RSS

Category Archives: مقالات تستحق القراءة

الجارديان: العراق تُرك للذئاب

نشرت صحيفة “الجارديان” مقالا بعنوان (تُرك للذئاب)  يصف المشهد الحالي في العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية منها .

و قالت الصحيفة: “لم يستغرق الأمر طويلا قبل أن يعود رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى عادته، ففي اليوم الذي غادرت فيه القوات الأمريكية العراق نهائيا انقلب المالكي على طارق الهاشمي نائب رئيسه متهما إياه بما كان يشتبه بقيامه هو نفسه به، أي إصدار الأوامر بالقيام بتفجيرات واغتيال خصومه السياسيين.”

وتنبه الصحيفة إلى أن “الهاشمي ـ الذي فر إلى كردستان ليحظى ببعض الأمان نسبيا ـ ليس مجرد سني بارز في الحكومة التي تهيمن عليها الشيعة فحسب، وإنما هو الاسم الذي به أمكن عقد صفقة مشاركة القائمة العراقية في الحكومة والتي رتبت لها الولايات المتحدة العام الماضي.

وتستطرد الجارديان فتقول إن “العراق يبدو مهددا بالعودة إلى مستنقع الطائفية، فالهاشمي الذي ندد بالاتهامات ضده واصفا إياها بمحاولة الانقلاب ليس وحده، فهناك صالح المطلك نائب رئيس الوزراء الذي صدرت إليه الأوامر بعدم الظهور في البرلمان ثانية، كما أن مجلس الصحوة من المقاتلين السنة الذي انقلبوا على القاعدة قد تركوا وهم في أمس الحاجة”.

وتلقي الصحيفة باللوم على الرئيس الأمريكي باراك أوباما فتقول إنه “كان بإمكان أي شخص التنبؤ بما سيجري، اللهم إلا رئيس أمريكي في عجلة من أمره عازم على نفض يديه من العراق”.

وتضيف أن 30 على الأقل من المرتبطين بإياد علاوي رئيس القائمة العراقية قد اعتقلوا في الأسابيع الأخيرة من قبل قوات أمنية تحت السيطرة الشخصية للمالكي في مداهمات كانت في ظاهرها تستهدف أعضاء سابقين في حزب البعث وابتدأت بإشارة استخبارية من ليبيا بالتخطيط لانقلاب، إلا أن ذلك قد اصبح ذريعة لاتخاذ إجراءات ضد القيادات السنية.

وترى الغارديان أنه يحق لعلاوي ـ الذي كان ضد الصفقة مع المالكي واضطر للرضوخ لرغبة حزبه بعد انشقاق شخصيات رئيسية عنه ـ القول “ألم أقل لكم ذلك؟”، كما ترى أيضًا أنه كان على حق في اتهام المالكي بأنه “دكتاتور ناشئ” وأنه يدفع بالبلاد إلى هاوية حرب طائفية جديدة، ويتجلى ذلك أكثر ما يتجلى في محافظة الأنبار حيث الفلوجة والرمادي وسجن أبو غريب، المواقع التي شهدت أسوأ فظائع الحرب.

وتوضح الصحيفة أن انضمام القائمة العراقية إلى الحكومة كان أساس الاستقرار الهش الذي مكن الولايات المتحدة من الانسحاب، لكن ـ ولنفس السبب ـ استبعادها قد لا ينبئ بخير في المستقبل.

وترى أن فكرة “استعادة السنة لبعض ما فقدوه من سلطة عن طريق القائمة العراقية قد أصبحت شيئا من الماضي، وحتى الوزارة التي صممت من أجلها لا تقوم بأعمالها، فالمالكي لم يعد يتصرف أبدا وكأن هناك ائتلافا. وهذا بالإضافة إلى الاعتقالات والاغتيالات قد لبّد الجو في المناطق السنية بالغيوم. وفي الأسبوع الماضي أعلنت محافظة ديالا هي الأخرى الحكم الذاتي، والعراق يتفسّخ مرة أخرى وقد لا يعود بلدا واحدا من جديد”.

مفكرة الإسلام 21/12/2012م

 
 

العراق أرقام وحقائق .. وجه أمريكا القبيح

1-  مليونان و350 ألف عراقي وصل عدد ضحايا الغزو الأمريكي للعراق حتى شهر مارس 2009م، يضاف إليها 34313 قتيلاً خلال عام 2009م، وأكثر من 4500 منذ مطلع عام 2010م، (رصد «د. جديون بلويا»، معتمداً على رصد منظمة السياسة الخارجية المشتركة العادلة في إحصائية لها، اعتمدت فيها على أرقام استقتها من المستشفيات وأقسام الشرطة والهيئات والمنظمات الإنسانية والصحية الدولية العاملة في العراق، وعبر مسح شامل لجميع الأراضي العراقية، إضافة إلى معهد (UK ORB)، ومجلة «لانست»، والقسم السكاني في الأمم المتحدة؛ صدرت في 5/3/2009م).

2-  أكثر من 5500 قتيل ومخطوف وسجين بين عالم ومفكر وأستاذ وأكاديمي وباحث، وخاصة علماء الذرة والفيزياء والكيمياء (اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتقرير لها بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة للاحتلال، صدر في 24/3/2008م).

3-  80% من عمليات الاغتيال استهدفت العاملين في الجامعات، أكثر من نصف القتلى يحمل لقب أستاذ وأستاذ مساعد، و20% من العلماء المغتالين يحملون شهادة الدكتوراه، وثلثهم مختص بالعلوم والطب (التقرير الدولي لمعهد الاقتصاديات والسلام بعنوان «التصنيف العالمي للسلام»، صدر في 4/6/2009م).

4-  العراق أخطر بلد في العالم للسنة الثالثة على التوالي في تصنيف لبلدان العالم حول استتباب الأمن والسلام فيه (صريح لممثلة اتحاد الأسرى والسجناء السياسيين العراقيين المحامية سحر الياسري، في حوار على هامش مؤتمر نظمته اللجنة العالمية لمناهضة العزل، بالتعاون مع جامعة بروكسل الحرة بعنوان «إرهاب الحرب الأمريكية على الإرهاب»، 2007م).

5-  في العراق أكبر عدد سجون في العالم، فيه 36 سجناً عدا سجن «أبو غريب» الذي يعد الأرحم من بينها، رغم فضائحه الفظيعة، وتضم هذه السجون 400 ألف معتقل، منهم 6500 حدَث، و10 آلاف امرأة («دوغلاس ستون»، قائد المعتقلات الأمريكية في العراق، في لقاء مع قناة «CNN» الإخبارية في 5/5/2008م).

المجتمع 17/12/2011م

 
 

الثورة السورية والبنية الإقليمية الشيعية

محمد بن المختار الشنقيطي

كان عالم الاجتماع العراقي الراحل الدكتور علي الوردي (1913-1995) من الباحثين العرب الجادين الذين حاولوا فهم الإشكال السني الشيعي بمنطق التحليل التاريخي، بعيدا عن النفَس الطائفي.

فقد أوضح الوردي في دراسته لنفسية الفرد العراقي كيف يتحول الدين أحيانا في السياق الطائفي الملتهب إلى هوية مغلقة ومجردة من أي التزام أخلاقي، وتوصل إلى أن الإنسان العراقي “أقل الناس تمسكا بالدين، وأكثرهم انغماسا بين المذاهب الدينية، فتراه ملحدا من ناحية وطائفيا من ناحية أخرى” (علي الوردي: شخصية الفرد العراقي، ص 47)، لقد “ضعفت نزعة التدين في أهل العراق وبقيت فيهم الطائفية: حيث صاروا لا دينيين وطائفيين في آن واحد، وهنا موضع العجب” (علي الوردي: وعاظ السلاطين، ص 260).

وتذكرنا ملاحظات الوردي هنا بقول الكاتب الأيرلندي جوناثان سويفت (1667-1745): “لدينا من التدين ما يكفي ليبغِّض بعضَنا إلى بعض، لكن ليس لدينا منه ما يكفي ليحبِّب بعضنا إلى بعض”.

وقد يكون في حكم الوردي هنا تعميم مجحف، فالتعصب الديني الممزوج بضعف التدين ليس عاما في أهل العراق، ولا هو خاص بالعراقيين دون الشعوب الأخرى. لكن الوردي يلفت النظر إلى ظاهرة عامة جديرة بالتأمل، وهي تحوًّل الأديان والمذاهب الدينية أحيانا إلى مجرد هوية وعصبية سياسية متجردة من أي مغزى أخلاقي أو رسالة إنسانية.

وتنطبق هذه الظاهرة على حكام دمشق اليوم أكثر من أي حكام عرب آخرين، فهم يجمعون بين انعدام التدين والتعصب الطائفي الذي يصل حد الفاشية.

لكن الأكثر إثارة في نظرات علي الوردي -وهو المنحدر من أسرة شيعية- هو تحليله للتشيع باعتباره مخزونا نفسيا واجتماعيا. فقد شبّه الوردي التشيع بالبركان الخامد الذي يُتوقع ثورانه في كل لحظة، فكتب منذ عقود يقول: “إنهم (الشيعة) اليوم ثوار خامدون، فقد خدرهم السلاطين، وحولوا السيوف التي يقاتلون بها الحكام قديما إلى سلاسل يضربون بها ظهورهم، وحرابا يجرحون بها رؤوسهم، ومن يدري فقد يأتي عليهم يوم تتحول فيه هذه السلاسل والحراب إلى سيوف صارمة من جديد… إن موسم الزيارة في كربلاء يمكن تشبيهه بموسم الحج لكثرة الوافدين إليه، هذا ولكن الزيارة الشيعية تختلف من بعض الوجوه عن الحج، إذ هي تحمل في باطنها بذرة من الثورة الخامدة، ومن يشهد هرج الزوار في كربلاء يدرك أن وراء ذلك خطرا دفينا… شبهنا التشيع في وضعه الراهن بالبركان الخامد، فهو قد كان في يوم من الأيام بركانا ثائرا، ثم خمد على مرور الأيام، وأصبح لا يختلف عن غيره من الجبال الراسية إلا بفوهته والدخان المتصاعد منها، والبركان الخامد لا يخلو من خطر رغم هدوئه الظاهر، إنه يمتاز على الجبل الأصم بكونه يحتوي في باطنه على نار متأججة، ولا يدري أحد متى تنفجر هذه النار مرة أخرى.” (الوردي: وعاظ السلاطين، ص 255).

ومن الواضح أن البركان الشيعي الخامد الذي تحدث عنه الوردي منذ عقود قد انفجر انفجارا مدويا، وألقى بحممه إلى أصقاع بعيدة. وكانت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 والانفجار الطائفي الدموي في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003 تحقيقا لنظرات الوردي الصائبة.

فقد فتح البركان الخامد فوهته على مصراعيها، فغطى إيران بلهبه، وألقى بحممه فأحرق العراق، وامتد حريقه إلى بلدان أخرى عديدة. ولا يكفي تفسير هذا الانفجار البركاني بظلم الشاه أو بدور الاحتلال الأميركي للعراق-رغم خطورتهما- فقد عانت شعوب عديدة من الاستبداد ومن الاستعمار فلم تكن ثمرات ذلك انفجارا بهذه الروح والمزاج، وإنما يحتاج الأمر إلى أخذ ذلك المخزون النفسي الذي تحدث عنه الوردي في الاعتبار.

وقد نال سوريا حظها من انفجار البركان الشيعي الخامد، لكن هذا البركان لم يثر في سوريا في صيغة ثورة مدوية على النمط الإيراني، أو في صيغة حرب أهلية على النمط العراقي، وإنما اتخذ في سوريا صيغة تسرب هادئ إلى قمة الجبل، وتحكمٍ فيها دون ضجيج، وإنما أسفر الإحياء الشيعي في سوريا عن وجهه البركاني في مذابح حماة وتصفيات سجن تدمر المروعة.

وربما كان الشيعة اللبنانيون الذين تحول بركانهم إلى سياط في ظهر إسرائيل هم الاستثناء الذي لم تتجه حمم بركانه إلى الداخل العربي المسلم بشكل عنيف، رغم المناوشات التي بدت على السطح من حين لآخر.

وبدخول إيران في حلف مع سوريا مطلع الثمانينيات، ثم انضمام العراق إلى ذلك الحلف بعد ثلاثة عقود، وانبعاث الشيعة اللبنانيين -بصعودهم الاجتماعي وريادتهم في مقاومة إسرائيل- اكتملت حلقات ما دعاه والي نصر “صحوة الشيعة” في كتابه المعنون بهذه العنوان، واستحكمت حلقات بنية إقليمية شيعية قوية، تمتد من طهران إلى بيروت، مرورا ببغداد ودمشق.

بيد أن هذه البنية التي تحولت تمددا إيرانيا في الفراغ الإستراتيجي العربي لم تحسن التعامل مع أهم حدث في تاريخ العرب الحديث، وهو ربيع الثورات العربية الذي نعيشه اليوم. لقد استغرب كثيرون من أهل الرأي والقلم -ومنهم من يمقُت الطائفية كما أمقُتُها- إجماع الأطراف الإقليمية الشيعية اليوم على الاصطفاف مع نظام الأسد في فظائعه ضد الشعب السوري:

* فقد وقفت إيران بعنجهية وعناد مع نظام الأسد الذي اعتبرته حليفا لا يمكن التفريط فيه، ولم ترفَّ أجفان القادة الإيرانيين ولا رقت قلوبهم أمام مشاهد الشباب السوري الذي تحصده آلة الموت الأسدية حصدا. والعجب أن تحاول إيران القيام بدور الغرب الاستعماري في حماية الدكتاتورية في وقت اضطر فيه الغرب نفسه إلى الخجل من هذا الدور القذر والتملص منه.

ليس من ريب أن هذا دليل على تخلف الحكام الإيرانيين في قراءتهم للمسار التاريخي الذي تتجه إليه المنطقة اليوم، وجهلهم بعواقب ذلك على دولتهم الصاعدة التي يتقاذفها الأعداء من كل جانب.

* وتحول حسن نصر الله إلى بوق للنظام الدموي في دمشق، وأصبح الرجل الذي كان ملهما للشباب العربي وجها باهتا من حماة الطغيان ودعاته، فغدت طلعاته الإعلامية تسويغا للظلم وتشريعا للقتل، بعد أن كانت بالأمس القريب بريق أمل في بحر من ظلمات الهوان. وكما هو حال إيران فقد ركب حزب الله المهالك في وقوفه إلى جانب القتلة في سوريا، إذ رجح مصلحته التكتيكية في الحلف مع نظام الأسد على مصلحة إستراتيجية أكبر هي الالتحام بعمق شعبي سوري وعربي توفره له الثورات.

* أما القوى الشيعية في العراق فقد تردد موقفها بين الصفاقة التي برر بها مقتدى الصدر دموية الأسد واتهم الثوار السوريين بالطائفية -ربما من باب قول العرب: “رمتني بدائها وانسلت”- إلى الموقف المراوغ الذي تبناه نوري المالكي مراعاة لتوازنات السياسة الداخلية العراقية.

لقد تناسى المالكي كل صراعه مع حكام سوريا، واتهامه لهم بدعم المقاومة العراقية، حينما أصبح ما يعتبره مكسبا طائفيا في خطر، وهو حكم العلويين لسوريا. وقد نهج المالكي في الفترة الأخيرة نهج الغموض الإستراتيجي في القضية السورية، فهو يجامل الداخل العراقي والجامعة العربية بجمل منمقة حول أهمية السلم الأهلي في سوريا، ويسعى لإنقاذ حكم الأسد المتداعي بكل ما يملك.

إن الاستبداد هو الذي فرق بين السنة والشيعة، وبين العرب والإيرانيين، وهو استبداد قد يلبس عمامة فقهية أو خوذة عسكرية، لكنه هو الاستبداد ذاته بوجهه القبيح. ولن يجمع بين الطرفين سوى الحرية والاعتراف بحق الاختلاف. فلن يسعف الأسدَ الملطخ اليدين بدماء شعبه أن يسحب العلويين إلى حرب أهلية مع شعبهم، أو يتترس بحلف إقليمي مذهبي لا يملك من الانتماء إليه سوى الاسم والمصلحة الأنانية. ولن يكون الرد المناسب على اصطفاف البنية الإقليمية الشيعية وراء مصاصي الدماء في دمشق هو اصطفاف إقليمي سني مقابل، بل الرد الحقيقي هو ما رد به ثوار سوريا من نقض المنطق الطائفي، والتصميم على تحقيق دولة الحرية والعدل للجميع مهما يكن الثمن. فليس يهم مذهب الظالم أو مذاهب المظاهرين له، وإنما المهم هو الأخذ على يد الظالم، وقسره على الحق والعدل قسرا.

ربما يكون قدَر بلاد الشام -الجميلة بتاريخها وأهلها- أن تكون مركز تجاذب أبدي. فقد تنازعها الفرس واليونان، ثم الفرس والرومان، ثم العرب والروم، ثم الترك والفرنجة، ثم الترك والروم، ثم الفرنسيون والإنجليز.. وكانت -ولا تزال- موطن تنازع طائفي وثراء ديني وثقافي كثيف.

لكن الربيع العربي الحالي فرصة تاريخية للمصالحة مع الذات ومع الغير، بميلاد فضاء من الحرية يسع الجميع، بما في ذلك تمكين الشيعة من الخروج من أسر المظلومية والذاكرة الموتورة إلى الاندماج في جسد الأمة من جديد، دون خوف من الاضطهاد، أو تنازل عن الخصوصية الفكرية والفقهية.

لكن مواقف القوى الإقليمية الشيعية من الثورة السورية يوشك أن يحول هذه الفرصة التاريخية إلى سراب. لقد تحول حامل راية المظلومية التاريخية إلى ظالم أو مُظاهِر للظلم، وفرط قادة الشيعة في إيران والعراق ولبنان فيما تحمله الثورات العربية من إمكان التئام الجرح الطائفي المزمن، وبناء دولة المواطَنة الرحبة التي لا منة فيها لأحد على أحد، ولا تمييز فيها على أساس الدين أو المذهب.

لقد سمعتْ البشرية كلها -عبر القنوات الفضائية والشبكة الإلكترونية- ذلك الرجل السوري الذي يأخذ بنياط القلوب، وهو يصرخ: “أنا إنسان.. ماني حيوان”. وهو يذكرنا بالإفريقي الأسود في أميركا الستينيات الذي كان يحمل على صدره لافتة كتب عليها نفس الجملة البسيطة العميقة المؤلفة من كلمتين: “أنا إنسان”. وهذا المدخل الإنساني هو الذي كان يتعين على قادة الشيعة أن يتدبروا به الثورة السورية. أما المثنوية والأنانية السياسية والكيل بمكيالين فهي أمور لا تصلح في التعاطي مع ثورات شعوب تسقي شجرة الحرية كل يوم بدمائها، وإنما يصلح للتعاطي مع هذه الثورات موقف أخلاقي صُراح لا ازدواجية فيه ولا التواء، موقف يُعاضِد كل الشعوب الطامحة إلى العدل والحرية، من صنعاء إلى حمص، ومن المنامة إلى طرابلس الغرب. موقف لا يرى في الإنسان العربي الثائر من أجل الحرية والكرامة سنيا أو شيعيا، مسلما أو مسيحيا، بل يرى فيه إنسانا مجردا، يسعى إلى الاعتراف بإنسانيته.

لقد أمسكت الشعوب العربية بزمام تاريخها، وهي مصممة على التخلص من الغزاة والطغاة والغلاة، سنة كانوا أو شيعة، مسلمين أو مسيحيين.. فهل يدرك حكماء الشيعة ذلك ويلتحموا بتيار التاريخ الجارف قبل فوات الأوان؟ وهل يتداركون مخاطر الهوة التي يقودهم إليها أسدٌ ظالم، مجروح الكبرياء، غارق في الدماء؟

الجزيرة 21/12/2011م

 
 

شقراء وسط الملتحين

بقلم د. محمد العوضي

“الملتحون” عرف عنهم التشدد، وحرص الإعلام الغربي على التأكيد أنهم شريرون، أما الشقراء فهي صحافية انجليزية الأصل.

باختصار إنها (ايفون رايلي) التي اعتقلها نظام طالبان.

والتي زارتنا في الكويت الأسبوع الماضي بدعوة من مركز “الوعي” للعلاقات العربية الغربية.

الصحافية الانكليزية ايفون رايلي .
ألقت محاضرة ممتعة الأسبوع الماضي في المركز تحكي فيها قصة اعتقالها من البداية إلى النهاية، وماذا خرجت من هذه التجربة من مفاهيم وانطباعات… عن أشياء كثيرة بما فيها مهمة الإعلام والإعلاميين ما شكل لها انقلابا وثورة على كثير مما يجري في عالم السياسة والاقتصاد والدين وحقوق الإنسان والدعاية المسيئة للجماهير وتضليل الشعوب.
أطالت رايلي الحديث عن المعاملة الغريبة والحسنة والمبهرة لحركة طالبان تجاهها، مدة الأيام العشرة التي اعتقلت فيها، لقد ذكرت جرأتها عليهم وشتمها لهم وسخريتها منهم وتحديها لهم، وأخيراً البصقة القوية التي قذفتها في وجه أحد محاوريها… كل هذا وغيره من الإهانات والتحدي لم يكن له أثر على رجال الطالبان الذين استمروا في حسن معاملتها.

قالت: حتى عندما اكتشفوا من أول لحظة أنني انكليزية متخفية في لباس أفغانية بعد أن سقطت مني الكاميرا وفضحتني على الحدود… لم يفتشوني شخصيا بل استدعوا امرأة قامت بتفتيشي بعيدا عن أعين الرجال!!!
عندما عرفوا من التحقيق معها أنها ليست عدواً.. وعدوها بإطلاق سراحها ووعدتهم هي بدورها أن تقرأ القرآن مصدر الأخلاق الإسلامية. تقول الشقراء الانكليزية ايفون رايلي التي أخفت شقار وجهها بحجابها بعد إسلامها: بعد إطلاق سراحي اجتمع مئات الصحافيين ينتظرون قنبلة تصريحاتي ضد الطالبان، فكان جوابي: لقد أحسنوا معاملتي!

فصدموا وخيم عليهم الصمت!

ووفيت بوعدي وقرأت ترجمة القرآن، وتعرفت على الإسلام، ثم أسلمت وختمت محاضرتها بخاتمة تقولها في كل لقاء:

إنني ألقي محاضرتي عليكم باللبس الشرعي الإسلامي الذي أعطاني إياه نظام طالبان في السجن هناك..

وأحمد الله أنني سجنت في نظام طالبان الذي يصفونه بالشرير، ولم أسجن في معتقل غوانتانامو أو أبو غريب للنظام الأميركي الديمقراطي كيلا يغطوا رأسي بكيس ويلبسوني مريولاً برتقالياً، ويربطوا رقبتي بحزام ويجروني على الأرض بعد أن يعروني!!
الحمد الله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.

 
 

بيان علماء ودعاة ومشايخ جزر القمر بخصوص محاربة الفساد

انطلاقا من هدي كتاب الله جل في علاه مخاطبا وآمرا لهذه الأمة المحمدية، الموصوفة بالخيرية والوسطية، المأمورة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، القائل: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله..)) والقائل: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)

وانطلاقا من هدي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، القائل: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)

وإيمانا منا نحن علماء ودعاة ومشايخ جزر القمر بأن خيرية هذه الأمة وسلامتها ورقيها، مرهونة بمدى التزامنا وتمسكنا بالأوامر الإلهية بالفعل والترك والأمر والنهي.

وبجهود مشتركة بين علماء ودعاة ومشايخ هذه البلاد، بخصوص الحد من مظاهر الفساد المتفشية في المجتمع القمري بشتى أنواعها، انبثقت خلال اجتماعاتهم في أحد مساجد العاصمة بموروني، لجنة لمتابعة توصيات الاجتماعات واقتراحاتها، برئاسة شرفية من سماحة مفتي الجمهورية، السيد طاهر بن سيد أحمد مولانا جمل الليل، وبرئاسة تنفيذية من سماحة الوالد الشيخ أحمد دحلان، وقررت اللجنة تنفيذ أعمالها بدأ من مكافحة المسكرات من الخمور والمخدرات، باعتبارها أم الخبائث، واتصلت اللجنة بالجهات الرسمية المعنية بالدولة.

وحظي المشروع بتشجيع من فخامة رئيس الجمهورية الدكتور إكليل ظنين حفظه الله، وتأييدا من حكومته الرشيدة وفقها الله، ممثلة بوزارة الداخلية، حيث أصدرت قرارا بإغلاق محلات بيع المواد الكحولية في الأماكن الشعبية، تطبيقا للقوانين.

فبناء على ما سبق من أعمال اللجنة المعروضة على العلماء والدعاة والمشايخ، وما صدر اليوم في هذا الاجتماع المنعقد في يوم الأربعاء 9 صفر 1433هـ الموافق 4 يناير 2012م، أصدرنا البيان التالي:

أولا: إن علماء ودعاة ومشايخ هذه الدولة مجتمعين، يعربون عن بالغ تقديرهم، وامتنانهم، وبقلوب صافية، ودعوات خالصة لرئيس الجمهورية الدكتور إكليل ظنين حفظه الله، وحكومته الرشيدة أيدها الله، ممثلة في وزارة الداخلية، وذلك بسبب جهودهم المخلصة، وقراراتهم الصادقة والصائبة، والمواقف الحازمة التي اتخذوها ضد مفسدة الخمور، جلبا لمصلحة العقول، ودرءا لمفسدتها.

ثانيا: أشاد العلماء والدعاة والمشايخ بالدور الحيوي الإيماني والوطني من الشرطة الوطنية سدد الله مواقفها، إذ سجلوا تاريخهم بمداد ذهبي لا يمحى، حيث شهد الله مواقفهم، ومثابرتهم، وشهد المواطنون، بعد الله، مجهوداتهم الجبارة في محاربة الفساد ومظاهرها، وإغلاق جميع شواطئ الفساد والمنكرات، مما أدى إلى القضاء النهائي للحوادث الأليمة التي اعتادها المواطنون في كل 31 من ديسمبر من كل عام، حيث نطقت طوارئ مستشفى المعروف بأنها لم تستقبل حالة واحدة ولأول مرة في 31ديسمبر الله أكبر! فهنيئا لهم على هذا الموقف الإيماني الوطني.

ثالثا: إن علماء هذه الدولة، ودعاتها ومشايخها، إذ يعربون عن شكرهم وتقديرهم لهذا الانجاز التاريخي، ليؤكدون في الوقت ذاته عن تكاتفهم، وتأييدهم مع رئيس الدولة وحكومته الرشيدة، ووقوفهم معهم بقلوبهم وأفعالهم، في كل ما من شأنه النهوض بالتنمية الشاملة للدولة، والارتقاء بالمستوى الأخلاقي، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

رابعا: يشيد العلماء بضرورة احترام مبدأ دولة القانون، ويطالبون من المؤسسات التشريعية والقضائية والرقابية الجادة والحزم في المسئولية المنوطة بهم، إيمانا منهم بأن استقرار الدولة أمنا واقتصادا، دينا وأخلاقا، مرهون بمدى جدية تلكم المؤسسات، والعكس صحيح.

خامسا: يشيد العلماء الجهاز القضائي، وجميع الأجهزة الأمنية في البلاد، صمودهم أمام الحق، وإيصال الحقوق إلى ذويها بالعدل، فيقدموا كل من يسول له نفسه بارتكاب جريمة للعدل، وأن لا يأخذهم رأفة في دين الله تعالى، فلا يفرقون بين رئيس ومرؤوس، ولا بين شريف ووضيع، وأن يتمسكوا “بالمبدأ النبوي الشريف”: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”.

سادسا: يطالب العلماء من المواطنين أن يعدلوا في أقوالهم، متمسكين بهدي كتاب الله تعالى: ((من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها)) وقوله تعالى: ((ولا تزر وازرة وزر أخرى)).

سابعا: يطالب العلماء من الحكومة القمرية عبر مؤسساتها التشريعية، أنه كما ثبت دستورا أن الإسلام دين الدولة، أن تثبت كذلك دستوريا، أو قانونيا أن مذهب الدولة “مذهب أهل السنة والجماعة” حفاظا على وحدة الدولة الدينية، وتجنبا من ويلات الطائفية.

ثامنا: يطالب العلماء من وجهاء وأعيان المدن والقرى، والمحافظين، ورؤساء البلديات، بل وأفراد المواطنين الغيورين بضرورية التعاون والتكاتف وتنسيق الجهود مع جميع الجهات المعنية بمكافحة الفساد الأمنية منها والمدنية.

تاسعا: يشيد العلماء والدعاة والمشايخ على ضرورة وأهمية العمل التوعوي، من دروس ، ومحاضرات، وندوات، ونشرات ومطويات، في المؤسسات والمراكز التعليمية، والمساجد، والأماكن العامة، وأن تسخر جميع الوسائل الإعلامية العامة منها والخاصة كل إمكاناتها لذلك.

عاشرا وأخيرا: فالله نسأل أن يعلو صوت الحق في بلادنا، وأن يمد بمدده الكريم رئيس الدولة الدكتور إكليل ظنين حفظه الله، بالتوفيق والسداد والبركة في عمره والصواب في الرأي، وأن يؤيد بالحق حكومته الرشيدة، وأن يجمع على الحق والهدى كلمة العلماء، وأن يكرمنا بدولة كريمة يعز فيها أهل طاعته ويذل فيها أهل الفساد، إنه نعم المولى ونعم النصير، سميع مجيب دعوة المضطر إذا دعاه، ونحن مضطرون، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله الطيبين وأصحابه أجمعين.

الموقعون عنهم:

عن العلماء والدعاة: مفتي الجمهورية/ السيد طاهر بن سيد أحمد مولانا جمل الليل

عن المشايخ/ الشيخ أحمد دحلان