RSS

Category Archives: مقالات تستحق القراءة

أشهر لا.. في التاريخ الأمريكي

هلا حسنين

 في أحد أمسيات شهر ديسمبر عام 1955 الباردة جمعت (روزا باركس) ذات البشرة السمراء والتي تعمل خياطة حاجياتها وتجهزت للعودة إلى بيتها بعد يوم من العمل الشاق المضني، مشت روزا في الشارع تحتضن حقيبتها مستمدة منها بعض الدفء اللذيذ.

التفتت يمنة ويسرة ثم عبرت الطريق ووقفت تنتظر الحافلة كي تقلها إلى وجهتها، وأثناء وقوفها الذي استمر لدقائق عشر كانت (روزا) تشاهد في ألم منظر مألوف في أمريكا آنذاك، وهو قيام الرجل الأسود من كرسيه ليجلس مكانه رجل أبيض !.

لم يكن هذا السلوك وقتها نابعا من روح أخوية، أو لمسة حضارية، بل لأن القانون الأمريكي آنذاك كان يمنع منعا باتا جلوس الرجل الأسود وسيده الأبيض واقف.

حتى وإن كانت الجالسة امرأة سوداء عجوز وكان الواقف شاب أبيض في عنفوان شبابه، فتك مخالفة تُغرم عليها المرأة العجوز !!.

وكان مشهورا وقتها أن تجد لوحة معلقة على باب أحد المحال التجارية أو المطاعم مكتوب عليها (ممنوع دخول القطط والكلاب والرجل الأسود) !!!.

كل تلك الممارسات العنصرية كانت تصيب (روزا) بحالة من الحزن والألم.. والغضب.

فإلى متى يعاملوا على أنهم هم الدون والأقل مكانة…

لماذا يُحقرون ويُزدرون ويكونوا دائما في آخر الصفوف، ويصنفوا سواء بسواء مع الحيوانات.

وعندما وقفت الحافلة استقلتها (روزا) وقد أبرمت في صدرها أمرا.

قلبت بصرها يمنة ويسرة فما أن وجدت مقعدا خاليا إلا وارتمت عليه وقد ضمت حقيبتها إلى صدرها وجلست تراقب الطريق الذي تأكله الحافلة في هدوء.

إلى أن جاءت المحطة التالية، وصعد الركاب وإذ بالحافلة ممتلئة، وبهدوء اتجه رجل ابيض إلى حيث تجلس (روزا) منتظرا أن تفسح له المجال، لكنها ويا للعجب نظرت له في لامبالاة وعادات لتطالع الطريق مرة أخرى !!!.

ثارت ثائرة الرجل الأبيض، واخذ الركاب البيض في سب (روزا) والتوعد لها إن لم تقم من فورها وتجلس الرجل الأبيض الواقف.

لكنها أبت وأصرت على موقفها، فما كان من سائق الحافلة أمام هذا الخرق الواضح للقانون إلا أن يتجه مباشرة إلى الشرطة كي تحقق مع تلك المرأة السوداء التي أزعجت السادة البيض !!!.

وبالفعل تم التحقيق معها وتغريمها 15 دولار، نظير تعديها على حقوق الغير !!.

وهنا انطلقت الشرارة في سماء أمريكا، ثارت ثائرة السود بجميع الولايات، وقرروا مقاطعة وسائل المواصلات، والمطالبة بحقوقهم كبشر لهم حق الحياة والمعاملة الكريمة.

استمرت حالة الغليان مدة كبيرة، امتدت لـ 381 يوما، وأصابت أمريكا بصداع مزمن.

وفي النهاية خرجت المحكمة بحكمها الذي نصر روزا باركس في محنتها. وتم إلغاء ذلك العرف الجائر وكثير من الأعراف والقوانين العنصرية.

وفي 27 أكتوبر من عام 2001، بعد مرور 46 سنة على هذا الحادث، تم إحياء ذكرى الحادثة في التاريخ الأمريكي، حيث أعلن السيد ستيف هامب، مدير متحف هنري فورد في مدينة ديربورن في ميتشيغن عن شراء الحافلة القديمة المهترئة من موديل الأربعينات التي وقعت فيها حادثة السيدة روزا باركس التي قدحت الزناد الذي دفع حركة الحقوق المدنية في أمريكا للاستيقاظ، بحيث تعدَّل وضع السود.

وقد تم شراء الحافلة بمبلغ 492 ألف دولار أمريكي.

و بعد أن بلغت روزا باركس الثمانين من العمر، تذكر في كتاب صدر لها لاحقاً بعنوان القوة الهادئة عام 1994 بعضا مما اعتمل في مشاعرها آنذاك فتقول : في ذلك اليوم تذكرت أجدادي وآبائي، والتجأت إلى الله، فأعطاني القوة التي يمنحها للمستضعفين.

و في 24 أكتوبر عام 2005 احتشد الآلاف من المشيعين الذين تجمعوا للمشاركة في جنازة روزا باركس رائدة الحقوق المدنية الامريكية التي توفيت عن عمر يناهز 92 عاما.

يوم بكى فيه الآلاف وحضره رؤساء دول ونكس فيه علم أمريكا، وتم تكريمها بأن رقد جثمانها

بأحد مباني الكونجرس منذ وفاتها حتى دفنها وهو إجراء تكريمي لا يحظى به سوى الرؤساء والوجوه البارزة.

ولم يحظ بهذا الإجراء سوى 30 شخصا منذ عام 1852، ولم يكن منهم امرأة واحدة.

ماتت وعلى صدرها أعلى الأوسمة، فقد حصلت على الوسام الرئاسي للحرية عام 1996، والوسام الذهبي للكونجرس عام 1999، وهو أعلى تكريم مدني في البلاد.

وفوق هذا وسام الحرية الذي أهدته لكل بني جنسها عبر كلمة (لا )..

أشهر ( لا) في تاريخ أمريكا..

كل حدث تاريخي جلل.. وكل موقف كبير مشرف، كان وراءه شخصية مبادرة تؤمن بقدرتها على قهر ما اصطلح الناس على تسميته بـ ( المستحيل ) !.

فكيف يصبح المرء منا شخصية مبادرة ؟

كيف يمكن أن نصنع بأيدنا العالم الذي نحيا فيه ؟

المرجع (العادات الخمس للمرأة الناجحة) – كريم الشاذلى

 
 

!لماذا يخافون من الإسلام؟

كيث إليسون

 نظرًا لارتفاع موجة التعصُّب والكراهية ضد المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكيَّة, يتطرَّق عضو الكونجرس الأمريكي المسلم كيث إليسون إلى هذه الإشكاليَّة، داعيًا الأمريكيين جميعًا إلى نبْذ روح العنف وما يُسمى بفوبيا الإسلام.

ويعتبر إليسون أول نائب مسلم يدخل الكونجرس وهو محامٍ أمريكي اعتنق الإسلام وهو في سن التاسعة عشرة, كما واجه إليسون مشاكل عند أدائه القسم, حيث طلب منه الجمهوريون أداء القسم واضعًا يده على الإنجيل, لكنه أصرَّ على أن يقسم واضعًا يده على القرآن، وقد كتب إليسون مقالًا، في صحيفة واشنطن بوست، تحت عنوان “لماذا ينبغي أن نخشى الإسلام” هذه ترجمته:

في الوقت الذي تشهد فيه أمتُنا ارتفاعًا في السلوك المتعصِّب, المتقاطع مع كافة الخطوط الثقافيَّة, سواء على أساس العِرق أو الدين, فإننا واقعون في الوقت ذاته أسرى لوسائل الإعلام القوميَّة المتخَمة بالحديث عن الجدل والصراع, في حين أننا في أمسّ الحاجة إلى مَن يتناول الحقائق والتقارير بشكل موزون وعادل، وما زاد الطين بلَّة, ما قام به برنامج إخباري وطني مؤخرًا من تعزيز لهذه المخاوف، واسمحوا لي أن أشرحَ ما أعنيه.

تخيَّل برنامجًا تلفزيونيًّا محترمًا، أو تقريرًا في مجلة تحت عنوان “هل ينبغي أن يخاف الأمريكيون من الزنوج؟”.

يدعو المضيف المقدام الأمريكيين العاديين إلى سؤال الخبراء عن شرح تركيبة السود، ويتساءل أحدهم “لماذا موسيقى السود “الراب” تهين النساء للغاية؟”, وتسأل أخرى: “لماذا نجد العديد من السود في أسفل السلم الاقتصادي والتعليمي؟”.

وبطبيعة الحال, سوف تشعرُك هذه البداية بعدم الارتياح قليلًا, أضف إلى ذلك طرد وفصل أحد مقدمي البرامج الأمريكيَّة من عمله لتساؤلِه عن حكمة الانغماس في التصوير النمطي العنصري ضد السود.

أما الآن, فيمكنك أن تستبدل بالسود المسلمين, حتى يمكنك اكتشاف كيف عاملت محطة “إيه بي سي” نيوز الإسلام والمسلمين في نهاية الأسبوع الماضي, على برنامج 20/20.

وقد بثّ هذا البرنامج لقطات كارتونيَّة لمعسكرات تدريب الإرهابيين, واصطدام الطائرات ببرجي التجارة العالمي, ثم صوَّر بعض المسلمين برسوم كاريكاتيريَّة (اللحية الطويلة والعمامة) حيث يعلن أحدهم أن راية الإسلام سوف ترتفع فوق البيت الأبيض يومًا ما, كما يتبع ذلك ما يقوله بعض المعروفين ببُغضِهم للإسلام والمسلمين, حيث يزعم أحدهم أن “الإسلام دين شرير وكريه للغاية” ومنهم روبرت سبنسر وأيان هيرسي  وفرانكلين جراهام, وقد توافق بشدة ما قاله هؤلاء بالطبع مع الصورة التي تقدِّمها الرسوم الكاريكاتيريَّة ذات اللحى الطويلة.

هل يخاف بعض الأمريكيين من السود؟ بالتأكيد, لكننا لن نسمح بالتعبير عن تلك المخاوف باستخدام البراءة الوهميَّة في برامج إخباريَّة محترمة, إذن لماذا يتم التعبير عن الخوف من المسلمين باستخدام هذه النزهات التلفزيونيَّة؟

هل هناك مجرمون في أمريكا من الأفارقة؟ نعم, مرة أخرى, ولكنهم لا يمثِّلون المجتمع الأسود, فلماذا إذًا تخرج هذه البرامج عن مسارها بتصوير المسلمين بأنهم الأكثر إرهابًا عبر التصوير الكرتوني ويعرضونهم باعتبارهم متحدثين باسم المسلمين؟

وفي الوقت الذي لا يجرؤُ فيه أي صحفي على سؤال رجل أسود يحمل حقيبة رجل أعمال في الشارع عن شرح التركيبة الإجراميَّة لأمريكي من أصل أفريقي, استطاع الصحفيون أن يطلبوا من المسلمين الأمريكيين العاديين تفسير سلوك المتطرفين, مما يجعل ذلك ربطًا بين هؤلاء الأخيرين والتيار الرئيسي للمجتمع المسلم.

ونحن بصدد محادثة وطنيَّة حول الانتماء, ومنها ما يشكِّلُه تهديد بحرق القرآن في ولاية فلوريدا والجدل حول المركز الإسلامي المقترَح بناؤه في مانهاتن, هي أمثلة على هذا الحوار الوطني حول ما إذا كان يمكن لأمريكا أن تمدَّ ذراعيها بما يكفي لاحتضان المسلمين أيضًا, ربما لا تمثِّل هذه التعبيرات غير المسئولة والمثيرة ضد المسلمين في وسائل الإعلام الشعبيَّة سببًا رئيسيًّا في تنامي قضيَّة الخوف من الإسلام, إلا أنها بالتأكيد يمكن أن تجعل الأمور أسوأ.

لكن لا بد من مواصلة الحوار, وأتمنى أن يكون استمرارُه بين الأمريكيين من جميع الأديان وجهًا لوجه بالمساجد والكنائس والمعابد اليهوديَّة وغيرها من الأماكن المقدَّسَة, حول الاختلافات وحول الإنسانيَّة المشتركة, خالية من القوالب النمطيَّة التي برزتْ في الآونة الأخيرة في البرامج التلفزيونيَّة والمجلات.

الإسلام اليوم 25/10/2010م

 
 

كيف اعتلى الدولار عرش العملات؟

محمد طارق

 قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية وبعد أن تأكد الحلفاء من النصر اجتمع في منتجع بريتون وودز في ولاية نيو هامبشير بالولايات المتحدة عام 1944 ممثلون من 44 دولة لوضع إطار لنظام مالي عالمي جديد لتجنب اضطرابات نقدية وتجارية سادت في سنوات الحرب، وقيل إنها كانت أحد أسبابها.    

وخرج المجتمعون بعدة قرارات أهمها:

* أن نظام تعويم سعر الصرف الذي ساد في الثلاثينيات مثل عائقا للتجارة والاستثمار وأسفر عن حالة من عدم الاستقرار.

* أن نظام تقويم أسعار العملات بالذهب (معيار الذهب) والذي ربط العملات بصورة دائمة بالذهب كان نظاما صارما.

* إن لم يكن بإمكان العملات تعديل أسعارها بحرية فإنه يجب أن تكون هناك طريقة يمكن الاعتماد عليها للتأكد من أن لدى كل دولة احتياطيات كافية من الذهب أو الدولار لضمان عملاتها. وسوف يتم إنشاء صندوق للسيولة لخدمة هذا الهدف.

* لن تكون هناك عودة للأسس الاقتصادية والاتفاقات التجارية الثنائية التي عقدتها ألمانيا النازية ولن يكون هنالك أيضا عودة لسياسة الأفضلية الإمبريالية. وهو مصطلح ظهر نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين ويعني ربط الإمبراطورية عن طريق فرض ضرائب أقل على الواردات من المستعمرات دون غيرها.

* يجب أن يتم تنظيم التعاون المالي والنقدي الدولي عن طريق مؤسسة دولية.

 وبناء على الاتفاقية تم إنشاء صندوق النقد الدولي لضمان وصول الدول الأعضاء إلى الأموال للمساعدة في ربط قيمة عملاتها.

 وقامت الدول الأعضاء بالمساهمة في الصندوق بناء على حجم اقتصاداتها ويمكن لها السحب من الصندوق بالتناسب مع حصصها عندما تحتاج إلى احتياطات لمساندة عملاتها.

وكان إنشاء الصندوق مخرجا اقترحه الأميركيون لحل مشكلة السيولة.

استقرار أسعار الصرف

ووافقت الدول الأعضاء بين عامي 1945 و1971 على المحافظة على أسعار صرف عملاتها مقابل الدولار في وقت كانت أوقية الذهب تساوي 32 دولارا.

أما بالنسبة للولايات المتحدة فإنه تم ربط قيمة عملتها بالذهب، لكنها حصلت على امتياز لتغيير قيمة الدولار من أجل تعديل ضروري في ميزان المدفوعات بعد صندوق النقد الدولي.

ويعرف هذا النظام بنظام بريتون وودز وقد استمر حتى عام 1971 عندما قررت الحكومة الأميركية وقف تحويل الدولار واحتياطيات الدول الأخرى من الدولار إلى ذهب.

ومنذ ذلك الحين ظلت الدول الأعضاء في الصندوق حرة في اختيار أي نظام لتسعير عملتها مقابل العملات الأخرى، عدا اللجوء إلى الذهب.

وفضلت الدول هذا النظام إما لأنه يسمح لها بطبع المزيد من الأوراق النقدية للاستخدام المحلي أو لأنه لا يوجد لديها عملات أجنبية كافية لشراء الذهب.

وطبقا لفك الارتباط هذا فقد أصبحت العملة تتحرك بحرية أو ما يسمى بالتعويم، ويمكن أيضا ربطها بعملة أخرى أو بسلة من العملات، ويمكن لدولة تبني عملة دولة أخرى، أو أن تسهم في كتلة واحدة من العملات مع دول أخرى.

كيف يتم تسعير العملة

بعد فك الارتباط بين الدولار والذهب عام 1971 دخل العالم مرحلة تعويم العملات بمعنى أن قيمة العملة يمكن أن تزيد أو أن تنقص كل يوم عن اليوم السابق.

لكن ما العوامل التي تحدد صعود أو هبوط قيمة العملة؟

إن الجواب على ذلك هو في شراء الدول من كل أنحاء العالم عملات الدول الأخرى.

ويستمد الدولار الأميركي قوته من حجم الإقبال على شرائه لاستخدامه عملة احتياطية أو لتسديد ثمن تجارة، وفي حال توقف المستثمرون عن شراء الدولار فإن قيمته تنخفض بشكل حاد.

ومنذ تخلي الدول عن معيار الذهب هبطت احتياطياتها من الذهب إلى حد ما، وتم استبدال عملات دول أخرى به مثل الدولار وغيره.

الاحتياطي دعم للعملة

تنبع أهمية احتياطيات الدول من العملات الأجنبية  من دعم العملة المحلية وثانيا في تسديد الديون الدولية.

ويمكن لأي دولة الاحتفاظ باحتياطياتها من أي عملة أجنبية تريد أن تحدد مقابلها سعر صرف عملتها. فمثلا إذا حددت دولة ما سعر صرف عملتها مقابل الدولار بأربعين ليرة فإنه يجب عليها الاحتفاظ بدولار واحد مقابل كل أربعين ليرة تقوم بطباعتها، ما يعني أنه يجب الاحتفاظ باحتياطيات من العملة الأجنبية تكفي لتحويل كل العملة المحلية على أساس سعر الصرف المحدد.

وبمعنى آخر إذا افترضنا أن دولة ما تمتلك أربعة تريليونات ليرة فلكي تحافظ على سعر عملتها بأربعين ليرة للدولار فإنه يجب أن تحتفظ بمائة مليار دولار من الاحتياطيات.

ويتم تحديد سعر الصرف عن طريق واحد من ثلاثة أنظمة وهي الثابت والتعويم والتعويم تحت السيطرة.

وفي حال التعويم يتم خضوع سعر الصرف للعرض والطلب أما في الحالتين الأخريين فإن الحكومة أو البنك المركزي يحددان سعر الصرف.

العملة العالمية

لا يوجد اسم رسمي عالمي لعملة بعينها. وقد استخدم  الدولار الأميركي خاصة، والجنيه الإسترليني واليورو والين عملات عالمية.

وبسبب كبر حجم السوق الأميركية كشريك تجاري، تشتري دول كثيرة أو تحتفظ بالدولار لتسديد ديونها للولايات المتحدة كما أن العديد من الدول يحتفظ بالدولار احتياطيا إضافيا إلى الذهب.

ومن الأسباب الأخرى للتوسع في استخدام الدولار أن أسعار العديد من البضائع التي يتاجر بها عالميا يتم تسعيرها بالعملة الأميركية. وذلك يعني أن حجم التجارة بالدولار يجعل من العملة الأميركية العملة الأولى في العالم للتجارة والاحتياطيات.

وفي المقابل ما يجعل العملة أقل جذبا للمستثمرين الوضع الاقتصادي للدولة، إلى جانب عجوزات الموازنة العامة وعجز الميزان التجاري وميزان المدفوعات وحجم الديون.

حرية طباعة النقد

تستطيع الدولة طباعة كميات النقد التي تريدها لكن لكي لا يأكل التضخم قيمة النقد تشرف البنوك المركزية على كمية المعروض النقدي.

وفي حال الولايات المتحدة فإن مجلس الاحتياطي الاتحادي يحدد أسعار الفائدة على القروض الممنوحة للبنوك، وعلى أسعار الفائدة بين البنوك، ويتأكد من احتياطيات البنوك لتغطية حساباتها، ويراقب عمليات تحويل النقد بين البنوك والمؤسسات الأخرى وتحويل الأموال من عملة إلى أخرى.

لكن زيادة العجوزات تدفع الحكومات كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة إلى طلب المزيد من القروض من الاحتياطي الاتحادي بأسعار فوائد محددة ما يعني طبع المزيد من النقد وهو ما يهدد بارتفاع نسبة التضخم وانخفاض قيمة العملة عند سداد القروض.

وفي حال عدم وجود مشترين للدين الحكومي فإن سعر الدولار قد يتدهور مما قد يدفع البنوك خارج الولايات المتحدة إلى بيع الدولار ليضاعف الأزمة.

حقوق السحب الخاصة

وهي عملة يستخدمها صندوق النقد الدولي وبعض المنظمات الدولية كما تستخدمها بعض الدول لربط عملاتها وتستخدم لتقويم بعض الأدوات المالية العالمية.

وقد اقترحت حقوق السحب الخاصة في نهاية خمسينيات القرن الماضي لكن صندوق النقد أصدرها في نهاية الستينيات.

وقد لجأ صندوق النقد الدولي إلى حقوق السحب الخاصة بديلا عن الذهب والفضة في المعاملات العالمية الضخمة.

ومع محدودية كميات الذهب في العالم ونمو اقتصادات الدول الأعضاء في الصندوق، كان هناك حاجة لزيادة الوحدة المستخدمة كأساس لتقويم هذه المعاملات.

ويمكن للصندوق إصدار حقوق السحب فقط عند موافقة 85% من أعضاء الصندوق.

وهذه الآلية تعطي الولايات المتحدة (التي تتمتع بأكثر الأصوات طبقا لحجم تجارتها مع العالم) ميزة الاعتراض على إصدار هذه الحقوق.  لتضمن الولايات المتحدة بذلك ميزة للدولار على المستوى العالمي.

وقد تم إصدار حقوق السحب الخاصة مرتين فقط في تاريخ الصندوق، مرة عند إصدارها لأول مرة والأخرى في عام 1981 ليصبح حجمها 21.4 مليارا (نحو 32 مليار دولار طبقا لأسعار الصرف الحالية).

وتم تخصيص حقوق السحب الخاصة لـ144 دولة فقط من الدول الأعضاء لأن العديد من الدول الأخرى انضم إلى الصندوق بعد عام 1981.

ويجب إصدار حقوق السحب للدول بالتناسب مع حصتها في الصندوق. وبما أن الحصص في الصندوق تعتمد بشكل عام على الناتج المحلي الإجمالي فإن الدول الغنية هي التي تستأثر بأغلبية حقوق السحب.

ويمكن لحقوق السحب الخاصة أن تحل محل الدولار كعملة احتياط عالمية إذا وافقت الدول الأعضاء على ذلك. ويعني هذا إصدار حقوق سحب جديدة وتخصيصها للدول.

يشار إلى أن حجم الاحتياطيات العالمية من العملات وصل في نهاية 2008 إلى 6.7 تريليونات دولار.

وتؤيد الصين ومجموعة خبراء تابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة خاصة بالإصلاحات المالية العالمية فكرة إيجاد عملة للاحتياطيات العالمية.

كيف تقوم حقوق السحب

وتعتمد قيمة حقوق السحب الخاصة على سعر سلة من العملات هي الدولار واليورو والين والجنيه الإسترليني.

ويتم إعادة النظر في مكونات السلة من قبل مجلس إدارة صندوق النقد الدولي كل خمس سنوات لتعكس الأهمية النسبية لهذه العملات في أنظمة العالم التجارية والمالية.

وكانت آخر مرة تم فيها تقويم حقوق السحب الخاصة هي عام 2006. وتسري هذه المدة حتى عام 2010.

وطبقا لهذا التقويم فإن مساهمة الدولار في السلة يصل إلى 44% في مقابل 34% لليورو و11% للين الياباني و11% للجنيه الإسترليني.

الجزيرة 13/4/2009م

 
 

العالم بدون إسلام.. نظرة تحليلية في رؤية أمريكية

طرحت مرحلة ما بعد الحرب الباردة أبعادًا ثقافية وحضارية لم تكن مطروحة من قبل؛ سواءً على البعد النظري الأكاديمي أو البعد السياسي.

وباتت هناك أولوية للاهتمام بالأبعاد الثقافية والحضارية في العلاقة بين الإسلام والغرب؛ على عكس أولويات الاهتمام فيما قبل ذلك؛ حيث كانت الأولويات العسكرية (في الخمسينيات والستينيات) ثم الأولويات الاقتصادية (في السبعينيات والثمانينيات) هي المهيمنة والمسيطرة على الساحة الدولية؛ الأمر الذي أدى إلى استدعاء صراع الحضارات والثقافات، ليصير هو المهيمن في القرن الواحد والعشرين، بدلا من صراع سياسات القوى في القرن العشرين، كما تؤكد الدكتورة نادية مصطفى أستاذة العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وإحدى المتخصصات في هذا الموضوع.

إن الأدبيات الغربية التي تحدثت عن عودة الاهتمام بالثقافة والدين في علم العلاقات الدولية، وعن تجدد بروز أهمية الدين على الساحة الدولية، ليست بقليلة، ابتداءً من سيمون موردن إلى يوسف لابيد إلى فريد هاليداي إلى باري روبين إلى جوناثان فوكس إلى جورج فيجيل، وآخرون غيرهم كثيرون، لن يتسع المقام إلى ذكرهم جميعا.

وعلى الرغم من الجدل حول طبيعة الوزن الثقافي في تفسير العلاقات الدولية، فإن هذا الجدل وما ينتج عنه من نماذج تطبيقية يعكس مدى الزخم الذي تلقاه الثقافة والدين في أدبيات العلاقات الدولية.

ونقلا إلى مستوى العلاقة بين أكبر قوة في العالم (الولايات المتحدة) وبين أكثر المناطق حساسيةً ثقافيا وحضاريا (العالم العربي والإسلامي)، فقد كتبت أقلام غربية كثيرة -مثل صاموئيل هنتنجتون وفرانسيس فوكوياما وبرنارد لويس ودانييل بايبس- عن تحول البعد الثقافي من مجرد بعد ثانوي إلى مُحرك أولي وأصيل للإستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة العربية والإسلامية، وكذلك تحوله إلى مبرر وموضوع للإستراتيجية الأمريكية.

وعلى الوجه المناقض وُجد توجه أكاديمي غربي ثانٍ -مثل جون إسبوزيتو وفواز جرجس- يُهون من ذلك البعد الثقافي، مُفترضا أنه لم يكن أبدا -ولن يكون- من ضمن أولويات الإستراتيجية الأمريكية تجاه المنطقة العربية الإسلامية، ومُفترضا كذلك أن الصراع بين الولايات المتحدة والإسلام ليس صراعا حضاريا، وإنما هو صراع مصالح بحت؛ وأن الحسابات الأمنية والإستراتيجية هي التي كانت -وما زالت- تحتل قلب الاهتمامات الأمريكية، وليس الحسابات الثقافية والحضارية.

وقد بدا لي عبر قراءتي لمقال العالم دون إسلام -والذي كتبه جراهام فوللر، الأستاذ المساعد في كلية التاريخ بجامعة سايمون فريز في فانكوفر، بمجلة فورين بوليسي الأمريكية- اندراج فوللر تحت لواء التوجه الثاني الذي يتجاهل البعد الثقافي، آخذا مكانه مع زميليه إسبوزيتو وجرجس؛ فقد انصب محور مقاله الأساسي حول النقطة الآتية: إن العالم المُفترض الخالي من الإسلام لم يكن ليختلف كثيرا عن ذلك العالم الذي نعيشه اليوم، بمعنى آخر: لو لم يكن الإسلام موجودا لما حدث فارق كبير، فالعالم سواءً بالإسلام أو بدونه هو في النهاية عالمٌ واحد.

هذا ما ذهب إليه فوللر باختصارٍ شديد، وهو الأمر الذي يفرض علينا طرح التساؤل الآتي:

هل لم يكن الإسلام فعلا عنصرا فارقا مع العالم؟

وهل كان عدمه مساويا لوجوده؟

شهادة حق

قبل الدخول في هذه النقطة لا بد أولا من الإدلاء بشهادة فوللر في حق الإسلام؛ حيث أشاد بأن الإسلام كان عنصر توحيدٍ من الدرجة الأولى على نطاق الإقليم، وأنه أوجد -باعتباره دينا عالميا- حضارة عظيمة وممتدة على نطاق العالم، وأنه أثر على الجغرافيا السياسية، فإذا لم يكن هناك الإسلام فربما كانت الدول الإسلامية في جنوب وجنوب شرقي آسيا اليوم -وخاصة باكستان وبنجلاديش وإندونيسيا- متجذرة في نطاق العالم الهندوسي.

وكذلك أشاد بالحضارة الإسلامية التي قدمت نموذجا راقيا يمكن أن يحتكم إليه جميع المسلمين في مسألة مقاومة انتهاكات الغرب، حتى لو فشل ذلك الاحتكام في صد التيارات الاستعمارية الغربية فقد خلق ذاكرةً تاريخيةً للمصير المشترك لا تُمحى.

ويرفض فوللر تبرير ربط أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بالدين، والتغافل عن مظالم الغازي الأجنبي، كما يرفض إلصاق الإرهاب بالمسلمين وحدهم، مستشهدا بالاغتيالات الكبيرة التي حدثت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بواسطة الفوضويين الأوروبيين والأمريكيين، ومستشهدا بالتاريخ الحديث للنشاط الإرهابي؛ حيث أوردت مجلة يوروبول 424 هجمة إرهابية في الاتحاد الأوروبي عام 2006م؛ لم ينفذ منها المسلمون إلا هجمةً واحدة، ومستشهدا بالحروب العالمية التي فرضها الأوروبيون مرتين على بقية العالم؛ حربان عالميتان مدمرتان بلا مثيل لهما في التاريخ الإسلامي.

ويتعجب فوللر من الذين ينتقدون الإرهاب العربي في الغرب؛ طارحا السؤال الآتي: لماذا لا يستخدم العرب الإرهاب ردا على الإرهاب الذي يُمارس ضدهم من قبل إسرائيل والولايات المتحدة؟ فمثلما تقوم الجماعات الراديكالية ببث مظالمها في عصر العولمة، لماذا لا نتوقع منهم نقل كفاحهم إلى قلب الغرب؟.

ويفترض فوللر أن أحداث سبتمبر كانت ستقع حتما، إن عاجلا أو آجلا؛ فالغرب لم يترك للعرب حلا إلا المواجهة بالإرهاب؛ ليدافع عن نفسه ضد الظلم الواقع عليه ليلا ونهارا، ومن ذلك قوله: نحن نعيش في عصر صار فيه الإرهاب سلاح الضعفاء المختار.

إلا أن ذلك كله يفرض علينا تساؤلا وجيها، وهو: هل كان فعلا المسلمون المنفذين الحقيقيين لأحداث سبتمبر؟ وهل كانوا هم فعلا المنفذين لأحداث الإرهاب التي حدثت في داخل أوروبا بعد أحداث سبتمبر؟

إن فوللر يتحدث وكأن المسلمين فعلا هم الضالعون في تلك الأحداث؛ وهو ما كذبته ونفته بحوث وكتب وتقارير غربية غير إعلامية، ومن ثم يمكن القول إنه على الرغم من إشادة فوللر بالإسلام في كثير من الأمور -وهو أمرٌ يُشهد به لباحث غربي- فإنه وقع في نفس المطب الذي يقع فيه المثقفون الغربيون عامةً؛ وهو المطب الذي نصبه الإعلام الأمريكي والأوروبي والعربي أيضا لإلصاق تهم الجرائم الإرهابية بالمسلمين والإسلاميين، دون وجود أدلة دامغة وحقيقية.

هل كان احتلال موارد فقط؟

انطلق فوللر من حُجته قائلا: إن الصورة المُفترضة عن العالم بدون إسلام هي عبارة عن (شرق أوسط) تهيمن عليه الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية التي تساورها تاريخيا ونفسيا الشكوك وربما العداء للغرب.

فمسيحيو الشرق (الأرثوذكس) كانوا سيثورون على الهجمات المسيحية الغربية التي استهدفت السيطرة على ثروات وموارد الشرق، كانوا سيقاومونهم مثلهم مثل المسلمين، كما يؤكد فوللر؛ معللا ذلك بتوجس الأرثوذكس الشرقيين تاريخيا من الغرب؛ ولعل التاريخ الأسود الذي شهدته العلاقة بين الكنيسة الكاثوليكية الغربية في روما والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية في القسطنطينية خيرُ دليلٍ على ذلك.

إن فوللر يتحدث وكأن الهجمات الغربية على الشرق لم تكن إلا بهدف وضع اليد على الموارد والثروات؛ منكرا الهدف الآخر المتمثل في محاربة الإسلام كنظام وفكر وأسلوب حياة.

نعم، لقد سعى الغرب المحتل نحو الهيمنة على ثروات الشرق، ولكنه سعى أيضا نحو محاربة الهوية الإسلامية، ومحو الشخصية الإسلامية سواءً للفرد أو الجماعة، وإخراج الفرد المُسلم من إصر الجماعة الإسلامية تحت شعار الحرية الفردية المُطلقة.

إن المنظومة الإسلامية التي تناهض العلمانية والمادية والفردية والرأسمالية لم تكن أبدا ولن تكون في مصلحة القوى الغربية المحتلة؛ سواءً كانت تلك القوى تُمثل الإمبراطورية الرومانية أو القوى الصليبية أو الإمبراطورية البريطانية أو الإمبراطورية الأمريكية الحالية، بل إن هدف الغرب المحتل في السيطرة على موارد العالم الإسلامي كان -وما زال- يصب في خدمة هدف محاربة المنظومة الإسلامية. باختصار، هما هدفان لا ينفكان عن بعضهما البعض.

ألم يمنع الإسلام ظلما؟

يرى فوللر أن وجود الإسلام مثل عدمه؛ فالظلم واحدٌ في الحالتين، ومقاومته واحدةٌ في الحالتين أيضا، وهي إن لم تكن مقاومة إسلامية، فستكون أرثوذكسية أو ماركسية أو قومية، لكنه لم ير أن العالم دون إسلام كان سيكون أكثر ظلما وطُغيانا، لم ير أنه لولا الإسلام لظل الإنسان حبيسا للجبروت الذي كان يتزعمه أباطرة الروم وأكاسرة الفُرس وسادة قريش؛ ولا سيما في ظل عدم وجود شريعةٍ حاكمةٍ سواءً في الدين المسيحي أو في الدين اليهودي.

لم ير قوة الإسلام التحريرية التي حررت الإنسان جسدا وفكرا وعقلا وقلبا من استسلامه للآدميين إلى الاستسلام لرب الآدميين، لم ير تمكّن تلك القوة في وجدان المسلمين وعقولهم، وتحركهم نحو فتح بُلدان العالم لتحريرها مثلما تحرروا، لو لم يكن الإسلام موجودا لأباد الصليبيون والتتار العالم، وحولوه إلى خرابٍ ودمار، ولولا وقوف المسلمين المُتشبعين بالإسلام دينا ومنهاجا ورسالةً وحضارةً ضد الصليبيين والتتار لهلك العالم.

وإذا كان مسلمو اليوم لم يعودوا بمثل قوة الأمس، فإن ذلك قد يعود بالأساس إلى عدم تشبعهم بالإسلام دينا ومنهاجا ورسالةً وحضارةً، ومن ثم تفريطهم في مسئوليتهم العالمية، واستقالتهم من دورهم الحضاري في نُصرة المظلوم وضرب الظالم، وتحولهم من أمةٍ شاهدة إلى أمةٍ مشهود عليها.

وعلى الرغم من استقالة الأمة الإسلامية حضاريا، فما زال منها ما يُبقيها، ويشعل جذوتها؛ إنها المقاومة الإسلامية في العراق وفلسطين ولبنان، التي ما زالت تضرب الظلم الصهيوني والأمريكي بيدٍ من حديد، على الرغم من قلة إمكانياتها وكثافة الضغوطات عليها.

ولولا تلك المقاومة الإسلامية لصار العالم الإسلامي بأكمله تحت ألسنة النيران الأمريكية والإسرائيلية، ولم يكن في مقدور القومية العربية -كما يفترض فوللر- أن تفعل شيئا حيال الهجمات الصهيونية الأمريكية؛ فقد انهزمت القومية العربية منذ نكسة 1967؛ ولم يعد لها قائمة؛ وسكوت الأنظمة القومية العربية أكبر شاهد على ذلك.

ومن ثم أوجه كلامي إلى فوللر قائلةً: إن القومية العربية لم تكن لتفعل شيئا ضد الاحتلال الصهيوني الأمريكي؛ ولولا وجود الإسلام متمثلا في (حماس) و(حزب الله) و(المقاومة العراقية) لأكمل (بوش) الابن مشروع الشرق الأوسط الكبير في البقية الباقية من المنطقة العربية.

لقد كتب فوللر قائلا: لا يوجد هناك سبب للاعتقاد بأن رد فعل الشرق الأوسط للهجمة الاستعمارية الأوروبية سيكون مختلفا بشكل كبير من الطريقة التي تعامل بها فعليا في ظل الإسلام.

وأنا أردّ عليه قائلةً: إن ردة الفعل على الهجمة الاستعمارية كانت ستكون مختلفة في ظل الإسلام، فحركات المقاومة الإسلامية فعلت ما لم تفعله حركات القومية العربية؛ ولو كان اعتماد الشعوب العربية على حركات القومية العربية أو الحركات اليسارية فقط، ولو لم يكن هناك مقاومات إسلامية في غزة وجنوب لبنان والعراق، لكان الوضع أسوأ بكثير مما نحن عليه الآن، ولصار العرب والمسلمون نسيا منسيا.

باختصار.. إن حركات المقاومة الإسلامية شكلت عائقا إستراتيجيا أمام الأطماع الأمريكية والإسرائيلية، لم يكن لحركات المقاومة العربية أن تحققه.

أون إسلام 29/9/2010م

 
 

صحوة من سكار الحب

ومن المحبين من هجر الحب المحرم واتصل بالحب الشرعي الطاهر العفيف،

فأنتقل من عالم الزور، ودنيا الهيام، وظلام الغرام، ومقام الآثام، إلى جنة الصدق، وروضة المعرفة، وبستان اليقين، وباحة الإيمان:

فهذا ابن أبي مرثد هام ـ قبل أن يسلم ـ بفتاة وعشقها وسكب عمره في كأس هواها، وأفرغ روحه في كوب نجواها، وفرغ شبابه على تراب مغناها، فلما هداه الله وغسل قلبه من أدران الهوان وأوصار المعصية، أفاق ـ والله ـ من رقده الغفلة، ومن سنة الجهالة، ومن سكرة الغي، على صوت بلال، فارتجف جسمه، وتهذبت روحه، وأعلن في إباء، وصاح في استعلاء : أتوب إليك يا رب، وأقبل على المصحف، وهب إلى المسجد، واستعان بالصبر والصلاة، وأدمن الذكر، وسجل رائعته في ديوان الخلود وسفر النجاة ودفتر المجد:

أأبقى غويا في الضلالة ساردا                كفي بالمرء بالإسلام والشيب ناهيا

وهذا لبيد بن ربيعة الشاعر المشهور:

هام بالغزل ومات بالمقل، وانغمس في الشعر وحده، يعيش للقافية، ويضحي للقصيدة، ولكنه عرف الله عن طريق الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، فتاب من حياة العبث والضياع، ورجع إلى المحراب، وأقبل على التلاوة، وأنشد:

الحمد لله إذ لم يأتني أجلي                   حتى اكتسب من الإسلام سربالا

ونذر لله لا ينظم ولو بيتا واحد، فإن فعل أعتق رقبة، وقال : كفتني سورة البقرة عن الشعر.

وهذا إبراهيم بن أدهم عاشق الملك، وهاوي الإمارة، والمولود في الرئاسة، فكر ذات يوم فقال : كان أجدادي وآبائي ملوكا فأين هم الآن ؟ هل تحس منهم أحد أو تسمع لهم ركزا ؟!، وتذكر قول الشاعر :

وسلاطينهم سل الطين عنهم                  والرؤوس العظام صارت عظاما !

فأعلن توبته، وفر من قصره، وخلع ثياب الملك، وهرب من الترف والجاه والنعيم إلى قرة وراحة الأرواح، فكان يسكن الخراب، ويمرغ أنفه بالتراب، ويأكل الشعير، وينام على الرصيف، ويقول نحن في عيش لو علم به الملوك لقاتلونا عليه بالسيوف:

أمطري لؤلؤا سماء سرنديب              وفيضي آبار تكريت تبرا

أنا إن عشت لست أعدم خبزا            وإذا مت لست اعدم قبرا !

وهذا عمر ابن عبد العزيز ابن النعمة والحشمة، وارث الدور والقصور، أرغد الناس في شبابه عيشا، وأكثرهم ترفا، وأزكاهم عطرا، لكن نفسه تاقت إلى الجنة فزهد في الفاني، ورغب في الباقي، واقبل على الله تعالى، وصدق مع ربه فعدل في الرعية، وأخلص في العبودية، وقاد الأمة الإسلامية خير قيادة، مع ورع متين، وعلم راسخ، وخشوع صادق:

جزاك ربي عن الإسلام مكرمة                  وزادك الله من أفضاله كرما

 

ضحايا الحب- للدكتور الشيخ عائض القرنى