RSS

الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا

الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا

المؤلف : مصطفى محمد الطحان

المقاس :

عدد الصفحات :

لهذا الكتاب قصة

 في غرفة مرتفعة أنيقة من غرف مستشفى كليفلاند في منطقة أوهايو بأمريكا كنت إلى جانب صاحبي .. هو في سريره نائم أو مستلق ينتظر مبضع الجراح ليجري له عملية في القلب.. وأنا جالس إلى جواره أحدثه إذا استيقظ وأصمت إذا استلقى أو نام…

من نافذة الغرفة وزجاجها الأنيق النظيف ترى منظرا جميلا .. قطع الثلج المتناثرة السريعة تهطل فتكون ستارة بيضاء تغطى كل شيء ..

شعرت بالندم, فعلى غير عادتي لم ترافقني في هذه السفرة كتبي.. وكيف أحملها معي.. وأنا بالأساس مرافق رجل مريض يحتاج إلى رعايتي وعنايتي.. ولكن الزمن يطول.. والفراغ يطبق.. وأنا أتنقل في نظري بين أناقة الغرفة وأناقة الثلج الذي يكلل كل شيء بالبياض.

وجاءت الفكرة

لماذا لا أسجل بعض الخواطر عن الأيام الأولى من سني الدراسة التي قضيتها في تركيا.. وهو حلم قديم فالرحلة كانت ممتعة وذات أثر عميق في نفسي..

بدأت بالكتابة عن عهد عدنان مندريس (رحمه الله) الذي شهد الانقلاب الذي أطاح به عام 1960م وشهد إعدامه..

وكان عهد مندريس بداية اليقظة الإسلامية.. ففي عهده, فتحت معاهد الأئمة والخطباء أبوابها,  وقامت جمعية نشر العلم للعناية بالطلبة الوافدين إلى هذه المدارس.. وقامت المعاهد الإسلامية العالية لاحتضان خريجي معاهد الأئمة والخطباء.

وفي عهده سمح في المساجد أن يؤذن باللغة العربية.. وأن يقرأ الناس القرآن:  في مدارس تحفيظ القرآن.. أو في المساجد دون أن يعتقلوا أو يزج بهم في السجون..

بدأ الناس يعيشون من جديد.. وبدأت عقدة ألسنتهم تنحل بالتدريج.. وبدأوا يشعرون فعلا أنهم ما زالوا إحياء.. وأنهم ما زالوا مسلمين.. الصحف بدأت تتحدث عن الإسلام.. الكتب الإسلامية بدأت تترجم إلى اللغة التركية ويتلقفها الشباب من كل جانب..

كان ظاهرا للعيان أن تيارا إسلاميا بدا يتحرك في صدور الشباب, في قلوب الناس, على ألسنتهم, على وجوههم، والفرحة لا تكاد تسعهم..

كان إعدام مندريس مفاجأة للجميع ..

وكيف يعدم زعيم يملك الأكثرية في البرلمان.. ويملك قلوب شعبه..؟!

ولم تترك الصحافة الأجنبية الناس في حيرتهم.. فقد قالت: ذنب مندريس أنه تجاوز حدوده.. وانه سمح للمشاعر الإسلامية التي جمدها أتاتورك وحاول قتلها.. أن تستيقظ في نفوس الأتراك من جديد..

فالقضية إذن في تركيا قضية مرتبة مقصودة, وخطة محكمة طبقها الغرب في تركيا ينتزع بموجبها هذا البلد من موقعه كمركز للخلافة الإسلامية.. ومن موقعه كحلقة قوية في منظومة البلدان الإسلامية, لجعله نموذجا علمانيا تحتذي به الدول الأخرى.

هذه الفكرة اقتضت أن يرجع الإنسان إلى نهاية أيام الخلافة العثمانية.. إلى عهد السلطان عبد الحميد.. وكيف حاول هذا السلطان الذكي الداهية أن يمنع سقوط الدولة العثمانية, وكانت على وشك السقوط..

جميع الأعداء الأقوياء في الغرب: روسيا وفرنسا وانكلترا والنمسا وألمانيا..

وجميع القوى المتآمرة في الداخل: الماسونية والصهيونية والعلمانية كانت تبذل قصارى جهدها لتصل إلى بغيتها بإسقاط هذه الدولة الكبرى التي حفظت التوازن العالمي وقضت على أحلام الغرب واليهود..

كان صراعا عنيفا وطويلا.. جرد فيه كل فريق جميع أسلحته..

أبرز السلطان عبد الحميد: سلاح الخلافة.. والوحدة الإسلامية.. وأدخل المواصلات الحديثة, وانشأ المدارس والجامعات.. وأنشأ أسطولا قويا.. وجيشا مدربا.. وكان يرى بعين القائد المحنك المجرب أن دول أوروبا على وشك أن يضرب بعضها بعضا.. كان ينتظر هذه اللحظة ليعيد لدولته مكانتها وقوتها.. وللأسف الشديد فقبل أن تحل هذا اللحظة.. كان عبد الحميد يعيش أسيرا في قصره, فقد تمكن منه أعداؤه.. وتسلمت جمعية الاتحاد والترقي الحكم.. ودخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى.. دخلتها دولة عظمى وخرجت منها وقد فقدت كل شيء.. حتى اسمها..

وجاء أتاتورك.. اصطنعه الآخرون بطلا لينقذ الموقف.. نادى بالعلمانية.. واعتبر الإسلام سببا رئيسا للتخلف..

أخرج آل عثمان من بلادهم وألغى الخلافة.. واضطهد المسلمين.. وقتل منهم أكثر من نصف مليون إنسان..

أنشا حزب الشعب الجمهوري الذي تولاه عصمت إنينو بعد وفاته ليستمر في اضطهاد المسلمين..

هذا النموذج الذي صنعه الغرب في تركيا ليكون قدوة يحتذي بها العالم الإسلامي فيما بعد.. لم يكن للغرب أن يتساهل مع مندريس عندما حاول إلغاءه أو تغيير معالمه.

ولكن البذرة التي غرسها مندريس في التربة الخصبة.. تعالت وتشامخت من بعده.. فلم يمر عقد من الزمان حتى نشأت في تركيا حركة إسلامية عظيمة قوية.. هي حزب النظام الوطني.. ثم حزب السلامة الوطني.. هذه المظلة التي ظللت حركة إسلامية كبرى..

حركة في أوساط الشباب..

وحركة في أوساط النساء..

وحركة في المدن.. والأقضية.. والقرى..

بل حركة في إنحاء تركيا تهيب بالجميع أن يعودوا إلى مصدر قوتهم, إلى دينهم وعقيدتهم.

ولقد لعب حزب السلامة الوطني خلال سبع سنوات فقط – هي المسافة بين مولده والانقلاب الذي أنهاه – دورا عظيما اختصر فيه الزمن. ووضع الشعب التركي في مرحلة متقدمة من العمل الإسلامي: فهما ووعيا وعمقا وحركة..

هذه هي قصة كتاب الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا.

وعندما كنت أقرأ لصاحبي الأخ عبد الله العلي المطوع (أبو بدر) بعض ما كتبت سألته.. وهل تعتقد أننا سنكمل هذا الكتاب وسط زحام المشاغل.. فأجاب: بالإيجاب.

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات..

مصطفى محمد الطحان

 

 

 

4 responses to “الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *