RSS

عمر بن الخطاب

عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثاني الخلفاء الراشدين

المؤلف : مصطفى محمد الطحان

المقاس : 17 * 24

عدد الصفحات : 220

تعريف بالكتاب :

 

الكتابة عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه صعبة للغاية.. وأصعب ما فيها أن تكتب لهذا الكتاب مقدمة.. ففي المقدمة يكتب الكاتب عادة رأيه في شخصية عمر.. وأنى لي ذلك وعظمة عمر وسجاياه تملأ الزمان والمكان بما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت من عدالة الحاكمين، وزهد القادرين، وإخبات الناسكين، وقوة الوُدَعاء الراحمين، ووداعة الأقوياء المتقين..!!

ماذا سنقول عن عمر.. ذلك الإنسان الرباني الذي يجري في وقت الحرّ القاتل وراء بعير من أموال الأمة مخافة أن يندّ ويضيع، فيحاسبه الله عليه حساباً عسيراً..!

أو الذي يصطحب زوجته في الهزيع الأخير من الليل حاملاً على كتفيه وفي يديه جراب الدقيق، وقربة الماء، ووعاء السمن، حيث تتولى زوجته أمر سيدة غريبة أدركها المخاض..!!

أو الذي يتأخر عن خطبة الجمعة، ثم يجيء مهرولاً في بردة بها اثنتا عشرة رقعة، تحتها قميص لم يجف بعد من البلل، ثم لا يكاد يصعد المنبر حتى يعتذر للناس عن تأخره فيقول: حبسني عنكم قميصي هذا.. كنت أنتظره حتى يجف، إنه ليس لي قميص غيره..!!

أو الذي يستقبل هدية من الحلوى أرسلها إليه عامله على أذربيجان فيسأل الرسول الذي جاء بها: أوَ كلّ الناس هناك يأكلون هذا..؟ فيجيبه الرجل قائلاً: كلا يا أمير المؤمنين، إنها طعام الصفوة..!

فيختلج عمر ويقول للرجل: أين بعيرك.. احمل هديتك وارجع بها إلى صاحبها وقل له: عمر يأمرك ألا تشبع من طعام حتى يشبع منه قبلك جميع المسلمين..!!

إنه نعم القدوة. كان واضحاً لا يخفي شيئاً مما يعتمل في نفسه بأنه الحق، قد يخطئ في قول أو عمل فلا تتعاظمه المكانة، ولا يحرجه الموقف، ولكنه يعود إلى الصواب قرير العين راضياً، ولا يكون عدوله عن الخطأ في تستر أو مداراة، ولكنه علانية غير مستسر به، كان فرداً في الصراحة والوضوح، حتى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير تحرج ولا تردد. فقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، فقال كالمستنكر: ألم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف؟! قال: (بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا؟! قال: لا. قال: فإنك آتيه وتطوف به). فلما رجعوا من الحديبية وأنزل الله سورة الفتح دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ).

كل نواحي عمر رضي الله عنه مشرق فسيح. كلها متفتح جميل، لا يزيدها مرور الأيام  وبعد التاريخ إلا روعة وبهاء. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رأيتموه يذكر أبا بكر وعمر بسوء فإنما يريد الإسلام).

أصاب الناس قحط شديد في عام الرمادة.. فجاع عمر كما جاع الناس، وحرم على نفسه لين العيش كله، حتى عاش على الزيت، وحتى تغير لونه لكثرة أكل الزيت نيئاً ومطبوخاً، كان يحمل إلى الأعراب داخل المدينة وخارجها طعامهم على ظهره ويأبى أن يكفيه ذاك أحدٌ غيره.. قال الرواة: إنه حرم على نفسه في هذه الأشهر التسعة كل لذة، وكل راحة، وكل طمأنينة، ولم يكن اشتغاله بأمر الناس وحده هو الذي يشقيه ويضنيه، وإنما كان ضميره الحي اليقظ دائماً يزيده شقاء إلى شقاء، وهماً إلى هم، فكان لا يذوق النوم إلا غراراً، وكان يشفق أشد الإشفاق أن يجعل الله هلاك أمة محمد صلى الله عليه وسلم على يديه أو أثناء خلافته.

كان عمر يلقى الولاة في الموسم من كل عام، ويلقى معهم الحجيج من كل مصر، فيسأل الولاة عن الرعية، ويسأل الحجيج عن سيرة الولاة فيهم. لقد كان حريصاً على أن يطمئن بنفسه على سيرة الولاة وسيرة الرعية معاً.

تحت على عمر بلاد الروم وبلاد كسرى كلها في هذه المدة القصيرة التي تولى فيها أمور المسلمين عشر سنين وأشهراً. كان عمر يسره انتصار المسلمين ويرضيه، وكان يسره أن ينتشر نور الله في الأرض، وتعلو كلمة الإسلام.. ولكن عمر على ذلك كان أشقى الناس بالفتوح والمال. كان الفتح يكلفه أن يدبر أمر الحرب في الشرق والغرب، وأن يدبر أمر الأرض التي تفتح شرقاً وغرباً، وأمر الذين يعيشون فيها من المسلمين والمعاهدين.. وكان المال الذي يرسل إليه يكلفه عناء أي عناء، كان لا يرى شيئاً منه إلا أمعن في البكاء.. فقد كان ينظر إليه على أنه محنة وابتلاء.

لقد نظّم الدواوين.. بحيث يصل لكل مسلم في الأرجاء نصيبه من هذا المال.. هذا التأمين الاجتماعي لم تسبق إليه أمة في التاريخ قبل عمر.

فرض لكل طفل يولد في الإسلام.. وكفل المحتاجين من أهل الكتاب وقال: ما أنصفناهم أخذنا منهم الجزية في شبابهم وتركناهم في شيخوختهم.

كان خائفاً أبداً.. يخشى أن يسأله الله عن عنزة عثرت في أرض العراق لمَ لم يمهد لها الطريق.

هذا عمر.. الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم عنه: (أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب، فجاء أبو بكر فنزع ذنوباً أو ذنوبين نزعاً خفيفاً والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً فلم أر عبقرياً يفري فريه حتى روى الناس وضربوا بعطن).

هذا هو عمر في ذاكرة التاريخ، وفي ضمير البشرية..هذا هو منارة الله في الدنيا، وهديته إلى الحياة..!! وعلى مائدته الخالية من أطايب الطعام، الحافلة بأطايب العظمة سنقضي أسعد وأرغد لحظات في حياتنا.. نتعرف فيها على سيرته.

 

 

One response to “عمر بن الخطاب

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *