والتمحيص والتمييز بين الثابت والمنهار، لأن أهم مرحلة في الدولة المستقبلية هي أساسها، فإذا كان الأساس متيناً يعلو البناء ويرتفع، أما إذا كان ضعيفاً فسينهار، فهذه المحن للصقل والتمحيص وإعداد القاعدة الصلبة التي يثبت عليها البناء.

يجب على الإخوان ألا ينزعجوا من هذه المحن، بل يعتبرونها شرفاً، فالزمن لا يقاس بعمر الأفراد، بل بعمر الدعوات والأمم، وليس هذا بالكثير من أجل تحقيق هذا الهدف الكبير.

علينا أن نتواصى بالجيل الجديد، ونهتم به، ونورِّثه الدعوة، وندعوه لمواصلة المسيرة بالإيمان والدعاء والصبر والاحتساب والاستبشار بأن المستقبل لهـذا الدين، ونهتم بالتربية، وبالأشبـال، وبأبنـاء الإخوان، وهـذا معنى مهم جداً، فالأستاذ البنا قال: نريد الفرد المسلم، والبيت المسلم، والمجتمع المسلم الذي يرفض أيّ حكم يفرض عليه غير الحكم الإسلامي. إن هذا الجيل من الأشبال، وأولاد الإخوان، ربما يتحقق على يديه النصر، فعلينا أن نهتم به.

ولقد حدد الإمام حسن البنا المقومات التي يلزم توفرها في الفرد المسلم وهي: (قوة الجسم، ومتانة الخلق، وثقافة الفكر، والقدرة على الكسب، وسلامة العقيدة، وصحة العبادة، والنفع للغير، وأن يكون منظماً في شؤونه، مجاهداً لنفسه، وحريصاً على وقته).

ولقد حدد الأستاذ مصطفى مشهور بعض الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها الأخ المسلم الملتزم:

* أن يقوم بواجب الشورى.

* أن يلتزم بموقف القيادة الذي تتبناه، وإن خالف رأيه.

* ألا يتأثر بما يثيره البعض من النيل في موقف القيادة.

* الاجتماع على الصواب خير من الافتراق على الأصوب.

الصحوة في العالم الإسلامي قابلها انهيار الأخلاق في العالم الغربي، ولقد دخل كثيرون في الإسلام وانتشر الإسلام في أوروبا وأمريكا، فلابد لنا أن نستبشر ونشعر بالعزة: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين)( المنافقون-8).

قضية حزب الوسط

بتاريخ 3 أبريل 1996 تم إلقاء القبض على 13 شخصاً من قادة الإخوان المسلمين على رأسهم الأستاذ محمد مهدي عاكف عضو مكتب الإرشاد.. وقدموا إلى محكمة عسكرية بتهمة التحايل على الشرعية من خلال تشكيل حزب الوسط ليكون واجهة لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة. وفي 15 أغسطس 1996 أصدرت المحكمة العسكرية حكمها بسجن (7) من قيادات الإخوان المسلمين لمدة (3) سنوات، وتبرئة (5) من بينهم مؤسسو حزب الوسط. ولقد استنكرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان. والمرشد العام للإخوان المسلمين هذه الأحكام ، باعتبار أن القضية خالية من أية جريمة أو أدلة ذات شأن(رسالة الإخوان 23/8/1996م).

أما حزب الوسط الذي تولى أمره المهندس أبو العلا ماضي فقد قال عنه فضيلة المرشد مصطفى مشهور: إنه ليس حزب الإخوان وليس واجهة الإخوان ولم ترخص به الجماعة، والذين شاركوا في ذلك الحزب أعلنوا أنهم تصرفوا من أنفسهم.

ولقد أصدرت لجنة شؤون الأحزاب قرارها برفض الحزب.. ولكن أبو العلا ماضي أعلن أنه مستمر هو ومن بقي معه من المؤسسين في مواصلة إجراءات تأسيس الحزب.. مبرراً ذلك بأنه إضافة إلى رصيد الحركة الإسلامية وليس شقاً لصفها.

ولقد أحدث تأسيس الحزب بدون مراجعة قيادة الإخوان.. ودخول أطراف متعددة على الخط بقصد تصعيد الموقف بين الحزب والإخوان.. والمقالات شديدة اللهجة التي دبجها أبو العلا ماضي وبعض زملائه والتي كانت تتلقفها الصحف في داخل مصر وخارجها والتي احتوت على الكثير من الإساءات والافتراءات على الجماعة وقياداتها.. كل هذه الأمور أسدلت الستار على هذه القضية التي توقعت الأجهزة الأمنية والحكومية أن تستمر لتتخذ منها وسيلة لتصعيد حربها على الجماعة.

الأستاذ المرشد يستقبل السكرتير الثاني للسفارة الأمريكية

استقبل الأستاذ مصطفى مشهور نائب المرشد العام في مكتبه السكرتير الثاني للسفارة الأمريكية بالقاهرة.. ودار بينهما الحديث حول اتفاق غزة – أريحا أولاً.. وعن عدم اعتراف الإخوان بوجود إسرائيل.. وحقوق الإنسان.. وسأل المسؤول الأمريكي الأستاذ مصطفى مشهور عن علاقة الإخوان مع الجماعات الإسلامية التي تمارس العنف فأجاب فضيلته:

لقد جلسنا معهم قبل عام 1981 ونصحناهم بخطأ فكرة العنف ولكنهم لم يقتنعوا فقطعنا صلتنا بهم، وعندما التقى بعض إخواننا بهم في السجون اختلفوا معهم وكان يمكن أن نؤدي دوراً لو سمح لنا بممارسة نشاطنا القانوني في الندوات والمحاضرات والصحف، وظاهرة العنف ليست مشكلة إسلامية فقط وإنما لها جوانب سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية.

البعض يتخيل أن بيننا وبين الجماعات المتطرفة تنسيق وتوزيع أدوار وهذا غير صحيح وقد خطأناهم في الماضي(أكتوبر 1993م).

الرحيل

دخلت عليه ابنته في غرفته قبيل العصر فرأته مرمياً على الأرض في غيبوبة ما لبث أن أفاق منها، وقام ليتوضأ، رجته ابنته أن يشفق على نفسه ويصلي العصر في البيت، فأبى وخرج إلى المسجد، وبعد صلاة العصر أصيب بجلطة دماغية ألقته أرضاً، ليدخل في غيبوبة استمرت سبعة عشر يوماً، حتى وفاته يوم الخميس 9 رمضان 1423هـ الموافق 14 نوفمبر 2002م.

شيع جثمانه الطاهر عقب صلاة الجمعة من مسجد السيدة رابعة العدوية بمدينة نصر في القاهرة .

صلت عليه جموع غفيرة، أمهم المستشار محمد المأمون الهضيبي، ثم حمل جثمانه في صندوق خشبي متواضع، وسار خلفه المشيعون، وكانوا مئات الآلاف وصل تقدير بعضهم إلى نصف مليون، وقال آخرون: كانوا مليوناً يسيرون في موكب مهيب، يبكون في صمت وحزن وخشوع.

وشارك في التشييع عدد من رؤساء الأحزاب المصرية، وأساتذة الجامعات، والعلماء، والشخصيات الاعتبارية، وأعضاء مكتب الإرشاد، ونواب الإخوان في البرلمان، وكان حضور الصحافة العالمية كبيراً.

وكان شباب الإخوان يرفعون المصاحف إلى الأعلى من حين خروج الجنازة من المسجد إلى أن ووري في مثواه الأخير، وفي مقابر (الوفاء والأمل) التي تضم جثماني المرشدين السابقين التلمساني وأبي النصر، رحمهم الله رحمة واسعة، وقد استغرقت الجنازة مدة ساعتين من المسجد حتى القبر.

وألقى المستشار الهضيبي كلمة وداع ووفاء على قبر الفقيد الغالي.

وفي المساء تقبل الإخوان العزاء الذي حضره عشرات الآلاف، تحدث الأستاذ مأمون الهضيبي عن مسيرة المرشد الفقيد في ميادين للعمل الدعوي طوال خمسة وستين عاماً، تحدث عن نضاله وعن فترات السجن الطويلة، وما لقي فيها من ألوان العذاب، كما تحدث عن جهوده في إعادة الجماعة إلى الحياة، وتعاونه مع الأستاذ عمر التلمساني في سبيل ذلك.

وفي قصيدة نظمها الشاعر الكبير د. جابر قميحة قال فيها:

وسألت مات؟ فلم يجبني من أسى            أحد وقد علت الوجوه كـسور

عجبًا!! ولكن كيـف تـجـمعوا              عجبًا!! وإن نشاطهم محظور؟

لا تعجـبوا، فالله جـمَّع جـنده              والحظر محظور هنا مقهـور

يكفيك في التـاريخ أنـك مرشد              يكفيك أنك مصطفى مشـهور

أهم مؤلفاته

1- طريق الدعوة.

2- زاد على الطريق.

3- تساؤلات على طريق الدعوة.

4- الحياة في محراب الصلاة.

5- الجهاد هو السبيل.

6- قضية الظلم في ضوء الكتاب والسنَّة.

7- القائد القدوة.

8- التيار الإسلامي ودوره في البناء.

9- القدوة على طريق الدعوة.

10- قضايا أساسية على طريق الدعوة.

11- من التيار الإسلامي إلى شعب مصر.

12- وحدة العمل الإسلامي.

13- طريق الدعوة بين الأصالة والانحراف.

14- مناجاة على طريق الدعوة.

15- بين الربانية والمادية.

16- مقومات رجل العقيدة.

17- الإيمان ومتطلباته.

18- الدعوة الفردية.

19- من فقه الدعوة (جزءان).

20- الإسلام هو الحل.

 

 

 

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *