RSS

التيجاني أبو جديري في ذمة الله

22 Jul

التيجاني أبو جديري في ذمة الله – من سلسلة خواطر حول العالم – خواطر من السودان

كل شيء في الخرطوم كبير وضخم حتى اسمها..

ومن غرفتي في الطابق التاسع في الفندق كنت أنظر إلى النيل يتدفق باعتزاز وشموخ.. وفي مصر نيل.. وفي السودان نيلان.. النيل الأبيـض والنيل الأزرق.

وعند العاصمة المثلثة يلتقيان في منظر بديع أخاذ يوحي للإنسان بكل ذكريات البطولة، بكل التاريخ المجيد الذي سطره زعماء المسلمين في هذا البلد الإسلامي العريق.

هنا هزم المهدي القائد البريطاني كتشنر.. وهنا قامت الدولة الإسلامية المهدية.. وهنا وقف السودان يجمع بين الشمال والجنوب، ينقل الحضارة ويرفع أعلام الإسلام.. ويعيد للحاضر ذكريات الماضي.

منذ زمن طويل وأنا احلم أن أزور الخرطوم.. فلي فيها إخوة وأصدقاء.. ويدافع الزمنُ الزمنَ.. وتمر الأيام مثقلة بالأعمال المتراكمة فلا تكاد تترك مجالاً للاختيار.. حتى جاءني الخبر.. أن التيجاني أبو جديري قد توفاه الله .. ونزل الخبر كالصاعقة.. وسافرت إلى الخرطوم.. لأقدم العزاء وأن أتلقاه.. والأمر لا يتم إلا هناك بين أبناء الفقيد وأهله وإخوانه..  صفوف من المعزين كلهم يستشعر فداحة الخطب وعظم المصيبة.

التيجاني أبو جديري

قال أحدهم: لم نكن نعرف قيمة الرجل حتى فقدناه.. وأصعب شيء هو هذا السهل الممتنع.. إذا رأيته قائماً على عمله ظننت أن كل أحد يستطيع أن يصنع مثله، فإذا غاب واستجبت للتحدي فشلت لقد كان من السهل الممتنع (رحمه الله).

وقال أحدهم: بل هو صلتنا مع العالم الخارجي.. مع الحركات الإسلامية في العالم. مع الاتحادات الطلابية.. في ميدان الدعوة.. في ميدان السياسة.. أو ميدان الاقتصاد.. فلقد كان يدنا التي تناول الآخرين، وخطونا الذي نتقدم به منهم.. عيوننا التي نراهم من خلالها.. لقد كان مجموعة في واحد.. أو أمة في رجل (رحمه الله).

هل يقال هذا الكلام عن التيجاني ابو جديري على طريقة (اذكروا محاسن موتاكم).. أم إنها الحقيقة.. ورجعت بنفسي إلى الوراء خمس عشرة سنة.. يوم أسسنا الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية.. وكان من بين الحاضرين: المعارضون والمؤيدون، والمتفائلون والمتشائمون.. بل واليائسون من العمل الإسلامي أن تقوم فيه مؤسسات تقويه وتدعمه.. وكان صوت أخينا التيجاني ويده التي تشارك فمه في الحديث.. عالية مؤثرة في اتخاذ القرار.. وتكرر هذا الموقف بالنسبة للأخ التيجاني في كل منظمة إسلامية قامت.. فلقد كان له فيها فضل السبق.. أو فضيلة العمل والإصرار.. كان إيجابياً سباقاً إلى كل مكرمة (رحمه الله).

حدثني مرافقه الأخ مبارك.. قال كنا قبل يومين في الرياض.. وكان على عجلة من أمره يريد أن يعود فوراً إلى السودان.. وحاول إخوانه إقناعه انه لا ضرورة لهذه العجلة ومن الأفضل أن نمضي يوماً آخر في جدة نلتقي فيه بالأحباب.. ثم نتوكل على الله.. ولكنه أصر.. ووصلنا الخرطوم.. وأصر كذلك أن يسافر إلى مكان آخر لأداء مهمة كان عليه أن يؤديها.. وأصرّ إخوانه أن يأخذوا قسطاً من الراحة والنوم.. وأصرّ هو بالمقابل.. وانتزع مفتاح السيارة قائلاً لمرافقه: سأقود السيارة بنفسي!

كانت السماء مغبرة حزينة.. والظلمة دامسة لا ضوء فيها ولا حياة.. وفي غفلة من كل شيء في الدنيا الكئيبة.. أغمض الأخ التيجاني عيناه المرهقتان المتعبتان.. وكانت المرة الأخيرة.. فقد أسلم الروح.. ونُقل أخواه إلى المستشفى.

رحم الله الفقيد.. وأحسن الله عزاء إخوانه.. الذين يلتقون كل يوم، وفي عيونهم دمعة، وفي قلوبهم غصة، ولسان حال كل منهم قول الشاعر:

طوى الجزيرة حتى جاءني خبر          فزعت فيه بآمالي إلى الكذب

رحم الله الأخ الحبيب التيجاني أبو جديري رحمة واسعة.

 
1 Comment

Posted by on July 22, 2013 in خواطر حول العالم

 

One response to “التيجاني أبو جديري في ذمة الله

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *